الخميس، مارس 22، 2012

هل تزداد ليبيا بركة بصب اللعنات علي برقة


جوبهت هوية برقة ـ حقيقية كانت أو مدّعاة ـ بتجريم سياسي من قبل المستشار مصطفي عبد الجليل عندما دفع بعدم شرعية مجلس برقة واتهمه بمسعى الانفصال وتقسيم البلد وتعجل يتوعد المجلس (لويا جرقا برقة) باستخدام القوة. قيل فيما بعد أنه قد خانه التعبير وأنه لا يقصد قوة السلاح.
وجوبهت أيضا بتجريم شرعي؛ من قبل المفتي  السيد الصادق الغرياني؛ بما يفهم منه أن ما أقدم عليه مجلس برقة هو خروج عن الجماعة.  وهو قول من السهل تأويله ـ  من قبل صغار العقول ـ وكأنه (فتوى) بإهدار دم الخارجين.

ثم علي المستوى الشعبي: مسيرة  رتبت لتكون مليونية وهي لم تتجاوز  خمسة عشر ألفا من إجمالي سكان بنغازى البالغ 700 ألف أو يزيد.
ردد المتظاهرون :
الفدرالي مجلس برقة           في بنغازي يحفر قبرة
ثم:
حتى كان عجاج أو ريح           مجلس برقة اليوم ايطيح
تطورت إلي إطلاق العنان للسباب الشخصي
يا زبير يا خسيس  يـا            مطرود الملك إدريس

وهي صيحات تماثل الصيحة البائسة القديمة (إبليس ولا إدريس)
كأنه لم تعد هناك مساحة ليس لرأي الآخر بل لمفردة لغوية بعينها هي كلمة (برقة) في ذاتها، وكأن بها تعويذة شيطانية توجب طمسها طمسا ساحقا ماحقا.

هكذا  ـ في دولة العدل والقانون الوليدة ـ سيتوجب علي كل عاقل برقاوي يريد أن يحفظ رأسه أن يتجنب ذكر كلمة (برقة) وأن يُعلّم ذلك لأولادة إذا كان يخاف علي مستقبلهم فعلا، بل أن من الأفضل له لكي يضمن السلامة، أن يتبرأ من برقة اللعينة هذه بسبّها علنا علي رؤوس الأشهاد، وسأبدأ بنفسي فأقول:  عليك اللعنة يا برقة.
هذا لن يكون كافيا بل سيتطلب أن أشطب 60 ألفا من أهلي، نعم ستون ألفا  ردمهم جراسياني في رمل معتقلات البريقة والعقيلة، لا يذكرهم الكثير من نخبنا الاجتماعية بل يقول البعض إنها مجرد مبالغات (عُريْبّا)، وسوف أنسى حتى رفات جدي الذي ما زال في جزيرة فافينيانا الإيطالية، وستُبلي حياتي كلها و حياة أولادي من بعدي بالنسيان واللعنات حتى أنه قد لا  يبقي لي شيء أباركه ولو كان ليبيا هذه التي ليس لي غيرها ولن أجد سبيلا لأخرجها من فؤادي.
أي خيار هذا بين أن يحيا المرء مجبرا علي الصمت شاطبا وناسيا أجداده مُزكّياً لوسمهم بالغفلة والسذاجة، أو أن يقتلع فؤاده بيده.

إذا كان مواطن ليبي ينتسب إلي قائد جهادي بمنزلة أحمد الشريف، قضي في سجون القذافي ما يزيد عن ثلاثين عاما ربعها تقريبا في سجن انفرادي،  لا يجد من كل ذلك شيء يشفع له ويتقي عنه الإهانة الشخصية في ميادين موطنه بنغازي، فما هو حال مواطن عادي يري أن برقه هي هوية بالنسبة له لا تقل أهمية عن هويته الليبية؟  ما الذي سيشفع له –  في دولة العدل والقانون ـ ليتقِي المهانة والسب في الميادين بل وربما هدر الدم كيفما يصح لمن يريد تأويل أقوال مفتي ليبيا علي هواه.

لقد اجتمع ضد السيد الزبير ومجلسه البرقاوي حكم سياسي باتهامه مسبقا بالاتفصالية والتأثر بجهات وأجندات خارجية، ثم أردف ذلك بقول من مفتي ليبيا يسهل تأويله إلي ما هو أكثر من مجرد تهمة الاجتهاد الخاطئ بل قد يصل حد إهدار الدم. وبذا توجب أن يشطب اسم (برقة) من القاموس الليبي وأن يلغي من الخرائط بما فيها الوثائق الخاصة باستقلال ليبيا بل حتى أسماء الوفد البرقاوي إلي الأمم المتحدة. علي كل من آلـ شنّيب وألـ القلال وآلـ شقلوف وآلـ العبار أن يشطبوا اسماء رجالاتهم الذين سيّروا تلك المعركة السياسية الحاسمة وهم يتدبرون مصاريفهم وتذاكر سفرهم بصعوبة بالغة.

منذ ذلك التاريخ وأثناء مخاض ولادة دولة ليبيا، حتى مارس 2012 ونحن في قمة توقنا لحرية التعبير ولعودة دولة العدل التي أراد الشهداء أن لا يظلم فيها أحد أبدا، تصلنا اليوم رسالة كئيبة تقول أنه لا معني لكل ذلك وعليكم أن تنسوه وإلا فأنتم انفصاليون خونة تحرككم أجندات خارجية.
الهجمة الإعلامية في الفضائيات التي تملكها الدولة وفي المساجد أيضا، كشفت المستور وبينت عاهة مقيتة وبغضاء لدي البعض، وأظهرت جهلا مفجعا بحقائق التاريخ والجغرافيا والاجتماع أيضا، إذ أن لحمة نسيج المجتمع الليبي لن تتحقق بمزيد من الحملات الممنهجة الرخيصة،  بل أن مستوى البذاءة في تلك الحملات إنما يشير إلي وجود مركب نفسي مبهم يخشاه أصحاب هذه الحملات ويريدون أن يتحكموا – من خلال كثافة الإعلام ـ في تشكيل وعي الناس علي هواهم الإقصائي.
هناك احتقان آخذ الآن في التنامي نتج عن النبذ والتحقير والتسفيه وازدراء الحقائق الجغرافية والتاريخية، هذا الاحتقان  قد يختفي من علي السطح بفعل قوة الترهيب والتخوين التي ضربت أطنابها الآن مثلما أفلح طغاة كثيرون، ولكنه يبدأ الغوص والحفر في وجدان الغالبية العظمى من سكان برقة سواء من خرج في مسيرة يوم الجمعة أم لم يخرج، وقد يعبر عن نفسه في صورة ما، ربما بعد أسبوع أو سنة أو حتى بعد عقد من الآن.
إسقاط الاتهامات علي مجلس برقة وازدراءها وشطب دورها التاريخي وريادتها في الاستقلال وفي وحدة ليبيا، كل ذلك هو بعيد جدا عن العدالة التي قامت الثورة من أجلها والتي انطلقت من مدن يسميها الإعلام مدن الشرق (كأنه شرق آخر ليس برقة!) وبقيت شهورا ترتوي بدماء شهداء الشرق فذلك واجب أملاه شرف الريادة والتوق للحق والعدل دون منة أو فضل علي إخواننا شركاء الوطن والمصير الآخرين.  
مخطئ من يظن أن التخوين و الاحتقار وشطب وتزييف التاريخ وإنكار الجغرافيا وفرض وتقنين مفردات الكلام وتبديل الذاكرة الاجتماعية هو سبيل الاستقرار والسلم الاجتماعي، فهذا يذكرنا برواية السيد أورويل الشهيرة 1984 وهو وصفة أكيدة لدفع المحكومين إلي الغلو والتطرف من جهة ودفع الحاكمين إلي التسلط  والديكتاتورية من جهة أخرى وحصيلتهما معا هي الفوضى والبؤس العارمين.

حمى الله ليبيا وباركها بركة غير مشروطة بصب اللعنات علي برقة.



اسم الكاتب مجهول


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق