الثلاثاء، نوفمبر 30، 2010

جولة مع كتاب الوقائع التاريخية البرقاوية


أتحف د. إبراهيم أحمد المهدوي عضو هيأة التدريس بقسم المكتبات في جامعة قاريونس، المكتبة التاريخية العربية و الليبية على وجه الخصوص بإصدار جديد البسه ثوبا عربيا بدلا من ثوبه الإيطالي، تمثل في ترجمته لكتاب الأب فرانشيسكو روفيري الذي صدر مرقونا على الآلة الكاتبة في بنغازي عام 1961.
وقد عَنوَنَ ترجمته بـ(عرض للوقائع التاريخية البرقاوية، التاريخ الكرونولوجي لبرقة 1551-1911) التي صدرت مؤخرا عن منشورات مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية، ضمن سلسلة الدراسات المترجمة رقم 42، في طبعة أنيقة بلغ عدد صفحاتها 222 بحجم 24×17 سم، وللكتاب أهمية خاصة لأنه يعرض الوقائع التاريخية للجزء الشرقي من ليبيا (برقة) خلال العهد العثماني/ التركي، وتبرز أهميته بسبب قلة الدراسات و المعلومات التاريخية عن هذه الفترة المتمثلة في شذرات مبعثرة في بطون بعض الكتب الأجنبية، وقد استطاع روفيري أن يدون المعلومات التي جمعها عن تاريخ برقة من مصادر ووثائق غير متداولة أبرزها أرشيف القنصلية الفرنسية في بنغازي، ووثائق البعثة الفرنشيسكانية في برقة، وأرشيف المندوبية البابوبية في بنغازي المحتوي على مراسلات مندوبي القناصل الأجانب في بنغازي مع الحكومة العثمانية، ومن هنا جاء تميز هذا العمل باطلاعه على مصادر نادرة و غير مسبوقة عند كتابته لتلك الحوليات، وتلك المصادر قدمت معلومات دونت من قبل جهات محايدة إلى حد ما كانت شاهدا عيان على الكثير من الأحداث، ومن هنا جاءت أهمية الكتاب و ما حواه من معلومات تعد مصدرا لا غنى عنه لتاريخ برقة في العصر العثماني، وعلى الرغم من صدور هذا المرجع منذ عام 1961، إلا أنه لم يستفد منه بشكل كبير بسبب لغته الإيطالية و عدم انتشاره فهو مرقون على الآلة الكاتبة ولم تطبع منه كميات كبيرة.
ولعل أ. محمد مصطفى بازامه (رحمه الله) يعد من أوائل الذين عرّفوا بهذا الكتاب و استفادوا منه أيما استفادة في كتابه بنغازي متصرفلك بأجزائه الثلاثة بل أن من دواعي تأليف أ. بازامه لكتابه اطلاعه على كتاب روفيري و قد أشار إلى ذلك في مقدمته لكتابه المشار إليه، و يمكن الاطلاع على الكثير مما جاء في كتاب روفيري في ثنايا كتاب بنغازي متصرفلك بعد نقد و تمحيص أ. بازامه وتقييمه لكثير من المعلومات التي دونها روفيري و تصحيحه بعضها.
وترجمة د. المهدوي لهذا الكتاب العتيد يعد إضافة مهمة مكنت الباحثين من الاطلاع على الكتاب في لغة عربية بترجمته الأمينة والدقيقة للوقائع البرقاوية التي انتهج مؤلفه في سردها نظام الحوليات أو التسلسل الزمني إذ يذكر السنة ويسرد أهم الأحداث التي وقعت بها وتيسر الحصول عليها، وفي هذا الصدد هناك الكثير من السنوات شحت المصادر التي اعتمد عليها في تقديم وقائع تلك السنوات، ومما يجدر ذكره أن الحوليات تبدأ فعليا بعام 1620 على الرغم من عنوان الكتاب يذكر أن مجاله الزمني يبدأ منذ عام 1551 وهي السنة التي بدأ فيها العهد العثماني في طرابلس، وهذا خطأ من المؤلف وجب التنبيه عليه و عذره في الوقت ذاته بسبب عدم توفر أية معلومات تاريخية تسبق عام 1620، كما أن العنوان يذكر عام 1911 نهاية المجال الزمني للكتاب وقد جاءت وقائع هذه السنة مختصرة للغاية و ذكرت وقائع عام 1911 قبل وقائع عام 1908 و يبدو هذا خطأ طباعي. ومما تجدر الإشارة إليه أن المعلومات التي يقدمها هذا الكتاب قد تندرج تحت تسمية الكشكول التاريخي فهو يسجل المعلومات التي وجدت موثقة في الوثائق المشار إليها أعلاه بدون تبويب أو تصنيف وبدون غربلة تلك المعلومات التي تتلخص في ذكر الأعمال البنائية و الإنشائية التي حدثت في بنغازي و المدن البرقاوية الأخرى أهمها بناء المساجد وترميمها والأعمال المدنية الأخرى، والمعلومات الواردة في هذا الشأن تعد وثيقة لا غنى عنها لدارسي التطور المعماري لمدينة بنغازي و مبانيها، والكتاب كثيراً ما يستعرض الأحوال الصحية للمدن البرقاوية من خلال التعرض للأوبئة التي أصابت سكان المدن وبعض الإجراءات التي اتخذت حيالها، ومن ثم فهو سجل لتاريخ الوضع الصحي للإقليم في العصر العثماني، كما أن الكتاب يعرض تاريخ زيارة بعض الرحالة إلى برقة و بعض أعمالهم، وقد أخطأ روفيري في تاريخ زيارة بعض أولئك الرحالة ـ مثلا لا حصرا ـ تاريخ زيارة جيمس بروس ضمن وقائع عام 1750 والصحيح أن زيارته كانت عام 1766، كما ذكر خطأ وفاة الرحالة هانريش بارث أثناء رحلته الأولى (1845-1846) عبر ساحل شمال أفريقيا ضمن وقائع عام 1845، وزيارة الرحالة هاملتون كانت عام 1852 و ليست عام 1850، كما أن الكتاب يستعرض الكثير من الحوادث السياسية منها تولي الحكام الأتراك لمناصبهم و أهم أعمالهم وطرق جبايتهم للعشور و الضرائب (الميري) من القبائل الليبية المنتشرة في البوادي.
يؤرخ روفيري لوقائع القبائل القاطنة حول بنغازي و في عموم برقة متتبعا حركتها بين فيافي البادية و الصراع الدموي الذي يطرأ من حين إلى آخر بين بعضها البعض، إضافة إلى خروج بعضها عن عصا الطاعة العثمانية وما تولد عنه من حملات عسكرية ضدهم أشار إليها روفيري في ثنايا وقائعه، كما رصد الحركة التجارية في المدينة من حيث الصادرات و الواردات و حركة الميناء كقدوم بعض السفن التجارية وما تحمله من مؤن لاسيما ميناء بنغازي، كما رصد الكثير من الوقائع المحلية التي حدثت في مدينة بنغازي مثل واقعة نزاع بين صقلي بائع خمور و أحد الزنوج بالمدينة و ما نتج عنها من مشكلة كبيرة في المدينة أدت في النهاية بالقناصل إلى منع رعاياهم بيع الخمور لأنها كانت تسبب الكثير من المشاكل، إضافة إلى جنوح بعض السفن إلى الشاطئ وموقف الأهالي منها،و مجيء القبائل إلى بنغازي لتقديم ولاء الطاعة لكل حاكم تركي جديد وحصولهم على البرنوس التركي، كما يؤرخ لوفاة بعض الشخصيات المهمة في المدينة مثل وفاة الحاج رمضان الكيخيا في 30/5/1833، ووفاة أبوبكر بوحدّوث زعيم قبيلة البراعصة عام 1870، و اهتم روفيري بعرض جملة من الوقائع عن المسيحيين وشؤونهم مع الطوائف المختلفة واهتم بطائفته الفرنشيسكانية على وجه الخصوص.
ولم يقتصر الكتاب على تلك الوقائع ولكن روفيري أضاف إليها ملحقا شارحا لبعض الأمور التي رأى أنها بحاجة إلى تعليق وافٍ فأسهب في الحديث عن الإنكشارية، والصراعات القبلية بين القبائل لاسيما ما يعرف بتجريدة حبيب، وعرّف ببعض المرابطين من بينهم سيدي خريبيش و سيدي غازي و سيدي رافع و غيرهم،، وقد قام في مقدمة كتابه بوضع قائمة لحكام برقة منذ عام 1863 إلى 1911 أرفقها بسرد ملخص عن بعضهم مثل خليل باشا و رشيد باشا و طاهر باشا، إضافة إلى مقتطفات عن النظام الإداري لبرقة وطريقة جباية الضرائب ومن كان مسئولا عنها من قبل بعض الأسر الليبية، وأشار إلى الوظائف الحكومية وتدرجها ومهام كل موظف يتولى أحد تلك المناصب، وقد أضاف المترجم مسردا بحكام برقة منذ عام 1638 إلى 1911،و كشافا للأعلام والأماكن يساعد القارئ على التجول في الكتاب، كما أن الصور الملحقة بالكتاب تعد إضافة مفيدة من المترجم.
ومما تقدم فالكتاب يحوي بين دفتيه معلومات متنوعة عن إقليم برقة ذات طابع سياسي و اقتصادي وعمراني و ديني ويحوي أخبارا محلية وبعض المتفرقات الأخرى،إذاً فهو كتاب جدير بالقراءة بفضل ترجمة د. المهدوي لوقائعه الممتعة والمفيدة للمهتمين بتاريخ إقليم برقة و لاسيما مدينة بنغازي العريقة، تحية للدكتور إبراهيم المهدوي لاهتمامه بترجمة العديد من الكتب الإيطالية و الإنجليزية المهتمة بتاريخ ليبيا وحضارتها، وتحية لمركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية لإسهامه في أحياء التاريخ الليبي بإصدارته المتنوعة.
29 أبريل 2009


سفيان الثوري والخليفة المهدي


قال الإمام سفيان الثوري: لما حج الخليفة المهدي قال: لا بد لي من سفيان، فوضعوا لي الرصد حول البيت، فأخذوني بالليل. فلما مثلت بين يديه قال لي: لأي شيء لا تأتينا فنستشيرك في أمرنا؟ فما أمرتنا من شيء صرنا إليه وما نهيتنا عن شيء انتهينا عنه.
فقلت له: كم أنفقت في سفرك هذا.؟
قال: لا أدرى، لي أمناء ووكلاء.
قلت: فما عذرك غدا إذا وقفت بين يدي الله تعإلى فسألك عن ذلك؟ لكنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حج قال لغلامه كم أنفقت في سفرنا هذا؟.
قال: يا أمير المؤمنين ثمانية عشر دينارا.
فقال: ويحك أجحفنا بيت مال المسلمين.
وقد علمت ما حدثنا به منصور عن الأسود بن علقمة عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ~ربّ متخوّض في مال الله ومال رسوله فيما شاءت نفسه له النار غدا}، فيقول أبو عبيد الكاتب: أمير المؤمنين يستقبل بمثل هذا.؟
فيجيبه سفيان بقوة المؤمن وعزة المسلم: اسكت، إنما أهلك فرعون هامان وهامان فرعون.

)المسند للأستاذ أحمد شاكر: الجزء الأول_ وفيات الأعيان 2\387.)


الاثنين، نوفمبر 29، 2010

Cables Obtained by WikiLeaks Shine Light Into Secret Diplomatic Channels

The cables, a huge sampling of the daily traffic between the State Department and some 270 embassies and consulates, amount to a secret chronicle of the United States’ relations with the world in an age of war and terrorism. Among their revelations, to be detailed in The Times in coming days:

}…. [It] has been previously reported that the Yemeni government has sought to cover up the American role in missile strikes against the local branch of Al Qaeda. But a cable’s fly-on-the-wall account of a January meeting between the Yemeni president, Ali Abdullah Saleh, and Gen. David H. Petraeus, then the American commander in the Middle East, is breathtaking.
“We’ll continue saying the bombs are ours, not yours,” Mr. Saleh said, according to the cable sent by the American ambassador, prompting Yemen’s deputy prime minister to “joke that he had just ‘lied’ by telling Parliament” that Yemen had carried out the strikes.
Mr. Saleh, who at other times resisted American counterterrorism requests, was in a lighthearted mood. The authoritarian ruler of a conservative Muslim country, Mr. Saleh complains of smuggling from nearby Djibouti, but tells General Petraeus that his concerns are drugs and weapons, not whiskey, “provided it’s good whiskey.” ~

}….. Colonel Qaddafi was so upset by his reception in New York that he balked at carrying out a promise to return dangerous enriched uranium to Russia. The American ambassador to Libya told Colonel Qaddafi’s son “that the Libyan government had chosen a very dangerous venue to express its pique,” a cable reported to Washington.~


Saudi King: US Should Plant Chips in Gitmo Detainees

}Guantanamo Will Be Closed: Brennan explained that President Obama had made a commitment to close Guantanamo to eliminate the potential propaganda benefits its existence provided to Al-Qaeda, but also because it was the right thing to do.

How to Track Detainees: "I've just thought of something," the King added, and proposed implanting detainees with an electronic chip containing information about them and allowing their movements to be tracked with Bluetooth. This was done with horses and falcons, the King said. Brennan replied, "horses don,t have good lawyers," and that such a proposal would face legal hurdles in the U.S., but agreed that keeping track of detainees was an extremely important issue that he would review with appropriate officials when he returned to the United States.~

جدلية العروبة والإسلام


قديماً قالت العرب، الفرق بين العبقرية والجنون شعرة، وأنا أقول: إن الفرق بين الخطأ والصواب شعرة، حيث بالإمكان جعل الأفكار متطابقة وليست متناقضة أو متعارضة بقليل من الحكمة وحسن التأتي عندما نريد بحث موضوع معين. هذا ما يجعلني أبحث عنوان هذه المقالة على طريقة شعرة معاوية التي لا مصلحة فـي قطعها طالما أمكن وصلها، فالواقع والنص يجعل ذلك ممكناً إذا بحثنا الموضوع بطريقة رشيدة وأسلوب حكيم من خلال الحقائق التالية:
¯    الإسلام دين سماوي نزل على محمد e العربي القرشي لحل مشاكل الإنسان بوصفه العقلاني والغرائزي، أي هو دين إنساني لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.
¯    وصف الله سبحانه وتعالى الناس جميعاً بأنهم شعوباً وقبائل، والشعب أرقى من القبيلة، لأن أي شعب من الشعوب هو مجموعة قبائل، فالقبائل يجمعها الأصل والنسب والقربى، بينما الشعب تجمعه المصالح والحياة المشتركة. فالعرب قبل رسالة الإسلام كانت مجموعة قبائل بمواصفات خاصة من حيث النسب والخلق، هـذه القبائل متناحرة يجمعها الإشراك بالله وتفرقها المصالح، وتسود فيها سجايا حميدة تؤهلها للقيادة والعز والسؤدد ورذائل تجعلها في الأسفلين.
¯    اختار الله العرب واختار قريشاً من العرب ليكون الرسول النبي e منهم، نظراً لمواصفات راقية في هذا الشعب أهلته لقيادة العالم، وكثيراً ما امتدح الرسول e العرب كمعدن وأصل وامتدح قريشاً بشكل خاص، وأثنى على بني هاشم على وجه الخصوص، قوله: ~أنا سيد ولد آدم ولا فخر}، قوله: ~الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم فـي الإسلام إذا فقهوا}، قوله: ~ أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب }، قوله: ~ أنا عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي}.
¯    الأمة أرقى من القوم والقبيلة والشعب، لأن الأمة تجمعها العقيدة والفكر، كما هو حال الأمة الأمريكية والأمة الصينية والأمة الإسلامية، فالأمة مجموعة من الشعوب وحَّدها فكر (ايديولوجي)، آمنت به قيماً وأسلوب حياة.
¯    التكليف في الإسلام للانسان بغض النظر عن الجنس والعرق ذكر أكان أم أنثى، ولا يوجد في كتاب الله ولا سنة رسوله خطاباً تكليفياً للعرب أو العجم أو لأي شعب من الشعوب، دائماً الخطاب يبدأ (يا أيها اللذين آمنوا.. يا أيهـا الناس). فالنبي e عربي والرسالة عالمية، والعرب كشعب هم الذين حملوا رسالة الإسلام ابتداءاً وضحوا من أجلها في الداخل والخارج، وفتحوا البلاد ودانت لهم العباد، وقادوا أمة الإسلام بكل شعوبها وأجناسها ولغاتها إلـى بوتقة الإسلام التي انصهرت فيها شعوب البلاد المفتوحة حيث امتزجت فيها الطاقة العربية بالطاقة الإسلامية، وأسلمت قيادتها إلى العرب كونهم مهد الإسلام الأصلي وقادته المؤسسون، وطاعةً للرسول عليه الصلاة والسلام قوله: (الخليفة من قريش) مع خلاف بين الفقهاء حول هذا الموضوع كونه على سبيل الوجوب أو الندب أو الأفضلية مع استيفاء شروط الانعقاد.
¯    مع ابتداء الفتوحات الإسلامية في بلاد الروم وفارس وما جاورهم من بلدان العالم، حيث أصبح الدين الإسلامي هو دين البلاد المفتوحة واعتنقته الشعوب عن حرية واقتناع، وامتزجت الطاقة الإسلامية كأفكار ومبادئ بالطاقة العربية كلغة وأصالة، بطاقات أهل البلاد المفتوحة بما فيها من علوم ومدنية أثرت الحضارة الإسلامية العالمية. فبرزت إمكانية أهل البلاد المفتوحة في كافة مجالات العلوم الدينية والسياسية والعسكرية، فظهر منهم العلماء والمفكرون والقادة العسكريون والأدباء والشعراء.
¯    استمر العرب بحكم الشرع والواقع يقودون الأمة الإسلامية بمختلف شعوبها من مدريد إلى بنغلاديش (بلاد ما وراء النهر) كل العهد الأموي وحتى خلافة المأمون في العهد العباسي، والأمة بكل شعوبها راضية بقيادتهم حتى ظهرت الرايات الشعوبية الفارسية في فتنة الأمين والمأمون، من هنا بدأ الضعف في القيادات العربية للأمة الإسلامية عندما اعتلى سدة الخلافة قيادات مهجَّنة سيطر عليها الشعوبيون الفرس، ولم تنتهي هذه المرحلة إلا بسقوط بغداد على يد المغول ونصائح ابن العلقمي.
¯    أثبت التاريخ منذ بعثة الرسول e أنه لم ينازع العرب أي شعب من الشعوب التي اعتنقت   الإسلام القيادة إلا في حالة ضعف القيادات العربية وتخليها عن مسؤوليتها في حماية الدولة والدين. حيث التاريخ الإسلامي شاهد على ذلك، سواء أكانت موجة السلاجقة أم الأيوبيون أم المماليك أم الترك والمغول، جميع هذه الشعوب تصدت للغزو الخارجي الذي حاول القضاء على الإسلام والمسلمين بما فيهم العرب باعتبارهم معدن الإسلام. ولولا أن سخر الله سبحانه وتعالى هذه القيادات غير العربية لم يبق عرب ولا مسلمون بل أنهتهم الحروب المغولية والصليبية.
¯    بسقوط غرناطة عام 1492 رداً على سقوط القسطنطينية عام 1453 استطاع العثمانيون المسلمون رد الزحف الاسباني البرتغالي الصليبي على الجزيرة العربية عام 1516 بإنزالهم البحري الذي استهدف مدينة جدة لهدم الكعبة وفي منطقة بدر لاستخراج جثة الرسول e من مسجده في المدينة، عندما وجه حاكم مكة الشريف بركات نداء إلى السلطان سليم، قائلاً له: ~ الغوث الغوث والعون العون..} [1] وهذا ما جعل السلطان سليم يرسل جيوشه إلى الجزيرة العربية ماراً إجبارياً ببلاد الشام لطرد الأسبان والبرتغاليين وقدم الشريف بركات للسلطان سليم، بردة وعصا الرسول e مبايعاً بالخلافة لمن حمى الإسلام من سيطرة الصليبين علـى بلاد المسلمين. وأصبحت الدولـة العثمانية دولة الخلافة التي حافظت على العرب والمسلمين لقرون ضد الغزو الصليبي الأوربي، وللعلم اسـتمرت الدولة العثمانية قرنين تحارب مـن أدرنة وبورصة الغرب الصليبي ولم تتجه باتجاه المنطقة العربية إلا بعد طلب مباشر من حكام الحجاز.
¯    ولما ضعفت الدولة العثمانية التي حكمت العالم الإسلامي من طنجة إلى دلهي في الهند، وكانت القوة الأولى في العالم ظهرت قوة الغرب واتحد العالم المسيحي بالكامل ضدها (روسيا/أرثوذكس ـ بريطانيا/بروتستانت ـ فرنسا/كاثوليك) من أجل أخذ مخلفات (الرجل المريض) الخلافة الإسلامية العثمانية. بدء الغرب متحداً لإثارة النعرات المذهبية والطائفية والعرقية لتفكيك دولة الخلافة العثمانية بدأ من دعم ما سُمي بالحركات التحررية فـي بلاد البلقان ، ومن ثم إثارة النعرات القومية والمذهبية في الدولة الإسلامية بين العرب والترك والكرد والأمازيغ وغيرهم من مكونات الشعوب التي وحدها الإسلام تحت شـعار {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات، ودأبت الاستخبارات الغربية علـى دعم الأقليات في بلاد المسلمين من أجل تفكيك الدولة ووراثتها في معاهدة سايكس بيكو، حيث ساهم العرب بقيادة الشريف حسين وبتخطيط من الانجليز علـى تفكيك دولتهم وأدخلوا ولده فيصل ليكون ملكاً على سوريا وأقطعوا ولديه الآخرين العراق وشرق الأردن، من أجل وعود كاذبة قطعها لورنس ونكلت بها بريطانيا، أوصلت البلاد العربية إلى الاستعمار المباشر من قبل البريطانيين والفرنسيين، حيث هم نفسهم كانوا وراء الأتراك (الطورانيون) الماسون ويهود سالونيك أمثال، جاويد وطلعت وأنور ومدحت وجمال السفاح اللذين هدموا الدولة من الداخل، وفككوها إرضاء لأسيادهم الغربيين، وباعوا البلاد العربية بدون مزاد علني ليحافظوا على دويلة تركية قومية طورانية يعمل شعبها عمال قمامة في برلين وفرانكفورت ويتوسل الاتحاد الأوربي ليكون عضواً من الدرجة الثانية بعد أن كانت أوربا تستجدي الدولة العثمانية.
¯    إن ما أريد أن أقوله في هذه العجالة، أن الإسلام دين إنساني كرّم الإنسان بوصفه إنساناً بغض النظر عن الدين والعرق والجنس... لكنه وضع العرب كشعب على قيادة المسلمين بحكم الواقع باعتبار القرآن عربي ولغة الدولة هي اللغة العربية، حيث لا يفهم هذا الدين فهماً صحيحاً إلا بها، ولقد دانت شعوب الدولة الإسلامية في كل وقت وزمان ومكان للقيادات العربية ما داموا أهلاً لذلك، باعتبار تفضيل الشرع لقيادتهم وتأكيد الواقع على ذلك. وكما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة عند الخلاف بين المهاجرين والأنصار على البيعة قوله: ~إن العرب كالجمل الآنف لا يخضع إلا لهذا الحي من قريش} ، فإن أبا بكر لم يلجأ إلى دليل شرعي ليبرر فيه ويؤكد على قيادة العرب ماداموا أهلاً، بل بحث بالناحية الواقعية وهي: المفترض أن الحكام من العرب وأن قريش ذؤابة العرب وعصبتهم ومنها نبيهم ونزل القرآن على لهجتهم، وأن لهم الأفضلية ماداموا أهلاً لذلك شرعاً وواقعاً، حيث لا يمكن في ذلك الوقت أن يقود المسلمين بلالاً أو صهيب الرومي أو سلمان الفارسي رضي الله عنهم، مع مكانتهم العظيمة وخدماتهم الجليلة للإسلام والمسلمين، لأن الحكم لابد له من قواعد وأسس فكرية وعصبية يستطيع الحاكم بواسطتها ودعمها تصريف أمور البلاد وسياسة الرعية.

وأختم مقالي بالقول المأثور: (إذا عز العرب عز الإسلام) فلماذا هذا الاختلاف؟

د. منير الشواف



[1] كتاب الخلافة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ـ د. عبد العزيز الشناوي

Secret US Embassy Cables

On Sunday 28th Novembre 2010, Wikileaks began publishing 251,287 leaked United States embassy cables, the largest set of confidential documents ever to be released into the public domain. The documents will give people around the world an unprecedented insight into the US Government's foreign activities.
The cables, which date from 1966 to the end of February this year, contain confidential communications between 274 embassies in countries throughout the world and the State Department in Washington DC. 15,652 of the cables are classified Secret.

To access the Cable gate, go to http://cablegate.wikileaks.org

واشنطن «محرجة» ودول صديقة «مصدومة»...اتصالات في جميع الاتجاهات قبل تسريبات ويكيليكس

[ بينما تترقب دول العالم اليوم نشر وثائق حساسة في موقع ويكيليكس، تعيش الحكومة الأميركية ومعها عدد من الحكومات «الصديقة» توترا جديا. ومنذ الأمس، بدأت تعبئة دبلوماسية شاملة في الداخل والخارج، فامتنع دبلوماسيون أميركيون عن قضاء عطلة عيد الشكر التي صادفت اليومين الماضيين، وتوجهوا إلى وزارات الخارجية في البلدان المعتمدين لديها، على أمل امتصاص الغضب الذي قد ينجم عن نشر هذه الوثائق.
واتصلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بزعماء كل من ألمانيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأفغانستان لمناقشة هذه القضية.]

المركز الفلسطيني لحقوق الانسان

حالة المعابر في قطاع غزة (1/10/2010 - 15/10/2010)
الاثنين, 18 أكتوبر 2010 00:00

[ ما تزال سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي تفرض حظراً شاملاً على دخول المواد الخام ومواد البناء اللازمة لإعادة إعمار قطاع غزة، والذي تعرض لدمار واسع في الممتلكات والبنية الأساسية، ورغم انقضاء نحو 21 شهراً على العدوان الحربي الإسرائيلي الذي شنته على القطاع(عملية الرصاص المصبوب)خلال الفترة بين أواخر ديسمبر من العام 2008 و 18 يناير من العام 2009. كما تستمر السلطات المحتلة في فرض الحظر التام على تصدير المنتجات الغزية، وخاصة السلع الزراعية والصناعية، ما يقوض أية فرصة حقيقية لإعادة تشغيل المنشآت الاقتصادية. وما يزال نحو 80% من سكان القطاع المدنيين يعتمدون في حياتهم على المساعدات الغذائية التي يوفرها المجتمع الدولي، فيما يعيش نحو 900000 مواطن، أي 60% من السكان تحت خط الفقر، ويكابد نحو 40% من القوى البشرية العاملة في القطاع من بطالة دائمة ناجمة عن توقف غالبية المنشآت الاقتصادية فيه. ]

المركز الفلسطيني لحقوق الانسان

الأحد، نوفمبر 28، 2010

بدل الخلو*

بسم الله الرحمن الرحيم
درجت العادة بين العوام في كثير من البلاد الإسلامية على إطلاق لفظ (الخُلُوِّ) هكذا مفردا على مبلغ نقدي سوى الأجرة، قد يأخذه مالك العقار من مستأجره، لتمكينه من استئجار العقار، وقد يأخذه المستأجر من المالك إذا رغب المالك لسبب ما في إخلاء العقار من المستأجر، وقد يأخذه المستأجر من مستأجر آخر حيل محله في شغل العقار. فهي حالات ثلاث [1].
أما الذي جرى عليه الفقهاء والقانونيين فهو إطلاق لفظ (الخلو) على المنفعة نفسها التي يملكها دافع النقود إلى المالك أو إلى المستأجر قبله ليحصل على حق القرار في العقار وإطلاق لفظ (بدل الخلو) على المقابل النقدي لهذه المنفعة.

الحالة الأولى: أخذ المالك بدل الخلو من المستأجر:
الأصل أن بدل الإيجار كاف لتمكين المستأجر من العقار. ولكن تنشأ في بعض الأحوال الحاجة إلى بذل المستأجر بدل الخلو، والغالب أن يكون مبلغه أضعاف الأجرة الشهرية أو السنوية، ولا يُمَكِّن المالك المستأجر من وضع يده على العقار إلا بعد الحصول على البدل المذكور. وهذا العرف جارٍ الآن في كثير من البلاد في إجارة الحوانيت ونحوها من الأماكن الصالحة لممارسة التجارة أو الصناعة غير جار في إجارة العقارات المعدة للسكن الخاص، وفي بعض البلاد جرى العرف أيضا على بذل بدل الخلو عند استئجار المساكن، كما يحصل في مصر.

وتنشأ الحاجة إلى بذل بدل الخلو في هذه الحالة الأولى لأسباب:
الأول : أن يكون المالك محتاجا إلى مال يبني به أرضه، أو مال يستعجل الحصول عليه. فيأخذ من الراغبين في استئجار الحوانيت مبالغ بدل الخلوات مقدما ليتمكن من البناء على أن يكون للمستأجر الذي بذل بدل الخلو حانوت معين منها، ويتفق الطرفان على أجرة شهرية أو سنوية، فوق بدل الخلو، تكون في الغالب أقل من أجر المثل بنسبة النصف أو أكثر أو أقل، وقد يتفق الطرفان على أن يكون للمستأجر حق القرار في الحانوت مدة معينة تكون غالبا مدة طويلة كخمسين أو ستين عاما، وقد يجري العرف باستحقاق المستأجر حق القرار أبدا ولو لم ينص في العقد على المدة.
وهذا النوع ذكره متأخرو المالكية، وأخذوا به، وكان أول من أفتى به منهم الشيخ ناصر الدين اللقاني وفتواه مشهورة.
ونصها على ما نقله الشيخ عليش في فتاويه (2/ 249، 250) والزرقاني وغيرهما، كما يلى:
~سئل العلامة الناصر اللقاني بما نصه: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ  في خلوات الحوانيت التي صارت عرفا بين الناس في هذه البلدة وغيرها، وبذلت الناس في ذلك مالا كثيرا حتى وصل الحانوت في بعض الأسواق أربعمائة دينار ذهبا، فهل إذا مات شخص له وارث شرعي يستحق خلو حانوته، عملا بما عليه الناس أم لا؟ وهل إذا مات من لا وارث له يستحق ذلك بيت المال أم لا؟ وهل إذا مات شخص وعليه دين ولم يخلف ما يفي بدينه يوفي ذلك من خلو حانوته؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب بما نصه: الحمد لله رب العالمين. نعم إذا مات شخص وله وارث شرعي يستحق خلو حانوته عملا بما عليه الناس، وإذا مات من لا وارث له يستحق ذلك بيت المال. وإذا مات شخص وعليه دين ولم يخلف ما يفي بدينه فإنه يوفى من خلو حانوته. والله سبحانه وتعالى أعلم}.
وقال الشيخ عليش والشيخ الزرقاني: إن التعويل في هذه المسألة على هذه الفتيا. وقال الحموي في شرح الأشباه (1/ 137) في شرح قاعدة (العادة مُحَكَّمة): ~ليس في المسألة نص عن مالك وأصحابه، والتعويل على فتوى اللقاني والقبول الذي حظيت به، وجرى عليه العمل}. وقال الغرقاوي كما في فتاوي عليش: ~إنها فتوى مخرجة على النصوص، وقد أجمع على العمل بها، واشتهرت في المشارق والمغارب، وانحط عليها العمل}.
ونقل بعض متأخري الحنفية هذه الفتوى وأجازوا العمل بها، وإن كان الأصل عندهم أن المنفعة لا تباع منفردة لأنها حق مجرد، وقالوا كما في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (4/ 14 - 16)  ~أفتى الكثيرون باعتبار العرف الخاص، وبناء عليه يفتى بلزوم خلو الحوانيت، فيصير الخلو في الحانوت حقا له، فليس لرب الحانوت إخراجه منها ولا إجارته لغيره، قال: وقد وقع في حوانيت الجملون في الغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها التجار بالخلو، وجعل لكل حانوت قدرا أُخذ منهم، وكتب ذلك بمكتوب الوقف).
وقال ابن عابدين في حاشيته (4/ 17): (ممن أفتى بلزوم الخلو بمقابلة دراهم يدفعها إلى المالك العلامة عبد الرحمن العمادي وقال: فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها، ولا إجارتها لغيره، فيفتي بجواز ذلك}.
وانظر مثل ذلك الفتاوى المهدية (5/ 26، 43، 44، 49، 61).
وأجازه أيضا بعض الحنابلة كما في مطالب أولي النهى (4/ 370) ففيه أن الشيخ البهوتي يصرح بأن الخلوات إذا اشتريت بالمال من المالك تكون مملوكة لمشتريها مشاعا، لأنه يكون قد اشترى نصف المنفعة مثلا. قالوا: ~ولا تصح إجارة الخلو، ولكن يصح بيعه وهبته ووفاء الدين منه}.

التكييف الفقهي لهذا النوع من الخلو:
رأي المالكية ومن أجاز إنشاء الخلو من الحنفية والحنابلة أن إنشاء الخلو بمال يدفعه المستأجر للمالك هو في الحقيقة بيع جزء من المنفعة مجردا، وصوَّر ذلك العدوي من المالكية في شرحه على الخرشي (7/ 79) في شأن الوقف كما يلي: أن تكون الأجرة في الأصل ثلاثين دينارا في كل سنة، فإذا أخذ الناظر الخلو يجعل الأجرة خمسة عشر فقط في كل سنة، وتكون منفعة الحانوت شركة بين ذلك المكتري وبين جهة الوقف ما كان منها لذلك المكتري هو (الخلو) والشركة (أي نسبة حق كل من الطرفين) بحسب ما يتفق عليه صاحب الخلو وناظر الوقف على وجه المصلحة.
ثم قاله العدوي: إن الخلو المذكور هو من ملك المنفعة لا من ملك الانتفاع، إذ مالك الانتفاع ينتفع بنفسه، ولا يؤجر ولا يهب ولا يُعِيرُ، ومالك المنفعة له تلك الثلاثة مع انتفاعه بنفسه، فالخلو من ملك المنفعة، فلذلك يورث اهـ. وصرح البهوتي الحنبلي كما في مطالب أولي النهى (4/ 370) بأن الخلو المشترى بالمال يكون من باب ملك المنفعة.
ولما كان إنشاء الخلو من هذا النوع بيعا لجزء من المنفعة، فقد ضيق القائلون بجوازه في إجرائه في الوقف، بحيث يقتصر فيه على أحوال الضرورة، في صورٍ حدودها، بشروط معلومة، يمكن الرجوع إليها في فتاوى الشيخ عليش (2/ 250) والحموي على الأشباه (1/ 138) وهذا بخلاف الطِّلق (العقار الطِّلق: ما ليس موقوفا)، فإنه لما كان للمالك أن يتصرف في ملكه كما يشاء فله أن ينشئ الخلو على عقاره كما يشاء عند كل من أجاز بيع المنفعة مجردة، سواء كان ذلك لضرورة أو غيرها. قال الشيخ عليش (2/ 252): ~إن الخلو إذا صح في الوقف ففي الملك أولى لأن المالك يفعل في ملكه ما يشاء}.
ويفهم مثله من كلام صاحب مطالب أولى النهى من الحنابلة.

الحكم الشرعي لهذا النوع من الخلوات:
يرجع الحكم فيه إلى حكم بيع المنفعة المجردة، والراجح فيما نرى جوازه ولذلك نرى جواز إنشاء حق الخلو في الصورتين المذكورتين، بالشروط الآتية:
1.    أن تعرف نسبة كل من الطرفين من المنفعة، كأن يكون للمالك النصف، وللمستأجر النصف. وينبغي النص على ذلك صراحة في العقد الذي يبرم بين الطرفين.
2.    أن تكون المدة التي يستحق فيها المستأجر منفعة الخلو محددة، طويلة كانت أم قصيرة، ولا تكون مؤبدة. ولا ينبغي أيضا إطلاق العقد عن تحديد المدة لئلا تتأبد. وتؤول منفعة العقار بعد انتهاء المدة إلى المالك. ولا ينبغي أن تزيد المدة المتفق عليها عن خمسين عاما أو ستين، لئلا ينسى الأصل.
3.    أن يجري تسجيل الخلو لدى إدارة التسجيل العقاري في صفحة العقار نفسها.
4.    ينتقل الخلو إلى الوارث، ويجوز بيعه والإيصاء به وجميع أنواع التصرفات الجائزة ويشترط في البيع ونحوه إذن المالك، لأن مشتري الخلو سيكون مستأجرا لباقي المنفعة، ولا يرغم المالك على أن يؤجر لمن لا يرضاه.
5.    المالك أولى بالشفعة في الخلو توحيدا للملك قدر المستطاع، ولتقليل النزاعات بين المالكين والمستأجرين (انظر ابن عابدين 4/ 18 و5/ 142 وتنقيح الفتاوى الحامدية 2/ 199).
6.    الأجرة التي يدفعها المستأجر للمالك عن الجزء الذي يخص المالك من منفعة العقار وتسمى الحكر (انظر فتاوى الشيخ عليش) يجب أن تكون مساوية لأجر المثل، ولذلك يجب تعديلها بمضي السنين بمعرفة أهل الخبرة، وخاصة في ظل النظام النقدي الحاضر الذي تتدهور فيه قيمة النقود الورقية باستمرار.

السبب الثاني من أسباب نشوء الخلوات:
أن تكون هناك قوانين وضعية أو أنظمة معينة تحد من حق المالك في إيجار عقاره بأجر المثل، بل تلزمه بتسعيرة جبرية، أو تحد من حقه في إخلاء الساكن عند نهاية المدة التي جرى عليها التعاقد في عقد الإيجار ليتعاقد مع ساكن جديد، أو مع الساكن الأول نفسه بكامل حرية كل من الطرفين، أي على أساس المساومة الحرة، وهي الأصل في عقود المعاوضات.
فإذا وجدت مثل هذه الأنظمة أو القوانين، فربما تغير سعر أجرة المثل للعقار، ويكون غالبا بارتفاع السعر بسبب ارتفاع نسبة التضخم النقدي للعملات الورقية.
فبدأ أصحاب الأملاك يحسبون هذا الحساب عند ابتداء الإجارة، وطلبوا بدل الخلوات من المستأجرين ليحصلوا على قسم ذي أهمية، من النفقات التي تكبدوها عند إنشاء العقارات.
وفي حالة التسعيرات الجبرية لأجور العقار، إن كان التسعير بأقل من أجرة المثل، يحتال أصحاب العقارات بأخذ بدل الخلو لتغطية قسم من التكلفة، وقد يكون ذلك خفية عن أنظار السلطات، ويدعو إلى ذلك ضآلة السعر الجبري بالنسبة إلى التكلفة الفعلية في أغلب الأحوال.

رأينا في هذا النوع من الخلوات:
في رأيي أنه بالنسبة للتسعيرة الجبرية لا يجوز التسعير بأقل من أجرة المثل، تحقيقا للعدالة بين الطرفين، فإن زادت أجرة المثل ينبغي زيادة أجرة العقار تبعا لذلك. وفي جميع الأحوال لا ينبغي الحد من حرية المالك في إخلاء العقار من المستأجر عند نهاية المدة التعاقدية.
وحيث اقتضت الظروف في بعض الأحوال مَدِّ الإجارة بقوة القانون لا ينبغي أن يكون الامتداد بأقل من أجرة المثل، ويجب تعديل الأجرة باستمرار لتلحق بمقدار أجرة المثل في وقتها، لأن في ترك ذلك ظلما للمالك من جهتين. الأولى: نقص الأجرة المستحقة، والثانية: أن قيمة العقار تتأثر بمقدار الأجرة فلو كانت أجرة المثل مائة دينار مثلا لعقار قيمته عشرة آلاف، فإنه إن ألزم المالك بأجرة مقدارها خمسون دينارا فقط، فإن المالك لو أراد البيع لا يستطيع بيع عقاره بأكثر من خمسة آلاف أو ستة، وفي ذلك ظلم له وأي ظلم.
فلو التزم بتعديل الأجرة دائما في الأحوال الإلزامية لتصل إلى أجرة المثل تنعدم الحاجة إلى هذا النوع من بدل الخلو أو تكاد.
ومع ذلك ففي ظل الأوضاع الحالية في بعض البلاد الإسلامية التي تحد من حرية المالك على الوجه المشروح فما حكم أخذ المالك بدل الخلو لتمكين المستأجر من السكنى؟ وما حكم بذل المستأجر لذلك البدل؟ وماذا يستتبع ذلك من التصرفات؟
أما المالك: فيظهر أنه لا حرج عليه شرعا في الأخذ؛ لأن العقار خالص ماله، وله أن يتصرف فيه كما يشاء، ومن ذلك أن لا يأذن لأحد بدخوله إلا بعوض، والعوض هنا يجوز أن لا يحتسب من الأجرة، بل يكون جعلا لا غير.
 وقد قال البعض: إنه لا يحل إلا إذا احتسب من الأجرة، فتكون أجرة السنة الأولى مثلا خمسة آلاف دينار, وأجرة كل سنة من السنوات اللاحقة ألف دينار لا غير، وتكون الأربعة الآلاف الزائدة في أجرة السنة الأولى هي بدل الخلو[2].
ونحن لا نرى ذلك لازما، بل لو اعتبر جعلا لمجرد التمكين من الاستئجار، لجاز أيضا.
وكذلك دافع بدل الخلو إلى المالك يحل له الدافع ولا حرج عليه.

وأما ما يستتبعه ذلك البذل والأخذ فأمران:
1-    فمن الملحوظ أن المستأجر لا يبذل ذلك الجعل، وقد يكون كبيرا، إلا ليكون له (حق القرار) بنفسه طبقا للقانون المعمول به في البلاد، فيكون ذلك ملزما شرعا، كالعرف، بل هو الأقوى.
2-    للمستأجر في هذه الصورة الفراغ عن خلوه إلى مستأجر لاحق. ولكن ذلك لا يلزم المالك إن كان بعد انقضاء المدة التعاقدية كما يأتي في الحالة الثالثة، فلا يتم هذا الفراغ إلا بإذن المالك، وللمالك أن لا يأذن إلا مقابل عوض معلوم، أو مقابل نسبة معينة من بدل الفراغ.

الحالة الثانية : أن يأخذ المستأجر بدل الخلو من المالك:
وتنشأ الحاجة إلى ذلك لأسباب:
السبب الأول: أن يكون الخلو قد استحقه المستأجر بطريقة شرعية مما ذكر في الصورة الأولى. وذلك مثل أن يكون قد أنشأه باتفاق مع هذا المالك أو مالك قبله، بمال دفعه له طبقا لعقد مبرم بينهما حائز على الاشتراطات الشرعية المعروفة، ومثل أن يكون المستأجر قد اشترى الخلو من مستأجر قبله نشأ خلوه بطريقة مشروعة.
فإن كان الأمر كذلك، فرغب المالك في استعادة الخلو، وإخراج المستأجر، ودفع مقابل ذلك لصاحب الخلو بدلا ماليا، فرضي صاحب الخلو، جاز للمالك الدفع وجاز لصاحب الخلو الأخذ، لأنه بيع صحيح، وسواء أكان ذلك بمثل الخلو الذي كان المستأجر الأول قد ملك به الخلو إن كان أقل أو أكثر، ما دام قد بقي من المدة المتفق عليها لدوام الخلو جزء له قيمة. ولا إشكال في ذلك.
السبب الثاني: أن يكون المستأجر لا يزال في مدة التعاقد الأصلية، (أي قبل الامتداد القانوني الذي تلزم به بعض القوانين) فللمستأجر أن يتمسك بالعقد ويرفض إخلاء المكان إلا ببدل يرضاه، يأخذه من المالك، لأن ذلك البدل هو في الحقيقة ثمن بيع باقي المدة المتفق عليها، ولا حرج عليهما في ذلك، كما لو اشترى رجل من آخر خمسة رؤوس من الغنم فاستهلك منها أربعة، وأراد البائع أن يستعيد الرأس الخامس بالشراء فلصاحبه أن لا يبيعه إلا بأضعاف ثمنه الذي كان قد اشترى به.[3]
السبب الثالث: أن يكون المستأجر قد استفاد حق القرار في العقار بوضع قانوني صرف، لم تأت به الشريعة، بأن يكون استمرار بقائه في العقار رغما عن المالك وبغير رضاه، مع انتهاء المدة الأصلية للتعاقد، وهو ما يسمى الامتداد القانوني) ولم يكن المالك قد أخذ منه بدل خلو عند إنشاء عقد الإيجار ويرغب المالك في استعادة العقار، ويتراضى هو والمستأجر على مبلغ مالي، قد يسميه بعض العامة ~خلوا}.
وقد ينضم إلى هذا السبب: التسعير الإجباري من الجهة المسؤولة، ويكون السعر أقل من أجر المثل. فهذا النوع من الخلوات فيه احتمالان:
الأول: أن يقال: إنه غير مشروع فيه أخذ البدل لأن القانون الذي يلزم بالامتداد بغير اختيار المالك، أو بالتسعير الإجباري، قانون غير مقبول شرعا في حالات السعة، وأما في حال الاضطرار فيجوز بأجر المثل ولا يجوز بأقل منه.
ووجه عدم مشروعية بدل الخلو في هذه الصورة بالنسبة لآخذه أنه لو كان للمالك، بعد انتهاء المدة التعاقدية، أن يخلي المكان من المستأجر، ويؤجره لغيره بكامل حريته ـ وهو الوضع الذي كفله له الشرع ـ ما كان على المالك أن يدفع شيئا أصلا.
وقد ذكر الحنفية هذه المسألة، وصرحوا بحكمها فمنعوها مطلقا في الأملاك الخاصة، وأجازوها في الوقف بأجرة المثل.[4] وقد بين صاحب الفتاوى الحامدية (2/ 200) وابن عابدين (4/ 16) أن الفرق هو أن (المالك أحق بملكه إذا انتهى عقد إيجاره، ثم هو قد يرغب في تجديد إيجاره للمستأجر الأول بمثل الأجر الأول، أو أقل أو أكثر، وقد لا يرغب في ذلك، وقد يريد أن يسكنه بنفسه، أو يبيعه، أو يعطله، بخلاف الموقوف المعد للإيجار فإنه ليس للناظر إلا أن يؤجره فإيجاره من ذي اليد بأجرة المثل أولى من إيجاره لأجنبي، لما فيه من النظر للوقف ولذي اليد، ولأنه يلزم من عدم إخراج صاحب الحانوت للمستأجر عند نهاية المدة حجر الحر المكلف عن ماله، وإتلاف ماله، وذلك لا يجوز) وهي مسألة اجماعية كما نقله صاحب الفتاوى الخيرية (1/ 173) وكما هو معلوم من أحكام الإجارة في الشريعة (انظر الموسوعة الفقهية ـ الإجارة ف 90، 91).
ثم إن كان للمستأجر عند انتهاء الإجارة في الحانوت بناء أو غيره فللمالك أن يكلفه رفعه على خلاف وتفصيل يرجع إليه في أحكام الإجارة.
والاحتمال الثاني: أن يقال: إنه كان مبنيا على قانون صادر بأمر السلطان، وكان للسلطان أن يقيد بعض التصرفات في ضمن اجتهاده في تحصيل المصلحة، ولو أخطأ كان ما ينبني عليه جائزا، ويحل للآخذ ما أخذه.
ترجيح:
والاحتمال الأول عندي أرجح، والعمل عليه أوثق، وأما الاحتمال الثاني فإنه مبني على اجتهاد فاسد الاعتبار، لأمور:
الأول: مخالفته للنصوص الشرعية الصحيحة، من مثل: قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة : 188]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ~لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه} ومخالفته للقواعد الشرعية المتفق عليها، من مثل ~أن المالك أحق بالتصرف في ملكه}.
الثاني: أن المصلحة العامة، على المدى الطويل، ليست في الحقيقة في ظلم المالكين لمصلحة المستأجرين، فإن ذلك يحد من الحركة العمرانية، إذ يتقاعس أصحاب الاقتدار عن إنشاء العمران الجديد، فتقل المساكن، ويعود الأمر بالضرر على المالكين وعلى المحتاجين إلى الاستئجار أيضا، كما هو مشاهد قديما وحديثا.
والثالث: أن هذا الاجتهاد في الحقيقة ليس اجتهادا، وإنما هو تقليد صرف، فهو تقليد لبعض الدول الغربية إذ اتخذت إجراءات وقتية لمواجهة بعض الأزمات اللاحقة للحروب، بتقييد حرية المالكين في التصرف، ولم يكن ذلك كنظام عام، بل كانت قوانين استثنائية، ثم بدأت كثير من تلك الدول الغربية في التخلي عن ذلك والعودة إلى نظام الإجارة الحرة التي تكفل العدالة وانتظام العمران، وبعضهم عاد إلى إجراءات معينة لعزل أثر التضخم النقدي، بتعديل الأجرة سنويا، لتبقى القوة الشرائية للأجرة ثابتة، فلا يضار المالك في الأجرة ولا في قيمة عقاره، واستمر على التمسك بنظام تثبيت الأجور، على علاته ومساوئه، أكثر الدول العربية والإسلامية فيما لا يزيد عن أن يكون تقليدا أعمى لا يبصر وجوه المصالح، ولا مداخل الفساد.
وبعض الفقهاء: (مثلا: الزميل السابق الدكتور محمد سلام مدكور رحمه الله في مجلة المجتمع الكويتية العدد 430 الصادر في 2 ربيع الأول سنة 1399هـ ص30 وما بعدها) ذهب إلى أن للسلطان أن يقيد حرية المالكين، حماية للضعيف ومنعا للاستغلال والاحتكار والإضرار بالجماعة، وأن إعطاء القانون للمستأجرين حق القرار الدائم وتحديد الأجور هو من ذلك، ولكن مع ذلك لم ير من حق المستأجر أن يأخذ الخلو، وهو عنده نوع من الاستغلال.
ونحن نرفض القول بأن للسلطان هذا التقييد لحرية المالكين، لأن هذا تغيير للشرع. والذي للسلطان أن يفعله أن يَرعى المضطرين بمال الدولة لا بأموال الأفراد.
وعليه أن يهيئ لهم من ذلك المال ما لا بد لهم منه من السكن ويضع الخطط لتيسير ذلك لهم باستصلاح الأراضي وبناء المساكن وتيسير التمليك والتأجير.
ثم ليس في إعطاء الحرية للمالك في التصرف في ملكه تقوية للاحتكار ولا تأييد له، لأن الاحتكار الممنوع أن يشتري المحتكر ما في السوق من البضاعة التي لا بد للناس منها، ثم يحتجزه عنده ليغليه على الناس، فالذي بنى عمارة ليستغلها بالتأجير بأجر المثل، أو بالأجر الحر ليس محتكرا أصلا.
وأيضا فليس كل المستأجرين في البلاد التي تلزم بالامتداد القانوني لإجارة الأماكن أو بالتسعيرة الجبرية، ليسوا جميعا مضطرين، بل المضطر قسم منهم قليل، وغالبهم قادر على أن يشتري سكنا أو يستأجر إجارة حرة، لكنه في ظل التسعيرة الجبرية يفضل أن ينعم بالسكن في عقار غيره رغما عنه، بالأجرة التافهة، على أن يقوم بالبناء أو الشراء لسكن خاص. فيفقد القطاع السكني جزءا كبيرا من القدرات المالية التي كان من الممكن أن تشترك في الإنشاءات لو كان الإيجار والاستئجار خاضعا لنظام التعاقد الحر.
وأيضا فإن المالكين مواطنون، يقومون بخدمة جليلة، بتهيئة العقار وتوفيره، وليسوا دائما جبابرة ولا طواغيت، وربما كانوا فقراء ومحتاجين، وكثير منهم كما قال تعالى: {ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ} [البقرة : 266] بحاجة إلى ما يقوتهم ويقوم بأودهم من ثمرة عقار خلفه لهم الموروث.
وكثيرا ما يكون بعض المستأجرين لديهم خيرا منهم حالا وأوفر مالا. ومن الظلم الحيلولة بينهم وبين عقارهم يستثمرونه على الوجه الموافق للشرع.

الحالة الثالثة: أن يأخذ المستأجر بدل الخلو من مستأجر لاحق:
وتنشأ هذه الحالة لأسباب:
السبب الأول :
أن يكون المستأجر الأول قد ملك منفعة الخلو بطريقة شرعية، بأن يكون قد تعاقد عليه مع المالك تعاقدا صحيحا، أو اشتراه من المالك شراء صحيحا على ما تقدم في أول الحالة الثانية، فله أن يبيعه لغيره بما شاء من المال، قل أو كثر، ما دام شيء من مدة الخلو باقيا. ويحل لآخذ البدل ما أخذ، لأنه ملك منفعة الخلو بالتعاقد الحر الشرعي، فله أن يبيعه لمن شاء، وتجوز له فيها سائر التصرفات الشرعية (انظر الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3/ 467، 433 والزرقاني على خليل 7/ 57، والخرشي 7/ 79، ومطالب أولى النهى 4/ 370).
السبب الثاني:
أن لا يكون للمستأجر في المكان خلو صحيح، ولكن لا يزال له في عقد الإجارة بينه وبين المالك جزء من مدة التعاقد الأصلية التي أجراها المالك بكامل حريته دون تسعيرة إجبارية، ولا ضمن امتداد قانوني.
فإن أخذ من المستأجر اللاحق مالا مقابل إخلائه المحل له ليحل مكانه، فهذا البدل المالي الذي قد يسمى لدى العامة (خلوا) هو مشروع للآخذ والمعطي على السواء، لأنه في حقيقته بيع للمدة الباقية من المنفعة المستحقة بعقد الإجارة.
وقد ذكر الشيخ عليش المالكي هذه المسألة والتي بعدها في فتاواه (2/ 250) فقال: (الذي يدور عليه الجواب في ذلك أن الساكن الذي أخذ الخلو إن كان يملك منفعة الحانوت مدة فأسكنها غيره، وأخذ على ذلك مالا، فإن كان الآخذ بيده إجارة صحيحة من الناظر أو الوكيل بشروطها بأجرة المثل [أي الوقف، وأما في الملك فلا يشترط] فهو سائغ له الأخذ على تلك المنفعة التي يملكها. وأما إن لم يكن مالكا للمنفعة بإجارة صحيحة فلا عبرة بخلوه ويؤجره الناظر لمن يشاء بأجر المثل، ويرجع دافع الدراهم على من دفعها له).
السبب الثالث:
أن يكون المستأجر الأول ليس له في المحل خلو صحيح، على ما تبين في المسألة السابقة، وقد انتهت مدته التعاقدية، ولكن كان هو تلقى المحل ببذل مال لمستأجر قبله حتى مكنه من استئجار المحل. فهذا إن أراد أن يتخلى لغيره عن المحل فقد يأخذ منه مالا متعللا بأنه قد كان دفع للمستأجر السابق شيئا كثيرا. فهذا المال قد يسميه بعض العامة (خلوا) وليس هو من الخلو المصطلح عليه في شيء. ولا يلزم المالك أن يؤجر المحل له سواء بأجر المثل أو أقل أو أكثر، لأن المالك بعد انتهاء عقد الإيجار، حر يصنع في ملكه ما يشاء. ثم إن لم يتمكن الآخذ من إقناع المالك بتوقيع عقد مع المستأجر الجديد، فله أن يرجع على الآخذ بما دفعه له، لأنه إنما دفعه له على تحقيق مصلحة، فلم تتحقق.
أما إذا اتصل بذلك وضع قانوني معين يمنع المستأجر من أخذ الخلو من المستأجر اللاحق كان هذا القانون واجب الرعاية، لأنه يؤكد حقا شرعيا، ولأنه يمنع المستأجر من الاستغلال غير المشروع، وذلك لأن القوانين التي تعطيه حق البقاء في المكان المستأجر بعد انتهاء المدة التعاقدية قصدت ـ بزعم واضعيها  ـ إلى رفع الضرر عنه، لا إلى تحكمه في حق المالك، وأكله ثمرة جهده بغير حق.

حق القرار للمستأجر بسبب ماله في المكان من الأمتعة والأثاث:
إذا ثبت للمستأجر القرار في المكان المستأجر استتبع ذلك من حيث طبيعة الأمور في التعامل غالبا إمكانية حصول المستأجر على بدل الخلو. أما إن لم يثبت له حق القرار فتكون فرصته في الحصول على البدل ضئيلة جدا، لأن المالك إذا استعاد المكان، وأمكنه أن يؤجره لآخر بتعاقد حر، فإنه من حيث طبيعة الأشياء سيطلب أجر المثل أو أعلى منه، وتكون ثمرة ملكه له، وبذا يستقيم أمر العمران.

حق القرار يثبت للمستأجر في صور منها :
الصورة الأولى: يثبت للمستأجر حق القرار طيلة المدة التعاقدية بمقتضى عقد الإجارة، بشرط أن تكون الإجارة صحيحة، والمدة معلومة ولو كانت طويلة، على أن لا تزيد على خمسين أو ستين عاما كما تقدم.
الصورة الثانية: أن يكون اشترى منفعة الخلو من المالك بتعاقد عليها صريح - كما تقدم في أول الحالة الأولى - فيثبت له حق القرار إذا جرى العرف بذلك (فتاوى عليش، والعدوي على الخرشي 7/ 79 )، وحكم بيع المستأجر للخلو هنا الجواز، لكن لا بد من تعديل الحكر الذي يحصل عليه المالك عن باقي منفعة المكان ليصل إلى أجر المثل.
الصورة الثالثة: أن يكون المستأجر قد وضع في المكان أمتعته وأثاثه، فإن كان أثاثا منفصلا عن المبنى، فإذا انتهت مدة الإجارة فللمالك إن لم يشأ تجديد الإجارة له أن يأمره برفع أثاثه وتسليم المكان.
أما إن كانت الأشياء التي وضعها في المكان متصلة بالمبنى، وتفقد قيمتها - أو جزءا كبيرا من قيمتها - برفعها، فهي التي تسمى الجدك (أو: الكدك) وهو ما يحتاج إليه كثيرا أصحاب المصانع والمتاجر، فقد قيل: إنه يثبت للمستأجر بذلك حق القرار، ولم يرد هذا القول عن أحد من الفقهاء القدامى فيما نعلم في الأملاك الخاصة، بل الذين اطلعنا على كلامهم صرحوا بنفيه فيها، فلا يثبت للمستأجر بوضعها حق القرار بل يلزم المستأجر برفعها عند نهاية المدة ولو تلفت برفعها، وعليه تسوية المكان بعد قلعها وإعادته إلى ما كان عليه.
لكن استثنى من ذلك بعض الفقهاء إجارة الوقف خاصة، إن كان المستأجر قد وضع جدكه بإذن الواقف أو الناظر، ورضي المستأجر بتعديل أجرته حتى تصل إلى مقدار أجرة المثل، قالوا: لأن الوقف لا بد أن يؤجر، فإجارته لذي اليد أولى. فإن أبى يؤمر برفع جدكه وإخلاء المكان، قالوا: ~إن كان للمستأجر بناء ونحوه مما يسمى الجدك أو الكردار فإذا لم يدفع أجرة المثل يؤمر برفعه وإن كان موضوعا بإذن الواقف أو أحد النظار}.[5]
وهذا الذي قاله بعض أصحاب المذاهب وأخذت به بعض القوانين في شأن الأوقاف، كان سببا للاستيلاء على الأوقاف مع طول المدة، أو احتكار منافعها وحرمانها من أخذ الأموال الهائلة بدل خلوتها التي آلت إلى واضعي الأيدي عليها، وحصل الإضرار بها، وأقل ذلك ما تحمله الأوقاف من تكاليف المنازعات القضائية التي تذهب بالقليل الذي قد يتبقى من غلائها، وباء بإثمه من أفتى بذلك إن كان فعله للهوى. ولو أنهم التزموا بالقاعدة الشرعية في الإجارة الحرة من انقضاء حق المستأجر بانقضاء المدة التعاقدية لكان للأوقاف في العالم الإسلامي اليوم شأن آخر. والله المستعان. فما يأخذه المستأجرون من بدل الخلوات في الأوقاف بدعوى حق القرار المدعى في هذه الصورة الثالثة وفي رأيي من السحت الذي أكلت به حقوق الأوقاف، وأدت إلى بطلانها وانقضاء منافعها واستيلاء أهل الفساد عليها والله أعلم.
ففي رأينا أن إذن الواقف أو الناظر لا يعطي للمستأجر حق القرار ما لم ينص عليه وكان الوقف مضطرا إلى ذلك لأجل لإعماره.
أما إن لم يكن وضع الكدك بإذن صريح من الواقف أو الناظر على الوجه المتقدم [6] فقد قيل أيضا يثبت بذلك حق القرار للمستأجر. وذلك واضح البطلان.
ويمكن أن تحل مسألة الحاجة إلى استقرار المستأجر المدة التي يراها كافية لصناعته أو تجارته بطريق الإجارة الطويلة. والله أعلم.

الخلاصة
1-    للمالك أن يأخذ بدل الخلو إن أنشأ الخلو (أي بيع جزء من منفعة العقار) صريحا، وذلك فيما جرى العرف بإنشاء الخلو فيه، وقد جرى العرف بذلك في الحوانيت دون المساكن. وينبغي في إنشاء الخلوات مراعاة شروط خاصة يرجع إليها في البحث.
2-    إذا اشترى المستأجر الخلو من المالك صريحا ملكه، ويكون له حق القرار في العقار، ويدفع أجرة الجزء الآخر من المنفعة، ويجب تعديل تلك الأجرة بعد انتهاء مدة التعاقد الأصلية، لتلحق بأجرة المثل باستمرار. وللمستأجر بيع خلوة للمالك أو غيره، ويورث عنه.
3-    إذا أخذ مالك الحانوت من المستأجر مالا سوى الأجرة لتمكينه من الحانوت دون تصريح بإنشاء حق الخلو، فهذا النوع مشتبه والظاهر أن يكون خلوا يثبت به حق القرار وللمستأجر حينئذ بيع الخلو، وأخذ بدله، ويورث عنه، ما لم يمنع من ذلك عرف أو قانون.
4-    في غير الصورتين المتقدمتين يجوز للمستأجر أخذ بدل خلو من المالك أو غيره إن كان ذلك أثناء المدة التعاقدية الأصلية، وأما بعد انتهائها فليس له أخذه، والحق للمالك في تجديد الإجارة أو استرجاع عقاره. فإن وجد قانون يمنعه من ذلك فالظاهر أن القانون لا يكون مشروعا إلا في حالات الضرورة وليس للمستأجر استغلال ذلك الوضع للحصول على بدل الخلو.
5-    الجدك (أو الأعيان الثابتة التي يضعها المستأجر متصلة بالعقار) لا تعطيه حق القرار في الوقف أو غيره، وبالتالي لا يحق له أخذ بدل الخلو بسبب جدكه، وله أن يبيعها للمالك أو المستأجر اللاحق بثمن المثل لا أكثر، لئلا يكون حيلة على أكل مال المالك بالباطل. والله أعلم.



* نشر بمجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد (4) إعداد الدكتور محمد سليمان الأشقر عضو بالموسوعة الفقهية – الكويت.
[1] العامة يقولون (الخلو) ولا يقولون (بدل الخلو)، وسوف يتبين من البحث إن شاء الله وجه التسمية بكل منهما.
[2] صدرت عن لجنة الفتوى الشرعية بالكويت، بتاريخ 25/ 10/ 1982م فتيا نصها (اتفقت اللجنة على أن الاستعاضة عن الخلو برفع القيمة الإيجارية أمر جائز ويجري على البدل كل أحكام الأجرة بحيث لو فسخ العقد يسترد المبلغ المقدم الذي يخص الفترة والله أعلم.)
[3] انظر المغني ط ثالثة ج5 ص438
[4] أي في حالة وضع المستأجر (جدكه) في العقار بإذن الناظر كما سيأتي آخر هذا البحث.
[5] حاشية ابن عابدين، الطبعة الثانية 4/ 16
[6] أي عند اضطرار الوقف إليه لأجل إعماره، بأن لم يوجد للوقف مال يعمر به، ولم يوجد من يستأجره على حاله من التخرب، ولم يوجد من يتبرع بإقراضه، ولم يمكن استبداله بوقف ذي ريع، ولم يرض أحد باستئجاره إجارة طويلة بأجرة مقدمة يمكن إعماره بها. فإن كان الأمر كذلك جاز الإذن من الناظر بوضع الجدك من المستأجر بشرط القرار، وإثبات الخلو. وإن لم يكن كذلك لم يجز وحرم اتفاقا ولو رضي المستأجر بشرط القرار، وإثبات الخلو. وإن لم يكن كذلك لم يجز وحرم اتفاقا ولو رضي المستأجر بأجر المثل، قال ابن عابدين (3/ 399) (من أفتى بأنه (أي المستأجر) إن قبل الزيادة العارضة يكون أولى بالاستئجار من غيره فذلك مخالف لما أطبقت عليه كتب المذهب من متون وشروح وحواش وفيه الفساد وضياع الأوقاف حيث إن بقاء أرض الوقف بيد مستأجر واحد المدة الطويلة يؤدي إلى دعوى تملكها مع أنهم منعوا من تطويل الإجارة في الوقف خوفا من ذلك).