في بعض
الأوقات والظروف قد يستعان بأشخاص لأن الوقت أو الظرف قد يتطلب هذه الاستعانة، وقد
يصرف النظر عن مواصفات هي واجبة التحقق في الظروف العادية، بعكس الظروف
الاستثنائية التي قد تستوجب سد الفراغ تحت مبررات “الصورة لا المحتوى” أو بمعنى
آخر استكمال الشكل لا المضمون، وهو وضع وإن كان مقبولاً في أضيق نطاق زمني شريطة
أن يكون محصوراً في أشخاص لملء فضاء عددي أو شكلي، إلا أن الظروف والدواعي
المذكورة مع ما تتصف به من استثنائية مصيرها إلى الانقضاء والزوال لتبدو القواعد
ظاهرة للعيان لا يمكن إنكارها وظهورها يستدعي إبعاد هؤلاء الأشخاص الذين جلبتهم
إلى مواقع لا يتمتعون بكفاءة البقاء فيها، وفي الغالب لا يتركون علاقات مؤثرة في
الفترة التي كانوا فيها مجرد صور وزينة لا قيمة لها إلا شكل يفتقر إلى أدنى
معايير المضمون.
وقد حدث في
أوقات معينة إن تم الاستعانة ببعض الأشخاص، ليس وفقاً لمعايير الكفاءة، بل وفقاً
لمعطيات القبلية أو الجهوية، والتي فرضت في مرحلة من المراحل، وهي سياسة استعملها
الطاغية القذافي بشكل دمر من خلالها مؤسسات وإدارات كانت لها مكانتها وشهرتها
التي كان لها وضعها ليس في ليبيا بل كانت بعض الأنظمة مما يشهد لها عالمياً ومن
ذلك نظام التسجيل العقاري العيني الذي استبدل بالتسجيل الشخصي مع ما أثاره ـ في
اعتقادي ـ من تبعات ستبقى لفترة مستقبلية قد لا تكون قصيرة.
كما أن
الطاغية القذافي وفي إطار فساد ممنهج كان يشير من خلال سياسة أسماها الترشيد إلى
تعيين أشخاص في أماكن قيادية، في حين أنهم لا يملكون مواصفات هذه الوظائف، وكان
يسعى في ذلك إلى رشوة بعض القبائل ويستميل سكان القرى والمدن في إطار مبدأ
الولاءات مهما كانت النتائج، وهو ما أدى كما أفصحت عنه الأيام، إلى عواقب وخيمة
أتت على الأخضر واليابس حتى صارت البلاد دون مؤسسات قائمة ولا منظمة يمكن
الاعتماد عليها وهو ما ساهم بشكل كبير في خلق شكل من أشكال الفوضى كان من الصعب
السيطرة عليها في وقت قصير بالرغم من المحاولات الجادة التي يحاول القيام بها ثلة
من الأشخاص الوطنيين والذين عملوا المستحيل لرأب الصدع الذي أصاب المؤسسات حتى
أتى على بنيانها بشكل كامل يتطلب دون شك إقامتها وإنشاؤها من جديد.
وفي خضم
الإحداث التي عشناها زمن الطاغية كان الكثيرون لا يعرفون أشياء عديدة وأن كان
بعضهم يعرف شيئاً ما وقد لاذ بالصمت، إما منتظراً أو أنه من المستفيدين، في حين
أن الأمر كان عرضة ـ بالرغم من هذه الكثرة ـ لمناقشات حاول الطاغية وأزلامه أن
يصنعوا ستاراً غطوا به أعين أناس كثر، وقد كان للقبيلة والجهوية النصيب الأوفى من
حيث الصناعة والتي عمل الطاغية على إبرازها وإن كانت هذه المسألة قد خرجت عن
سيطرته، إذ أدرك جل الشعب الليبي الكثير من ألاعيبه التي تفنن في صنعها من خلال
شركات جلبها لهذا الغرض وصرفت عليها أموالاً طائلة من ثروات الشعب الليبي الذي
افتقر إلى الكثير من الضروريات ما بالك بالكماليات حتى صارت الأرض الليبية مخزناً
للمخلفات حيث انعدمت البنية التحتية ومن ذلك عمليات الصرف الصحي التي أخذت من
باطن الأرض مستقراً لها ومهداً، وكان في كل ذلك متعمداً يرسم ويعرف ويقصد ما يفعل
وقد ساعده في ذلك كوكبه من الفاسدين الذين تولوا الوظائف والإدارات القيادية، لا
لكفاءة بل لولاء مغلف بردود أفعال وإسقاطات ضد الشعب إما لعقد نفسية أو لمصالح
شخصية كان على قمتها الحصول على الأموال مهما كانت الوسائل والطرق، ولو كانت عن
طريق الرشاوى أو جلب المواد والأدوية الفاسدة والأمثلة على ذلك من الكثرة بشكل قد
وصل إلى أن صار قاعدة لا استثناء.
ونحن اليوم
ـ وبعد قيام الثورة الوليدة ـ وقد استوعب الناس ما قام به الطاغية من فساد كشفت
عنه الأيام وبشكل أذهل الكثيرين فنحن وإن كنا في الماضي نستشعر الفساد إلا أننا
لم نكن نتوقع أن يصل هذا الفساد إلى هذه الدرجة والفظاعة لم تدهشنا فقط بل أدهشت
العالم من هول فظاعتها وقد زاد من ذلك أن من قام به كان قد تصورت العديد من
الشخصيات الدولية أنه شيء آخر.
إذاً فإننا
وقد استوعبنا الدرس، فإنه لم يزل من بيننا شرفاء كثر وأشخاص لهم من الكفاءة
والنزاهة ما شهد لهم بها العديد من الأشخاص والمؤسسات داخل ليبيا وخارجها، كفاءات
منها من عاين خارج البلاد طريداً من عسف الطاغية ومنها من آثر البقاء داخل البلاد
يتصارع مع آلام يراها في كل يوم بل وفي كل ساعة، ومن هذه الكفاءات من حاول
الإصلاح وعمل الطاغية على إفشاله ومنها من راقب من بعيد لكنه بقي نزيهاً، ونحن
اليوم في حاجة إلى كل السواعد التي تلقت أصنافاً من العلوم والمعارف في كل
المجالات لتتقلد قيادة هذا البلد في إطار مبدأ الكفاءات لا الولاءات.
المصدر: المنارة للإعلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق