منذ
الأيام الأولى لثورة السابع عشر من فبراير، وبعد طرد فلول القذافى المنهزمة، من
المنطقة الشرقية، أو إقليم برقه كما كان يسمى ومازال، ظهرت علينا أصوات تطالب، بالعودة
إلى النظام الفدرالى، الذى تأسست عليه الدولة الليبية، وقت استقلالها وهى الولايات
الثلاث، طرابلس وبرقه وفزان وهو أمر قابل للطرح والنقاش والدراسة، ولا ينفى عن من
تعالت أصواتهم به، وطنيتهم ولا تخوينهم، وهو مجرد اقتراح قابل للرفض والتطبيق، نظراً
لما عانت منه الأقاليم البعيدة، عن مركز القرار، من التهميش والتجاهل والنسيان،نتيجة
المركزية، وممارسة الجهوية المقيتة، لدى النافذ ين فى حكومات الشطرنج السابقة. وهضم
حق مدن وقرى، بل وأقاليم بأكملها، من الخدمات الأساسية والبنية التحتية والتنمية.
وفى
المقابل تعالت أصوات أخرى،تتهمهم بالخيانة وتقسيم الوطن، والفتنه وخذلان الشهداء، بل
الأدهى من ذلك والأمر، هو جنوحهم عن الحقيقة، وتعمدهم الزيف، وتضليل البسطاء، بأن
الفدرالية تعنى تقسيم الوطن وتمزيقه، لمعرفتهم وتأكدهم، أن كل الليبيين حريصين على
وحدة الوطن.
وهذا ما جعلهم يضربون على هذا الوتر، الحساس والمثير للمخاوف، وهذا
تزوير متعمد لواقع الفدرالية، خاصة أنه صادر عن سياسيين، ومثقفين وكتاب. ينبغى أن
يكونوا قدوه، فى الصدق والأمانة والحياد، والنزاهة والموضوعية، بغض النظر عن
موقفهم منها، مابين التأييد والرفض، والسؤال الذى يجب أن نطرحه، هل نحن جاهزون
لها، ولدينا الكوادر القادرة، على تسيير هذا النظام فى كل الولايات؟
وهل الكتاب
والسياسيون والمثقفون الذين يرفضون الفدرالية لأنها تقسيم للوطن يجهلون أو يتجاهلون
أن الوزارات السيادية الثلاث، وزارة الخارجية التى تنظم شؤون ليبيا، وتحدد
علاقاتها مع العالم الخارجى، وسلطتها مركزية على كل ربوع الوطن الليبي، ووزارة
الدفاع التى تسيطر على الجيش، ويتلقى منها الأوامر، ومهمتها حماية حدود ليبيا كلها،
وأفراده من كل أرجاء القطر الليبى، ووزارة المالية التى تقع تحت تصرفها، كل إرادات
الوطن، وتعمل على توزيعه على الولايات، توزيعا عادلا،حسب عدد السكان، والمساحة
الجغرافية؟
هل هذا تقسيم؟ أم اعتماد نظام إدارى جديد، للبحث عن مخرج للفشل
الإدارى، الذى عانت منه الإدارة الليبية، منذ عقود طويلة، أما باقى الوزارات فإن
عملها مختص، بالشأن المحلى، لكل إقليم مثل الصحة، والتعليم، والزراعة، والإسكان
وغيرها، وكل إقليم يدرس وضعه وحاجاته، دراسة علمية من مكاتب متخصصة، ويضع خططه لتنفيذها،
حسب ظروفه وإمكاناته المادية، وجدواها الاقتصادى، بعيدا عن البيروقراطية
وتعقيداتها، وروتينها الممل، وفى هذا مجال للتنافس الشريف بين الولايات، فى النهوض
والتطور العلمى والاقتصادى والخدمات الراقية، والرفاه الاجتماعى.
