الجمعة، فبراير 17، 2012

المهدي زيو.. الوجه المشرق لثورة ليبيا

وأنت تشاهد صور شهيد الثورة الليبية المهدي زيو تزين شوارع بنغازي (مهد الثورة الليبية) لابد وأن تستعيد نص الشاعر الكبير محمد الشلطامي حينما أنشد "مشرق كالشمس وجه الكلمة" لكن الفارق أن صور الأول تزين فضاءات "ليبيا الحرة" بينما قال الأخير كلمته وراء قضبان زنازين العقيد معمر القذافي.
تبدو ملامح زيو (49 عاما) هادئة وهو يرتدي نظارات، لكن هذه الروح تخمد غضبا جارفا من سياسات العقيد الراحل على مدى 42 عاما من القتل والتشريد والاغتيالات والتصفيات الجسدية.

حين اندلعت شرارة الثورة في بنغازي يوم 15 فبراير/ شباط من العام الماضي، كان المهدي خارج بلاده يتجول في سوريا ولبنان كعادته، وبعد يوم واحد هبطت به الطائرة، في رحلة السفر الأخير.
انضم زيو الثائر مباشرة إلى صفوف الثورة، وساند الشعب في الأيام الأولى بشراء المتفجرات وتضميد الجرحى، وعندما اشتد القتل في شوارع المدينة واستخدمت أجهزة القذافي الرصاص الحي ومضادات الطيران في قمع الاحتجاجات، قرر زيو تحطيم أبواب أحد أكبر معاقل القذافي الأمنية في الشرق الليبي، وهي كتيبة الفضيل بوعمر.
قبل الثورة لم يكن أحد من الليبيين يتصور، وهو يسير بالقرب من معقل القذافي الحصين، أنه سيسقط في غضون أربعة أيام، لشدة التحصينات والأسلاك الشائكة والحراسة المشددة على مدار الساعة.
غير أن الثائر قرر حمل إسطوانات غاز بيته يوم 20 فبراير/ شباط، وتوجه بها إلى أبواب الكتيبة، وعندما شاهد المتظاهرون أعمدة الدخان تتصاعد عند الباب الرئيسي، تأكدوا أنه قد دخل إلى عقر دار القذافي.
وصية الشهيد
كتب زيو وصية لزوجته يطلب فيها السماح من بنتيه زهور وساجدة، ويخبرهم أنه لم يعد يحتمل مشاهد الترويع والقتل، ويقف موقف المتفرج من المعتدين، فكان أن داهم بسيارته باب الكتيبة الرئيسي وحطم بذلك الهيبة الأمنية العتيدة.
على إثر العملية دخلت أجهزة القذافي الأمنية في ارتباك من الهجوم المباغت، واستطاع المتظاهرون اقتحام أسوار الكتيبة من كافة الجهات، وسقط أول معقل أمني كان يعتمد عليه القذافي طيلة فترة حكمه في تأمين مدن الشرق.
وبعد عام على تلك العملية زارت الجزيرة نت شارع المهدي زيو بمنطقة الرويسات، حيث تسكن عائلته وأقاربه، واستمعت لشهادات الجيران وقصصهم مع المهدي.
في ذلك الشارع لا تبدو أي علامات للتفاخر والتباهي بالبطل زيو سوى عبارة صغيرة على أحد جدران شارع البطل المهدي زيو، وفسرت عائلته هذا بأنها لا تود أن تتسلق على تاريخ ابنها.
شقيقه سالم زيو تحدث مطولا عن قصة المهدي، وحياته مع أسرته الكبيرة والصغيرة، وقال إنه تأكد من استشهاده بعد مرور وقت على غيابه في زحمة المظاهرات، ولم يكن يعلم أنه صاحب عملية باب الكتيبة.
وأشار إلى أن كافة الاتصالات انقطعت معه، وتعذر العثور عليه مع الجرحى، واستمرت عمليات البحث حتى صباح اليوم الثاني، وحينها تأكدوا من استشهاده.
وقال إنه لم يكن يصدق أن شقيقه قاد سيارته ودخل بها إلى كتيبة القذافي، ولا يعلم متى قرر الشهادة في سبيل الوطن والثورة.
إسطوانات الغاز
جار الشهيد، صلاح نبوس قال إن المهدي كان يرتاد المنطقة طوال أيام الثورة، ويدعو إلى ضرورة إنقاذ بنغازي بأسرع ما يمكن.
وفي آخر حديث بينهم، تحدثوا عن الوضع والثورة وارتفاع أعداد القتلى وانتشار القناصة والمرتزقة بالمدينة.
وأكد نبوس أن سيارة المهدي انفجرت عند الباب الثاني للكتيبة، وهو ما يعني أنه دخل مسافة أكثر من ثلاثين مترا من النقطة الأمنية الرئيسية، مؤكدا أن العملية أربكت الأمن وعناصر القذافي.
ونقل نبوس رواية أحد أصدقائه شاهده بشارع جمال عبد الناصر قبل لحظات من اقتحام الكتيبة، وهو يرتل آيات من كتاب الله.
وتحدث نبوس عن عدة روايات، وقال إن جيرانه في شقته بمنطقة الكيش طلبوا منه عدم تغيير إسطوانات الغاز في مثل هذا التوقيت، لكنه أصر على حمل الأسطوانات إلى السيارة دون إبلاغ أحد.
وشاهد أحد أقاربه، واسمه المهدي محمد، أشلاء الثائر وبقايا الأسطوانات بعد سقوط الكتيبة لشدة الانفجار.
وذكر أن قريبه كان يحب الشمس والبحر والسفر والحياة، واستغرب بشدة كيف قاد هذا الشاب أكبر عملية استشهادية في بداية الثورة.
في سبيل الحرية
هل كانت سيارة المهدي تحمل المتفجرات؟ يرد أحد أقاربه وهو حمد زيو بأن المهدي اشترى متفجرات بقيمة ألف دينار ليبي (الدولار يساوي 1.25 دينار) وزع منها على المتظاهرين كميات كبيرة، متوقعا أن بقية الكمية سيحملها معه في السيارة عند تنفيذ العملية.
وفي آخر مكالمة صباح الجمعة 19 فبراير/ شباط صرخ المهدي في وجه حمد -الموظف بمستشفى الجلاء لجراحة الحوادث، وكان يستقبل يوميا عشرات القتلى والجرحى- وسأله عن الوضع، فرد بقوله إن أعداد القتلى بلغت في ذلك اليوم ثلاثين قتيلا وأكثر من مائتي جريح برصاص القناصة والمرتزقة، فأخذ المهدي يصرخ ويقول "هذا يهودي وكافر وعدو الله" في إشارة إلى القذافي.
المصدر: الجزيرة






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق