الثلاثاء، فبراير 28، 2012

داوِ جرحك لا يتّسع.... أبو خالد

وقّع هارون الرشيد "برقية" إلى صاحب خراسان (داوِ جرحك لا يتّسع). وهو يريد أن يقول له (أصلح أمورك وأمور الناس قبل أن يفلت منك الزمام وتندلع الفتنة فلا تستطيع حينئذ لها علاجاً).

يحس عامة الليبيين بما وصلت إليه حال البلاد من فوضى بسبب انحراف الميليشيات المسلحة الموجودة على الساحة اليوم، أقول الميليشيات وأعنيها، حتى أخرج الثوار الحقيقيين من دائرة الاتهام، وهم - أي الثوار الحقيقيون- إما أن يكونوا قد انسحبوا من المشهد لما انحرفت الثورة، أو أنهم يتفرجون ولا يحركون ساكنا، وفي الحالين فقد جانبوا الصواب وعليهم إثم كبير، لأنهم أزالوا ظلما كان سائدا، ومكنوا لظلم لا يقل عنه سوءا نراه رأي العين، ولا داعي للتفصيل فالجميع يلمسه أو يراه أو يسمع به.


ما وصلنا إليه أمر لا يحتمل، وواقع لا يمكن السكوت عليه، وعلى الليبيين جميعا تحمل مسؤولياتهم تجاه ما يحدث. فقد بلغ السيل الزبى، وبلغ الحزام الطبيين، وأشرف المركب – ليبيا – على الغرق. وإذا – لا سامح الله – انزلقت البلاد إلى ما لا يحمد عقباه فليعلم الجميع؛ (الثوار ومن يساندهم، وأشباه الثوار، والصامتون، والمعارضون للثورة بأيديهم أو بألسنتهم أو بقلوبهم) ليعلم الجميع بأنه " لا عاصم " يومئذ لكل هؤلاء من الطوفان.

أيها الليبيون؛ أين العقلاء، أين أصحاب الغيرة على الوطن، أين المصلحون، أين الحكماء، أين المشايخ، أين الشباب الواعد، أين أعيان المناطق؟ هل دفن الجميع رؤوسهم في الرمل؟.

لا زال عامة الناس متفائلين بأن الليبيين لن يقتل بعضهم بعضا، ولن ينزلقوا نحو الفتنة، ولعل الباعث على هذا التفاؤل هو الرباط الوثيق بين أهل ليبيا جميعا، رباط الدين والوطن، والترابط الاجتماعي من قرابات وجوار وأحلاف ومصاهرة ومعارف وصداقات، ولكل منا علاقة من نوع ما بمنطقة ما من مناطق ليبيا. فلنتكاثف جميعا من أجل الوطن، ولنأخذ جميعا بحق المظلومين أينما كانوا فالظلم هو الظلم، ولنكل ذلك إلى مؤسسات المجتمع ( القضاء والأمن ولجان الصلح وغيرها) ولا نقتص بأيدينا خارج سلطة القانون، فذلك يزيد الأمور تعقيدا. لنقدم القتلة والمغتصبين والسارقين والمحرضين على تلك الجرائم للعدالة. وليكف من بأيديهم السلاح عن الاستقواء والتغول على إخوتهم في الوطن، ليكف هؤلاء عن سياسة التعميم والعقاب الجماعي، ليكفوا عن التعدي على الأنفس والحرمات والأموال الخاصة والعامة. وليكف الطرف الآخر عن المعاندة والمكابرة والتمسك بالماضي، وليعلنوا ذلك دون مواربة، لن يفسر ذلك بالضعف أو الخوف أو الاستسلام، فالجميع إخوة في الدين والوطن، ولن ننهض ببلادنا متفرقين. الأمن الذي ننشده والحرية التي نبشر بها ليست لفئة دون أخرى. بناء الوطن هدفنا جميعا، والفتنة ننبذها جميعا، فلن يسلم منها- إذا استيقظت - الداعون لها ولا المتفرجون عليها، لن يكون أي مواطن على امتداد أرض الوطن آمنا في بيته، ولا في سفره، ولا في عمله، ولنا في دول تعرفونها عظة وعبرة. ليس من مصلحتنا أن يتحول أمننا خوفا، ولا ازدهارنا تخلفا، ولا غنانا فقرا، ولا شبعنا جوعا.

إن استبدال ظلم بظلم وطاغية بمثله لا يرضي أحدا. إن مظالم بعض ثوار الجبل ومصراتة والزاوية وزواره وغيرهم هو ذاته ظلم الطاغية وأعوانه ( أعوانه فقط ) من سرت وبني وليد، بل ومن أغلب نواحي ليبيا، فالحق يقال بأن أعوانه كانوا من مختلف المناطق، وإن كانوا بنسب متفاوتة.

إخوتي بني وطني، وحدكم التكبير والهدف المشترك فنجحتم وانتصرتم، وغرتكم المغانم وامتلاك السلاح والسيطرة فانحرفتم ويكاد عقدكم أن ينفرط وحبلكم أن ينقطع. لا أتمنى أن نصل إلى مقولة العراقيين "نار صدام ولا جنتكم"، بل ولا أتمنى أن تنطبق علينا مقولة فقهائنا القدامى "سلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، وبدون مكابرة فقد أطلت الفتنة برأسها، وعلينا قطع دابرها ودفنها مع الطاغية في مكان مجهول!!. واعلموا أن هدف عامة الليبيين العيش في أمن وازدهار، يحتكمون إلى صناديق الاقتراع، الرأي مقابل الرأي، وليس السلاح مقابل السلاح، فقد تكون الغلبة للأقوى، ولكن إلى حين، ولكم في النظام السابق عبرة لمن أراد أن يعتبر. تزدحم الكلمات ويعجز اللسان عن وصف ما نحس به، وكلما سألت مواطنا أجابك "يضيق صدري ولا ينطلق لساني". أما أنا فعند شعوري بذلك فزعت إلى أقوال الماضين لأجد ما أعبر به عن حاضرنا فلم أجد خيرا من قول الشاعر نصر بن سيار:

أرى خلل الرماد وميض نار     ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن النــار بالعودين تـذكى     وإن الحــرب أولها كلام
فإن لم يطفها عقــلاء قـوم     يكــون وقودها جثت وهام

سلم الله ليبيا وأهل ليبيا، فقد عانوا كثيرا، وقدموا ما يعجز الآخرون عن تقديمه، وحق لهم أن ينعموا بحرية ومساواة بقدر ما قدموه من تضحيات، أما خلاف ذلك فخيانة لدم الشهداء والجرحى والمفقودين. وطعنة غادرة لذويهم الصابرين الذين تهون عليهم تلك التضحيات إذا حققت هدفها، ويتضاعف جزعهم وحزنهم إذا خنتم دماء أبنائهم فأضعتموها هباء، ولم تكونوا أوفياء لها، فإذا لم تعيروا وطنكم الأهمية التي يستحقها، فلا أقل من أن تحترموا تلك الدماء الطاهرة، والقلوب الدامية.

الرجبان في 17-2-2012م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق