الجمعة، مارس 30، 2012

الكفاءات.. لا الولاءات.... المستشار سعد العسبلي

في بعض الأوقات والظروف قد يستعان بأشخاص لأن الوقت أو الظرف قد يتطلب هذه الاستعانة، وقد ‏يصرف النظر عن مواصفات هي واجبة التحقق في الظروف العادية، بعكس الظروف الاستثنائية التي قد ‏تستوجب سد الفراغ تحت مبررات “الصورة لا المحتوى” أو بمعنى آخر استكمال الشكل لا المضمون، وهو ‏وضع وإن كان مقبولاً في أضيق نطاق زمني شريطة أن يكون محصوراً في أشخاص لملء فضاء عددي أو ‏شكلي، إلا أن الظروف والدواعي المذكورة مع ما تتصف به من استثنائية مصيرها إلى الانقضاء والزوال ‏لتبدو القواعد ظاهرة للعيان لا يمكن إنكارها وظهورها يستدعي إبعاد هؤلاء الأشخاص الذين جلبتهم إلى ‏مواقع لا يتمتعون بكفاءة البقاء فيها، وفي الغالب لا يتركون علاقات مؤثرة في الفترة التي كانوا فيها مجرد ‏صور وزينة لا قيمة لها إلا شكل يفتقر إلى أدنى معايير المضمون.

وقد حدث في أوقات معينة إن تم الاستعانة ببعض الأشخاص، ليس وفقاً لمعايير الكفاءة، بل وفقاً ‏لمعطيات القبلية أو الجهوية، والتي فرضت في مرحلة من المراحل، وهي سياسة استعملها الطاغية القذافي ‏بشكل دمر من خلالها مؤسسات وإدارات كانت لها مكانتها وشهرتها التي كان لها وضعها ليس في ليبيا ‏بل كانت بعض الأنظمة مما يشهد لها عالمياً ومن ذلك نظام التسجيل العقاري العيني الذي استبدل ‏بالتسجيل الشخصي مع ما أثاره ـ في اعتقادي ـ من تبعات ستبقى لفترة مستقبلية قد لا تكون قصيرة.‏
كما أن الطاغية القذافي وفي إطار فساد ممنهج كان يشير من خلال سياسة أسماها الترشيد إلى تعيين ‏أشخاص في أماكن قيادية، في حين أنهم لا يملكون مواصفات هذه الوظائف، وكان يسعى في ذلك إلى ‏رشوة بعض القبائل ويستميل سكان القرى والمدن في إطار مبدأ الولاءات مهما كانت النتائج، وهو ما أدى ‏كما أفصحت عنه الأيام، إلى عواقب وخيمة أتت على الأخضر واليابس حتى صارت البلاد دون مؤسسات ‏قائمة ولا منظمة يمكن الاعتماد عليها وهو ما ساهم بشكل كبير في خلق شكل من أشكال الفوضى كان ‏من الصعب السيطرة عليها في وقت قصير بالرغم من المحاولات الجادة التي يحاول القيام بها ثلة من ‏الأشخاص الوطنيين والذين عملوا المستحيل لرأب الصدع الذي أصاب المؤسسات حتى أتى على بنيانها ‏بشكل كامل يتطلب دون شك إقامتها وإنشاؤها من جديد.‏
وفي خضم الإحداث التي عشناها زمن الطاغية كان الكثيرون لا يعرفون أشياء عديدة وأن كان بعضهم ‏يعرف شيئاً ما وقد لاذ بالصمت، إما منتظراً أو أنه من المستفيدين، في حين أن الأمر كان عرضة ـ بالرغم ‏من هذه الكثرة ـ لمناقشات حاول الطاغية وأزلامه أن يصنعوا ستاراً غطوا به أعين أناس كثر، وقد كان ‏للقبيلة والجهوية النصيب الأوفى من حيث الصناعة والتي عمل الطاغية على إبرازها وإن كانت هذه ‏المسألة قد خرجت عن سيطرته، إذ أدرك جل الشعب الليبي الكثير من ألاعيبه التي تفنن في صنعها من ‏خلال شركات جلبها لهذا الغرض وصرفت عليها أموالاً طائلة من ثروات الشعب الليبي الذي افتقر إلى ‏الكثير من الضروريات ما بالك بالكماليات حتى صارت الأرض الليبية مخزناً للمخلفات حيث انعدمت ‏البنية التحتية ومن ذلك عمليات الصرف الصحي التي أخذت من باطن الأرض مستقراً لها ومهداً، وكان ‏في كل ذلك متعمداً يرسم ويعرف ويقصد ما يفعل وقد ساعده في ذلك كوكبه من الفاسدين الذين تولوا ‏الوظائف والإدارات القيادية، لا لكفاءة بل لولاء مغلف بردود أفعال وإسقاطات ضد الشعب إما لعقد نفسية ‏أو لمصالح شخصية كان على قمتها الحصول على الأموال مهما كانت الوسائل والطرق، ولو كانت عن ‏طريق الرشاوى أو جلب المواد والأدوية الفاسدة والأمثلة على ذلك من الكثرة بشكل قد وصل إلى أن صار ‏قاعدة لا استثناء.‏
ونحن اليوم ـ وبعد قيام الثورة الوليدة ـ وقد استوعب الناس ما قام به الطاغية من فساد كشفت عنه الأيام ‏وبشكل أذهل الكثيرين فنحن وإن كنا في الماضي نستشعر الفساد إلا أننا لم نكن نتوقع أن يصل هذا ‏الفساد إلى هذه الدرجة والفظاعة لم تدهشنا فقط بل أدهشت العالم من هول فظاعتها وقد زاد من ذلك أن من ‏قام به كان قد تصورت العديد من الشخصيات الدولية أنه شيء آخر.‏
إذاً فإننا وقد استوعبنا الدرس، فإنه لم يزل من بيننا شرفاء كثر وأشخاص لهم من الكفاءة والنزاهة ما شهد ‏لهم بها العديد من الأشخاص والمؤسسات داخل ليبيا وخارجها، كفاءات منها من عاين خارج البلاد طريداً ‏من عسف الطاغية ومنها من آثر البقاء داخل البلاد يتصارع مع آلام يراها في كل يوم بل وفي كل ساعة، ‏ومن هذه الكفاءات من حاول الإصلاح وعمل الطاغية على إفشاله ومنها من راقب من بعيد لكنه بقي ‏نزيهاً، ونحن اليوم في حاجة إلى كل السواعد التي تلقت أصنافاً من العلوم والمعارف في كل المجالات ‏لتتقلد قيادة هذا البلد في إطار مبدأ الكفاءات لا الولاءات.

المصدر: المنارة للإعلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق