الثلاثاء، مايو 01، 2012

فلتنتهي المرحلة الإنتقالية ولنبدأ في صياغة و اعتماد الدستور.... د. عبد الرازق المرتضي

~ كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن}. آمل الا تختزل هذه المقولة المتداولة لعظيم الهند، المهاتما غاندي، التطورات الأخيرة في بلادنا، وما توشك أن تنزلق إليه أوضاعها. إن الكثيرمما يفعل ويقال ويكتب  عن ليبيا، وما يثارهذه الأيام حول تنازع الإختصاص بين المجلس والحكومة يربك مساعي تجاوز مرحلة إنتقالية حرجة. إن هذه المؤسسات ~الإنتقالية} ليست بسلطات تقليدية تجد أساسها في دستور يتبنى مبدأ الفصل بين السلطات. إنها مؤسسات عابرة ليس لها من غاية سوى تنظيم عبور سلس وسريع إلى دولة الدستور والقانون. إن الواجب التاريخي يفرض أن نوظف  الوثائق الإنتقالية السارية والمؤسسات القائمة، وليس الكمال من صفات البشر، في خدمة هذا الهدف.
قد بين الإعلان الدستوري المؤقت الخطوط العامة لإعداد دستور دائم من خلال هيئة تأسيسية، وجاء التعديل رقم 1 لسنة 2012 الذي أجراه المجلس الوطني الإنتقالي المؤقت بتاريخ 13 مارس 2012 على نص المادة 30 من هذا الإعلان ليدخل تعديلات هامة أعادت المسار في جوانب عديدة إلى ما ساد وما يسود في ممارسات الدول المتعلقة بإعداد الدساتير، وهذا ما تتناوله الفقرات التالية:
اولا: صياغة وإعتماد الدستور من قبل هيئة تأسيسية يشكلها المؤتمر الوطني العام:
فَصَّل التعديل رقم 1 لسنة 2012 الذي أدخل على الإعلان الدستوري المؤقت بين المؤتمر والهيئة التأسيسية، وقضى صراحة بإنشاء هيئة تأسيسية من غير أعضاء المؤتمر تتولى صياغة واعتماد الدستور. ومما دفع لهذا النهج ما أثير وما يثار حتى اليوم من  مشاغل حول تركيبة المؤتمرالوطني العام وطريقة انتخاب أعضائه بما لايراعي مقتضيات التوافق  الوطني.
 وعوضا عن إعادة النظر في تركيبة المؤتمر أتجه التعديل إلى إنهاء مهامه  المتعلقة بإعداد وإعتماد الدستور، وإناطة هذه المهام  بهيئة تأسيسية  منحت  ولاية  كاملة في صياغة مشروع دستور البلاد،  بل  وإعتماده. ولم يعد للمؤتمر سوى  إختصاصة الشكلي المتعلق بإصدار الدستور، هذا مع الإبقاء على إختصاصاته الأخرى غير الدستورية.
 ومع ذلك أناط التعديل بالمؤتمر الوطني العام مهمة  اختيار ~ أو تعيين} الهيئة التأسيسية. وتشير ممارسات الدول إلى أن إختيار أعضاء الهيئات أوالجمعيات التأسيسية قد يتم عن طريق  الإنتخاب (تونس)، بمساعدة او رقابة دولية (نيبال،كمبوديا،اوغندا...). وقد يتبع التمثيل الجغرافي ( تيمور الشرقية في ظل الإدارة الإنتقالية للأمم المتحدة حيث صوتت كل ولاية لانتخاب ممثل واحد في الجمعية وتم اختيار بقية الاعضاء على مستوى الدولة على اساس التمثيل النسبلي). واتبعت بعض الدول طريقة تجمع بين الانتخاب والتعيين (نيبال ، اوغندا...). وفي بعض الحالات أعترف للسلطة التشريعية الشرعية القائمة  بدور الجمعية التأسيسية (جنوب افريقيا، البرازيل...).
 وفي كل الاحوال تكتسي طريقة إختيار هيئات صياغة الدستورأهمية كبيرة تملي وضع ضوابط ومعايير عضوية واضحة. لقد ابتعدت التجربة التونسية، كما سلفت الإشارة، عن التجربة الليبية والتجربة المصرية وأسلوب التعيين،  وأعتمدت الإنتخاب على أساس نظام التمثيل النسبي ~ للحيلولة دون إنفراد حزب واحد بالإغلبية المطلقة } كطريقة لاختيار أداة  صياغة الدستور (انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي  في 23 أكتوبر 2011).
وكانت التجربة المصرية دون ذلك وما زالت تتواصل المناقشات والإختلافات حول معايير عضوية اللجنة الدستورية وطريقة تشكيلها. لقد قضى الاعلان الدستوري الذي اصدره المجلس العسكري الحاكم  عقب سقوط النظام السابق بأن يقوم الاعضاء المنتخبون في مجلسي الشعب والشورى بانتخاب لجنة تأسيسية من مئة عضو لوضع دستور جديد للبلاد، ولكنه لم يحدد  معايير عضوية اللجنة  ولم يوضح ما اذا كان ينبغي انتخاب الأعضاء من داخل او من خارج البرلمان. وأعتبر ما جاء في الإعلان مخالفا  للمبادئ والقواعد الدستورية المستقرة حيث ليس للمجالس التشريعية وحدها وضع دستور هو السلطة الاسمى التي تخلق السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتعددت مطالبة المجلس بتعديله (لاسيما المادة 60) أو إصدار إعلان تكميلي.
وتم تشكيل اللجنة الدستورية، وأعتبر هذا التشكيل وعلى نطاق واسع غير متوازن ولا يمثل كل طوائف المجتمع بل يجسد هيمنة تيار سياسي واحد تمكن من إحكام هذه الهيمنة من خلال إدخال الاغلبية البسيطة كقاعدة للتصويت في اللجنة. وقررت محكمة القضاء الإداري المصري في حكم صدر يوم الثلاثاء الماضي " 10 إبريل 2012 " وقف تشكيل اللجنة التأسيسية ~وأن قرار اختيار نصف أعضاء هذه اللجنة من نواب مجلسي الشعب والشورى}  قرار إداري خاطئ يشوبه انحراف في استخدام السلطة".
 وقد يملي الوضع والظروف الخاصة لليبيا حلولا خاصة. لقد سلف القول بأن التعديل قد أناط  بالمؤتمر الوطني العام مهمة إختيار أعضاء الهيئة التأسيسية، ولكنه أشترط بأن يكون ذلك ~على غرار لجنة الستين التي شكلت لإعداد دستور عام 1951م}. ومن المعروف أنه لوحظ خلال إعداد هذا الدستور صعوبة إجراء الإنتخابات في الظروف القائمة في البلاد حينئذ، وتم الإتفاق على تعيين اعضاء اللجنة من قبل قيادات سياسية واجتماعية ودينية كانت محل ثقة الجميع. وما أشبه الليلة بالبارحة، حيث تمر ثورة 17 فبراير بمرحلة حرجة  يسودها إنتشار السلاح على نطاق واسع مما  يجعل من تنظيم قوى الأمن وإرساء الاستقرار أولوية حيوية مطلقة.
ونعرف أنه ما زالت توجة الإنتقادات لطريقة إنتخاب المؤتمر الوطني نفسه، وتعترض تنظيم إنتخاباته صعوبات عديدة منها ما يتصل بالوضع الأمني، ورغم تأكيد المجلس الوطني الإنتقالي على إجراء هذه الإنتخابات في موعدها، لما لإطالة الفترة الانتقالية الراهنة من مخاطر تنال من الأهداف السياسية الكبرى للثورة ومقتضيات تحقيق استقرار البلاد في أقرب وقت، ما زالت تتكرر المطالبة بتأجيلها لضمان مصداقيتها وشفافيتها.
ثانيا: ضوابط تشكيل الهيئة التأسيسية من قبل المؤتمر الوطني العام:
  إن مؤتمرنا الوطني العام المقرر إنتخابه في 19 يونيو القادم مطالب بإختيار ~الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور}  في مدة لاتتجاوز ثلاثين يوما من أول اجتماع له. وعليه القيام بذلك على ضوء الضوابط المحددة في التعديل، وغيرها من الضوابط السائدة في ممارسات الدول التي عرفت جمعيات أو هيئات تأسيسية. وتتصل هذه الضوابط بعدد أعضاء الهيئة، وبشكل خاص بشروط عضويتها.
 وفيما يخص عدد الأعضاء قضى التعديل بأن تتكون الهيئة من ستين عضوا. وتُظْهِر ممارسات الدول تباين مواقفها بشأن عدد أعضاء الجمعيات التأسيسية بين 25 عضواً إلى عدة مئات من الأعضاء. وتحدد الدول هذا العدد على نحو يكفل تمثيل كافة افراد ومكونات المجتمع وعلى ضوء أوضاعها الجغرافية والسياسية والإجتماعية ( 100 عضوا في مصر، 217 عضوا في تونس ، 88 عضوا في تيمور الشرقية ، 601 عضوا في نيبال، 299-389 عضوا في الهند).
 وفيما يتعلق بشروط العضوية قضى التعديل بأن تتكون الهيئة ~على غرار لجنة الستين التي شكلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951م.}. ومن المعروف أن هياكل إعداد هذا دستور قد بدأت ~بلجنة الواحد والعشرين} ، والتي كانت توصياتها  مدخلا لمقترح بمعايير اختيار أعضاء ~الجمعية الوطنية التأسيسية} بما يجسد المساواة الكاملة بين الأقاليم الليبية الرئيسية الثلاثة. وانبثق عن لجنة الستين: ~لجنة الدستور}، وشكلت من داخل هذه اللجنة ~لجنة العمل} وهي التي قامت بوضع الدستور مسترشدةً بأحكام دساتير دول عديدة  وبآراء خبرات قانونية عربية ودولية رفيعة حتى أنهت أعمالها.
~يراجع  ما  أورده السيد أدريان بيلت/ مندوب الأمم المتحدة في ليبيا  في كتاب نشر سنة 1970 واشتمل على (1016) صفحة موزعة على (9) فصول، وحمل عنوان:
استقلال ليبيا و الأمم المتحدة: حالة تصفية استعمار مخططة
Libyan Independence and the United Nations: A case of planned Decolonization
 وتشير ممارسات الدول إلى أن معايير عضوية الجمعيات التأسيسية تقوم على مراعاة الأوضاع الجغرافية/السياسية وأوضاع الأقليات والخبرة  والتخصص. كما تشير إلى إستبعاد بعض التنظيمات والأفراد كأعضاء في الجمعيات التأسيسية بل وحتى كناخبين. وفي أثيوبيا لم يسمح لأعضاء الحزب الحاكم السابق ~حزب العمل الأثيوبي} بالتصويت في انتخاب الجمعية التأسيسية. وغير بعيد عن ليبيا برزت إجراءات ~العزل السياسي} و منع قرار انتخاب الجمعية التأسيسية  التونسية مسئولين سابقين من الترشح وكذلك من التصويت (القرار رقم 35 الصادر في 10 مايو 2011).  وانتقد هذا الإجراء~ الإقصائي} في بعض الحالات وخاصة التوسع فيه ليشمل قطاعات مهمة من المواطنين، بل تم التراجع عنه بعد تهديدات بمقاطعة الانتخابات (العراق). 
 وفي كل الأحوال فإن قيام المؤتمر الوطني العام بإختيار أعضاء الهيئة التأسيسية  يملي العمل على الاستفادة من الوقت الضائع فى المرحلة الانتقالية للبدء عمليا فى تقديم مقترحات وتصورات حول معايير إختيارهم والمؤهلات السياسية والقانونية المطلوبة على نحو يكفل تمثيل كافة الوان الطيف الليبي.  وتثار التساؤلات حول المعايير العامة للعضوية التي سيطبقها المؤتمر بشأن الأقاليم الليبية الرئيسية الثلاثة، وهل يعتد في تحديد التبعية لهذا الإقليم أو ذاك بموطن الإقامة (إحصاء سنة2006)، أو بموطن الميلاد، أو بالموطن الأصلي (قانون الانتخابات رقم 6 لسنة 1964). إن سياسات التهميش ثم الحرب والقتل والتدمير لها تداعياتها العميقة، القديمة والحديثة، على التركيبة الاجتماعية الليبية وافقدت الكثير من هذه المعايير قيمتها الحقيقية. وتفرض التضحيات الغالية التي ساوت بين جميع الليبيين من أجل المساواة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية،  مراعاة كل ذلك وعدالة تمثيل مختلف أطياف الشعب  فى تشكيل الهيئة.
إن مهام الهيئة التأسيسية تسمو على المهام التشريعية التقليدية وتحكمها، وتقتضي في الأعضاء حكمة ومسؤولية وطنية وسياسية بعيدة عن حسابات الدوائر الانتخابية الضيقة. ويجب أن تجسد الهيئة وحدةً وتوافقاً وطنياً والاستعداد لقبول حلول يرضى عنها الكافة، بما في ذلك الأقليات. فالدستور لا يصاغ من قبل أو من أجل أغلبية اليوم، السياسية أو الاجتماعية أو الجغرافية، لينتهي بتبني نظام سياسي يعطي هذه الأغلبية الظرفية القول الفصل في شؤون البلاد لسنوات طويلة قادمة. ويبدأ تحقيق هذا الوفاق من أداة وضع الدستور، والتي يجب أن تضم كفاءات تتحلى بسعة الأفق والاستعداد للحوار وقبول الحلول التوفيقية، وأن تمثل حقيقة كافة أنحاء البلاد ومختلف مكونات المجتمع، ويشارك فيها جميع الليبيين بمختلف مكوناتهم الاجتماعية  والجغرافية.
ثالثا:مهام الهيئة:
تقتضي فعالية وشرعية الجمعيات أو الهيئات الدستورية توفر عناصر أساسية تشمل وضوح مهام الجمعية ووجود مجموعة محددة من القواعد والإجراءات. وتختلف ممارسات الدول بشأن هذه المهام، وتعتمد المواقف على الإطار العام لإعداد الدستور. وقد تتجاوز هذه المهام صياغة وإقرار الدستور لتشمل مهام تشريعية/حكومية متصلة بتنظيم الدولة (ليبيا والهند عقب استقلالهما، نيبال، تونس بعد الثورة حيث انيطت بالمجلس التأسيسي مهمة الإعداد لإنتخابات تمهد لتشكيل حكومة دائمة).
على أن العديد من الممارسات تحصر مهام الهيئة او الجمعية في الصياغة والتصديق على الدستور، وهذا ما اتجه إليه  التعديل رقم 1 الذي ادخل على الإعلان الدستوري المؤقت عندما أناط بالهيئة التأسيسية مهام صياغة وإعتماد الدستور، وابقى على المهام التشريعية/الحكومية للمؤتمر الوطني.
 وتعد الصياغة المسؤولية الرئيسية  للهيئة ويضاف اليها، طبقا للتعديل، إعتماد مشروع الدستور أو التصديق عليه. وقضى التعديل بأن تصدر قرارات الهيئة بأغلبية ثلثي الأعضاء زائد واحد.
 وتختلف ممارسات الدول بشأن إجراءات هذا التصديق والأغلبية المطلوبة بشأنه. وتشترط بعض هذه الممارسات موافقة الجمعية فقط على مسودة الدستور بأغلبية بسيطة  أو خاصة ~ثلثي الأصوات}.  وتتضمن ممارسات أخرى إجراءات إضافية في حالة عدم توصل الجمعية  إلى قرار بشأن مسودة الدستور. كما  يشترط  احيانا موافقة هيئة أخرى حيث تتولى الجمعية التأسيسية صياغة الدستور، ولكن مع تقديمه إلى هيئة مختلفة للتصديق عليه، وهذاما نص عليه الإعلان الدستوري المؤقت قبل تعديله حيث اناط مهمة التصديق بالمؤتمر الوطني العام.  وفي العراق  قامت الجمعية التأسيسية بإعداد مسودة الدستور ثم قدمتها إلى المؤتمر الوطني الإنتقالي للتصديق. وفي جنوب أفريقيا كان يتوجب تقديم مسودة الدستور إلى المحكمة الدستورية للتصديق ثم توقيع رئيس الدولة عليه.
كما قد يشترط إجراء إستفتاء، وهذا ما ذهب إليه الإعلان الدستوري وأكده التعديل حيث  يطرح مشروع الدستور للاستفتاء عليه ~بنعم أو لا} خلال ثلاثين يوما من تاريخ اعتماده. فإن وافق الشعب على المشروع باغلبية ثلثي المقترعين تصادق الهيئة علي اعتباره دستورا للبلاد ويحال إلى المؤتمر الوطني لإصداره، وإذا لم تتم الموافقة عليه تقوم الهيئة بإعادة صياغته وطرحه مرة أخرى للإستفتاء خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما، من تاريخ الإستفتاء الأول.
وفيما يخص الإطار الزمني لمهام الهيئة، قضى التعديل بأن عليها الإنتهاء من صياغة وإعتماد مشروع الدستور في مدة لاتتجاوز مائة وعشرون يوما من إنعقاد إجتماعها الأول. وبهذا وضعت الهيئة امام تحدي زمني كبير، وإذا كانت هذه المدة لاتتجاوز في ممارسات بعض الدول أشهر قليلة (3 أشهر في كمبوديا وتيمور الشرقية...)، فإنها تصل إلى سنوات في ممارسات أخرى (سنة في تونس، وسنتين في جنوب أفريقيا ونيبال، وثلاث سنوات في اريتريا ...). ومع ذلك تظهر السوابق أن الإطار الزمني، الذي يتأثر غالبا بالظروف الأمنية، لم تتم مراعاته كما سبق تحديده، وأتيح للجمعيات والهيئات التأسيسية في حالات عديدة   وبسهولة الحصول على مدد اضافية. 
وتختلف ممارسات الدول  حول وضع الهيئات أو الجمعيات التأسيسية بعد إقرار الدستور، وهل تتحول إلى سلطة تشريعية أو يتم حلها تجنبا لتضارب مصالح  قد ينتج عن تمكين الجمعية اوالهيئة خلال صياغة الدستور من تحديد صلاحيتها التشريعية المستقبلية. ففي تيمور الشرقية قررت الجمعية التأسيسية  تحويلها الى سلطة تشريعية عقب إقرار الدستور، وأيدت معظم الأحزاب السياسية هذا القرار، وذهبت جنوب افريقيا إلى تحويل الجمعية التأسيسية جزئيا إلى سلطة تشريعية .   
رابعا: تنظيم اعمال الهيئة التأسيسية:
تشير ممارسات الدول إلى أن الجمعيات التأسيسية تستخدم آليات مختلفة لتعزيز تنظيمها وأنشطتها. ولتحسين كفاءة ومرونة اعمال الجمعيات التأسيسية غالبا ما يتم تقسيمها إلى لجان  يتراوح عددها بين اربع وثماني لجان يتولى كل منها صياغة موضوع معين من موضوعات الدستور. ومن السائد أن يتضمن تنظيم الهيئة او الجمعية التأسيسة  رئاسة تختارها وهيئة مكتب و أمانة فنية رفيعة  وباحثين أكفاء.
 ومما يتصل بتنظيم أعمال الهيئة آليات إتخاذ قراراتها. لقد قضى التعديل بأن تصدر قرارات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بأغلبية ثلثي الاعضاء زائد واحد.
ولا شك أن قواعد وإجراءات التصويت  للوصول إلى توافق بشأن الصياغات والتوصيات  المختلفة تكتسي أهمية خاصة في مجمل ممارسات الدول. ومع كل ذلك يستدعي إعداد الدستورالعمل بعيدا عن قواعد الأغلبية التقليدية المعمول بها في الهيئات التشريعية لصالح توافق يتعين أن يكون في مقدمة منهج عمل وقواعد إجراءات هيئة مكلفة بإعداد دستور يمثل الحامى والضامن لحقوق الجميع. ومما يمليه إعمال هذا المبدأ، الإيمان المسبق بوجود الآخر واكتشافه والتعرف على ما يريد ~وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} فبذلك يحل التواصل والتقارب وتحقيق المصلحة الوطنية المشتركة محل التنافر ونزعة الانكفاء والإقصاء.
 وضمن هذا الإطار تعد الآليات التي تضمن مشاركة كافة المواطنيين والشفافية أمرا بالغ الأهمية في ممارسات الدول لضمان التوافق المنشود وزيادة شعور المواطنيين بأنهم الملاك الحقيقيين للدستور ورضاهم التدريجي بالمنتج النهائي.  وتتضمن تلك الآليات عادة التغطية الإعلامية والحملات التثقيفية والتوعية وإستقبال الاراء والتوصيات الشفوية والتحريرية للمواطنيين وغيرها من الوسائل.
 وأخيرا نشير إلى أن ممارسات بعض الدول قد اتجهت إلى  الإستعانة بخبرات قانونية خارجية لمساعدة لجنة صياغة الدستور في عملها. وفي هذا الخصوص تظهر الحاجة  للاستفادة من الأمم المتحدة بتجاربها القديمة والحديثة في تقديم المساعدات  الدستورية ( ليبيا عند إعداد دستور 1951، الهند، إرتيريا، كمبوديا، تيمور الشرقية، افغانستان....). وكما استفاد الآباء من المنظمة في إطار جمعيتها العامة، فإن على الهيئة التأسيسية القادمة السعي للإستفادة الأمثل من بعثة الأمم المتحدة العاملة في ليبيا بموجب قرارات مجلس الأمن.

د. عبد الرازق المرتضي
بعثة ليبيا لدى الأمم المتحدة/ نيويورك
عضو لجنة القانون الدولي/ جنيف
www.aelmurtadi.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق