الخميس، ديسمبر 30، 2010

ماهية الزمان.. الدرّة اليتيمة للمتنبى

صَحبَ الناسُ قبْلنا  ذا الزَّمانا     وَعناهُمْ  في شأنِهِ ما عنانا
وَتَولـّوْا بِغصـةٍ  كلهُم مِنْـ     ـهُ  وإن سَرَّ بَعضَهُم أحْيانا
رُبمـا تَحْسِنُ  الصَّنيعَ لياليـ     ـهِ  ولكنْ تُكَدّرُ الإحسانـا
وكأنّا لمْ يرْضَ فِينا بِريْبِ الـ     دَّهْرِ حتى أعانَهُ  مَنْ  أعانا
كَلَّمــا أنْبَتَ الزَّمانُ  قَنـاةً     رَكَّبَ المرْءُ في القناةِ  سِنان
وَمُرادُ النُّفوسِ أصْغرُ مِنْ أنْ     تتَعــادى فِيهِ وأن  نَتَفـانا
غَير أنَّ الفَتى يُلاقي المَنَايـا     كالحِاتٍ و لا يُلاقي الهَوانـا
وَلـوْ  أنّ الحياةَ تبقى لِـحيّ     لـعدَدْنـا أضَلّنا الشُّجْعانـا
وإذّا لـم يَكُنْ مِن الموتِ بُـدُّ     فَمِن العَجْزِ أنْ تكُـون جِبانا

الإمام البخاري: شيخ المُحَدِثِين وإمام المُصَنّفين في الحديث

ترجمته
هو أبو عبد الله محمد بن إسمـٰعيل بن إبراهيم بن بَرْدِزْبَه، الجُعفي البخاري، ولد في مدينة بخارى يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة مائة وأربع وتسعين للهجرة، ونشأ يتيمًا في حجر أمه. وقد ذهبت عيناه في صغره، فرأت والدته الخليل إبراهيم عليه السلام في المنام، فقال لها: لقد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك.
أَحَبَّ العلم منذ صغره، فحفظ تصانيف ابن المبارك وهو صبي، وقرأ الكُتُب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة، حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردًا.  وقد أعانه على ذلك أنه كان يقرأ تراجم الرواة ويستوفي أخبارهم ويتتبع أحوالهم ويعرف شيوخهم وتلاميذهم وطرق أسانيدهم.
وقبل أن يغادر بلده سمع جميع مروياتها من محمد بن سلام البيكندي وعبد الله بن محمد المسندي وإبراهيم بن الأشعث، ومحمد بن يوسف البيكندي وغيرهم، ثم قصد مكة مع أمه وأخيه راغبًا في التلقي والرواية، فبقي في الحجاز ستة أعوام يتلقى فيها الحديث، وتنقل في البلاد فدخل الشام ومصر والجزيرة مرتين، والبصرة أربع مرات، والكوفة وبغداد مرات عديدة، فتلقى الحديث من محدثي كل بلد دخل إليه، حتى بلغ عدد الرجال الذين روى عنهم ألفًا وثمانين رجلاً كلهم مُحَدّثون.
مناقبه
أورد الإمام التاج السبكي في طبقاته في معرض ترجمة إمام المُحَدثين أبي عبد الله البخاري، عن ابن عدي أنه قال: «سمعتُ عدة مشايخ يحكون أن البخاري قدم بغداد فاجتمع أصحاب الحديث فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها بحيث جعلوا متن هذا لإسناد هذا، وإسناد هذا لمتن هذا، ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس، فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فقام وسأله عن حديث من تلك العشرة، فقال: لا  أعرفه، فسأله عن ءاخر فقال: لا أعرفه، حتى فرغ من العشرة، فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض، ثم انتدب ءاخر ففعل كفعل الأول والبخاري يقول: لا أعرفه، فلما فرغ الرجال العشرة التفت إلى الأول فقال: أمّا حديثك الأول فإسناده كذا وكذا،  والثاني كذا وكذا، والثالث... إلى أخر العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وفعل بالثاني في مثل ذلك إلى أن فرغ، فأقر له الناس بالحفظ».
كان البخاري منذ صغره شديد الحافظة بحيث يحفظ  الأحاديث وأسانيدها سماعًا، حَفظَ تصانيف ابن المبارك وقرأ الكُتُبَ المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة وإنما عُرفت عنه هذه الحافظة العجيبة منذ صغره، فمما يرويه السبكي في طبقاته عنه أنه قال: «أُلْهِمتُ حفظ الحديث في الكتّاب ولي عشر سنين أو أقل. وخرجت من الكُتَّاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، فقال يومًا فيما يقرأ على الناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يَرْوِ عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل، فدخل ثم خرج فقال لي: كيف يا غلام قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم مني وأصلحه وقال:  «صدقت» ولما سئل البخاري عن سنِّه ءانذاك قال: «كنت ابن إحدى عشرة سنة».
ومما يروى عن محمد بن أبي حاتم وَرَّاق البخاري أنه قال: «سمعت حامد بن إسمـٰعيل وءاخر يقولان: كان البخاري يختلف معنا إلى السماع وهو غلام فلا يكتب حتى أتى  على ذلك أيامًا ، فكنا نقول له فقال: إنكما قد أكثرتما عليَّ فاعرضا عليَّ ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها على ظهر قلب حتى جعلنا نُحْكِمُ كُتُبَنا من حفظه».
مشايخه
ولما كان عدد مشايخه أكثر من أن نحصره في هذا البحث، فإننا سنذكر أشهرهم، فقد سمع من: مكي بن إبراهيم البلخي، وعبدان بن عثمان المروزي، وعبيد الله ابن موسى العبسي، وأبي عاصم الشيباني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وأبي غسان الهندي، وسليمان بن حرب الواشجي، وأبي سلمة التبوذكي، وعفان بن مسلم، وعارم بن الفضل، وأبي الوليد الطيالسي، وأبي معمر المنقري، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وأبي بكر الحميدي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وأبي اليمان الحمصي، وأحمد بن حنبل، وإسمـٰعيل بن أبي أويس المديني، ويحيى بن معين، وخلق كثيرين غيرهم.
أقوال العلماء فيه
روي أن الإمام البخاري رأى نفسه في المنام واقفًا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده شىء يَذُبُ به عن رسول الله ولما سأل عن تأويل ذلك قال له بعض المعبرين :  أنت تذّبُ الكذبَ عن رسول الله.
جاء في «تهذيب الأسماء واللغات» عن حاشد بن إسمـٰعيل أنه قال: «رأيت إسحـٰـق بن راهويه جالسًا على سرير ومحمد بن إسمـٰعيل معه، فأنكر عليه محمد شيئًا فرجع إسحـٰـق إلى قول محمد، وقال إسحـٰـق: يا معشر  أصحاب الحديث، اكتبوا عن هذا الشاب، فإنه لو كان في زمن الحسن البصري لاحتاج الناس إليه لمعرفته بالحديث وفهمه».
وجاء في «البداية والنهاية» عن ابن خزيمة أنه قال: «ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحفظ له من البخاري».
وقال فيه إسحـٰـق بن زيرك: «سمعت في سنة سبع وأربعين ومائتين محمد بن إدريس الرازي أبا حاتم يقول: يقدم عليكم رجل من أهل خراسان لم يخرج منها أحفظ منه، ولا قدم العراق أعلم منه، فقدم علينا محمد بن إسمـٰعيل بعد أشهر».
ومما قاله الإمام المجتهد أحمد بن حنبل رضي الله عنه في مدحه وبيان مرتبته: «انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان:  أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسمـٰعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمـٰن السمرقندي، والحسين بن شجاع البلخي».
وجاء في طبقات السبكي عن محمد بن أبي حاتم وراق البخاري أنه قال: «سمعته يقول: ذاكرني أصحاب عمرو بن علي بحديث فقلت: لا أعرفه، فسُرُّوا بذلك وساروا إلى عمرو بن علي فقالوا له: ذاكرنا محمد بن إسمـٰعيل بحديث فلم يعرفه، فقال عمرو: حديث لا يعرفه محمد بن إسمـٰعيل ليس بحديث».
وجاء أيضًا في طبقات السبكي عن أحمد بن حمدون قوله: «جاء مسلم بن الحجاج إلى البخاري فقَبَّل بين عينيه وقال: أُقَبّل رجليك يا أستاذ الأستاذين ويا سيد المحدثين، ويا طبيب الحديث في علله».
وقال حاشد بن إسمـٰعيل: «كنت بالبصرة فسمعت قدوم محمد بن إسمـٰعيل، فلما قدم قال محمد بن يسار: دخل اليوم سيد الفقهاء».
وقد روي عن أبي سهل الشافعي أنه قال: «دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها، فكلما ذُكر محمد بن إسمـٰعيل فضلوه على أنفسهم».
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: «قلت لأبي: يا أبت ما الحفاظ قال: يا بُنيَّ شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرقوا، قلت: من هم يا أبت قال: محمد ابن إسمـٰعيل ذاك البخاري».
ومما قاله إبراهيم الخواص في البخاري: «رأيت أبا زرعة كالصبي جالسًا بين يدي محمد بن إسمـٰعيل يسأله عن علل الحديث».
مؤلفاته
لقد كان البخاري من أفذاذ العلماء الذين تركوا وراءهم المؤلفات العظيمة النافعة، وكان رضي الله عنه من أقدر الناس على التأليف وأمهرهم. وقد كثرت مؤلفاته التي نذكر أشهرها:
الجامع الصحيح: وهو المشهور بصحيح البخاري، الأدب المفرد: وهو من مؤلفاته القيمة، أسامي الصحابة، التاريخ: وهو كتاب جمع فيه الثقات والضعفاء من رواة الحديث. وهو ثلاثة كُتُب: كبير ووسط وصغير، التفسير الكبير، الجامع الكبير، خلق أفعال العباد، خير الكلام في القراءة خلف الإمام، كتاب الضعفاء والمتروكين، كتاب العلل في الحديث، كتاب الفوائد، القراءة خلف الإمام، قضايا الصحابة والتابعين، كتاب المبسوط في الحديث، المسند الكبير، كتاب الوحدان: وهو كتاب جمع فيه كل من ليس له إلا حديث واحد من الصحابة.
وفاته
توفي رحمه الله يوم السبت ليلة عيد الفطر من سنة ست وخمسين ومائتين للهجرة، عن عمر يناهز اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا. ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر بقرية «خَرْتَنْك»، وهي قرية من قرى سمرقند.
وقد روى ابن عُدَي عن عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي أنه قال: «جاء الإمام البخاري إلى خرتنك وكان له بها أقرباء ينزل عندهم، فسمعته ليلة وقد فرغ من صلاة الليل يقول في دعائه: اللهم ضاقت عليَّ  الأرض بما  رحبت فاقبضني إليك، فما تم الشهر حتى قبضه الله تعالى».
رحم الله الإمام البخاري وجزاه الله عنا خيرًا.                                                                




صدق من قال: من مأمنه يُؤتى الحذر

من المتفق عليه لدى جميع المسلمين أن الشريعة الإسلامية إنما تنزلت من عند الله تعالى، تحقيقاً لمصالح العباد. والمتفق عليه لدى المسلمين جميعاً منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، أن سائر المصالح الإنسانية تندرج في المقاصد الخمسة التي تضمنها كتاب الله تعالى بصريح البيان. وهي على هذا الترتيب: الدين ، فالحياة، فالعقل، فالنسل، فالمال. وهيهات أن تجد مصلحة ما، من المصالح الحقيقية للإنسان شاردة عن هذه المقاصد الخمسة. دلت على ذلك تحريات الباحثين على اختلاف عقائدهم، جيلاً بعد جيل، إلى هذا اليوم.

ونفاجأ اليوم بمن يزعم، جهاراً على الملأ، أن هذه المقاصد الخمسة ليست وافية بمصالح الناس، ومن ثم فلا بدَّ من أن يضاف إليها ما يتممها، وهو مقصد العدل والمساواة!!..

أقول: ولا أشك في أن الذين فاجؤوا العالم الإسلامي بهذا الزعم العجيب بعد خمسة عشر قرناً من نزول القرآن، استبطنوا زعماً آخر يتبنونه سراً، وهو نبذ المقصد الأول من المقاصد الخمسة وطرحه عن الاعتبار، ألا وهو مقصد الدين، ذلك لأن ديناً لا يتضمن فيما يتضمن رعاية العدالة والمساواة الإنسانية، لا فائدة منه، ولا مفرّ من الاستغناء عنه!!..

ألا، فاسألوا هؤلاء المتنطعين: ما هي العدالة ؟ هل هي إلا حماية الحياة والعقل والنسل والمال من العدوان عليها؟.. وهل بوسع متنطعي العالم كله أن يضيفوا إلى هذا المضمون لمعناها أي زيادة عليه؟ ألا فليعتصر أصحاب هذا الزعم المتنطّع عقولهم، وليستعينوا بأمثالهم من ذوي الفكر والحجى، ثم ليكتشفوا لنا هذا المزيد وليقولوا لنا، أين هو وما هو!!..

ثم ليعلموا – إن كانوا جاهلين – أن كل مقصد من هذه المقاصد الخمسة، يتدرج تطبيقه، في أحكام الشريعة الإسلامية ، بدءاً من درجة الضروريّ، فالحاجيّ، فالتحسينيّ.

وهكذا، فإن شبكة المقاصد القرآنية تتألف من خمسة مقاصد مرتبة عمودياً، يتدرج تطبيقها خلال ثلاث وسائل أفقية. فأنت منها أمام سلّم أولويات يتكون من خمس عشرة درجة، ينبثق منها أدقّ ميزان لأسما ما تتطلع الإنسانية إليه، من الحياة الآمنة المكلوءة بسياج الحق والعدل، ضمن التنسيق الذي يتطلبه الحق والعدل.

ثم يأتي من يتعامى عن هذه الحقيقة المتميزة التي بهرت عقول الأجيال، معلناً للناس، أنها مقاصد ناقصة، أُغْفِلَ عنها مقصد العدل!!..
إذن فما هي الغاية التي تهدف إليها هذه المقاصد بأولوياتها المتدرجة، وما هي الفائدة المرجوَّة منها، بعد أن غاب عنها مقصد العدل؟!.. ولماذا لا تلغى من الاعتبار؟!..
بقي أن تعلم أن هذه الجرأة العجيبة التي فوجئ بها العالم الإسلامي، لم تصدر من أفكار علمانية، ولا من رؤوس تستهين بالقرآن الذي هو المصدر الأول لشبكة هذه المقاصد. ولكنها انبثقت من أفواه تنطق ما بين عمائم مكورة، ولحى وافرة.

وإني لأقول لشعوب هذا العالم الإسلامي الجريح: حاذروا على إسلامكم من ذوي العمائم واللحى الزائفة، أولئك الذين يتخذون من الإسلام مطية ذلولاً لأهوائهم ومغانمهم وطموحاتهم الدنيوية، قبل أن تحاذروا عليه من أعدائه التقليديين وخصومه المحترفين. وصدق من قال: من مأمنه يُؤتى الحذر!..
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

الأربعاء، ديسمبر 29، 2010

Make no mistake - Israelis have always been racist

[ Very quickly they became citizens, but second-class citizens subject to humiliation and inferior conditions. They were excluded from public life and official cultural life, living with the knowledge and experience of inferiority. And separation: They were put in separate housing projects and separate neighborhoods.
People who grow up with this experience of inferiority, when racism is directed at them, internalize that racism. When a landlord, the master, determines that white is good and black is inferior, you internalize that standard and hate yourself because you are not white. The standard of white superiority and the racism that comes with it become part of you, even when you are its victim.
And then you project your racism onward, to anyone who is darker and more inferior than you. Add to that the existential distress and the inflaming of baser instincts by types like extreme right-wing activist Itamar Ben-Gvir, who don't miss an opportunity to gather new believers, and you get the recent racist demonstrations.
After all, this is always how it works: The racist, extreme right wing gets in and fills the vacuum left by the negligent social left. But make no mistake - the hatred and racism were always here; now they are emerging more loudly. ] - - - Merav Michaeli

The Gaza Massacre and The Struggle For Justice

[The Gaza massacre, which Israel launched two years ago today, did not end on 18 January 2009, but continues. It was not only a massacre of human bodies, but of the truth and of justice. Only our actions can help bring it to an end.
The UN-commissioned Goldstone Report documented evidence of war crimes and crimes against humanity committed in an attack aimed at the very "foundations of civilian life in Gaza" -- schools, industrial infrastructure, water, sanitation, flour mills, mosques, universities, police stations, government ministries, agriculture and thousands of homes. Yet like so many other inquiries documenting Israeli crimes, the Goldstone Report sits gathering dust as the United States, the European Union, the Palestinian Authority and certain Arab governments colluded to ensure it would not translate into action.] - - Ali Abunimah, The Electronic Intifada, 27 December 2010

الحلال بيّن والحرام بيّن

عن أبي عبدالله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وأن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) رواه البخاري و مسلم
****
الشرح:
جاء الكلام في هذا الحديث العظيم عن قضيّتين أساسيّتين، هما: "تصحيح العمل، وسلامة القلب"، وهاتان القضيّتان من الأهمية بمكان؛ فإصلاح الظاهر والباطن يكون له أكبر الأثر في استقامة حياة الناس وفق منهج الله القويم .
وهنا قسّم النبي صلى الله عليه وسلم الأمور إلى ثلاثة أقسام، فقال: (إن الحلال بيّن، والحـرام بيّن) فالحلال الخالص ظاهر لا اشتباه فيه، مثل أكل الطيبات من الزروع والثمار وغير ذلك، وكذلك فالحرام المحض واضحةٌ معالمه، لا التباس فيه، كتحريم الزنا والخمر والسرقة إلى غير ذلك من الأمثلة .
أما القسم الثالث، فهو الأمور المشتبهة، وهذا القسم قد اكتسب الشبه من الحلال والحرام، فتنازعه الطرفان، ولذلك خفي أمره على كثير من الناس، والتبس عليهم حكمه.
على أن وجود هذه المشتبـهات لا ينـافي ما تقرر في النصوص من وضوح الدين، كقول الله عزوجل: {ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} ( النحل : 69 )، وقوله: { يبيّن الله لكم أن تضلّوا والله بكل شيء عليم} ( النساء : 176 )، وكذلك ما ورد في السنّة النبويّة نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك) رواه أحمد و ابن ماجة، فهذه النصوص وغيرها لا تنافي ما جاء في الحديث الذي بين أيدينا، وبيان ذلك: أن أحكام الشريعة واضحة بينة، وبعض الأحكام يكون وضوحها وظهورها أكثر من غيرها، أما المشتبهات فتكون واضحة عند حملة الشريعة خاصة، وخافية على غيرهم، ومن خلال ذلك يتبيّن لك سر التوجيه الإلهي لعباده في قوله: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } ( الأنبياء : 7 )؛ لأن خفاء الحكم لا يمكن أن يعم جميع الناس، فالأمة لا تجتمع على ضلالة .
وفي مثل هذه المشتبهات وجّه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى سلوك مسلك الورع، وتجنب الشبهات؛ فقال: ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه )، فبيّن أن متقي الشبهات قد برأ دينه من النقـص ؛ لأن من اجتنب الأمور المشتبهات سيجتنب الحرام من باب أولى، كما في رواية أخرى للبخاري وفيها : ( فمن ترك ما شبّه عليه من الإثم، كان لما استبان أترك )، وإضافةً إلى ذلك فإن متقي الشبهات يسلم من الطعن في عرضه، بحيث لا يتهم بالوقوع في الحرام عند من اتضح لهم الحق في تلك المسألة، أما من لم يفعل ذلك، فإن نفسه تعتاد الوقوع فيها، ولا يلبث الشيطان أن يستدرجه حتى يسهّل له الوقوع في الحرام، وبهذا المعنى جاءت الرواية الأخرى لهذا الحديث : ( ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم، أوشك أن يواقع ما استبان )، وهكذا فإن الشيطان يتدرّج مع بني آدم، وينقلهم من رتبة إلى أخرى، فيزخرف لهم الانغماس في المباح، ولا يزال بهم حتى يقعوا في المكروه، ومنه إلى الصغائر فالكبائر، ولا يرضى بذلك فحسب، بل يحاول معهم أن يتركوا دين الله، ويخرجوا من ملة الإسلام والعياذ بالله، وقد نبّه الله عباده وحذّرهم من اتباع خطواته في الإغواء فقال عزوجل في محكم كتابه : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } ( النور : 21 )، فعلى المؤمن أن يكون يقظا من انزلاق قدمه في سبل الغواية، متنبها إلى كيد الشيطان ومكره .
وفيما سبق ذكره من الحديث تأصيل لقاعدة شرعية مهمة، وهي : وجوب سد الذرائع إلى المحرمات، وإغلاق كل باب يوصل إليها، فيحرم الاختلاط ومصافحة النساء والخلوة بالأجنبية ؛ لأنه طريق موصل إلى الزنا، ومثل ذلك أيضاً : حرمة قبول الموظف لهدايا العملاء سدا لذريعة الرشوة .
ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لإيضاح ما سبق ذكره، وتقريباً لصورته في الأذهان، فقال : ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه )، أي : كالراعي الذي يرعى دوابّه حول الأرض المحمية التي هي خضراء كثيرة العشب، فإذا رأت البهائم الخضرة في هذا المكان المحمي انطلقت إليها، فيتعب الراعي نفسه بمراقبة قطعانه بدلاً من أن يذهب إلى مكان آخر، وقد يغفل عن بهائمه فترتع هناك، بينما الإنسان العاقل الذي يبحث عن السلامة يبتعد عن ذلك الحمى، كذلك المؤمن يبتعد عن ( حمى ) الشبهات التي أُمرنا باجتنابها، ولذلك قال : ( ألا وأن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه )، فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقاً، وقد حمى الشريعة بسياج محكم متين، فحرّم على الناس كل ما يضرّهم في دينهم ودنياهم .
ولما كان القلب أمير البدن، وبصلاحه تصلح بقية الجوارح ؛ أتبع النبي صلى الله عليه وسلم مثله بذكر القلب فقال : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ) .
وسمّي القلب بهذا الاسم لسرعة تقلبه، كما جاء في الحديث : ( لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا استجمعت غليانا ) رواه أحمد و الحاكم ؛ لذلك كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي : ( يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك )، وعلاوة على ما تقدّم: فإن مدار صلاح الإنسان وفساده على قلبه، ولا سبيل للفوز بالجنة، ونعيم الدنيا والآخرة، إلا بتعهّد القلب والاعتناء بصلاحه :{ يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم } (الشعراء : 88-89)، ومن أعجب العجاب أن الناس لا يهتمون بقلوبهم اهتمامهم بجوارحهم، فتراهم يهرعون إلى الأطباء كلما شعروا ببوادر المرض، ولكنهم لايبالون بتزكية قلوبهم حتى تصاب بالران، ويطبع الله عليها، فتغدو أشد قسوة من الحجارة والعياذ بالله .
والمؤمن التقي يتعهد قلبه، ويسد جميع أبواب المعاصي عنه، ويكثر من المراقبة ؛ لأنه يعلم أن مفسدات القلب كثيرة، وكلما شعر بقسوة في قلبه سارع إلى علاجه بذكر الله تعالى ؛ حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه من الهدى والخير، نسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا، ويصرّفها على طاعته، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، والحمد لله رب العالمين .


نقلا عن موقع إسلام ويب

الثلاثاء، ديسمبر 28، 2010

WikiLeaks Exposed US and Hillary's Hopelessness

[Almost 30 years ago, a British diplomat asked me to lunch in Beirut. In spite of rumours to the contrary, she told me on the phone, she was not a spy but a mere attache, wanting only to chat about the future of Lebanon.
These were kidnapping days in the Lebanese capital, when to be seen with the wrong luncheon companion could finish in a basement in south Beirut.
I trusted this woman. I was wrong. She arrived with two armed British bodyguards who sat at the next table.
Within minutes of sitting down at a fish restaurant, she started plying me with questions about Hezbollah's armaments in southern Lebanon. I stood up and walked out.
Hezbollah had two men at another neighbouring table. They called on me next morning. No problem, they said, they saw me walk out. But watch out.] - - - Robert Fisk

تْعيش بْعصَرْها  ما تْروم عْيُوبَكْ     وتْموت بالعَطَشْ تَهْلب غَدِيرشْبوبَكْ
عايشـــــة بْعصْـــرها     وْما تْرُوم عَيْبَكْ دَومْ لَوْ تجْبِرْهــا
عفيف طبعها تَوْحَلْ بعد تَنْفِرْهـا      تَنْسَاك وْتصْولِبْ  عليه هْلُوْبَــك
ولو  كان مش بْعِـزْها تْقَدّرهـا      تَصْملْ على مَنْهَل  غلاك وْصَوبَك
السنوسى محمد


تعلّم‏.‏‏.‏‏.‏ ثم تكلم

أن يتتبع باحث ما الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقف عندما يريد أن يقف عنده منها، بالدراسة العلمية الموضوعية، لمتنها وأسانيدها، ليصل إلى مدى ما يمكن أن يصل إليه من أدلة صحتها أو ضعفها أو بطلانها، عمل مبرور ومطلوب، على أن تكون عدّته إلى ذلك ‏(‏بعد توافر الموضوعية التامة‏)‏ الدلائل العلمية التي تظلّ هي الـحَكَم أمام كل اختلاف، وهي السبيل لإزالة كل أنواع الغموض‏.‏
وبمقدار ما يكون هذا النوع من التتبع مشكوراً ومبروراً ومفيداً، يكون العمل الناقد المتفلّت عن ضوابط الموضوعية والدراية العلمية سمجاً، ويأتي ثقيلاً على النفس، مرفوضاً من العقل‏.‏
أقول، مذكراً بهذه الحقيقة التي كانت ولاتزال معروفة لدى سائر المثقفين، بمناسبة فضولٍ سمج قرأت كلماته، ممن أقبل فوضع نفسه موضع الناقد لبعض ما قاله رسول الله مما أورده البخاري في صحيحه، دون أن يحمّل نفسه مسؤولية الانطلاق إلى نقده من برهان علمي أو قرار منطقي يفترض أن يكون البوابة التي لابدّ منها ولابديل عنها، بين يدي أي مناقشة لموضوع ما‏.‏
انتقد حديث رسول الله الذي أورده البخاري وغيره، بشأن الذباب إن وقع في إناء فيه طعام أو شراب، لأن مضمون الحديث لم ينسجم مع ذوقه وإحساسه، مكتفياً بقرار ذوقه هذا عن الاعتماد على دليلٍ علمي ما يؤيد مزاجه وذوقه، جاهلاً أو متجاهلاً القاعدة المنطقية القائلة‏:‏ ‏{‏الجهل بالشيء لايصلح أن يكون دليلاً علمياً عليه‏}‏‏.‏
أقول لهذا الناقد وأمثاله‏:‏ تعلم‏.‏‏.‏ ثم تكلم‏.‏ فإن أبيت إلا أن تتكلم دون أن تتعلم، فاعلم أن كلامك لابدّ أن يأتي ثقيلاً على النفوس سمجاً في ميزان العقول وقواعد المنطق‏.‏
هل استقرأت ما قرره أطباء العالم جميعاً، فرأيت أنهم انتهوا إلى علم بما يناقض قول رسول الله‏؟‏‏.‏‏.‏ إذن فلسوف يحرز كلامك القيمة العلمية اللازمة، ويرتفع عن مستوى الهذيان، المهم أن لاتجعل من جهلك بالشيء دليلاً علمياً على الرأي الذي تراه‏.‏
وإلى أن يأتينا هذا الناقد المزاجي، بنتيجة استقرائه، لما قد قاله في ذلك كل أطباء العالم في هذه المسألة، ألفت نظره إلى ما نشرته جريدة تشرين الدمشقية بتاريخ 16‏/‏6‏/‏عام 1987 قالت‏:‏‏{‏اِكتشف علماء صينيون مؤخراً أنه يوجد في جسم حشرة الذبابة نوع من البروتينات النشطة التي تملك قدرة كبيرة على إبادة الجراثيم المسببة للأمراض فيها‏}.‏‏.‏ ونقلت ‏‏‏(‏شينخوا‏)‏‏‏ عن صحيفة ‏‏(‏شينمين‏‏‏)‏ الصينة قولها‏:‏ إن هذه الحشرة المقززة للنفس تملك بروتينات قوية قادرة على إبادة الفيروسات والجراثيم التي فيها، بشكل قاطع إذا بلغت كثافتها حداً معيناً، وأضافت الصحيفة أن في جسم الذبابة أيضاً مادة الدهن وخاصة في اليرقات التي تحتوي على نسبة كبيرة من المغنيزيوم والكالسيوم والفوسفور‏.‏ ويفكر العلماء باستخراج هذه المواد من جسم الذباب ليكون مصدراً جديداً لمركبات قاتلة للجراثيم‏.‏
كما نشرت جريدة تشرين ذاتها بتاريخ 20‏/‏6‏/‏1987 النص التالي‏:‏ ‏(‏ذكرت جريدة ‏"‏الشعب‏"‏ الصينية الصادرة في شانغهاي أن البروتينات النشطة التي يملكها الذباب تقدر على إبادة جميع الجراثيم والفيروسات التي فيها إبادة تامة، إذا بلغت كثافتها واحداً في العشرة آلاف‏.‏ وقال النبأ‏:‏ إنه سوف يصبح للبشر مضاد جديد للجراثيم، له قدرة جبارة لامثيل له، إذا تم استخراج هذه البروتينات الغريبة من جسم الذباب‏)‏‏.‏
* * *
ولاأشك أن هذا الناقد، بمقدار ما هو جريء في تفنيد كلام رسول الله أو الإمام البخاري، فإنه في غاية الجبن تجاه توجيه النقد إلى ما روته جريدة تشرين، أو إلى مصدر الرواية، وهم الأطباء والعلماء الصينيون الذين أدلوا بحقيقة علمية تسجد لما قاله رسول الله‏:‏ ‏(‏إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليلقه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وإنه يتقي بجناحه الذي فيه داء‏)‏‏‏‏.‏
ولاشك أن العلماء الصينيين لا علم لهم برسول الله ولا بشيء من كلامه‏.

د. محمد سعيد رمضان البوطي

قصيدة "إن سارَ أهلي فالدّهر يتّبعُ " للشاعر تميم البرغوثى

إن سارَ أهلي فالدّهر يتّبعُ، يشهد أحوالهم ويستمعُ
يأخذ عنهم فن البقاء فقد زادوا عليه الكثير وابتدعوا
وكلّما همّ أن يقول لهُم بأَنّهم مَهزومونَ ما اقتَنعوا
يسيرُ إن ساروا في مظاهرة في الخلفِ، فيه الفضول والجزعُ
يكتبُ في دفترٍ طريقتهم لعلّه في الدّروسِ يَنتفعُ
لو صادَفَ الجَّمعُ الجيشَ يقصدُهُ، فإِنّهُ نَحوَ الجّيشِ يندفعُ،
فيرجع الجُّندُ خطوَتَينِ فَقَط، ولكِنْ القَصْدُ أنّهُم رَجعوا
أرضٌ أُعيدت ولو لثانيةٍ، والقوم عزلٌ والجيش مُتْدرعُ
ويصبح الغاز فوقهم قطعاً، أو السما فوقه هي القطعُ
وتطلب الريح وهي نادرةٌ، ليست بماء لكنّها جُرعُ
ثم تراهم من تحتها انتشروا، كزئبق في الدّخان يلتمعُ
لكي يُضلّوا الرصاص بينهمُ، تكاد منه السقوف تنخلعُ
حتى تجلّت عنهم وأوجهُهُم زهرٌ، ووجه الزمان منتقعُ
كأن شمساً أعطت لهم عدةً أن يطلع الصبح حيث ما طلعوا
تعرفُ أَسماءُهُم بِأعيُنِهِم، تنكّروا باللّثامِ أو خَلًعوا
ودار مقلاعُ الطّفل في يده دَورة صوفيّ مسّه وَلًعُ
يُعلّم الدّهر أن يدور على من ظنّ أَن القويّ يمتنعُ
وكل طفل في كفّه حجر ملخص فيه السهل واليفعُ
جبالهم في الأيدي مفرقة وأمرهم في الجبال مُجتمعُ
يأتون من كل قرية زمراً، إلى طريق لله ترتفعُ
تضيق بالناس الطرق ان كثروا، وهذه بالزحام تتّسعُ
إذا رأوها أمامهم فرحوا ولم يبالوا بأنها وجعُ
يبدون للموت أنه عبثٌ، حتى لقد كاد الموت ينخدعُ
يقول للقوم وهو معتذر ما بيدي ما آتي وما أدعُ
يظل مستغفراً كذي ورع ولم يكن من صفاته الورعُ
لو كان للموت امره لغدت على سوانا طيوره تقعُ
أعداؤنا خوفهم لهم مدد، لو لم يخافوا الأقوام لانقطعوا
فخوفهم دينهم وديدنهم عليه من قبل يولدوا طبعوا
قل للعدا بعد كل معركة جنودكم بالسلاح ما صنعوا
لقد عرفنا الغزاة قبلكم، ونشهد الله فيكم البدعُ
ستون عاماً وما بكم خجلٌ، الموت فينا وفيكم الفزعُ
أخزاكم الله في الغزاة فما رأى الورى مثلكم ولا سمعوا
حين الشعوب انتقت أعاديها، لم نشهد القرعة التي اقترعوا
لستم بأكفائنا لنكرهكم، وفي عداء الوضيع ما يضعُ
لم نلق من قبلكم وإن كثروا قوماً غزاة إذا غزوا هلعوا
ونحن من ها هنا قد اختلفت قدماً علينا الأقوام والشيعُ
سيروا بها وانظروا مساجدها اعمامها او أخوالها البيعُ
قومي ترى الطير في منازلهم تسير بالشرعة التي شرعوا
لم تنبت الأرض القوم بل نبتت منهم بما شيدوا وما زرعوا
كأنهم من غيومها انهمروا كأنهم من كهوفها نبعوا
والدهر لو سار القوم يتبع يشهد أحوالهم ويستمعُ
يأخذ عنهم فن البقاء فقد زادوا عليه الكثير وابتدعوا
وكلما هم أن يقول لهم بانهم مهزومون ما اقتنعوا

الاثنين، ديسمبر 27، 2010

حُسْنِ الْخُلُقِ

درر منتقاة من كتاب أدب الدنيا والدين للشيخ أبى الحسن على بن محمد الماوردى

رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ لَكُمْ الاسْلاَمَ دِينًا فَأَكْرِمُوهُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَكْمُلُ الا بِهِمَا}. وَقَالَ الاحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: الا أُخْبِرُكُمْ بِأَدْوَأِ الدَّاءِ ؟ قَالُوا بَلَى. قَالَ الْخُلُقُ الدَّنِيُّ وَاللِّسَانُ الْبَذِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ ضَاقَ رِزْقُهُ.
وَعِلَّةُ هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الْحَسَنُ الْخُلُقِ مَنْ نَفْسُهُ فِي رَاحَةٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي سَلاَمَةٍ. وَالسَّيِّئُ الْخُلُقِ النَّاسُ مِنْهُ فِي بَلاَءٍ، وَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ فِي عَنَاءٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَاشِرْ أَهْلَك بِأَحْسَنِ أَخْلاَقِك فَإِنَّ الثَّوَاءَ فِيهِمْ قَلِيلٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
إذَا لَمْ  تَتَّسِعْ أَخْـــلاَقُ قَوْمٍ       تَضِيقُ بِهِمْ فَسِيحَاتُ الْبِلاَدِ
إذَا مَا الْمَرْءُ لَمْ يُخْلَقُ لَبِيبًا       فَلَيْسَ اللُّبُّ عَـنْ قِدَمِ الْوِلاَدِ
فَإِذَا حَسُنَتْ أَخْلاَقُ الانْسَانِ كَثُرَ مُصَافُوهُ، وَقَلَّ مُعَادُوهُ، فَتَسَهَّلَتْ عَلَيْهِ الامُورُ الصِّعَابُ، وَلاَنَتْ لَهُ الْقُلُوبُ الْغِضَابُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {حُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجُوَارِ يُعَمِّرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الاعْمَارِ}. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مِنْ سَعَةِ الاخْلاَقِ كُنُوزُ الارْزَاقِ. وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَثْرَةِ الاصْفِيَاءِ الْمُسْعِدِينَ، وَقِلَّةِ الاعْدَاءِ الْمُجْحِفِينَ. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {أَحَبُّكُمْ إلَيَّ أَحْسَنكُمْ أَخْلاَقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ}. وَحُسْنُ الْخَلْقِ أَنْ يَكُونَ سَهْلَ الْعَرِيكَةِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، طَلِيقَ الْوَجْهِ، قَلِيلَ النُّفُورِ، طَيِّبَ الْكَلِمَةِ.
وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الاوْصَافَ فَقَالَ: {أَهْلُ الْجَنَّةِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ طَلْقٍ}. وَلَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الاوْصَافِ حُدُودًا مُقَدَّرَةً وَمَوَاضِعَ مُسْتَحَقَّةً، مَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَصْفُو وَأَكْدُرُ أَحْيَانًا لِمُخْتَبِرِي      وَلَيْسَ مُسْتَحْسَنًا صَفْوٌ بِلاَ كَدَرِ
وَلَيْسَ يُرِيدُ بِالْكَدَرِ الَّذِي هُوَ الْبَذَاءُ وَشَرَاسَةُ الْخُلُقِ، فَإِنَّ ذَلِكَ ذَمٌّ لاَ يُسْتَحْسَنُ وَعَيْبٌ لاَ يَرْتَضِي. وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْكَفَّ وَالانْقِبَاضَ فِي مَوْضِعٍ يُلاَمُ فِيهِ الْمُسَاعِدُ وَيُذَمُّ فِيهِ الْمُوَافِقُ، فَإِذَا كَانَتْ لِمَحَاسِنِ الاخْلاَقِ حُدُودٌ مُقَدَّرَةٌ وَمَوَاضِعُ مُسْتَحَقَّةٌ فَإِنْ تَجَاوَزَ بِهَا الْحَدَّ صَارَتْ مَلَقًا وَإِنْ عَدْلَ بِهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا صَارَتْ نِفَاقًا. وَالْمَلَقُ ذُلٌّ، وَالنِّفَاقُ لُؤْمٌ، وَلَيْسَ لِمَنْ وُسِمَ بِهِمَا وُدٌّ مَبْرُورٌ وَلاَ أَثَرٌ مَشْكُورٌ. وَقَدْ رَوَى حَكِيمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {شَرُّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ}. وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {لاَ يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ وَجِيهًا عِنْد اللَّهِ تَعَالَى}. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عُرْوَةَ: لاَنْ يَكُونَ لِي نِصْفُ وَجْهٍ وَنِصْفُ لِسَانٍ عَلَى مَا فِيهِمَا مِنْ قُبْحِ الْمَنْظَرِ وَعَجْزِ الْمَخْبَرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ ذَا وَجْهَيْنِ وَذَا لِسَانَيْنِ وَذَا قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: 
خَــلِّ النِّفَـــاقَ لِأَهْلِــــــهِ       وَعَلَيْك فَالْتَمِسْ الطَّرِيقَا
وَارْغَبْ بِنَفْسِك أَنْ تُرَى       الا عَــــــدُوًّا أَوْ صَدِيقَا
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ:
وَكَمْ مِـــــنْ صَدِيــقٍ وُدُّهُ بِلِسَانِـــهِ       خَئُــونٌ بِظَهْــرِ الْــغَيْبِ لاَ يَتَذَمَّمُ
يُضَاحِكُنِي  عَجَبًــا إذَا مَـــا لَقِيتُــهُ       وَيَصْـــدُفُنِي مِنْهُ إذَا غِبْتُ أَسْهُــمُ
كَذَلِكَ ذُو الْوَجْهَيْنِ يُرْضِيك شَاهِدًا       وَفِي غَيْبِهِ إنْ غَابَ صَابٌ وَعَلْقَمُ
وَرُبَّمَا تَغَيَّرَ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْوَطَاءُ إلَى الشَّرَاسَةِ وَالْبَذَاءِ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ، وَأُمُورٍ طَارِئَةٍ، تَجْعَلُ اللِّينَ خُشُونَةً وَالْوَطَاءَ غِلْظَةً وَالطَّلاَقَةَ عُبُوسًا.
فَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ الْوِلاَيَةُ الَّتِي تُحْدِثُ فِي الاخْلاَقِ تَغَيُّرًا، وَعَلَى الْخُلَطَاءِ تَنَكُّرًا، إمَّا مِنْ لُؤْمِ طَبْعٍ، وَإِمَّا مِنْ ضِيقِ صَدْرٍ. وَقَدْ قِيلَ: مَنْ تَاهَ فِي وِلاَيَتِهِ ذَلَّ فِي عَزْلِهِ. وَقِيلَ: ذُلُّ الْعَزْلِ يُضْحِكُ مِنْ تِيهِ الْوِلاَيَةِ.
وَمِنْهَا: الْعَزْلُ فَقَدْ يَسُوءُ بِهِ الْخُلُقُ وَيَضِيقُ بِهِ الصَّدْرُ إمَّا لِشِدَّةِ أَسَفٍ أَوْ لِقِلَّةِ صَبْرٍ.
حَكَى حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ عُزِلَ عَنْ وِلاَيَةٍ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنِّي وَجَدْتهَا حُلْوَةَ الرَّضَاعِ مَرَّةَ الْفِطَامِ.
وَمِنْهَا: الْغِنَى فَقَدْ تَتَغَيَّرُ بِهِ أَخْلاَقُ اللَّئِيمِ بَطَرًا، وَتَسُوءُ طَرَائِقُهُ أَشَرًا. وَقَدْ قِيلَ: مَنْ نَالَ اسْتَطَالَ. وَأَنْشَدَ الرِّيَاشِيُّ:
غَضْبَانُ يَعْلَــمُ أَنَّ الْمَــالَ سَاقٍ لَهُ       مَا لَمْ يَسْقِــهِ لَهُ دِيـنٌ وَلاَ خُلُـــقُ
فَمَنْ يَكُنْ عَنْ كِرَامِ النَّاسِ يَسْأَلُنِي       فَأَكْرَمُ النَّاسِ مَنْ كَانَتْ لَهُ وَرِقُ
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
فَإِنْ تَكُنْ الدُّنْيَــا أَنَالَتْك ثَــرْوَةً       فَأَصْبَحْت ذَا يُسْرٍ وَقَدْ كُنْت ذَا عُسْـرِ
لَقَدْ كَشَفَ الاثْرَاءُ مِنْك خَلاَئِقًا       مِنْ اللُّؤْمِ كَـانَتْ تَحْتَ ثَوْبٍ مِنْ الْفَقْرِ
وَبِحَسَبِ مَا أَفْسَدَهُ الْغِنَى كَذَلِكَ يُصْلِحُهُ الْفَقْرُ.
وَكَتَبَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ إلَى الْحَجَّاجِ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَدْ الْتَاثُوا عَلَيْهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اقْطَعْ عَنْهُمْ  الارْزَاقَ، فَفَعَلَ فَسَاءَتْ حَالُهُمْ فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ فَقَالُوا: أَقِلْنَا. فَكَتَبَ إلَى الْحَجَّاجِ فِيهِمْ فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنْ كُنْت آنَسْتَ مِنْهُمْ رُشْدًا فَأَجْرِ عَلَيْهِمْ مَا كُنْتَ تُجْرِي.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَقْرَ جُنْدُ اللَّهِ الاكْبَرَ يُذِلُّ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يَتَكَبَّرُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {لَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذَلَّ ابْنَ آدَمَ بِثَلاَثٍ مَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ لِشَيْءٍ: الْفَقْرُ، وَالْمَرَضُ، وَالْمَوْتُ}.
وَمِنْهَا: الْفَقْرُ فَقَدْ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْخُلُقُ إمَّا أَنَفَةً مِنْ ذُلِّ الاسْتِكَانَةِ أَوْ أَسَفًا عَلَى فَائِتِ الْغِنَى. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ}. وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ:
وَأَعْجَبُ حَالاتِ ابْنِ آدَمَ خَلْقُهُ       يَضِلُّ إذَا فَكَّرْتَ فِي كُنْهِـهِ الْفِكْرُ
فَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ بَقَــــاؤُهُ       وَيَجْزَعُ مِمَّا صَارَ وَهُوَ لَهُ ذُخْرُ
وَرُبَّمَا تَسَلَّى مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ بِالامَانِي، وَإِنْ قَلَّ صِدْقُهَا. فَقَدْ قِيلَ: قَلَّمَا تَصْدُقُ الامْنِيَّةُ وَلَكِنْ قَدْ يُعْتَاضُ بِهَا سَلْوَةً مِنْ هَمٍّ أَوْ مَسَرَّةٍ بِرَجَاءٍ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
حَرِّكْ مُنَاك إذَا اغْتَمـ       ـَمْت فَإِنَّهُنَّ مَرَاوِحُ
وَقَالَ آخَرُ:
إذَا تَمَنَّيْت بِتَّ اللَّيْلَ مُغْتَبِطًا       إنَّ الْمُنَى رَأْسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ
وَمِنْهَا الْهُمُومُ الَّتِي تُذْهِلُ اللُّبَّ، وَتَشْغَلُ الْقَلْبَ، فَلاَ تَتْبَعُ الاحْتِمَالَ وَلاَ تَقْوَى عَلَى صَبْرٍ.
وَقَدْ قِيلَ: الْهَمُّ كَالسُّمِّ. وَقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: الْحُزْنُ كَالدَّاءِ الْمَخْزُونِ فِي فُؤَادِ الْمَحْزُونِ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
هُمُومُـــك بِالْعَيْشِ مَقْرُونَـــةٌ       فَمَــا تَقْطَعُ الْعَيْشَ الا بِهِــمْ
إذَا تَمَّ أَمْــــرٌ بَـــدَا نَقْصُـــــهُ       تَــرَقَّبْ زَوَالا إذَا قِيـــلَ تَمْ
إذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَـــــا       فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ تُزِيلُ  النِّعَمْ
وَحَـــامِ عَلَيْهَا بِشُكْـرِ الالَـــهِ       فَـإِنَّ الالَهَ  سَــرِيعُ النِّقَـــمْ
حَــلاَوَةُ دُنْيَــاك  مَسْمُومَــــةٌ       فَمَــا تَأْكُلُ الشَّهْـدَ الا بِسُـمْ
فَكَمْ قَــدَرٌ دَبَّ فِي مُهْلَــــــــةٍ       فَلَمْ يَعْلَمْ النَّاسُ حَتَّى هَجَــمْ
وَمِنْهَا الامْرَاضُ الَّتِي يَتَغَيَّرُ بِهَا الطَّبْعُ مَا يَتَغَيَّرُ بِهَا الْجِسْمُ، فَلاَ تَبْقَى الاخْلاَقُ عَلَى اعْتِدَالٍ وَلاَ يُقْدَرُ مَعَهَا عَلَى احْتِمَالٍ. وَقَدْ قَالَ الْمُتَنَبِّي:
آلَةُ الْعَيْشِ صِحَّــةٌ وَشَبَابُ       فَإِذَا وَلَّيَـــا عَــنْ الْمَــرْءِ وَلَّـى
وَإِذَا الشَّيْخُ قَالَ أُفٍّ فَمَا مَلَّ       حَيَــاةً وَإِنَّمَــا الضَّعْفَ مَـــــلاَ
وَإِذَا لَمْ تَجِدْ مِنْ النَّاسِ كُفُئًا       ذَاتَ خِدْرٍ أَرَادَتْ الْمَوْتَ بَعْلاَ
أَبَدًا تَسْتَرِدُّ مَا تَهَبُ الدُّنْــــ       ـيَا فَيَا لَيْتَ جُــودَهَا كَانَ بُخْلاَ
وَمِنْهَا عُلُوُّ السِّنِّ وَحُدُوثُ الْهَرَمِ لِتَأْثِيرِهِ فِي آلَةِ الْجَسَدِ كَذَلِكَ يَكُونُ تَأْثِيرُهُ فِي أَخْلاَقِ النَّفْسِ، فَكَمَا يَضْعُفُ الْجَسَدُ عَنْ احْتِمَالِ مَا كَانَ يُطِيقُهُ مِنْ أَثْقَالٍ فَكَذَلِكَ تَعْجِزُ النَّفْسُ عَنْ أَثْقَالِ مَا كَانَتْ تَصْبِرُ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْوِفَاقِ، وَمَضِيقِ الشِّقَاقِ. وَكَذَلِكَ مَا ضَاهَاهُ. وَقَالَ مَنْصُورٌ النَّمَرِيُّ:
مَا كُنْتُ أُوفِي شَبَـــابِي كُنْـــــهَ عِـــزَّتِهِ       حَتَّى مَضَى فَـــإِذَا الدُّنْيَا لَــهُ تَبَعُ
أَصْبَحْتُ لَـــمْ تُطْعِمِي ثُكْلَ الشَّبَابِ وَلَـمْ       تَشْــجَيْ لِغُصَّتِهِ فَالْــعُذْرُ لاَ يَقَــعُ
مَا كَــانَ أَقْصَــرَ أَيَّــامِ الشَّبَــابِ وَمَـــا       أَبْقَــى حَــلاَوَةَ ذِكْــرَاهُ الَّتِي تَدَعُ
مَا وَاجَهَ الشَّيْبُ مِـــنْ عَيْنٍ وَإِنْ رَمَقَتْ       الا لَــهَا نَبْــوَةٌ عَنْــهُ وَمُرْتَــــدَعُ
قَدْ كِدْت تَقْضِي عَلَى فَوْتِ الشَّبَابِ أَسًى       لَوْلاَ يُعَزِّيك أَنَّ الْعُمْــرَ مُنْقَطِـــعُ
فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَسْبَابٍ أَحْدَثَتْ سُوءَ خُلُقٍ كَانَ عَامًّا. وَهَا هُنَا سَبَبٌ خَاصٌّ يُحْدِثُ سُوءَ خُلُقٍ خَاصٍّ وَهُوَ الْبُغْضُ الَّذِي تَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ فَتُحْدِثُ نُفُورًا عَلَى الْمُبْغَضِ، فَيَؤُولُ إلَى سُوءِ خُلُقٍ يَخُصُّهُ دُونَ غَيْرِهِ. فَإِذَا كَانَ سُوءُ الْخُلُقِ حَادِثًا بِسَبَبٍ كَانَ زَوَالُهُ مَقْرُونًا بِزَوَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ، ثُمَّ بِالضِّدِّ.