ثم إن الفدرالية
تتيح الفرصة لكل مواطن، الحق فى التنقل والتملك والإقامة، فى أى ولاية من هذه
الولايات، دون قيود أو شروط، وعلى أى حال فإنه وجب الحياد، ودراسة الفدرالية
دراسة علمية، تأخذ فى اعتبارها مصادر الدخل لكل إقليم، والمساحة الجغرافية، وعدد
السكان والتركيبة الاجتماعية، واللهجة المحلية، والقيم والعادات والتقاليد وغيرها،
فإن أقرت الدراسة أنها غير فعاله، وتسبب مشاكل اجتماعية، أو عرقية أو تمزق الوطن،
تُرِكتْ وبحثنا عن الخيار الأفضل، وإن وجدت أنها مجديه وفعالة للوطن، أخذ بها وتم اعتمادها،
فنحن غير ملزمين بتكرار الفشل السابق، وإعادة إنتاجه، بحجج واهية وساذجة، يروجها
أنصار نظرية المؤامرة، واسطوانة الاستعمار المشروخة، التى صدعوا بها رؤوسنا
وأضاعوا بها مستقبلنا، ومستقبل الوطن، وأتضح أنها أكاذيب، لا أساس لها من الصحة.
نحن
لا يعنينا ما إذا كانت أكثر دول العالم فدرالية، أو مركزية، نحن يعنينا النجاح
الذى، حققته الدول الفدرالية، وتعتبر نموذج يحتذى به، ووسيلة لتحسين الخدمات
وتحقيق العدالة، والتنمية، وحافز للتنافس بين الولايات، فى الخدمات ومستوى الإنتاج،
والرقى الاجتماعى والفكرى، والحياة الكريمة، بدل حياة الركود والجمود، والتقليد الأعمى،
والتنافس غير الشريف على الهيمنة على الآخرين وقهرهم، وتضييع حقوقهم.
ومن دلائل
نجاح الفدرالية أخذ بعض الدول بها، فى الآونة الأخيرة، مثل البرازيل الدولة
الضخمة، ذات المساحة الكبيرة والكثافة السكانية العالية، وكذلك عدة دول أوربية
صغيرة. ولا يوجد للفدرالية مثل سيئ، سوى فى نيجيريا، البلد الغنى والمتخلف الذى
تتعاقب على حكمه عصابات.
ومهما كانت الظروف فإن الفدرالية خيار مطروح، يجب دراسته
دراسة جيدة وبحياد، بعيدا عن التشنج والسب والشتم والتخوين، وكيل التهم، وهو خيار
ليس نتاج عدواه وخلاف، بين أخوتنا الليبيين فى الجنوب أو الغرب الليبي وليس انتقام
من جهة معينه، أو إقليم معين أو محاولة الاستفراد، بالثروة النفطية فالثروة
النفطية سلعة سيادية، ملك كل الليبيين فى كل الولايات ولكن دواعى البحث عن
الفدرالية، حتمها الفشل الذريع، الذى أصاب الإدارة الليبية، وكان إقليم برقه الغنى
بالنفط أكثر المتضررين منها، ومن النظام المركزى والتهميش المبرمج والمقصود، على
جميع الأصعدة، ولهذا لأبد لنا أن نبحث عن الأفضل، وعن حل لمشاكلنا المزمنة، بدل
المكابرة وتجاهل الواقع، والخوف من كل جديد، لم نعتاده ولم يكن جزاء من تفكيرنا، فى
يوم من الأيام ، فكل ما هو إجابى، ويخدم المواطن والوطن، يجب الأخذ به، كما أنه
يجب أن نستفيد، من كل التجارب الإنسانية الناجحة، ومن الدول التى سبقتنا، فى مجال
التعديل والتطوير والإدارة، والبحث عن الأفضل والأحسن، بدل ردم رؤوسنا فى الرمال، وتجاهل
الواقع، واعتماد سياسة الإدارة المركزية، والعشوائية وتكرار تجارب الفشل، التى لن تقودنا
إلا، إلى فشل أكبر، فقد مللنا الفشل، ونريد أن نحقق النجاح، ونحس بذاتنا، ونصنع
مستقبلنا، الذى نحلم به منذ أن أصبحت ليبيا دولة مستقلة...
جواد
بودعمص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق