يبدو انه كتب علينا نحن الليبيون أن نكون حقلا للتجارب حتى فى أشياء
جربتها المجتمعات الدولية من قبلنا وسبق اختبارها أن كانت ناجحة أو فاشلة. الملك إدريس
رحمه الله كان أول شيء فعله هو إلغاء الأحزاب ومنعها وهكذا حرم الليبيين من الخوض
فى هذه التجربة التى لو استمرت لكانت ربما منعت ذلك الانقلاب من أن يحدث ناهيك عن أن
ينجح. جاء ملك الملوك وكلنا نعرف تلك المقولة المشهورة التى ظلت تردد على أسماعنا
صباح مساء وبرر بها ليس إلغاء الأحزاب فقط بل وإلغاء أصحابها من على ظهر البسيطة
لو تمكن منهم. ومضى زمن الملك إدريس ومضى زمن الطاغية وها نحن الليبيون نترك
لوحدنا بدون من يخطط لنا كما يريد، طريقنا السياسى الذى على بلادنا أن تسلكه أن أرادت
أن تكون دولة ناجحة.
المجلس الانتقالى الذى سلمناه زمام أمورنا يجتهد فان نجح فله أجران وان لم
ينجح فله اجر، لكن الأمور ليست بهذه البساطة، فهذا الذى نحن بصدده مستقبل شعب
برمته قد يتعزز هذا المستقبل أن أحسن المجلس الاجتهاد وقد تلحق به طامة كبرى أن لم
يحسن فكيف يا ترى علينا أن نتصرف؟ حقيقة هذه المخاوف مبعثها ما يتطور الآن على الساحة
السياسية للمجتمع الليبى. بعد إقرار قانون الانتخاب للمؤتمر الوطنى، والانتخابات
التى ستجرى بعد أشهر قليله لانتخاب أعضاء هذا المؤتمر. الغالب أن الليبيين سيتجهون
إلى انتخاب المستقلين وهو شيء جيد أن فعلوا ذلك، فهذه الأحزاب التى تنتشر كالترفاس
على الساحة مع الاحترام الواجب لأصحابها ليست قانونية. إذ
كيف يمكن لدولة أن تسمح بقيام أحزاب لا
يتم تنظيم الأسس القانونية التى تقوم
عليها. وكيف يمكن أن تتشكل الأحزاب هكذا من هذا الفراغ السياسى والتنظيمى
والقانونى وتسمى نفسها أحزابا قانونية هدفها إقامة دولة القانون واحترام الحريات
العامة والمحافظة على المال العام وغير ذلك من تلك الشعارات التى مللناها لأنها لا
تطبق. طيب دعونا نسأل، أليس من المهم أن
نعرف بالقانون كيف ستقام هذه الأحزاب، كم عدد مؤيديها حتى تسجل كحزب، كيف سيتم
تمويلها، هل ستكون مفتوحة التمويل بمعنى أن فى إمكانها أن تتلقى مساعدات من جزر
القمر مثلا، هل هى أصول أم فروع، وان كانت كذلك فهل سنرى حزبا للبعث وحزبا لله
وحزبا شيوعيا وحزبا يتبع النهضة فى تونس وجبهة التحرير فى الجزائر والعمال
والمحفظين فى بريطانيا والديمقراطيون والجمهوريون فى أمريكا ودولة القانون فى
العراق والعدالة والتنمية فى تركيا وهلم جرا وهل يمكن أن تؤتمن البلاد عل مقدراتها
بهذه الوصفة. كيف يمكن لشعب تعداده حوالى خمسة ملايين ناخب أن يكون هناك ما
يقارب المائة حزب. لابد أن الأمور غير جادة،
وإلا ماذا؟
هذه اللامبالاة أو الذكاء الخارق للعادة لابد من تفسير له. لماذا لا
نقوم وكما تفعل الدول الأخرى، من إعداد
قانون للأحزاب ألان، ما هى الصعوبة فى ذلك وكم يستغرق ذلك من الوقت. أم أن المجلس مستعجل لتسليم
هذه المسؤولية الثقيلة لمن يأتى وبأى طريقه وليحمل المتكالبون على السلطة
مسؤولياتهم. لكن الأمور ليست بهذه البساطة هذه أمانه لا تنفع معها أساليب
اللامبالاة والانسحاب من المسؤولية.
إذن يا إخوانى الوقت مازال فى صالحنا. لابد من إعداد قانون الأحزاب وإصداره
وإلزام الأحزاب ببنوده. بعد أن تنتهى هذه المرحلة فكروا فى إجراء الانتخابات.
حينئذ سنعرف من ننتخب أحزابا أو مستقلين، سنعرف برامجهم وسنعرف توجهاتهم ومصادر
تمويلهم وإذا انتخبهم الشعب بعد ذلك وفشلوا لا سامح الله ستكون مسؤولية الناخب. أرجوكم
اتقوا الله فى هذا الشعب ولا تستعجلوا الأمور والبناء يحتاج إلى صبر.
وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، صدق الله العظيم. ألا تريدون هذا الأجر
الربانى بغير حساب.
يوسف العزابى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق