الثلاثاء، يوليو 03، 2012

خيارين أحلاهما مر، خوض الانتخابات أو مقاطعتها.... مهند العبيدي

يشتد النقاش اليوم عن مدي جدية، بل وأحقية، المطالبين بالتمثيل المتساوي في توزيع مقاعد المؤتمر الوطني بحجة أن المؤتمر تأسيسي و ليس تشريعي، و ما إذا كانت هذه المطالب مشروعة خاصة في ضوء التعديل الذي أجري على الإعلان الدستوري وبالتحديد في المادة الثلاثون منه. فبينما يرى البعض أن إستحقاق التساوي في وضع الدستور قد تمت تلبيته بتعيين جمعية تأسيسية على غرار لجنة الستين التي وضعت الدستور في 1951، لايزال البعض يرى في الانتخابات القادمة إجحاف وإغفال لحق الجميع في المشاركة الفعالة في تأسيس الدولة الليبية الحديثة.

ومن حجج الرأي الأول أنه وبعد التعديل الذي طرأ على المادة 30 أصبح وضع الدستور من إختصاص لجنة تأسيسية مختارة من قبل المؤتمر الوطني من غير أعضائه و بالتساوي بين الأقاليم الثلاث، وهو ما يضمن المشاركة الفعالة للجميع في التأسيس ويجعل من المؤتمر الوطني مجرد برلمان مؤقت للتشريع وليس للتأسيس. ذلك، ووفقا للرأي الاول، كفيل بتحقيق المساواة في التأسيس خاصة وأنه لم يعد للمؤتمر الوطني أي مهام تأسيسية.
بما في ذلك مهمة اعتماد الدستور بعد وضعه من قبل الجمعية التأسيسية والتي سحبت من المؤتمر الوطني لتكون مهمة وضع الدستور وعرضه على الشعب للإستفتاء عليه مهمة خالصة للجمعية التأسيسية المبنية على المساواة و التوافق.
ورغم أن هذا الرأي قد يبدو صائبا في شكله وعمومه إلا أنه لا يمكن له أن يجتاز أقل درجات الفحص والتدقيق. فرغم إناطة مهمة وضع الدستور بجمعية تأسيسية تشكل على أساس المساواة و التوافق إلا أن المؤتمر الوطني لا يزال يحتفظ بمهام تأسيسية الأصل فيها التوافق لا الأغلبية. فما زالت من مهام المجلس إختيار أعضاء الجمعية التأسيسية ووضع القانون الدائم للانتخابات وقيادت الدولة في فترة لا وجود لدستور فيها. ولعل من أهم ماذكر هو غياب الدستور الضامن الوحيد لحقوق الجميع، خاصة من لا يمثلون أغلبية في مجلس برلماني أو تأسيسي، كما يراه البعض، تتحكم فيه الأغلبية.
إن الإعلان الدستوري، الذي وضع من قبل أشخاص لا نعلمهم على وجه التحديد وعدل بشكل طارئ بعد كثرة الإحتجاج عليه من قبل من ظلمو منه، لا يرفع الصبغة التأسيسية عن المؤتمر الوطني و هو قاصر إلي حد بعيد.
 لعل من أهم أوجه القصور أنه لا يراعي أسس التأسيس في دولة غاب عنها الدستور لأكثر من أربعة عقود. إن مهام الهيئة التأسيسية تسمو على المهام التشريعية التقليدية وتحكمها، وتقتضي في أعضائها حكمة ومسؤولية وطنية وسياسية بعيدة عن حسابات الدوائر الانتخابية والصراعات السياسية الضيقة. ذلك ما يجعل من أمر تعيين أعضاء الهيئة التأسيسية من قبل برلمان تشريعي وفي غياب كامل للدستور مفارقة غريبة. ذلك ما أكده القضاء الإداري المصري. لقد قضى الاعلان الدستوري المصري الذي أصدره المجلس العسكري الحاكم  عقب سقوط النظام السابق بأن يقوم الاعضاء المنتخبون في مجلسي الشعب والشورى بإنتخاب لجنة تأسيسية من مئة عضو لوضع دستور جديد للبلاد. وأعتبر ما جاء في الإعلان مخالفا  للمبادئ والقواعد الدستورية المستقرة حيث ليس لمجلس تشريعي التحكم في إختيار لجنة وضع دستور يعد السلطة الأسمى التي تخلق السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وتعددت مطالبة المجلس بتعديله ( لاسيما المادة 60) أو اصدار إعلان تكميلي .
   وتم تشكيل اللجنة الدستورية، واعتبر هذا التشكيل وعلى نطاق واسع غير متوازن ولا يمثل كل طوائف المجتمع بل يجسد هيمنة تيار سياسي واحد تمكن من إحكام هذه الهيمنة على اللجنة الدستورية. وقررت محكمة القضاء الإداري المصري في حكم صدر يوم الثلاثاء، 10 إبريل 2012، وقف تشكيل اللجنة التأسيسية وأن قرار إختيار اعضاء هذه اللجنة من قبل نواب مجلسي الشعب والشورى~ قرار إداري خاطئ يشوبه انحراف في استخدام السلطة}. اما التجربة التونسية فقد إبتعدت عن هذا الانحراف في استخدام السلطة و أعتمدت الإنتخاب على أساس نظام التمثيل النسبي ~ للحيلولة دون إنفراد حزب واحد بالإغلبية المطلقة} كطريقة لاختيار أداة  صياغة الدستور( انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي  في 23 أكتوبر 2011).
و يبدو أن مجلسنا الوطني المؤقت والغير منتخب قد قرر أن يمنح المؤتمر الوطني صلاحيات إتخاذ ~ قرار اداري خاطئ يشوبه انحراف في استخدام السلطة} و ذلك بمنحه، وهو المؤتمر التشريعي كما يدعي المجلس الوطني ورئيسه، صلاحيات تعيين جمعية تأسيسية يفترض فيها أن تؤسس للدولة وتحدد سلطاتها بما في ذلك التشريعية منها. فكأن الوضع القائم الان يقضي بأن تعين سلطة تشريعية، تتجاذبها تيارات سياسية، سلطة تأسيسية، يفترض فيها أن تشرعن لكل السلطات بما فيها التشريعية، مع كل ما يشوب هذا الامر من قلب واضح لآليات ومراحل بناء الدولة وما ينطوي عليه ذلك من مجازفة تحكم حزب سياسي في وضع دستور كان يجب أن يسبق وجود الحزب لا أن يوضع من قبله.
ومن ناحية أخري لا يراعي الإعلان الدستوري ضرورة  أن تجسد الجمعية التأسيسية وحدةً وتوافقاً وطنياً والاستعداد لقبول حلول يرضى عنها الكافة، بما في ذلك الأقليات. ذلك غائب و بوضوح عن الجمعية التأسيسية وطريقة تشكيلها. فلم يحدد الإعلان الدستوري القاصر كيفية إختيار أعضاء الجمعية التأسيسية ولا معايير عضويتها واكتفي بالاشارة القاصرة للجنة الستين التي وضعت دستور الإستقلال. فغاب عنه ما يضمن حقوق الأقليات في المشاركة في وضع الدستور وخاصة الأمازيغ والتبو. فوفقاً للإعلان الدستوري المعدل لا شيئ  يضمن على الإطلاق وجود ممثلين عن الأقليات في لجنة يفترض فيها أن تحدد شكل ليبيا و هويتها لسنوات طويلة قادمة.
أضف إلي كل ذلك أن الإعلان الدستوري الذي وضع من قبل سلطة مؤقتة و غير منتخبة ودون الاستعانة بأهل الخبرة يفترض ضمناً و بشكل قصري أن الشعب الليبي موافق على أن يحكم المرحلة الانتقالية أغلبية عددية ولو أنحصر الأمر في التشريع كما يدعي المجلس الوطني. تجدر الإشارة هنا أن من أهم إختصاصات التأسيس هو تقسيم السلطة بين أبناء الشعب الواحد وأقاليمه، بما في ذلك تحديد معايير توزيع مقاعد مجالس التشريع، بشكل يرضي الجميع أي بتوافق وبعد سماع جميع الأصوات واعتبارها. وفي جميع الأحول لا يعتبر التعداد السكاني المعيار الوحيد، كما يدعي واضعو قانون الإنتخابات، لتحديد آلية صنع القرار حتى وإن سلمنا بأن المؤتمر الوطني هو سلطة تشريعية تعمل في إطار دستور نافذ و ضامن لحقوق الجميع. لذلك يرى الكثيرون أن تحديد المعيار الرئيسي في تشكيل سلطة تشريعية، ولو كانت مؤقتة، هو في حد ذاته من بين المهام التأسيسية التي يجب أن تترك لسلطة منتخبة وعلى أساس التوافق.
يرى البعض أن كل القصور الموجود في الإعلان الدستوري وقانون الانتخابات قد لا يشكل في النهاية خطراً على مهمة اللجنة التأسيسية وواجباتها وفي المقابل يرى البعض الآخر أن القصور يفتح الباب أمام مستغليه وقد يكون سبباً مباشر أو غير مباشر في خلق ~دكتاتوريات ناعمة} بدأت وبدأ الكثيرون في استشعارها قبل خوض غمار الانتخابات فضلاً عن نتائجها. وعلى كل حال أقول أنه كلما أحسن المشرع قراءة الوقائع سواء من الماضي أو الحاضر كلما أحسن تصور المسقبل وكلما أتقن صياغة قانونه. لذلك فإنه لا يتصور أن يمر تقصير في التشريع دون نتائج سلبية.
بذلك يضع المجلس الوطني الشعب الليبي أمام خيارين أحلاهما مر. فإما خوض انتخابات وفقا لقانون يشوبه القصور مع ما يتبع ذلك من مخاطر، وإما مقاطعة الانتخابات والمطالبة بعلاج هذا القصور مع ما يستدعيه ذلك من إستمرار لمجلس وطني لا يعرف إلا إهدار المال العام وسن قوانين قاصرة في فترة حرجة من تاريخ الشعب الليبي العظيم فضلا عن إحتمال حدوث فوضة عارمة تجتاح البلاد وسكانها.  ويبقى السؤال أي الخيارين أمر؟
 مهند العبيدى
مواطن ليبي غيور على ليبيا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق