السبت، فبراير 25، 2012

لماذا نريدها فيدرالية؟؟..... صالح جمعة التركي

كنت قد كتبت منذ فترة ما رأيت أنه قد يحمل في طياته شيئاً من الإجابة لتلك الأسئلة التي صارت تُكبل المطالبين بعودة النظام الفيدرالي إلى ليبيا وأنا أقول وأُشدد بكلمة المطالبين بعودة وليس كما يسميهم البعض دُعاة الفيدرالية فالدُعاة هم من جاءوا بشئٍ جديدٍ وأخذوا في الدعوى إليه أما الفيدرالية فهي مطلب شرعي وذلك بأن تعود البلاد إلى حُلتها السياسية التي تنظم سياستها وتضع أُسسها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتنطلق في ركب الحضارات لتلحق بالأمم الرائدة في العالم.

كما أقول إني أتبرى من الكثير الكثير ممن يدعون الفيدرالية وأتخذوها غطاءاً لمكاسبهم الشخصية ولأجل نجومية باهتة فصارت تصدح بهم القنوات التلفزيونية وصفحات الفيسبوك واليوتيوب ويحمل أصواتهم أثير الراديو.... هؤلاء أشبه بالمتسلقين منهم بالمطالبين فهم يمتطون أي رِكابٍ يُمتطى لأجل بلوغ أهداف خسيسة ولا أستغرب أن البعض منهم لا يهمه في الوطن وحدته أم قسمته - لا سمح الله - بغض النظر عن ما يمكن تحقيقه من ركوب موجة الفدرلة والتفدرل والتشدق بالعبارات المخضرمة....! وكما قال الله تعالى في مُحكم تنزيله: ((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام (204) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ( 205 وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد)) ورداً مني على الأسئلة العشرة التي كان قد وجهها السيد الدكتور محمد يونس للمطالبين بعودة النظام الفيدرالي في ليبيا فيما مضى ولم يسعفني الحظ وقتها للرد عليها بالشكل المناسب والتي صبّ فيها جام تساؤلاته حول أطروحة الفيدرالية في ليبيا والتي كانت قائمة فترة الحكم الملكي الشريف لـ ليبيا أُحاول أن أقول شيئاً للدكتور المتسائل وهو: هل لوان الفيدرالية ظلت على حالها من أيام الملك إدريس رحمة الله تعالى عليه وسار بها حال البلاد والعباد إلى هذا اليوم ودعنا نفترض - أن حقبةً سوداء لم تأتي على بلادنا وتنتهي بفضل ثورة الشهداء 17 فبراير - فهل كانت الفيدرالية ستُلاقي كل هذا لأسئلة ومحاولات إدراجها على أنها مطلب غير شرعي أم أننا سنعتبرها فكرة ناجحة وأتت ثمارها أُكلاً فلا نجتهد في سرد الأسئلة.؟ هل لو أستمر النظام الفيدرالي في ليبيا أستطاع المقبور القذافي ومعاونوه القيام بانقلابهم المشوؤم في سبتمبر 1969؟؟؟
رداً على الأسئلة بالترتيب والترقيم س, ج:
س 1: عند تتبع جذور كلمة فيدرالية في اللغة اللاتينية نجد أنها ترتبط بمعنى الاتحاد، وسؤالي للفيدراليين هل الاتحاد يكون للمقسّم أم للموّحد؟ فإن كان الجواب هو الأول كما هو المتوقّع، فهل ليبيا مقسّمة الآن لكي نوحّدها أم أنّ علينا أن نقسمها أولا لكي نتمكن من توحيدها على نحو فيدرالي؟ فإن أقررتم بالثاني فقد اعترفتم بالتقسيم، وإن لم تعترفوا فهذا عناد بيّن.
ج 1: الفيدرالية في حد ذاتها تعني التوحد أي الإتحاد والوحدة وهذا التوحد ليس بالضرورة قيامه للفرقاء بل هو أكثر رصانةً ودعماً للوحدة الوطنية عندما يقوم بين المتحدين فألمانيا مثلاً قُسمت بعد الحرب العالمية الثانية ورجعت واتحدت فيدراليا بعد ذلك فهل سنقول أن الألمان فرقاء أتحدوا بالفيدرالية ؟ فلماذا نختزل الفيدرالية في محاولة إظهار أنها تقسيم بدلاً من اعترافنا بكونها وحدة رصينة قوية داعمة للدولة!!!
س 2: تقولون إن أكثر الدول تقدما في العالم هي الدول الفيدرالية؟ والسؤال هل تقدمت هذه الدول بسبب كونها فيدرالية أم أن ثمة أسبابا أخرى لتقدمها؟ فإن كان الجواب هو الأول فلم لم تتقدم أثيوبيا ونيجيريا وجزر القمر مع أنها تتبع النهج الفيدرالي؟ وهل لو لم تكن تلك الدول فيدرالية بل كانت موحّدة تاريخيا وعرقيا وجغرافيا ودينيا ستكون أقل تقدما؟
ج 2: نعم إن أكثر دول العالم تقدماً هي الدول الفيدرالية وكما يبدو أنك لاحظت بإشارتك بالقول (( أم ثمة أسباب أخرى لهذا التقدم )) إذاً حضرتك لاحظت أن النطاق الفيدرالي متطور عن غيره بكثير وإذا أردنا أن نعتبر جزر القمر مثالاً يحتذى به لنسير على نهجه هنا في ليبيا ونحن بصدد بناء تطلعاتنا إلى المستقبل أو نيجيريا التي يتناحر مسلموها ومسيحيوها ويحكهما العسكر فطبعاً حضرتك لن تشهد تقدماً لهذه الدول وبالتالي سيأتي حكمك سلفاً بأن الفيدرالية في ليبيا غير مجدية!!!!! وهذا يعني أننا لا نتطلع إلى العليا كما هو المفروض وحينها لن تنفعنا لا فيدرالية ولا أي نظام أخر..!!! ولتكن أمثلتنا مثلاً لشئٍ يُحتذى به مستقبلاً كأن نقول الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً !!!!!! أو الإمارات أو قطر.
س 3: تقولون إن سبب تقدم دولة الإمارات هو كونها فيدرالية؟ وتعليقي أن هناك عوامل أخرى كثيرة أدت إلى تقدمها ومن بينها الاتحاد. ولكن ما غاب عنكم هو أن هذه الدولة كانت إمارات متفرقة قبل اتحادها ثم انضمت بعضها إلى بعض فيدراليا فأصبحت دولة واحدة، أي أنها اتجهت من الانقسام إلى التوحيد فتطورت بفعل التوحد؟ أما ليبيا فهي دولة واحدة، فإذا طبقنا عليها النظام الفيدرالي فقد نقلناها من الوحدة إلى الانقسام، وهذا يعني أننا سرنا بها عكس الاتجاه الذي تسير فيه دولة الإمارات.
ج 3: تذكيراً بالنقطة الأُولى فبإجابة السؤال الأول هل ألمانيا عندما قُسمت بعد الحرب العالمية الثانية وطوال فترة الحرب الباردة تغيرت؟ أي هل أصبح الشطر الغربي منها نرويج مثلاً والشرقي فيلبيين مثلاً هل ألغيت ألمانيا بهذا التقسيم من على وجه البسيطة لتصعب بذلك معادلة الوحدة الفيدرالية مثلاً هل الإمارات المتناثرة قبل وحدتها لم تكن بين أبناءها ومشايخها أواصر الترابط والتلاحم والمصاهرة؟ فما الضير من كونها أتحدت فيدراليا لتحقق دخل وطنياً يزيد بمقدار 114 مرة عن دخل الإمارات المتناثرة من قبل!!! وهل تعاني الإمارات أي مشاكل سياسية أوإجتماعية جراء تطبيق النظام الفيدرالي.
س 4: من المعلوم أن كل إقليم (أو دويلة) في النظام الفيدرالي له سلطة تشريعية مستقلة ممثلة في برلمانها المنتخب، والسؤال ما الذي يدعو إلى أن يكون التشريع في درنة مثلا مختلفا عن التشريع في الزنتان أوفي سبها؟ أليس المواطنون هنا لا يختلفون عن المواطنين هناك؟
ج 4: الفيدرالية أيضاً تعني التنوع بدل الجمود على حالٍ واحد في كل الدولة فالولايات المتحدة الأمريكية تختلف القوانين فيها من ولاية لأخرى والضرائب والاستثمارات مما يجعل الدولة قائمة على التنوع الاقتصادي الذي يأتي بالازدهار بدلاً من التجمد على حال الخزينة المركزية للدولة فلكل ولاية دخلها المحلي الذي يصب في خزينة الدولة لتأخذ كل ولاية بعد ذلك نصيبها القومي حسب كثافتها السكانية وموارد دخلها. وهذا كان يُطبق في ليبيا أيام العهد الملكي الشريف في ليبيا حيث أن أغلب النفط في ولاية برقة وكان دخل النفط يذهب منه حوالي 15% لمصلحة الولاية المنتجة بالإضافة إلى نصيبها في الدخل القومي.
س5: تقولون إن اللجوء إلى الفيدرالية يقضي على المركزية والمعلوم أنه في كل إقليم في النظام الفيدرالي مدينة تكون مركزا له؟ وهذا يعني أن أطراف الإقليم سيعانون من المشكلات التي يعاني منها أي نظام مركزي غير فيدرالي. ومن ثم فكيف تدعون أن النظام الفيدرالي يحل مشكلة المواطن الذي يضطر إلى السفر إلى المركز لحل مشاكله الإدارية مع أن المشكلة لا يمكن حلها إلا بنظام اللامركزية الذي يعطي صلاحيات واسعة للمحافظات أو المجالس البلدية وهو الحل الحقيقي لمشاكل المواطن الإدارية والاقتصادية.
ج 5: معاناة أطراف الإقليم تختلف عن معاناة وطن يقع مركزه في عاصمة قد تبعد ألاف الكيلومترات فمركزية الإقليم لا تُقارن بمركزية الدولة فلا مقارنة بين عاصمة ولاية وعاصمة دولة بدلاً من الإصرار على جعلها ناموساً لحياة المواطن. لنقول أن مواطن يسكن في أمساعد هلى عليه الذهاب أكثر من 1600كيلومتر لإنجاز مهمة أم يكفيه مثلا النزول في بنغازي على بعد 600 كيلومتر!!!سيادة الدكتور الفاضل أراك تحتسب المسافات بين أطراف الأقاليم وعواصمها وليس المشكل في الفيدرالية إنقاص مسافة أو زيادتها بالدرجة الأولى وإنما تكمن الفيدرالية في إيجاد الحلول واختزال الصعوبات وتذليل المصاعب للمواطن أبن الوطن.
س 6: لكل إقليم في النظام الفيدرالي دستوره الخاص، وسلطة تشريعية ممثلة في البرلمان المحلي، وسلطة تنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء المحلي، ويحق لكل إقليم أن يرفع علم الإقليم مع علم الدولة الفيدرالية، فماذا بقي لكل إقليم لكي يصبح دولة مستقلة؟ ثم ألا يمهّد هذا للانفصاليين السبيل للاستقلال عن الدولة الفيدرالية؟
ج 6: الانفصاليون لا ينشأون في مجتمعات فيدرالية وإنما يأتي الانفصاليون نتيجة التهميش في المجتمعات المركزية والتي قلّ العمل بأنظمتها البائدة في العالم المتقدم ولم أسمع في حياتي عن مجتمع فيدرالي انفصلت إحدى مكوناته قد يحدث الانفصال في المجتمعات والدول التي تتبع النظام الكونفيدرالي وهو بعيد كل البعد عن الفيدرالية كما حصل في الاتحاد السوفييتي سابقاً حيث تنادت القوميات بالانفصال لان لها مقومات الدولة الكاملة من لغة وتاريخ وحضارات وعرق ومعتقدات دينية ولا أعتقد بأن سيادة الدكتور سيجعل من علم ولاية وتشريعها المحلي مدعاةً لقيام دولة انفصالية في ليبيا مثلاً فأنا متأكد من انه يعي تماماً وهو الدكتور !!!! مقومات الدولة!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! والتي لا تختزل في علم وتشريع محلي فالدولة الفيدرالية يا سيادة الدكتور يحكمها دستور كما هو الحال في فيدرالية الإمارات العربية المتحدة والولايات الليبية المتحدة.
س 7: عندما تستمع إلى دعاة الفيدرالية تجدهم يقولون إن المواطن ينبغي أن يتمكن من تجديد جوازه في دائرته المحلية ويمكنه أن يقضي حاجاته الإدارية في مكان إقامته، ثم تراهم يطالبون بتحقيق الفيدرالية من أجل ذلك، وسؤالي أليس في "اللامركزية" حل لمثل هذه المشاكل؟ فلم اللجوء إذن إلى التقسيم لحل مشكلة المركزية؟
ج 7: الفيدرالية لم تأتي لأجل ختم جواز سفر في مكان قريب من مقر المواطن وإنما آتت لإيجاد العدل في الدولة من حيث توزيع الثروات وتحقيق المساواة أما الحديث عن المركزية واللامركزية حيث يخطئ الكثيرون ممن يدخلون النظام المركزي واللامركزي في أنظمة الحكم فهو ليس ضمنها وهذا الخطأ شائع جدا وحتى في أوساط المثقفين فهذان النظامان هما من أنظمة الإدارة إذ يمكن تطبيقه على جميع نواحي الحياة من المنزل إلى الدولة، فهو نظام إدارة وليس نظام حكم.
س 8: تقولون إن معظم مناطق ليبيا عانت من التهميش والتخلف بسبب عدم تطبيق النظام الفيدرالي، والسؤال أليس السبب الرئيس لمعاناة المواطن وتهميشه وتهميش مناطقه تعود إلى طبيعة الاستبداد التي كان يتسم بها نظام القذافي أم أن نظامه كان نظاما بديعا لا ينقصه إلا تطبيق النظام الفيدرالي؟
ج 8: سيادة الدكتور نعم نظام الاستبداد هو من سبب في التهميش لبعض بل لجل المناطق في ليبيا ولكن أُجيبك بسؤال هو كالتالي هل لو كان النظام في ليبيا إبان فترة حكم الطاغية فيدرالي هل كان -ورغم طغيان المقبور القذافي - سيحصل تهميش لمناطق دون أُخرى في الدولة الليبية. وبما أننا بصدد الحديث عن الطاغية هل برأيك الشخصي كدكتور فاضل هل كان للطاغية بأن يقبل نظام الفيدرالية في ليبيا؟؟ ويسير عليه دونما تحريف أو إلغاء لبنود أو أساسيات عمل؟
س 9: هل الباعث الحقيقي وراء الدعوة إلى الفيدرالية هو تقوية أواصر اللحمة الوطنية كما يقول دعاة الفيدرالية أم الحرص على زيادة نصيبهم من النفط؟ وإذا كان الجواب هو الثاني فشتان بين الشهيد الذي ضحى بروحه والجريح الذي ضحى بأشلائه من أجل ليبيا ووحدة ترابها وبين من سيضحى بليبيا من أجل توهّم أن يضخم حجم بطنه.
ج 9: نفط ليبيا للجميع دونما استثناء ولكل نصيبه في هذا النفط بنزاهة واحترام للحقوق والشهيد سيكون سعيد جداً عندما يجد أن الخير قد طال الجميع دونما تمركز وتقييد فخير ليبيا لكل أهلها وأولهم أُسر الشهداء والمفقودين والجرحى ولسنا بصدد الحديث عن كبر البطون فكم من بطون قد كبرت في نظام المركزية وها هي اليوم يريعها مشهد الفيدرالية الذي سوف يعطي الحقوق والأولويات.
س 10: أي التقسيمات المقترحة لليبيا سنأخذ به عند تقسيم ليبيا إلى ولايات: هل هو تقسيم بيفن سيفورزا في 10 مارس 1949 م الذي يقضي بتقسيم ليبيا إلى ثلاث ولايات هي طرابلس وبرقة وفزان، ويقضي بفرض الوصاية الإيطالية على الأولى والوصاية البريطانية على الثانية والوصاية الفرنسية على الثالثة؟ أم أن هناك تقسيمات أخرى تزيد على هذه القسمة الثلاثية؟ وما المعيار المعتمد عليه في التقسيم؟ وهل قدّر دعاة الفيدرالية في ليبيا ما الذي سيترتب على هذه التقسيمات من نزاع على الحدود وعلى الثروة الوطنية من المرجح أن يتطور إلى حرب أو حروب قد تمتد إلى عشرات السنين؟
ج 10: هذا اختصاص أهل القانون والعلم الدستوري والفيدرالي وأيضا لا بد من استفتاء الشعب الليبي العظيم في كل هذه الأُمور وهذه الأمور يحددها دستور وأهل اختصاص وما أن نصل إلى شكل الفيدرالية على الخريطة الليبية فلن تكون هنالك مشاكل تذكر.... كما إني لأرى تقسيماً للدولة الليبية من جراء عودتها لتطبيق النظام الفيدرالي ولكني أرى عدالة التوزيع وعدم إثقال مركز الحكم بكامل الدولة إذ تستطيع كل ولاية بتسيير أمورها الداخلية مما يقلل الفوضى ويضمن جودة الخدمات.

صالح جمعة التركي

23- 02 -2012
 

هناك تعليق واحد: