الاثنين، فبراير 20، 2012

المدينـة الـتي ماتـت (2/1) في الذكري الـ 49 لزلزال المرج.... يونس الهمالي بنينه

المدينـة الـتي ماتـت (2/1)
قمت بنشر الحلقة الأولى هذه منذ عامين في ليبيا المستقبل وبعض المواقع الليبية التي تصدر في بريطانيا.
الحلقة الثانية لم تنشر من قبل ولا أعتقد أن أي من سكان ليبيا أطلعوا عليها بالإنجليزية أو بالعربية، وعليه اعتبرها مفاجأة نظراً للصور المنشورة فيها والمعلومات القيمة الأخرى
الحلقة الأولى
بمناسبة الذكرى الـ 49 للزلزال الذي كاد أن يقضي على مدينة المرج في عام 1963م
صورة للصفحتين 16 و17 من مجلة الجندي البريطانية، وصورتين أخريين من مكتبتي الخاصة نشرتهما في آخر المقالة
الغلاف: مجلة الجندي البريطانية – أبريل 1963 السعر شلن واحد
SOLDIER – April 1963 * One Shilling
داخل المجلة: الصفحتان 16 و17 مؤطرتان بإطار أسود عريض يدل على الحدث المأساوي لمدينة المرج، يتوسط الإطار عنوان بالخط العريض كالتالي:
بين أنقاض الدمار الكامل... يقوم الجنود البريطانيون بالبحث عن الأحياء في...
المدينـة الـتي ماتـت
ترجمة وتقديم: يونس الهمالي بنينه
نيوبورت – بريطانيا 2012.2.21



الترجمة:
تساقطت قطرات الأمطار الغزيرة من وريقات أشجار اللوز المزهرة، ودوت قرقعاتها على سطوح تلك البيوت العربية البالية المتهلهلة ، بينما كانت النساء يقمن بإعداد وجبة الإفطار في أحد أيام شهر رمضان.
كانت عقارب ساعة المدينة تشير إلى الساعة 7.18 مساءً، ثم.... وبدون إنذار... زلزلت الأرض زلزالها – فارتعشت تلك المدينة الليبية الزراعية التاريخية رعشات الموت. انهارت المرج وكأنها مدينة صُنِّعت من ورق اللعب[1] عاجزة عن الوقوف ضد تلك الهزات الأرضية العنيفة، فانسحقت مئات من العائلات تحت الأنقاض، وكثير منها وجدت نفسها محاصرة اختنقت أنفاسها تحت وابل من الصخور المتهاوية. أما أولئك الذين تمكنوا من النجاة بأنفسهم فقد هربوا بخطى متعثرة مرتبكة، يركضون كالعميان لا يرون ما أمامهم، فقط ليفتحوا لأنفسهم طريقاً هرباً من هذا الدمار.
يا لها من طبيعة قاسية، فقد اختارت أسوأ الأوقات على الإطلاق، حيث كان أغلب سكان (المرج)[2] Barc داخل بيوتهم وقت الزلزال ينتظرون أذان الإفطار بعد يوم طويل من الصيام، عندما ضرب الزلزال المدينة، فجعل من كل بيت كومة من الدمار دفنت تحتها عائلات بكاملها. خلال دقائق معدودة أصبح أكثر من نصف سكان مدينة المرج الذين يبلغ عددهم 17,000 نسمة بدون مأوى. فقط المباني الحكومية الحديثة والكنيسة تمسكت بقواها وظلت واقفة، وحتى هذه تصدّعت بشكل كبير. بعد ساعتين من الهزة الأولى وصل الجنود البريطانيون ملبيين النداء بعد سماعهم طلب النجدة، فغادروا بنغازي التي تبعد حوالي 60 ميلاً من مدينة المرج للمساعدة في عمليات الإنقاذ.
كان أول من وصل إلى المكان هم جنود السرية (ج) التابعة للكتيبة الأولى (فوج ديفونشاير ودورسيتDevonshire & Dorset). حيث وصلوا إلى المدينة المنكوبة في الظلام الدامس يواجهون زخات المطر العنيفة والعواصف الشديدة. انقسموا إلى فرق بحث، كل فرقة يتكون أفرادها من أربعة أو خمسة رجال. باشر الجنود في أداء مهمتهم المروّعة بإخراج الجرحى والموتى من تحت الأنقاض بمساعدة أضواء مركباتهم ذات حمولة الربع طن، فكانوا يستخدمون البالات والفؤوس بين صرخات وتأوهات النساء اللاتي كن يبحثن عن أطفالهن وأزواجهن.
تم نصب مستشفى ميداني اضطراري خارج المدينة، حيث يتواجد هناك فريق من ثلاثة أطباء عسكريين تابعين للقوات الملكية، وبعض من المصابين الذين تم نقلهم فيما بعد إلى المستشفى العسكري البريطاني في بنغازي. أمّا "النموس" وهم فرسان الكشافة الملكية الرابعة عشرة وكذلك العشرون فقد وصلوا إلى المدينة بسرعة، وبدأت مركبات الفصائل المستقلة 43 ومركبات فيالق الخدمات العسكرية الملكية في عملها المتواصل في رحلات مكوكية متواصلة ، تجوب الطريق بين المدينة والمطار لجلب الإمدادات. أيضاً، تم إقامة مركز للحالات المستعجلة في بنغازي للتنسيق بين مراكز الإسعاف البريطانية والأمريكية والليبية، وباشرت فرقة الإشارة 245 بتنسيق عمليات الاتصال بين المركز ومدينة المرج. وكانت المدينة التي ترزح تحت الأنقاض في حاجة ماسة إلى البطاطين والخيام والإمدادات الطبية، والأغذية والكهرباء ورجال الإنقاذ، وعليه قامت القوات البريطانية بعد خمسة ساعات فقط من استلام إشارة طلب النجدة بتوصيل 2000 بطانية ونقالات (باريلات) وخيام وأواني الطبخ.
بانقشاع الظلام وتسلل أولى خيوط الفجر، اتضحت معالم الأضرار التي أصابت هذه المدينة المُهوّلة.
فبحلول الصباح تم إخراج 100 جثة من تحت الأنقاض، أما الجرحى فقد تم نقل الكثير منهم إلى المستشفى. كان المشهد في وسط المدينة مشهداً حزيناً بالفعل ويثير الشفقة، حيث تشاهد كثير من العائلات التي فقدت بعض من أفرادها وهي مشتتة هنا وهناك تتدفأ بنيران تم إيقادها من بقايا حطام بيوتهم التي أودت بحياة ذويهم وأحبابهم، بينما تم نقل جماعات أخرى من الذين أصبحوا بدون مأوى إلى مخيمات اللاجئين التي تم نصبها على أطراف المدينة.
وفي النهار قامت كتيبة ديفونشاير ودورسيت بتنظيم عمليات البحث، إلاّ أن تلك الأصوات التي كانت تقود فرق الإنقاذ إلى الجرحى في الليلة السابقة انقطعت ولم يعد لها صدى الآن. وهكذا خيّم الصمت المُخيف على مدينة المرج. لقد كانت عملية البحث مأساوية تقطعت لها قلوب الجنود. ففي أحد المنازل وجدوا جثة امرأة تحمي أطفالها بذراعيها – إلا أنها وهم... ماتوا جميعاً في الوقت ذاته. إحدى الفرق العسكرية التي ما زالت تبحث عن الأحياء بعد 36 ساعة من هذا الزلزال القاتل، سمع أفرادها أصواتا وأنين تحت الركام، فاخرجوا كلباً صغيراً تملّكه الرعب، إلاّ أنه أطلقت عليه رصاصة الرحمة حيث وجدوا أن ظهره قد أنكسر. وهناك... خارج المدينة المنكوبة كانت مهمة بلدوزر فرقة الهندسة الملكية مهمة مروِّعة بالفعل، حيث كان البلدوزر يقوم بحفر قبر جماعي لـ 300 شخص توفوا بفعل الزلزال. تحركت سرية المشاة - صمرسيت وكورنوول Somerset & Cornwall التابعة للكتيبة الأولى - لدخول مدينة المرج لتقديم مساعدات إضافية، بعد أن تم إغلاق المدينة في وجه الجميع باستثناء فرق الجيش، بعد فرض حظر التجول من المغرب حتى الفجر لمنع عمليات النهب.
آخر فرق الجيش البريطاني التي غادرت المدينة المنكوبة كانت فرقة الإشارة 245، أي بعد أسبوع بالتمام من الهزة الأرضية الأولى. والتي كانت مهمتها تزويد الطاقة الكهربائية للمستشفى الواقع في معسكر الجيش الليبي في ضواحي المدينة، ولكن هزة أرضية ثانية جعلت من المنطقة مكاناً خطراً على حياة المرضى من الجرحى، فتم إخلاؤهم من المستشفى وبذلك انتهت مهمة فرقة الإشارة 245. ومن بين آيات التقدير والثناء التي تلقاها الجيش البريطاني، كانت كلمة أسقف بنغازي وهو رئيس الكنيسة الكاثوليكية في ليبيا، حيث قال: "إن أعمال الرحمة التي قدمتموها رغماً من الأخطار التي واجهتكم، وتحت المعاناة التي تكبدتموها من جراء ضراوة الطقس، لن ينساه لكم أي إنسان لديه إحساس وقلب نابض وعيون ترى. سوف نتذكركم جميعاً في صلواتنا ولزمن طويل". أماّ الآن فيقوم المهندسون برسم المخططات لبناء مدينة جديدة في موقع آخر، حيث ما تبقى من مدينة المرج لم يعد صالحاً للسكن، فلقد أصبحت الآن مدينة تسكنها الأشباح.
تعليقات الصور:
  • الجندي الإنجليزي بجانب الأطفال: في مخيم اللاجئين الذي تم نصبه على أطراف المدينة الميتة، تشاهد العريف مايكل جلوفرCorporal Michael Glover يُطمئن هؤلاء الأطفال العرب الذين أصبحوا الآن بدون مأوى، وترى الحيرة تظهر على وجوههم.
  • الجنود الذين يبحثون تحت الأنقاض: هذه الصورة تعكس مناظر الرعب التي أصابت مدينة المرج – جندي بريطاني يحفر نفقاً بين الأنقاض في محاولة يائسة لإيجاد أحياء محاصرين تحت أنقاض المدينة.
  • الصورة التي تتوسطها السيارة: سيارة جديدة تخلّى عنها صاحبها في شارع امتلأ بحطام الحجارة المتناثرة بفعل الزلزال.
  • الصورة التي تبين الجنديين الممسكين بعمود فولاذي طويل: بالفؤوس والبالات والأيدي بدون قفازات – يقوم الجنود البريطانيون بالحفر بحثاً عن الضحايا المدفونين تحت أنقاض بيوتهم. توفي حوالي 300 شخص في كارثة الزلزال، ولكن رفع أطنان من الحجارة المحطمة أصبحت عملية مستحيلة.

1- (الكارطة) باللهجة العامية الليبية.
2 - تسمى المرج باللاتيني Barce والتي تعني (برقة) أي أن برقة سميت باسمها.

مواضيع لها علاقة (للباحثين):
  • تقرير من اليونسكو لإعادة بناء مدينة المرج – الدكتور جايز كازاو مينامي مندوب اليونسكو إلى ليبيا لتقديم تقرير عن زلزال المرج (الرابط)
  • سؤال السيد هوبكينز من البرلمان البريطاني بتاريخ 18 يونيو 1963 عن ما هي المساعدات التي قدمتها الحكومة البريطانية لضحايا زلزال المرج (الرابط)
  • دراسة شاملة عن الهزات الأرضية التي أصابت بعض المدن والقرى الليبية في السابق. قام بالدراسة عبد النور سليمان – باولا ألبيني – باولا ميغليافكا (الرابط)
  • معلومات أمريكية تفيد بقيام الجيش الأمريكي بمد المساعدات لمدينة المرج (الرابط)

21-28 Feb 63: Four hours after a severe earthquake at Barce, Libya, on 21 February, six USAFE aircraft lifted rescue and medical personnel and supplies from Wheelus Air Base to the disaster scene.
ملاحظة من المترجم:
قمت بعمليات بحث في المكتبات العالمية فاكتشفت أن هناك فيلم لزلزال المرج مدته حوالي دقيقة واحدة – أنصح كل من لديه اهتمام بتاريخنا القيام بشراء هذا الفيلم لأنه سيفيد الأكاديميين والمؤرخين في المستقبل.
وتفيد المعلومات أن الهزة الأولى لزلزال المرج استمرت لفترة 15 ثانية، ثم تبعتها هزتان أخريان في صباح اليوم الباكر. كما تفيد المعلومات أن الأمريكيين قاموا بالمساعدة أيضاً في نقل معدات ومعونات من قاعدة ويلاس Wheelus الأمريكية الواقعة في الملاحة - طرابلس. ولكن يجب أن لا ننس أن الجيش الليبي تحرّك على مستوى كبير للمساعدة في زلزال المرج، وكذلك المواطنين سواء من بنغازي أو غيرها من المدن الليبية.
(المترجم):
إنها حقاً ذكرى مؤلمة لن أنساها... 21 فبراير 1963م... كان عمري في ذلك الوقت حوالي 12 عاماً...
كنت مستلقي على الحصيرة قرب أبي وأمي وبعض الجيران الذين كانوا في زيارة لنا... في مدينة العز بنغازي الخالدة، حينما شعرت وكأنني في مرجاحة خارقة السرعة صعدت وهبطت بي بسرعة أصابتني بدوخة بسيطة، مثل ذلك الشعور الذي ينتابك عندما تقلع بك الطائرة حينما ترتفع عجلاتها عن سطح الأرض، أو ذلك الشعور الذي ينتابك عندما يصعد بك مصعد فائق السرعة.... هكذا لفترة نصف ثانية..
ربما... أو أقل... أصابتنا الدهشة فخرجنا مسرعين لنستفسر عن الأمر.... إلاّ لنجد الكثير من الجيران وهم أيضاً في الشارع وقد أصابتهم الدهشة.... "الشياب" لكونهم كبار السن عرفوا أنه زلزال، فباشروا بالدعاء أن يحفظنا ويحفظ بنغازي وأن يبعد عنا شرور الدنيا... وبعد فترة جاء الخبر عن طريق شخص كان عنده راديو.... لم تكن أجهزة الراديو متوفرة للجميع في ذلك الوقت.... ناهيك عن التلفزيون الذي لم نسمع به بعد.... يا للمصيبة أنه زلزال كبير في مدينة المرج... مدينة المرج التي أعرف الآن بعد إن تعلمت من التاريخ أنها المدينة العريقة الشامخة التي سميت منطقة برقة بكاملها باسمها Barce برقه، المدينة التي أحاول جاهدا معرفة لماذا سُميت (المرج) ... هل لأنها تغطى بمروج خضراء في فصل الربيع مطرزة بزهور زاهية من كل الفصائل، كما شاهدتها في بعض الصور؟ يا ترى!! سبق وأن زرت هذه المدينة وأحببتها منذ الوهلة الأولى... في اليوم التالي خرج أطفال بنغازي في الشوارع ينشدون في لحن حزين وصوت بريء:
الله .. الله .. يا مرجي الله الله...
الله .. الله ... الله واكبر لا حول الله...
شيء قدير ... مكتوب من الله ايصير...
مكتوب عليك... يا مرجي زلزال ايجيك...
زلزال كبير... مكتوب من الله ايصير...
..... إلى آخر الأنشودة... التي لم أعد أتذكرها، مع أن جيلنا كان يحفظ كافة الأناشيد في ذلك الوقت.
كانت هناك نجوعاً في عام 1963 تحيط بمدينة المرج... فكثير من البدو كانوا يلجئون إلى المدن للانتقال من حياة البادية إلى حياة المدن، كما هو الحال في مدينة بنغازي.. فينصبون خيامهم على أطراف المدينة.
شاهدت في بعض الصور وكأن هذه الخيام قد نصبت في وسط بحيرات من الماء، فمع أن ساكنيها نجوا حتما من الزلزال إلا أنهم وجدوا أنفسهم يسبحون في هذه البرك الموحلة العميقة. ومما زاد الطين بله (بكل ما تعنيه الكلمة) هو زخات المطر المتوالية وكأن الطبيعة تآمرت على هذه المدينة في هذه العملية الرهيبة، حيث استخدمت كافة ما لديها من أسلحة فتاكة، وكأن الزلزال وحده لا يكفي، فحتى أنها اختارت أن تكون في شهر رمضان والناس متعبون مجهدون بعد يوم طويل من الجوع والعطش... وليكون الزلزال في الظلام الدامس لتعقيد عملية البحث عن الأحياء والمصابين، وعززت كل ذلك بهطول الأمطار الغزيرة والرعد والعواصف لتجتمع كافة عناصر الموت والخوف والشقاء ... ولكن لا نعلم ما يعلمه الله عز وجل ... إذ له في خلقه شؤون.
ندعو الله بالرحمة لضحايا زلزال المرج الشهير....
الجنود الليبيون يبحثون عن الضحايا بين الأنقاض
 
سبحانك الله.. كيف نجت هذه الحبوبة؟!

هذه الصور هي الصور الأصلية التي أرسلها مراسل الصحيفة من ليبيا ـ اشتريتها بالمزاد العلني، وعندما فتحت الظرف وجدت الوريقات الأصلية الملصقة خلف الصورة التي كان المراسل يكتب عليها معلومات الصورة مثل التاريخ والمكان الخ.. وعليه اكتشفت أنها الصور الأصلية.
عموماً هي الآن ملك لجميع الليبيين ما دامت تنشر لخدمة الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق