الاثنين، مارس 12، 2012

حكام ليبيا الجدد وسياسة اللعب بالنار....أحمد المهدي

كلنا يعلم خطورة الوضع الذي وصلنا إليه كليبيين لدرجة أنه لم يعد هناك للمدارة والمجاملة وقت ولا مكان، لذا أجدني مضطر للدخول مباشرة وبكل تجرد وصراحة وبدون تمهيد ولا تقديم ولا افتتاحية. كلنا يعلم حجم اللغط والخلاف الذي قسم الشارع الليبي بين مؤيد ومعارض للفدرالية التي أعلنتها برقة. ولكون الموضوع قد أخذ أبعاد خطيرة بات معها الليبيون يهدد بعضهم بعض باستخدام القوة، بداية من رأس الدولة ممثلة في عبد الجليل حتى الصبية الصغار الذين لم تسعفهم سني عمرهم المحدودة لفهم حتى حقيقة ما يهددون لأجله. ولفهم كل هذا اللغط لابد من توصيف الوضع الليبي بشكل دقيق نسمي فيه الأشياء بمسمياتها. والتالي هو التوصيف في نقاط:

  1. ليبيا الآن يحكمها مجلس انتقالي له حكومة مؤقتة أقل ما يمكن وصفهم به هو أنهم عاجزين ولا يتحكمون في شيء حسب توصيف رئيس المجلس وأعضائه الذين خرجوا علينا مراراً وتكراراً ليعترفوا لنا بأنهم سلطة شكلية لا تملك السيطرة على شيء. وأبلغ هذه التصريحات وأكثرها إجازاً هو ما قاله رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل عندما قال " إننا نحوم حول القصر ولكن لا نستطيع الدخول فيه ".
  2. المجلس وحكومته التي تم تأسيسها بمحاصصة قبلية، يعانيان من انتشار الفاسدين والسارقين وفلول نظام القذافي في الكثير من أعضائه. وهذه أيضا ليست من بنات أفكار الحاقدين أومن فبركة الطابور الخامس، وإنما صرح بها رئيس المجلس نفسه وكشفت الأحداث الكثيرة المتعاقبة مدى الفساد والأزلام الذين باتوا يتحكمون في كل شيء ويتولون مناصب حساسة وسيادية مثل وزير الدفاع سيء الصيت ومحافظ بنك ليبيا المركزي الذي بلغ فساده عنان السماء وما زال يتمتع بحرية التصرف في أموال الدولة.
  3. ليبيا الآن تحت حكم تحالف قبلي بين قبائل مصراتة والزنتان الذين يسيطرون معاً بشكل كامل وفعلي على السلطة بتقاسم أهم وأخطر وزارتين اللتان من يسيطر عليهما فقد سيطر على السلطة الأمنية، ألا وهما وزارتي الدفاع والداخلية. وهم قد استولوا قبلها على كميات هائلة من السلاح والذخيرة ليحولوا مدنهم إلى أكبر مخازن سلاح في أفريقيا. هذا السلاح هو ما مكنهم من ممارسة التهديد والابتزاز للاستحواذ على معظم الوزارات المهمة. حيازتهم للسلطة وامتلاكهم للسلاح جعل المال الليبي وملياراته تحت تصرفهما دون حسيب ولا رقيب.
  4. هذه السيطرة التي تتمتع بهما مصراتة والزنتان جعلتا المدينتين يتمتعان بحالة من الاستقلال أقل ما يقال عنهما أنهما فعلاً جمهوريتان مستقلتان باستقلال غير معلن. فمصراتة مثلاً يديرها مجلسها المحلي ( حكومة الجمهورية المصراتية ) بمعزل عن سلطة الدولة الليبية بحيث يقومون بسن القوانين والتحكم في المداخل والمخارج والميناء والمطار وعدم السماح لغير مواطني المدينة من الدخول دون كفيل وتحديد مدة الإقامة. وتقوم المدينة بجباية الضرائب الداخلية لنفسها ولا يتم تسليمها للدولة الليبية. بل تقوم مصراتة بتوقيع بروتوكولات مع دول أجنبية بشكل ثنائي لا دخل ولا علم ولا إشراف للدولة الليبية على بنوده وتفاصيله. تقوم كذلك بتوقيع عقود اعمار وعقود تجارية بشكل منعزل بالكامل عن الدولة الليبية. وبالطبع حال الزنتان لا يختلف كثيراً عن حال مصراتة.
  5. بناءاً على اعتبار حكم القذافي الذي انفرد بشكل دكتاتوري هو وقبيلته ومن تحالف معهم بالسلطة والثرة والسلاح، بناءاً على توصيفنا لنظام القذافي على أنه نظام احتلال، فإن نفس الشيء ينطبق على التحالف المصراتي الزنتاني. فهم بسيطرتهم بشكل دكتاتوري منفرد وبقوة السلاح على السلطة والثروة والسلاح، هم يشكلان معاً نظام حكم دكتاتوري محتل. أقل مظهر من مظاهر هذا الاحتلال تبدو جلية في سيطرتهم واحتلالهم للعاصمة رغماً عن أنف سكانها حيث يسيطرون على كل المقار الرئيسية والحساسة والإستراتيجية التي كانت تحت سيطرة المحتل السابق (القذاذفة والمقارحة ). بل أن سلطتهم فاقت سلطة احتلال نظام القذافي بتهجير عشرات الألوف من السكان المدنيين عن كل من تاورغاء والعوينية وعدم سماحهم لهم بالعودة واحتلال تلك المدن احتلال كامل. وفاق الأمر كل التصورات بقيام مصراتة بمسح مدينة تاورغاء من على وجه الأرض بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فمليشيات مصراتة تقوم بتدمير ممنهج لكل بيوت ومباني تاورغاء والتي كان يسكن بها أكثر من 35 ألف نسمة.
  6. كل مدينة وقرية في المنطقة الغربية تمارس حكم محلي مستقل أقل ما يقال عنه أنه حكم كنفدرالي. حيث كل مدينة بها مجلس محلي يديرها بسلطة هي أعلى من سلطة الدولة الليبية التي هي في حكم الوهمية. كل مدينة بها مجلس عسكري هو بمثابة جيش دولة لا يخضع لأي سلطة سوى سلطة المدينة المحلية. تتجلى صور هذه الاستقلال لكل المدن في سيطرتهم منفردين على أي منفذ حدودي أو دولي يقع في نطاق حدود المدينة. فرغم مطالبة الحكومة الليبية الوهمية لهذه المدن (الدول المستقلة) لترك السيطرة على المنافذ السيادية للدولة الليبية ( الموجودة نظرياً ) لتكون تحت إشراف وسيطرة الدولة، إلا أن هذه المدن تتصرف باستقلالية تامة تجعل سلطتها فوق سلطة الدولة وذلك لوجود جيش محلي يفرض سيطرة المدينة متمثلاً في مجلسها المحلي. تقوم هذه المدن (الويلات) بممارسة حتى قرارات إعلان الحرب والسلم مع جيرانها. وقد حصل الكثير من هذه الحالات التي رأينا فيها الحكومة الليبية تتدخل بجلب وساطات من وجهاء مدن مجاورة يملكون سلطة أدبية لفض النزاع هي أقوى من سلطة الحكومة الوهمية. وتجلت حالة الانهيار الكامل لسلطة الدولة بتنصلها حتى من التوسط في نزاع الكفرة الذي حسب توصيف الحكومة نفسها هو صراع قبلي.
  7. كل المدن في المنطقة الغربية هي أشبه بدول تنضوي تحت نظام اتحاد كنفدرالي أسمه الدولة الليبية. العلاقة بين هذه الدول الكنفدرالية وبين الدولة المركزية الليبية الموجودة بشكل نظري، هي علاقة تخضع لمزاج وقرارات مجالس تلك المدن أو قل برلماناتها الغير منتخبة في معظم الحالات. وفي كل الأحوال، فإن هذه العلاقة لا تخضع لإطار قانوني متفق عليه بين هذه الكيانات المستقلة وبين الدولة الليبية، ولا هي تتخذ أحد أشكال الحكم الاتحادي المتعارف عليه دولياً مثل النظم الفدرالية أو الكنفدرالية. بصريح العبارة، فإن ما يربط هذه الكيانات (المدن) المستقلة هو نظام فوضوي غير قانوني من أمزجة مختلفة تجمعها بعض التحالفات والمصالح المشتركة.
  8. في مقابل هذه الفوضى العارمة في المنطقة الغربية، فإن برقة التي تمتد على حوالي نصف الأرض الليبية، تتمتع بقدر كبير من الانتظام والتبعية للدولة المركزية القائمة في طرابلس. يمكن رؤية هذه السلطة الغائبة في غرب البلاد في خضوع كل المنافذ والمطارات والموانئ في نطاق إقليم برقة، خضوعها لسلطة الدولة الليبية. ويرجع الوجود النسبي لسلطة الدولة المركزية في برقة لعدة أسباب منها:
  • تحرر الإقليم في ظرف أول أربع أيام من الثورة وخضوعه لسلطة المجلس خلال شهور الحرب حتى انتقاله لطرابلس.
  • عدم حدوث اقتتال داخلي. وهذا مرده لانتفاضة الإقليم انتفاضة رجل واحد وعدم انقسامه بين مؤيد ومعارض لنظام القذافي. عدم وجود هذا الاقتتال الداخلي ولوجود ثقة عميقة بين مكونات الإقليم متجذرة في تاريخ الإقليم، لم يكن هناك مجالس عسكرية لكل مدينة ولم يكن هناك أي نوع من الثأر. غياب التنافس على السلطة أو الثروة أو السلاح التي هي في الأصل غير موجودة في الإقليم وتمركزها في المنطقة الغربية، كل هذا إضافة للتهميش المتعمد للإقليم جعل المجالس المحلية للمدن تتصرف بشكل نظامي مع الدولة الليبية بناءاً على قوانين النظام السابق والتي قامت بدورها بتهميش الإقليم بمختلف أشكال التهميش.
بناءاً على النقاط الثمان السابقة، فإن أي عاقل يستنتج أن ليبيا هي دولة منهارة سياسياً وتنقسم لثلاث أقسام:

الأول: هو المنطقة الغربية التي فيها مدينتي مصراتة والزنتان اللتان يتمتعان باستقلال كامل وتام عن الدولة الليبية وفي نفس الوقت يمثلان سلطة احتلال لمدن مثل العاصمة وتاورغاء والعوينية. إلا أن احتلالهم للعاصمة بالذات بشكل عسكري واستحواذهم المشترك على السلطة والثروة والسلاح جعل منهما سلطة احتلال على ليبيا كلها. وباقي المنطقة الغربية هو عبارة عن دويلات مستقلة يجمعها نظام شبيه بالكنفدرالية ولكن بدون وجود إطار قانوني كما في حالة أي اتحاد كنفدرالي في العالم.
الثاني: هو إقليم فزان الذي تبدو الصورة فيه معقدة جداً وصعبة الوصف لخضوعه لاحتلال زنتاني جزئي واحتلال أجنبي جزئي من قبل التبو القادمين من تشاد وكذلك لحالة استقلالية كنفدرالية لبعض مناطقه كحال كل مناطق النفوذ في المنطقة الغربية.
الثالث: هو إقليم برقة الذي يخضع بشكل نسبي لسلطة الدولة الليبية ويتمتع بقدر كبير من التماسك والاندماج ولكنه معرض للتشرذم ودخول فوضى الاتحاد الكنفدراليي إلى مدنه وقراه إن بقي لفترة أطول بدون وجود نظام حكم سواء كان محلي مثل الفدرالية أو مركزي مثل الوضع الذي كان عليه قبل الثورة.
غياب سلطة الدولة الليبية وسقوط العاصمة تحت احتلال تحالف قبلي مستحوذ على كامل السلطة والثروة والسلاح، يفرغ الثورة من محتواها بخضوع الدولة لنظام دكتاتوري في طور التثبيت. هذا النظام الدكتاتوري الجديد المتمثل في تحالف مصراتة والزنتان لا يحتاج إلا لمزيد من الوقت والغفلة من الشعب الليبي كي يثبت أركانه ويبسط سيطرته الأمنية على كامل التراب الليبي. هذه الحالة تجعل الخيارات محدودة أمام إقليم برقة المتجانس اجتماعياً وتاريخياً. فهم ليس لديهم القدرة على تحرير العاصمة وفرض هيبة الدولة، ولكن بإمكانهم تطبيق نظام فدرالي كالذي كان في ليبيا بين سنة 1951 وسنة 1963. هذا النظام الفدرالي هو نظام سياسي له إطار قانوني واضح يربط بين الإقليم والحكومة الفدرالية كأي إقليم في دولة فدرالية من دول العالم الفدرالية التي يعيش فيها حوالي نصف سكان الأرض. هذا النظام الفدرالي يمكن إقليم برقة من تنظيم نفسه ويحميه من الفوضى العارمة التي تعصف بالدولة الليبية من أن تجتاحه وتدمر استقراره النسبي.
بعد هذا التوصيف الدقيق للحالة الليبية بتسمية كل شيء باسمه، يمكنني الآن أن أصل إلى خلاصة بخصوص إعلان برقة كإقليم فدرالي يوم 6-3-2012 والتي اسعى من خلالها لتوضيح اللبس في كثير من الأمور:
  1. استغل حكام ليبيا الجدد الذين يهيمنون على الدولة الليبية ويعملون على قدم وساق لتثبيت هيمنتهم، استغلوا إعلام الدولة وجندوا كل السياسيين الحالمين بالمناصب لتشويه الفدرالية وتسويقها للناس على أنها انفصال وانقسام، مستغلين حالة التصحر السياسي في ليبيا بسبب العقود الأربع العجاف السابقة. في حين أن الفدرالية ما هي إلا نظام سياسي متعارف عليه دولياً وتطبقه 28 دولة من دول العالم الأول والثالث. المؤكد أن هذه الدول ال 28 لم تطبق الفدرالية لتفتيت نفسها ولو بعد حين. القول بأن الفدرالية هي انفصال هي سذاجة وسطحية لا مبرر لها.
  2. قامت هجمة ضخمة من التخوين الرسمي والشعبي لخطوة برقة وتم تصوير الأمر على أنه خطر داهم. في حين نسي أو تناسى الناس أن هناك مدن مثل مصراتة تتمتع باستقلال تام، بل وتتصرف كسلطة احتلال في عاصمة الدولة.
  3. قام حكام ليبيا الجدد باللعب على الوتر الديمقراطي وتصوير ما حصل من الإعلان عن إنشاء مجلس برقة الانتقالي المؤقت، تم تصويره على أنه نوع من تهميش الناس في برقة وأنه تم تعيين السيد أحمد الزبير السنوسي بطريقة غير ديمقراطية. هذا الخلط استهوى بعض من الشباب الذين انطلت عليهم الحيلة. في الأساس وكما وصفنا سالفاً، فإن ليبيا دولة منهارة ولا توجد بها مؤسسات ولا حكومة حقيقية، وبالتالي فإنه للخروج من الفوضى إلى المؤسسات الديمقراطية، لابد لنا من المرور بمرحلة انتقالية تنظم عملية الانتقال من فوضى لنظام. وهذا ما حصل بالفعل في مصر وتونس وليبيا. كل هذه الدول التي انهارت أنظمتها الشمولية وتحولت بفعل الثورة أو الحرب إلى الفوضى العارمة، لا يمكن أن تبني نظام من جديد خاصة الديمقراطي منها، إلا إذا مرت بمرحلة انتقالية. وبطبيعة الحال، فإن هذه المرحلة الانتقالية ستحتاج لقيادات تقودها يتم اختيارها بشكل توافقي من غير انتخابات او استفتاء لأن الانتخاب والاستفتاء يحتاج وجود نظام قائم وسلطة قضائية وسلطة أمنية قائمة ونافذة هي من يشرف ويؤمن العملية الانتخابية. وبطبيعة الحال برقة لن تكون استثناء. أي أن الخدعة التي انطلت على الكثيرين هي أنهم نسوا بأن اختيار القادة في المرحلة الانتقالية لا يمكن أن يتم بالانتخاب وإنما بشكل توافقي وهو ما حصل. لكن حكام ليبيا الجدد وأعداء الفدرالية يقومون بتسويق هذه الشبهة ليقنعوا الشباب أن مؤتمر برقة هو عبارة عن سرقة لحلمهم في فدرالية ديمقراطية. على الأقل نسي هؤلاء الشباب بأن المجلس الانتقالي الذي تم تعيين رئيسه مصطفى عبد الجليل في " مربوعة " قد كسب الشرعية الانتقالية لأن اختياره جاء بالتوافق والظرف الانتقالي لا يسمح بانتخاب قيادات. ثم إنهم نسوا أيضا أن أسم مجلس برقة هو مجلس برقة الأعلى الانتقالي المؤقت ...المؤقت ... أي أنه حاله مثل حال أي قيادة مؤقتة لأي مرحلة انتقالية تكون مؤقتة.
  4. إن انتظام مدن برقة في نظام فدرالي يجعل إقليمهم مرتبط بالدولة المركزية الليبية ضمن إطار قانوني واضح وصريح ومتعارف عليه دولياً، هو خير ألف مرة من حالة الارتباط بين مدن المنطقة الغربية التي ترتبط فيما بينها ومع الدولة الليبية بنظام أشبه ما يكون بنظام كنفدرالي مشوه كون الرابط بين هذه المدن المستقلة كدول، وبين الدولة المركزية هو رابط عرفي فوضوي غير منضبط بأي قواعد وقوانين.
  5. برقة التي ثارت على دكتاتورية القذافي لن تقبل بأي حال من الأحوال خضوعها لنظام دكتاتوري جديد مهما كان الثمن. فلم يمت الآلاف من أبنائها من أجل أن نستبدل نظام دكتاتوري فوضوي وسيء بنظام دكتاتوري أكثر فوضوية وسوء. وبما أن الفدرالية هي نظام سياسي حصين ضد الدكتاتورية. فهو يعتبر ضمانة قوية لمنع عودة الدكتاتورية.
  6. ما يروج له من نظام لا مركزي إدارياً لا يمكن تطبيقه في الوقت الراهن لعدة أسباب منها:
  • أن النظام الإداري يتغير باستمرار وبالتالي لا يمكن كتابة تفاصيله في الدستور الذي لا تُكتب فيه إلا الأمور الثابتة فقط مثل النظام السياسي. ببساطة لا يمكن دسترة تفاصيل النظام الإداري والذي سيكون قابل للتغيير من الوزراء والحكومة او من الحزب او تحالف الأحزاب المسيطرة على البرلمان. أي أنه لوتم تطبيقه اليوم، فلا توجد أي ضمانة أننا بعد 3 أو خمس سنوات سنجد نفس النظام الإداري.
  • النظام الإداري اللامركزي يحتاج بشكل أساسي وأساسي جداً إلى سلطة قوية للدولة ووجود دولة قائمة ومستقرة وهو ما لا يتوفر في الحالة الليبية. أي أنه لا توجد سلطة قوية تستطيع فرض النظام الإداري على كامل أجزاء الوطن الشاسعة والتي يسود بين مكوناته عدم ثقة كبير، أي أنه لكن يكون قابل للتطبيق لغياب الثقة المتبادلة. لو كان هناك ثقة متبادلة لما تم تفسير إعلان برقة للفدرالية على أنه انفصال. فكما ينظر سكان المنطقة الغربية بريبة وشك لبرقة ويعتقدون أن سكانه يسعون للانفصال، فإنه سكان برقة في المقابل ينظرون للمنطقة الغربية على أنها تسعى للتمسك باستحواذها على السلطة والثروة والسلاح وأنهم سيتعرضون للتهميش. بالمنطق البسيط، لا يمكن لبلد مثل ليبيا وفي نفس ظروفها اليوم أن ينتقل من فوضى عارمة إلى نظام لا مركزي إدارياً تسوده الشفافية والاستقرار. قد ينجح هذا في المستقبل، ولكنه لن ينجح إلا بعد المرور بعدة مراحل تعود معها الثقة والأمان.
  • ليبيا اليوم هي في قمة الانهيار الإداري وهي أسوء بكثير من النظام الإداري أيام احتلال القذافي. ولكون النظام الإداري المطبق في ليبيا تتم إدارته بإداريين غير مؤهلين ولا مدربين على نظم الإدارة الحديثة، فإن هذا يمثل عائق حقيقي أمام النظام اللامركزي إدارياً لأنه نظام إدارة متطور جداً ولا يُطبق إلا في الدول المتقدمة أو الغنية التي استغرقت عقود من الزمن للوصول إلى نظام إداري حديث ومنظم وفعّال. فمن يتكلم عن تطبيق اللامركزية في ليبيا، إنما يتكلم عن وهم في المرحلة الحالية، لأنه لا يمكن ومن المستحيل أن يتحول بلد من نظام إداري بدائي وفاشل وفاسد، إلى نظام متطور جداً دون المرور بمراحل بينهما من المؤكد أنها ستستغرق بضع سنوات على أحسن تقدير.
وفي الختام أقول، إن الفدرالية التي نجحت في لم شمل الدولة الليبية عند تكوينها سنة 1951 على يد الآباء المؤسسين الذين كانوا منقسمين قبلها في ثلاث أقاليم منفصلة، هي نفسها النظام السياسي الذي يمكن أن يجمع بين الليبيين اليوم الذين يعيشون اليوم في عشرات الدول المستقلة وإن كان الاستقلال غير معلن.
أحمد المهدي
                                                       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق