السيد
لفظة تحمل كل معنى جميل يستند إلى القوة والهيبة والعظمة فتطلق على الملك وعلى
الرئيس وعلى الإِمامَ في الخير، وعلى الفاضل والكريم والحليم ومُحْتَمِل أَذى قومه
وعلى الذي فاق غيره بالعقل والمال والدفع والنفع، والمعطي ماله في حقوقه المعين
بنفسه، ويطلق لفظ السيد على الله تعالى فإنه مالك الخلق والخلق كلهم عبيده ولا
مالك لهم سواه، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله رجل:أنت سيد قريش؟
قال: "السيد الله"
فالله هو السيد بإطلاق
له السيادة الكاملة التامة في كل أوجه ومجالات الحق والخير على امتداد الزمان
والمكان من غير تخصيص أو تقييد، وكل سيد غيره فسيادته منقوصة
محصورة مكانا وزمانا ومجالا، فالسيادة الحقة لله تبارك وتعالى، وقد كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم كلما أطلق عليه أحد لفظ السيد يؤكد على أن السيد الله تعالى،
فعن عبد الله بن الشخير قال: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِدُنا قَالَ:
"السيِدُ اللَّهُ".
وللسيادة
في الدراسات الدستورية تعريف جيد فضفاض من حيث المعنى الذي يدل عليه، لكن عيبه
وعواره الشديد هو في نسبته لهذا المعنى للشعب وحده فالسيادة في الاصطلاح في
الدراسات الدستورية أو السياسية تشير إلى سلطة عليا لا تدانيها سلطة أخرى فضلا عن
أن تعلو عليها، هذه السلطة لا شريك لها متفردة بالتشريع الملزم في كل ما يتعلق
بالمجتمع وهذه السيادة بهذا العموم والاتساع إنما هي ـ في الفكر الحديث ـ للشعب وحده، والمسلم الذي آمن بالله ربا
وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا لا يعتقد أن لبشر أيا كان اسمه
ورسمه ومنصبه الحق بالتشريع الملزم في كل ما يتعلق بالمجتمع، وهذا الحق لا يعتقده
المسلم إلا في الله ربّ الأرض والسموات وخالق البريات، ومن هذه الحيثية كانت
معاداة الموحدين لكل نظام سياسي يتبنى تلك المقولة الشركية أن السيادة للشعب.
إن
الشعوب النصرانية الغربية لما كفرت بالكنيسة احتاجت إلى شيء ترجع إليه تؤسس عليها
نظامها السياسي ويكون مرجعهم في سن القوانين والتشريعات فكانت فكرة السيادة
الشعبية المخرج التوافقي الذي يبقي على تجانس الشعوب الغربية، ومن أسف فقد استطاعت
تلك النظم فرض ثقافتها وقوانينها على كثير من الشعوب الإسلامية والعربية حتى نصّت
أكثرها في دساتيرها على أن السيادة للشعب وحده وأن الشعب هو مصدر السلطات، وقد بلغ
من سطوة هذه المصطلحات أن كثيراً من الإسلاميين أو المفكرين لا يقدرون على التصريح
ببطلانها بل يسلكون في ذلك مسلك التوفيق القائم على الدمج بين المعنى الإسلامي مع
ذلك المعنى الشركي فيقولون سيادة في إطار الشريعة وسيادة مقيدة بحاكمية الشريعة
وهذا كلام متدافع وهو شأن كل من يريد التوفيق بين المتناقضات فالسيادة تعنى السمو
والعلو عما عداها والإطلاق ومن ثم يتنافى معنى السيادة مع تقييدها بأي قيد، وكان
الصواب إذا استخدمنا مصطلح السيادة أن نقصره على الله تعالى المتمثل في إتباع دينه
وتحكيم شريعته، أو أن نرفض استخدام المصطلح في بنية الفقه السياسي.
نخلص من كل ذلك أنه لا
يحوز بحال من الأحوال أن ينص في الدستور لدولة إسلامية على أن السيادة للشعب
لأن هذا يعني بكل وضوح أن الناس قد قبلوا أن يكونوا عبيدا للشعب الذي يؤول في
النهاية العبودية لمن يسمونهم نواب الشعب.
إن
المنهج التوفيقي لا يصلح بأي حال من الأحوال في القضايا المصيرية المتعلقة بدين
الأمة أو بمصالحها العامة التي يتوقف عليها صلاح دنياها، والوضوح الشديد الذي لا
يحتمل لبساً أو تداخلاً هو الموقف الرشيد الذي ينبغي سلوكه وعدم الحيدة عنه ولو
بمقدار شعرة، فهل يمكن للنواب الذين ائتمنتهم شعوبهم على الدين أن يكونوا حريصين
أشد الحرص على أن تكون مواد الدستور التعبير الأمين عن توجه الشعوب إلى مرضاة ربها
وتحقيق العبودية له بامتثال شرعه والتحاكم إليه وحده دون ما سواه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق