الأربعاء، فبراير 15، 2012

جماعة الإخوان المسلمين الليبية : من نحن …وماذا نريد؟

تمر ليبيا والعالم العربي بظروف صعبة وتحديات جديدة، تلقي هذه الظروف تبعات على الجماعة وسائر أعضائها باعتبارها فصيل ليبي ، تشغله هموم الوطن ، وما يواجه من صعاب ، كما تشغل كل العالمين لمصلحة الوطن ورقيه وتقدمه. وفي مثل هذه الظروف ولأجل مواجهة هذه التحديات نحتاج إلى وضوح الرؤية، وتحديد المواقف، ليس فقط لنكمل المسيرة ونواصل العمل، بل أيضًا ليتعرف الناس على حقيقة ما نريد، حتى لا تلتبس المواقف ، ويعلم من لم يعلم من هم الإخوان المسلمون.


نحن الإخوان المسلمون – ليبيا جماعة من المسلمين ، ندعو إلى قيم الإسلام الفضلى، ومبادئه السامية ، كما جاءت في كتاب الله العزيز، والصحيح من سنة نبيه الكريم، وما التزم به ودعا إليها سلفنا الصالح. إنه الإسلام بعقيدته الثابتة، وشريعته البيّنة السمحة، وما يتصل به من فهم واثق لنصوصه، وتفسير واضح لقواعده العامة ، يحفظان جوهر النصوص ، ويستجيبان لمقتضى الواقع.
سبيلنا إلى خدمة الإسلام الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والحوار الجاد البنّاء ، والاقتراب من هموم الشعب ، والتفاعل مع معانته والانحياز إلى قضاياه. فالدعوة إلى الفضيلة من أهم واجباتنا ، ومحاربة الرذيلة التزام نُفرغ الوسع لنقوم به مستخدمين ما يتاح من وسائل التنبيه ، والتوجيه ، والتربية في غير تطرف أو غلو.
خدمة الوطن والمواطن عندنا من القربات، والالتقاء مع الآخر على ما فيه نفع البلاد والعباد من أهم الصِّلات.
ننبذ العنف ، ونرفض اللجؤ إلى القوة لحسم الخلاف، فنحن نعتبر الاختلاف في إطار الثوابت العامة للمجتمع الليبي ظاهرة يمكن أن تكون صحية ، إذ انضبط جميع الفرقاء بضوابط الحوار ، وآداب الخلاف.
نعتبر قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، التي لا تتعارض مع الثابت من ديننا الحنيف، من صلب الدين ، ومقصد كبير من مقاصده ، ندعو إليه وندعم كل جهد يعمل على تعزيزها.
نعظَم قدر العلم والعلماء ، ونعتبره وسيلة المجتمع للنهوض والتطور واللحاق بركب التقدم العلمي ، والتقني ، والنهضة ، والتنمية.
نعتقد أن أساس الدولة المتين في استقرارها السياسي والاقتصادي ، الذي لا يكون إلى في ظل القوانين العادلة ، والمؤسسات الرسمية الفاعلة ، وتقديم الكفاءات المخلصة وفق مبدأ الثقة بين القيادة والشعب ، في ظل إقرار بتعدد الآراء والأفكار التي تحقق الصالح العام.
نعتقد أن الارتقاء بالوعي العام لدى مختلف شرائح المجتمع ، مهمة ضرورية لدفع عجلة التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وذلك لا يكون إلا برفع القيود عن حرية التعبير والتفكير ، ورفع الحضر المفروض على تأسيس منظمات المجتمع الأهلي ، وتسهيل مهام عملها ودعم أنشطتها.
الإخوان جزء من تاريخ ليبيا المعاصر، ويشاركون الوطن وشعبه الهموم، برزت حركتهم مع لبنات تأسيس ليبيا الحديثة بداية الخمسينات من القرن المنصرم، وتدرج سيرهم ، متفاعلين مع التطورات التي شهدتها ليبيا الحديثة.
الإخوان المسلمون يعتقدون أنَّ أحكام الإسلام وتعاليمه شاملةٌ، تنتظم شئون الناس في الدنيا وفي الآخرة، وأن أساس هذه التعاليم ومَعينها هو كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم ، وأنَّ كثيرًا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام ، وتلوَّنت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها ، والشعوب التي عاصرتها، وإننا إذا وقفنا عند حدود هذا المَعين الصافي ، مَعين السهولة ، فلا نقيِّد أنفسنا بغير ما يقيِّدنا الناس به، ولا نلزم عصرنا لون عصرٍ لا يتفق معه.
والإسلام دين الليبيين جميعا ، ولا نعتقد أنّهَ حكر على الجماعة ، أو التيار الإسلامي، ولا نقول أننا أكثر فهما له والتزاما به من غيرنا، نهتدي بمنهج الأولين في فهمه ونستفرغ الوسع في تطبيقيه ، ونحرص كل الحرص إلى إيصاله إلى الناس صافيا نقيا ، حتى يطمئنوا إلى ظلاله الوافرة ، وتعمهم بركاته العامرة ، وذلك من خلال الدعوة بالمعروف ، والمعاشرة الطيبة والمعاملة الحسنة. فهمنا للإسلام على أنه دين عام انتظمت فيه كل شئون الحياة في كل الشعوب والأمم في كافة الأمصار والأزمان، جاء أكمل وأسمى من أن يعرض لكثير من جزئيات هذه الحياة ، وخصوصًا في الأمور الدنيوية البحتة، فهو يضع القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشئون، ومن قبس هذا القواعد العامة ، يقتبس الإخوان اختياراتهم العقدية، والفقهية، وتوجهاتهم الفكرية، والدعوية، والسياسية.ولأنها دعوة تجديد وإحياء لما اندرس ، وتقويما لما اعوج كانت فكرة الإخوان تضم كل المعاني الإصلاحية، وتوجه نشاطها إلى كل مناحي الإصلاح في الأمة.
من أبرز أهداف وغايات الإخوان، هي المساهمة في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على المشاركة في صبغ الحياة الطاهرة والرغدة للمجتمع الليبي ووسيلتنا الرئيسية هي تربية الناس على هذه التعاليم والمفاهيم. فالمسلم الصالح ، الطاهر القلب ، النظيف اليد، النافع لغيره، الحريص على مصلحة بلده وشعبه، هو محور اهتمام الجماعة، والخطوة الأولى في رؤيتها لمشروع تصحيح الأوضاع الدينية، والأخلاقية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، فلا يتحقق الإصلاح بغير الإنسان الصالح المصلح، العامل، الايجابي، المؤهل لخدمة الشعب، والوطن، حتى لا تذهب الجهود أدراج الرياح وتبقى أهداف الإصلاح والتطوير حبرا على ورق.
ويدخل من ضمن وسائلنا العامة، نشر دعوة، واستخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح، ثم العمل السياسي حتى تصبح دعوة الإصلاح حقيقة معاشة وواقع قائم تنحاز إليها القوة التنفيذية.
نعمل على نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة وقمع الفقر والجريمة وتنمية المجتمع واستقلال الاقتصاد الوطني ومحاربة الجهل والمرض ونشر التعليم حتى يصير المجتمع مكتمل الدين متقدما ومستقرا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
الإخوان والمطالب الوطنية
أعلن الإخوان طبيعة فهمهم ومطالبهم الوطنية للإصلاح في مناسبات عدة، فمنهجية الإخوان المسلمين تجاه مأزق الفساد الاقتصادي، والإداري، وأزمات الاستبداد السياسي في أي دولة وجدوا فيها، منهجية إصلاحية صميمة، تقوم على أسس من عقيدة أصيلة مستمدة من المصادر الإلهية، هو نفس منطلق الأنبياء الإصلاحي حين صدعوا برسالات الله في أقوامهم ومجتمعاتهم بالقول ‘إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه، توكلت وإليه أنيب’ وكما نص على ذلك الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بقوله’ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق’. لذلك فإن فكرة الإصلاح الوطني عند الأخوان المسلمين تنبثق من المبادئ وليست هي مجرد تكتيك سياسي مرحلي. وأدبيات الجماعة زخرت بالكثير من المعاني التي تؤكد على ضرورة وأهمية الإصلاح ، وتبين جوانبه ومضامينه.
أما مفهوم الإصلاح عندنا نحن الأخوان المسلمين في ليبيا فنعني به :
( العمل السلمي، التراكمي، المتدرج، والدءوب لإحداث تغييرات حقيقية، وشاملة لجميع مناحي الحياة، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وهو إصلاح ذاتي مصدره ديننا الحنيف وينسجم مع هوية وتراث شعبنا).
ومفهوم الجماعة للإصلاح يختلف بالتأكيد عن المفهوم السائد للإصلاح عند بعض الأنظمة العربية، والذي يقف فقط عند الشعارات، أو مجرد تقنين لبعض الإجراءات. وكذلك يختلف مفهومنا للإصلاح عن مفهوم الإصلاح الذي تنادي به بعض القوى الغربية، والذي يسعى لإيجاد أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، من أجل ضمان مصالح تلك الدول على حساب ثقافة وهوية وثروات الشعوب. وتتركز جوانب الإصلاح عند الجماعة في:
1. محاربة الفساد السياسي
محاربة الفساد والتخلف السياسي والإداري الضارب بجذوره في كل مؤسسات الدولة يعتبر الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها كل الأركان الأخرى لمشروع الإصلاح. فبدون مواجهة للفساد الرسمي المؤسسي، لن تتحقق الأهداف المرجوة من الإصلاح الوطني. إن النتائج الهزيلة التي نراها في المجتمع الليبي اليوم في كل الجوانب – والتي أدت إلى التدهور في جميع مناحي الحياة – ليست منفصلة عن طبيعة تلك المؤسسات التي تدير البلاد، والتي هي نفسها ثمرة اختيارات سياسية خاطئة. إن هذه الأوضاع هي نتيجة لسبب رئيسي هو غياب حياة سياسية سليمة، وانتشار الفساد، بفعل الاستبداد الذي أدى إلى إقصاء الكفاءات، بل وهروبها عن المشاركة في تحمل المسؤولية، وكذلك غياب أي نوع من الرقابة والمحاسبة عبر مؤسسات قانونية.
2. إشاعة الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان.
الحرية غريزة فطرية ومفهوم إنساني سامي، وكلمة شرعية، بل هي حاجة ملحّة وضرورة ماسّة من ضرورات الإنسان، باعتبارها تعبيراً حقيقياً عن إرادته وترجمة صادقة لأفكاره. فبدون الحرية لا تتحقق الإرادة وعدم تحقيق الإرادة يعني تكبيل الإنسان ووأد كافة طموحاته وتطلعاته، وهذا ما أشار إليه الفاروق عمر رضي الله عنه في قوله: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟).
إن ‘الحريات العامة’ التي نطالب بها، هي مجموع الحقوق والامتيازات التى يتوجب على الدولة أن تؤمنها لمواطنيها، والتي يجب أن يشير إليها دستور الدولة، وتوضع الضوابط التى تصونها ضد التجاوزات، سواء من جانب الأفراد، أو من جانب الدولة نفسها. ومن أهم هذه الحريات حرية الرأي والتعبير، وحرية الاختيار السياسي، وحرية الصحافة، وحرية التملك، وحرية العمل المدني المؤسسي. لقد تكرر اعتراف النظام بانتهاك الحريات العامة، والآن نعتقد أنه قد حان وقت التصحيح، وأوله إلغاء القوانين الجائرة التي تحد من حرية الإنسان في ليبيا مثل قانون الشرف وقانون تجريم الحزبية وما شاكلها من القوانين.
3. سيادة القانون
الدولة الحديثة هي الدولة التي يشيع فيها مبدأ سيادة القانون، والذي يعني وجود سلطة قضائية تتمتع باستقلال مؤسساتي، ولا تعتمد على قوة السلطة التنفيذية. ومن البديهي أن أهم ركائز تحقق سيادة القانون هو وجود دستور وطني مجمع عليه، ينبثق من عقيدة المجتمع، وثقافته، وهويته، ويكون الإطار العام الذي تصدر عنه كل القوانين، والمرجعية لكل خلاف. إننا نعتقد أن مبدأ سيادة القانون هو أساس العدالة، وهو قمة الضمانات الأساسية لاحترام حقوق الإنسان والحريات العامة. ولا شك أن مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يتحقق في أوضاع يغيب فيها الدستور والقوانين ويحاكم الناس في محاكم استثنائية مثل محكمة الشعب.
4. تفعيل دور المجتمع الأهلي
المجتمع الأهلي هو جملة المؤسسات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية التي تعمل في ميادينها التخصصية، من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمع المحلي، وفي استقلال عن سلطة الدولة. ولا يعني الحديث عن المجتمع الأهلي تصور وجود معارض للدولة أو مناقض لها، فالمجتمع الأهلي والدولة، طرفان متكاملان. نحن ندرك أن هناك بعض القوانين صدرت مؤخرا في ليبيا بغية تكوين مؤسسات المجتمع الأهلي، ولكننا في الوقت ذاته لسنا متفائلين أن تؤدي هذه القوانين لإيجاد مؤسسات أهلية مستقلة، ومنفصلة عن السلطة في ظل هيمنة الدولة على جميع مناحي الحياة، مما يفقد هذه المؤسسات دورها.
علاقتنا بالآخر
الإخوان ينطلقون دوما في مواقفهم وعلاقاتهم بالآخر من منطلق المصلحة العليا للوطن، نحاور بالحكمة، ونجادل بالتي هي أحسن لأجل تحقيق هذه المصالح. الإخوان لا يطلبون لأنفسهم شيئًا من الأخر (السلطة السياسية أو القوى السياسية والعاملين على الساحة)، بل نطالب بالحرية للجميع، وفي أجواء الحرية سنتخذ ما يمليه علينا واجبنا الشرعي وضميرنا الوطني، نحن لسنا في صدد عقد صفقات منفصلة مع السلطة، وليست للإخوان أجندة خاصة ومطالب خاصة تنفصل عن المطالب الوطنية، أو تتناقض مع المصالح العامة. الإخوان باختصار يريدون أن تستجيب السلطة لمطلب الإصلاح الشامل، ويعتقدون أن المسئولية الرئيسية لتحقيق الإصلاح تقع على السلطة لأنها صاحبة القرار وبيدها مفاتيح الفعل السياسي، وتهيب بجميع القوى أن تعمل من أجل الإصلاح الشامل والحقيقي. ويعتقد الإخوان أن الإصلاح مهمة الجميع و ينبغي أن يسهم فيه الجميع، ويعتبر الإخوان أن المشاركة في حوارات تهم الوطن وتعنى بالإصلاح، مسألة بالغة الحيوية، وانه ينبغي أن يشارك فيها الجميع ولا يقصى منها راغب في المساهمة.
زاد الإخوان
يوقن الإخوان إنَّ الاعتماد على الله هو أصل كل نجاح، والإخلاص في التوجه إليه سر التوفيق،وأنَّ التمسك بالوحدة ونبذ الفرقة هو سر القوة ومنبع احترام الناس، وأنَّ التوجه بعد ذلك هو إلى الشعب من أجل المساهمة في تمسكه بقيم الإسلام، وحثِّه على المشاركة في رسم مستقبل الوطن، والنضال من أجل تنمية اقتصادية، واجتماعية مستقلة إلى أن ينتهي الأمر بأن يكون الشعب هو نبض الدولة، وذخيرة الوطن وصمام الآمان.
هذا وبالله التوفيق هو المستعان والهادي إلى سواء السبيل.


المصدر: موقع المنارة للإعلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق