انتشر
خلال الأيام المنصرمة تسجيل مرئي يصف وقائع اجتماع بين وزير الدفاع الليبي السيد
أسامة جويلي ومشايخ قبائل بني وليد، في إطار مساعٍ حثيثة تبدلها حكومة الكيب لنزع
فتيل أزمة تكاد تعصف بالدولة الليبية أثارتها نزاعات قبلية وتداخلت معها مساعٍ من
أطراف كانت توالي النظام السابق لمحاولة إيجاد مكان لها وسط النظام الجديد محاولةً
إخفاء تاريخ قريب ظهرت فيه بجلد غير الذي ترتديه الآن متخذةً من الشعار
"الثورة تجب ما قبلها" طريقاً للتسلق إلى قمم لطالما ألفوها مع نظام
استبدادي ديكتاتوري.
وخلال
اللقاء الذي كان يجلس فيه الملتقون على فُرُشٍ التصقت بالأرض في علامات واضحة على
الحميمية والرغبة في الصلح ورتق الصدع وترقيع الخرق الذي يكاد يعصف بالنسيج
الاجتماعي لمجتمع قبلي لا طالما كانت الصراعات بين عناصره مستحكمة ومتأصلة، ابتدر
الحاضرين أحدُ الشيوخ الذي يظهر من هيئته والمتكأ البارز الذي يتبوأه أنه من المشايخ
الأفذاذ الذين يُرجِعُ لهم القومُ القولَ وينيطون إليهم الأمر ولا يردون لهم حكماً
ولا يقطعون من دونهم خطابا... تكلم الشيخ المهيب متحدثاً عن الأحداث التي أرعبت
المدينة الأيام الفائتة متهماً بعض الثوار بأنهم يغالون في التحكم في مقاليد
الأمور والمبالغة في تعقّب من يسمون بالموالين للنظام السابق مقللاً من شأن وجود
هؤلاء الموالين، معززاً كلامه عن ذلك بمقالةٍ مفادها ... أن تعليق العلم الأخضر
ليس بالذنب الكبير الذي تستحق عليه المدينة هذا التهديد بالهجوم عليها وإثارة
المناطق الأخرى ضدها بدعوى سقوطها في أيدي أزلام النظام السابق مستشهداً بأنه وإن
كان العلم الأخضر قد رُفع على مباني مدينة بني وليد فإن العلم الإسرائيلي قد رفع
على مآذن المساجد في المناطق المجاورة وقد تناقلت ذلك وسائل الإعلام الليبية - وهو
هنا يقصد إعلام القذافي طبعاً – وعالمية - وهذه الفرية لا دليل عليها فلم نسمع أن
وسيلة إعلام غربية نقلت هذا الخبر-.
نقف عند
ما ذكره الشيخ في كلامه لوزير الدفاع لنتساءل من يقصد الشيخ بتلك المناطق؟... وهو
يقول مناطق حولنا... كلنا يعلم أن إعلام الخبيث المقبور معمر القذافي - عليه من
الله ما يستحق وجمعه هو من والاه في جهنم جميعاً - كان يتهم ثوار مدينة مصراتة
الأشاوس بهذه الفرية وشاهدنا جميعاً نجله خميس كيف كان يقول ذلك لجنوده وكذلك بوقه
شاكير وهو يسوق هذه الأكاذيب على أبطال مصراتة وأسودها، وكأن كل الأكاذيب
والمفتريات لم تعد تجدي نفعاً في محاربة هؤلاء الأشاوس إلا أن يفتروا عليهم بهذه
الفرية العظيمة التي يعلم كل منصف أنها لا تنطلي على أقل الناس عقلاً وأسفههم
رأياً، فكيف تجوز على مشايخ عظمت أفهماهم وكبرت أحلامهم حتى جلسوا من أقوامهم
مجالس الصدارة وتبوؤا منهم المكانة الرفيعة والدرجة المنيعة.
قد لا
يكون عجبنا عظيماً من مقالة الشيخ ولكن ما اشتد له عجبنا واستشكل على الفهم عندنا
كيف لوزير الدفاع وهو يسمع هذه الأكاذيب والأحاديث المفتراة أن يلوذ بالصمت وكأنه
مقتنع بما سمع وغير آبه بالزور الذي وقع وكأن من أنهموا ليسوا هم أبطال ثورة فبراير
المجيدة التي مكنت له المكان الذي يجلس فيه، فسكت عن هذا الافتراء وامتنع عن الذب
عن أعراض إخوانه وهو يعلم علم اليقين بهتان ما قد سمع وإجحاف الشيخ في حكمه، وغيظه
على جيرانه الذي لم يفلح في كظمه.
إن
المراقب لما يجري اليوم على الساحة الليبية من تحول أبطال فبراير من أبطال صنعوا
المجد لوطنهم إلى هدف يطلق عليه الغادرون سهامهم ويرميهم المتسلقون بكل فعل كريه
وكأن هؤلاء المتسلقين الذين كانوا بالأمس القريب يحملون السلاح لنصرة طاغوت زمانه
قد نسوا قبيح فعلهم في إخوان لهم وجيران قريبين منهم، حين أنكروا العشرة وخانوا
الجيرة وأرسلوا فتيانهم في كتائب تغطي عين الشمس تغزو المدن القريبة منهم، تهتك
الأعراض وتغتصب الأموال وتسفك الدماء وتستبيح الحرمات... نسوا أو تناسوا كل ذلك
اليوم، والغريب أنهم يريدون أن ينسى الليبيون ذلك وكأن شيئاً لم يكن ولا حادث ولا
حديث.
على هذا
الشيخ أولاً عوض أن يتهم جيرانه الذين يعرفهم جيداً برفع أعلام إسرائيل أن يركب هو
وأكابر قومه ليدخل على الجيران الذين آذاهم هو وبنو جلدته فيستسمج منهم ويضع نفسه
رهن إشارتهم هو وقبيلته ليحتمل الدماء التي أريقت والأعراض التي انتهكت والأموال
التي سلبت، وليعلم أن جيرانه الذين يرميهم بكل منقصة قد رفضوا من قبل السير إليه
وإلى مدينته خوفاً من تاريخ قد يعكر أجواء الأخوة وصفاء الجيرة وهو يدرك جيداً لو
أن هؤلاء الجيران فعلوا ما أمسكوا أنفسهم عنه لما وجد رجالاً يقفون اليوم حوله ولا
شباباً يشير إليهم فيسمعون منه.
إن ما
نراه اليوم من الاستعداء على ثوارنا الأشاوس واتهام المدن التي كان لها السبق في
هذه الثورة وقدمت من دماء أبنائها القرابين على مذبح تحرير الوطن وتخليصه من أعتى
حكم طاغوتي عرفه البشر ليصدق عليه المثل الذي يقول "رمتني بدائها
وانسلت" ولهو الذي عبّر عنه أجدادنا عندما قالوا "ضربني وبكى وسبقني
واشتكى".
فكيف لمدن
وقبائل بقيت إلى أخر رمق في الطاغية وحتى بعد موته وفنائه تقاتل جيرانها وبني
وطنها في سبيل حكمٍ طاغوتي كيف لها اليوم أن تطالب بمبدأ العفو عن ما سبق وأبناؤها
في أعناقهم دماء الأتقياء وحرمات الشرفاء كيف لهم أن يقولوا أن الثورة تجب ما
قبلها وهم لم يقدموا أكابر مجرميهم إلى منابر العدل والقضاء ليقول فيهم كلمته
وليقتص منهم لضحاياهم، كيف لهم أن ينصّبوا أنفسهم زعماء وقادةً في نظام جديد كرهوه
من قبل وحاربوه وفعلوا وسعهم للقضاء عليه.
هل يستوي
منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل... هل يستوي من دخل إلى بني وليد مجاهداً جنود
الطاغية وأزلامه واسترخص الروح في سبيل تحرير وطنه مع الذي لم يسلم سلاحه الذي
وهبه له القذافي ليكون حرباً على إخوانه الليبيين، هل يستوي من دفع ثمن انتصار هذه
الثورة غالياً من النفس والمال والولد مع من خنع وذل على مضض بعد أن هلك طاغوته
وعرف أن الهزيمة والخزي والعار قد لحقته فلاذ بمسكنه ودس سلاحه في التراب ليقوم
بعد ذلك ليرفعه في وجوه الشرفاء من جديد.
أيقال عن
مصراتة أنها ترفع أعلام إسرائيل كذباً وزوراً وبهتاناً في حضرة وزير الدفاع ويسكت
كشيطانٍ أخرس لا يرد جواباً ولا ينفح عن قضية عادلة ولا يذب عن عرض الثوار الشرفاء
الذين أوصلوه إلى ما هو فيه من عز وتمكين، أيحدث كل هذا ونحن لا زلنا في بداية
تأسيس دولتنا، أفلا ننتصر لمن دفع الروح رخيصةً في سبيل تحريرنا. أيقال عن مصراتة
أنها الجماهيرية الثانية من أناس كانوا يرمونها بالجراد فأتتهم بفلذات أكبادها
لتحررهم من عبادة الطاغوت وتقيم لهم عزاً وشرفاً لا يضاهيه في التاريخ عز ثم
ينعتونها بأصفق الصفات وأهون الأوصاف وهم يعلمون علم اليقين أنهم لولاها بعد الله
تعالى ما حلموا أن يكتبوا في الصحف ولا أن يمارسوا حرية إبداء الرأي وقول ما يجيش
في الصدر.
أين هو
العدل والإنصاف يا دعاته؟ أتذكرون المساوئ وتخرسون عن المحاسن؟ أتذكرون ما يخطئ
الشرفاء فيه اجتهاداً لحفظ الأمن ولجم الفتنة وتغضون الطرف عن مفاخر سطروها من
ألهَبْتُم سياط ألسنتكم في أعراضهم، اتقوا الله في أنفسكم وأربأوا عن غيكم واحذروا
أن يصيبكم ما أصاب بلعام بن باعوراء الذي قال الله فيه "فمثله كمثل الكلب إن
تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث".
أما لوزير
الدفاع فأقول... قد طمعنا منك بغير ما رأينا، طمعنا أن تذود عن أعراض أخوة السلاح
الذين شرفوك وشرفوا قومهم.. لكنك أثرت أن تمالئ من علمت خيانتهم وتوليهم، فلا نرضى
منك بغير الاعتذار ولا يطفئ غيظنا عليك سوى الخروج على الشاشات لتعطي الحق لأهله
وتلجم أهل الباطل بلجام العدل والإنصاف وتذود عن حياض الثوار ضد كل مدعٍ وقوّال
للزور.
هذا أقل
ما يغفر لك زلتك، ويخفي علتك، ويصحح خطأك الذي ارتكبت، أما إن تركت الأمر على عواهنه
فإنك الخاسر وعلى الباغي تدور الدوائر.
المصدر: الوطن
الليبية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق