الاثنين، فبراير 06، 2012

الإسلام السياسي الأمريكي قادم.... سالم قنيبر

وعندما أهل الربيع على تونس بقيام الثورة التونسية ، كانت المباركة الأمريكية المعلنة من قبل الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته كلينتون... وعندما لاحت تباشير الربيع في مصر رحب بمقدمه الأمريكان معلنين عن رضاهم بمتعدد المظاهر المفصحة عن الرضا والقبول.... ولم يكن قبل هؤلاء يخفي الأمريكان اهتمامهم ودعمهم للنموذج الأردوغاني التركي (الإسلامي) الأمثل المعد لشرقهم الأوسطي الجديد.... وبتدبير مسبق أو بدونه .. وبعد مخاض سياسي ليس بالعسير... في تونس تصدر حزب النهضة الإسلامي ورئيسه (الغنوشي) المسار السياسي.. وافسخ المجال للمرزوقي (الليبرالي) القادم أيضا من وراء البحار للمشاركة في القيادة السياسية لتونس في عهدها الجديد... وكذلك كان الأمر في مصر وعقب ممارسات سياسية شعبية المنطلق أتت الانتخابات النيابية بالإخوان المسلمين والسلفيين (النصف متشددين) ليتولوا مقاعد المجلس النيابي في بلادهم... ويواصلون أو كما يقال يعدون العدة لتولي الشأن المصري جميعه وفق النهج (الديمقراطي) المتعارف عليه.. ووفق ما تنص عليه أحكام الدستور المعدل. الذي كان تعديل بعض مواده مطلبا ينادي به الثوار.
وماذا عنا ؟؟ أين نحن وما هو موقعنا مما يجري وجرت أحداثه غربنا وشرقنا، وإلى أين يتجه بنا...؟ أو يوجه... أو يراد بنا..؟ أو يعد لنا.. ؟؟؟

في هذا الخضم المتداخل المتسارع المتلاطم تياراته المخفي والظاهر مما يجري عندنا من الأحداث.ِ وعندما انطلقت الثورة من بنغازي (15 فبراير 2011) ... تنادت لها مدن الشرق جميعها والوسط وغرب البلاد... وكان الأمريكان.. ومعهم دول الغرب على موعد بثورتنا مستبشرون... أبدوا اهتماما معلنا.. وباشروا دعمهم السياسي في المجال العالمي والعربي بمتعدد المظاهر... وكانت مشاركتهم في المواجهة.. وقدموا لنا عونا كبيرا - دون التدخل المباشر - كان له وقعه وشأنه الذي يقابل منا بكل الامتنان والتقدير.
وتحركت دوامة العمل السياسي المحلي عندنا منذ الأيام الأولى لقيام الثورة متخذة من بنغازي مركزا لها، تمثلت في المجلس الوطني الذي عين أعضاؤه أنفسهم بأنفسهم.. وغـلـَّقوا على جمعهم أبواب محكمة شمالي بنغازي الحديدية، وأعلنوا عن أنفسهم مجلسا يتولى شئون المحرر من البلاد... على طريق الانقلابات العسكرية ذهب بهم المسار.- ولم يكونوا عسكريين - أولئك الجمع الذين أتوا بالشيخ المستشار ، ليتولى رئاستهم وكان قبلها أمينا للعدل رئيسا لهم... ولم يكن أحد قد أبدى اهتماما تجاههم. ذلك أن استخدام القوة التي أعلن (أنها لم تستخدم بعد) قد شرع ذلك المستبد المفاجأ المضطرب - قد شرع في استخدامها - (والزنقة زنقة والدار دار.). وقد وجه مرتزقة كتائبه المدججين بالسلاح إلى المدن الثائرة لاقتحامها والعبث بمقومات سكانها.. كان انشغالهم بالمواجهة ودعم المتطوعين للقتال وتوفير السلاح والإمدادات لهم.. كان الانشغال الكامل لمئات التنظيمات التي استحدثها المجتمع المدني قد وجه لدعم الجبهات المتعددة لمواقع القتال.. ولم يكن من بينها تنظيم واحد قد أبدى اهتماما بالشأن السياسي المتمثل في ذلك المجلس وما كان يتردد عن ائتلافات تنافسه أو هي تدعمه في تولي العديد من الاختصاصات.
كان ذلك المجلس رئيسه ونائبه وأعضاؤه، من ظهر منهم ومن لم يظهر.. كان تجمعا محلي التكوين.. لا شأن للخارج به.. وقد حظي رئيسه وكذلك نائب الرئيس الذي اختص (برسمية النطق والتصريح) وبعض من عضواته... باهتمام إعلامي عالمي وعربي ومحلي تقوده الجزيرة والعربية اللتان وجهتا متفرغتان لمتابعة تطورات الحدث الليبي العالمي. وفي تلك الأثناء وفي خضم اتساع الانشغال بعنف المواجهة تم الإعلان المفاجئ عن قيام المجلس التنفيذي إلى جانب المجلس الانتقالي.. وكان عملا معدا مبيتا استحدث وجيء بأعضائه الفاعلين مستقدمين من خارج البلاد... محمود جبريل رئيسا ووزيرا للخارجية مقيما في الدوحة.. وفي ذلك الحين لم يكن أحد يعرف من هو محمود جبريل... وقيل أنه كان أمينا سابقا للتخطيط، وأنه إصلاحي ممن كانوا يحيطون بسيف. وشاهدنا حضورا متكررا للسيد جبريل في (الحرة) ولقاءات مطولة في (الجزيرة) يتحدث بلغة عربية سليمة.. متعاليا.. مترفعا.. محاضرا.. في الشأن السياسي الليبي... وبعد العديد من المتابعة للسيد جبريل في الكثير من اللقاءات خرجت بنتيجة أن العروض الذي قدمها لنفسه أو هي أعدت له لم تكن عروضا موفقة.. وأن بعد المكان ورفاهية العيش قد أفقداه التعرف على واقع ما هم عليه من خصوصية وجود... وتراكم معارف... وصعوبة احتواء... صناع الثورة المبهرة عالميا أولئك الليبيون.
وجاء يحمل أجندة... وجاء بخارطة طريق يشق بها الطريق لتولي من أطلق عليهم اصطلاح المنشقين من أتباع العهد المتداعي وغيرهم ممن كانوا لا يزالون غير منشقين عسكريين وتكنوقراط ومدنيين... الحكومة القادمة التي تتولى الشأن الليبي بعد التحرير .. وبموافقة من المجلس الانتقالي تم الإعلان عن تلك الخارطة أو الخريطة ... وفي ذلك الزمن ظهر العشرات في الخارج ممن أعلنوا عن تبرئهم من تبعات الارتباط بالعهد الماضي.. رؤساء (أمانات) وأمناء.. ورؤساء لجان ثورية ومؤتمرات.. وأصحاب رؤؤس أموال ومستثمرين .. وكذلك دبلوماسيين.. وأعضاء في مجلس الانقلاب (الثورة)، تم تهريبهم أو هم خارج البلاد كانوا مقيمين. وكانوا جميعهم في العودة إلى البلاد يتطلعون حكاما قد مهد لهم المجلسان وأعدوا لهم الكراسي ويطول بنا الحديث ويتشعب إذا ما توقفنا عند الأعضاء لذلك المجلس التنفيذي.. وسنجد أن لكل منهم قصة .. ولكل منهم مآرب وتطلعات.. ولكل منهم شأن وذكر.. ولكل منهم إطلالات إعلامية.. وعرض واستعراض... كـُثـُرٌ، هم... وعندما توقف السيد محمود جبريل يائسا بعد تكرار محاولاته المضنية لتشكيل حكومة كان يصر على رئاستها وتولي وزارة خارجيتها... وأعلن عن خروجه من المعترك مستفزا.. متذمرا.. وقال بشأن معارضيه ما قال... ولم يكن المشهد الذي أعقب استقالة المجلس التنفيذي وقيام حكومة الكيب.. لم يكن المشهد.. بل هي مشاهد ليست جيدة تلك التي أخذ في التصريح بها وتوجيه الاتهامات كل للآخر من قبل أولئك الوزراء المبعدين... وأبعد الكثير من المنشقين.. وأبتعد العديد من الأعوان السابقين... وتراجع الكثيرون... ويئس من العودة المستقبلة بدون حساب.. وبدون ملاحقة.. وبدون مساءلة عن أموال نهبت أو آثام اقترفت ارتكبها أولئك الضالون الهاربون. ويذكر هنا للوطنيين الحركيين في مصراتة البطولة، والزنتان العظيمة، دورهم الكبير في الإطاحة بدولة المنشقين.
الظروف التي أحاطت بحكومة المجلس التنفيذي ، عقب اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، وغياب رئيسه الذي فضل البقاء يدير شئونه من الدوحة (هاتفيا).. ويتفقده حضورا بين الحين... والحين. وفرت للسيد رئيس المجلس الانتقالي المجال فسيحا لتقدم الصفوف رئيسا.. زعيما.. منقذا.. شيخا جليلا.. متفردا ومدبرا لكل الأمور... منافقون.. طلاب حاجات.. ومتسلقون انتهازيون وعدد كبير من المتسللين أحاطوا بالشيخ... وأخذوا بعظيم مآثره ومتعدد انجازاته وحكمة قيادته يهتفون...ووجهت كاميرات الإعلام ومراسلو الصحف والفضائيات العالمية والعربية وكذلك المستحدث منها محليا... وأخذت تطرق باب مكتب السيد المستشار الجليل الشأن الرفيع المقام... تطلب حديثا أو تنشد تصريحا.. يتحول إلى خبر هام أو عاجل يتصدر نشرات الأخبار. وتعددت زيارات الشيخ الرئيس للعديد من كبريات عواصم العالم، مستقبلا بالترحاب من رؤساء دولها، كذلك ذهب إلى الأمم المتحدة، مشاركا لقادة العالم في الاحتفال العالمي بما تحقق في ليبيا من عظيم الانتصار... ومؤتمر صحفي يومي عالمي الانتشار كان يشرف على إعداده للسيد المستشار المكلف بملف الإعلام الذي اتخذ قرارا... أو هو أفتى بعدم جواز وجود وزارة للإعلام. وإليه وإلى فتواه يعود التردي الذي آل إليه في بلادنا شأن الإعلام. واستقبل السيد رئيس المجلس الانتقالي ، ساركوزي.. وكاميرون... وكلينتون.. وكذلك الرئيس التركي أردوغان.. وفي بنغازي ردد الهتاف بحياة بنغازي الرئيس الفرنسي.. وتتصدر بنغازي مدن العالم تألقا.. ومكانة... وذكرا.. وعظيم اعتبار. وكان الرئيس الشيخ وقد غمره الضجيج الذي يحيط به من كل جانب والأضواء التي تخطف أبصاره وتسلط عليه من كل (صوب وحدب).. يعقد مع رؤساء الدول الاتفاقيات... وفي كل الشئون كان يتخذ متفردا القرارات وإليه يعود الرأي في التكليف بالمهام والتعيين في كبرى الوظائف في الحكومة كذلك في السفارات.
ولم يكن نائبه المشارك له في الظهور عند أهل بنغازي يحظى بالقبول... كذلك كان أعضاء من مجلسه والمجلس التنفيذي يتحينون الفرص ويتدافعون لعرض أنفسهم والإعلان عن وجودهم في الفضائية الليبية التي قيل إنها خصصت من قطر للسيد شمام.. (ليبيا الأحرار) وما تبعها من فضائيات ليبية مجهولة
الهوية، سيئة المظهر، ليست جديرة بالتعبير عن ثورتنا الذاتية المنطلق العالمية المشاركة. غير أنه.... غير أنه... ما لبث أن تغير بالسيد المستشار وبنائبه وبأعوانه وساء بهم الحال.... وكان لاعتصام ميداني الشجرة والجزائر في بنغازي وطرابلس وتداعياته في المدن الليبية الأخرى... كذلك ما لحق بالسيد نائب الرئيس على أيدي طلبة كلية العلوم.. وما تعرض له السيد المستشار ومقر مجلسه في بنغازي... وما طرأ من التبدل في شأن الإعلام والمئات من المقالات التي تندد بالمجلس وتدين أدائه.. وتعرض السيد الرئيس للانتقاد الشديد من بعض أعوانه ووصفت قراراته بالبدائية والعشوائية والمشبوهة.. وقال السيد شمام في حديث أدلى به مؤخرا بأن السيد المستشار كان يتخذ القرارات متفردا... وأنه لا يزال يتخذ ها حتى الآن رغم ما صدر من إلغاء ما سبق ووقعه منها.... واختفى الجمع المتدافع الذين كانوا يحيطون به وخفت ذكرهم بعد أن رأوا كرسي رئيسهم يتأرجح ويتعرض للاهتزاز .. ولم يعد أحد منهم يظهر أو يبين. وسبحان الله المعز المذل مبدل الأحوال .. تلك بعض من المشاهد الآفلة.. ولكنها ليست كل مشاهد مكونات الوجود السياسي الليبي المتابع في مقال قادم إن شاء الله رب العالمين.
سالم قنيبر
بنغازي 6/2/ 2012
sgneiber@yahoomial.com

المصدر: ليبيا المستقبل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق