الاثنين، فبراير 20، 2012

عبــد الرحـمـن شـلـقـم ..... القـفـز خـارج دائـرة المـُـذنـِبــون. !!

منذ حوالي القرنين من الزمان أضاف المفكر الفرنسي "جان جاك روسو " نوع جديد من الكتابة الفكرية عُرِفت بالسيرة الذاتية حين كتب مؤلفه "الاعترافات" تحدث فيه عن رحلته في الحياة وذكر فيه كل التفاصيل ،حتى المخجل منها ، فلم يتردد في سرد واقعة تعرضه لمحاولة الاغتصاب داخل الكنيسة، أراد الفيلسوف أن يواجه ذاته قبل إسدال الستار بالإعلان عن هفواتها وخطاياها.


بعد ذلك عرف العالم أشخاص اقل شجاعة كتبوا ما يعرف بالمذكرات الشخصية……… وفي كتاب السيد "عبد الرحمن شلقم" الجديد والمهم "أشخاص حول القذافي" يبدو انه أراد السير على نهج "روسو" ليتواجه مع ذاته ولكن خانته شجاعته فاكتفى بالوقوف عند نهاية طابور المذنبين الذين شاركوا القذافي في هدم كيان الدولة الليبية الدستورية وتشويه ملامح استقلالها على مدار نصف قرن من تاريخها الحديث .

قرر شلقم أن يُجلدَ من شاركوه حياة الصحراء والطواف حول خيمة القائد بتفكيك شخصياتهم وتحليل دوافعهم النفسية التي قادتهم للالتقاء عند مذبح "الزعيم" بتسليط الضوء الكثيف على جذورهم والبيئة الاجتماعية التي خرجوا منها، حيث الفاقة والحرمان وذُل التبعية المُهينة لوجهاء القبائل الصحراوية بالمهجر أو بجنوب ليبيا، حيث تتحكم قواعد المجتمع القبلي الصارمة في تحديد قيمة الفرد بين الجماعة بناء على حظوظه من الملكية وسلطة قبيلته أو عشيرته ".
"احمد إبراهيم" الفتى القذافي المولود بالمهجر التشادي، عاش محطما محروما من الزاد والحنان والاستقرار مع أشقائه وإخوته وزوجات والده مهمشا داخل خيمة ممزقه بالصحراء.
"ونصر المبروك" الدموي الذي كان يفضل وظيفة رئيس مركز شرطة عن رئاسة الوزارة، ليعذب ويقتل الناس، احد منتجات معمل القذافي الدموية.هرب بعد ثورة فبراير ومعه ثمانية عشر مليون إسترليني.
و"مصطفى الزايدي" المهووس بالقتل وشريك محمد المجذوب في وضع جرحى التعذيب بثلاجة الموتى ليموتوا تحت درجة التجميد.
و"خليفة حنيش" البدوي الحاقد الذي تقتله عقدة النقص كونه فرد ضعيف من قذاذفة عائلة أولاد عمر الفقيرة والضعيفة عاش تحت حماية قبيلة أولاد سليمان عمل في شبابه راعيا لدى رجل ورفلي وهو صاحب اقتراح إلغاء لقب بومنيار عن ابن عمه وإظهار لقب قبيلته ....القذافي
يصدمنا شلقم نفسيا وهو يحكي عن ممارسة "القائد المُسلم" للشذوذ الجنسي مع احد أقاربه، واعتدائه على شرف نساء رجاله وأقاربه، وضيوفه، وراهبات جماهيريته، ثم قيام عبد الله السنوسي وبدم بارد بتمزيق جسد الفتى القذافي المطعون في شرفه بربطه في سيارتين تتحركان في اتجاه معاكس حين أراد الفتى الانتقام لشرفه من "معمر" الداعية الإسلامي.
وفي سياق تحليله النفسي لشخصية القذافي يقول شلقم لم ينس معمر للحظة واحدة ما حكاه له والده عن إحباطه وحزنه للإهانة التي تعرض لها بتعمد أحد أقاربه تجاهله وحرمانه من تناول "طاسه" شاي مثل باقي الرجال الجالس معهم في مجلس خاص للقذاذفة، بسبب فقره وقلة حيلته كونه مجرد راعي أجير لدى أحدهم ما دفع القذافي أن يخصص رجل من هذه العائلة القذافية مهمته صنع الشاي له. وتفاصيل كثيرة عن معاناة عائلة أشكال وأبناء قذاف الدم يوردها شلقم في نفس سياق التحليل النفسي لشخصيات حول القذافي.... لقد تناول الكتاب أربعون شخصية أذنبت في حق الشعب الليبي لحساب أغراضها الدنيئة مع سبق الإصرار والترصد.
وعبد الرحمن شلقم هو شخص مثقف، وكاتب محترف، حرمه القذافي من الكتابة الحرة، وجعل منه قلم "مأجور" تحت الطلب، اثنان وأربعين عاما، تحول فيها إلي حبة براقة في مسبحة تفرٌكها أصابع وثنية، لهذا جاءت عبارات الكتاب وجمل السرد فيه مشحونة بتوترات الكاتب النفسية اختلط فيها أسلوب الأدب السياسي مع أسلوب التحليل النفسي للشخصيات عند الأديب "ألبرتو مورافيا" فظل يتتبع أشخاص كتابه وزملاء مسيرته السياسية نازعا عنهم كل أوراق التوت.
حتى من كان منهم منتميا لمجتمع المدينة تتبع نشأته الأولى ليكشف عقده ويسند له نقيصة اجتماعية ما تتحكم في نفسيته تبرر انحراف سلوكه. فنجد "بوزيد دوردا" شاب فقير عمل بالتدريس مصاب بالنرجسية وتضخم "الأنا" عمل مبكرا جاسوسا لمصلحة القذافي ضد أعضاء مجلس الانقلاب.
و"القعود" كان انتهازي جبان وهو لص مُصاب بالكذب العلني والوقاحة .
وفوزية شلابي المُنحلة أخلاقيا التي كان أول ما كتبت مقالة وقحة بعنوان " أرفعوا الغطاء عن أنصافكم السفلى" ووالدتها صالحة "اليهودية" التي لا تخلوا سيرتها بالمدينة القديمة من الغموض و سمعتها من الشُبهات.
لقد جاهد عبد الرحمن شلقم في حكايته كثيرا ليثبت لنا من طرف خفي تميزه الاجتماعي عن أشخاص كتابه كأنه يقول "لستُ مثلهم" لقد اخذ يكرر في كتابه دون وعي أن والده كان عضو بالبرلمان الليبي عن ولاية فزان وانه من زعماء الجهاد ضد الاستعمار وإنهم يملكون الإبل والوجاهة في فزان.
لقد خانته الشجاعة في أكثر من موضع عن استكمال سرد حقيقة الوقائع التي أشتبك فيها مع احد أوتاد الخيمة فيروى لنا مواجهته مع سيد قذاف الدم الذي حضر لجناح شلقم الفخم بفندق شيراتون القاهرة تحرسه سيدتين ضخمتين ،سودانية، وعراقية....... وأهانه "سيد" بأن استكثر عليه فخامة الجناح وهو "مجرد فزاني" فأنفلت لسانه عليه بقوله "لقد كنتم ياقذاذفه خدم لدى عائلة سيف النصر بفزان ، عندما كان والدي عضو برلمان.... لولا أن انتشلكم "معمر" وقام بطرده من جناحه بالشيراتون في حضور "عبد القادر غوقه" وان الأمر رفع للقذافي في تقرير، اكتفى بعد قراءته بالابتسام..... إن الجزء الذي حذفه شلقم من الحكاية هو إن التقرير قد اثبت أن إطراف "واقعة الشيراتون" جميعا كانوا في حالة سُكر ظاهر أخرجهم عن شعورهم واتزانهم فلم تجب مؤاخذتهم...... كذلك لم يذكر لنا الأسباب التي كانت تقوده للمدينة القديمة لمشاركة فوزية شلابي ووالدتها صالحة أكل "المقطع الساخن".
إن القارئ للكتاب ممن عاصروا مأساة حكم القذافي وشهدوا نهايته سيصاب بالحزن والتقزز من حجم الخرافة التي عاشتها ليبيا، وحجم السفالة والتفسخ الأخلاقي الذي أقام عليه حكمه.....
أن ما حدث "للوطن الليبي العريق" على يد زمرة من المغامرين السفلة، قادتهم أحقادهم ونقائصهم الشخصية وراء مُحتال يعاني من شروخ نفسية عميقة وشخصية مريضة بنوازع الشر المطلق تحركها دوافع انتقامية دفينة .
أكد شلقم في تفاصيل كتابه ما كانت النخب الليبية تعرفه بأن القدافي كان أسير تكوينات شخصية فاشية عاش يفكر بعقل ديكتاتوري منغلق على فكر الاستبداد ويروج لنفسه بوسائل قمعية لا حدود لها لم يكن القتل الجماعي والتصفية الجسدية والاغتيالات تشكل له أي أزمة ضمير... كان يعاقب خصومه بالقتل ويعاقب كل الناس بجعلهم يتابعون تفاصيل هذا القتل.
أراد أن يعيد عجلة الزمن للوراء ويفرض قيم العصور الوسطى، تمسك باستخدام أدوات ووسائل الإقطاع السياسي القديمة حيث يمتلك الأقوى مقدرات الناس وأحلامهم التي لا ينبغي لها إن تسرح بعيدا عن قبضته...  خدع القدافي الشعب وقاده للصمت وللسجون وللهجرة، كان حاكماً منتشياً مزهواً بما تحت يديه من ثروات استولى عليها بشكل علني ووقاحة لم تكن خافية على احد...... اعتمد على الكذب المتواصل لم يشغل نفسه بتبرير أفعاله...... اكتفى بمباركة أعوانه وكوادره من الأشخاص الذين التفوا حوله "أنهم المذنبون".
أخيرا لا نملك سوى التعاطف مع عبد الرحمن شلقم، المثقف، الفزاني، قصير القامة، اسود البشرة القادم من قرية الغريفة المجهولة وسط الصحراء الليبية، بهرته القاهرة بأضوائها في الستينات، ثم بهرته أضواء السلطة في طرابلس ومنحته فائض من الأموال، لم يبدده في شراء العقارات والإبل.... فأشترى بها أربعة وعشرون ألف كتاب، وتحف نادرة، وغزلان، ولوحات فنية للمشاهير، وزين مجلسه العامر بآلة " العود "الذي عزف عليه "القصبجي" للسيدة أم كلثوم قصيدة الأطلال..... لم يكن عبد الرحمن شلقم مقُنعا حين اخبرنا في كتابه عن غضبه وصراخه "للبغدادي" بسبب المرأة الليبية التي وقفت بباب منزله تطلب أعانة للعلاج بتونس .
إن تعاطفنا يظل مخدوشا بسبب توتر الكاتب في سرده وحدة مزاج الكتابة لديه ليخفي خجله من كتم شهادة كان يجب الإدلاء بها منذ عشرات السنين، ومحاولته استغفالنا بتمرير روايته بأنه كان من ضمن المخطوفين بقافلة القذافي..... وان كنا لا نتهمه بأنه كان واحد من الخاطفين...... لكن الأكيد انه كان ثعلب صغير عاش متنكرا بين الذئاب المسعورة.
سنظل أسرى للمشهد التاريخي ووقفة شلقم الجسورة التي تابعها العالم كله..... وأداءه المؤثر الذي أبكى مندوبة أمريكا، حين طلب من العالم حمايتنا وهو يقول لأعضاء مجلس الأمن إن القذافي قال لليبيين "أما أحكمكم أو أقتلكم"...... في 25 فبراير2011 كنا نجلس في بنغازي متوجسين نكتم أنفاسنا ونحن نتابع كلمته وملامحه الحزينة عبر التلفزيون..... كان دعاءنا له بالتوفيق في أقناع العالم بضرورة إصدار قرار دولي بحماية أطفالنا ومدينتنا من اجتياح الذئاب المسعورة.
لاشك أن كتاب أشخاص حول القذافي سيكون وثيقة مهمة من وثائق تدوين حقبة حكم القذافي وسيجعل الأجيال القادمة من الليبيين أكثر فطنة من جيلنا.... جيل "بقر الجنة" الذي لا ينطح ولا يرمح.
ِيبقى السؤال الأهم من يملك الحق والولاية في أخراج السيد عبد الرحمن شلقم من دائرة المذنبون ويعلن لنا.... "أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له".




صلاح بوشويقير

هناك تعليق واحد:

  1. ليبيا كلها تشفع لشلقم فأنشقاقه المبكر وكلمته في مجلس الأمن هي التى انقذت بنغازي وبرقةكلها من الحرقة والفناء وعبدت الطريق امام الثورة لتستمر ولاننسى دوره الفاعل في انتزاع اعتراف العديد من الدول بالمجلس الأنتقالي ودعم الثورة والثوار فشلقم ومحمود جبريل وعلى العيساوي والمستشار مصطفي عبد الجليل لاينبغى لنا ان نغفل تضحياتهم وان اردنا ان ننصفهم فلنقارنهم بحالد بن الوليد قبل احد وبعد احد

    ردحذف