"السيّد
المفوّض، عليك ألاّ تنسى أن ليبيا، إلى جانب كونها أوّلا بلدا عربيّا، هي أيضا متاخمة
للبحر الأبيض، وكانت دوما على صلات باللاتين والإغريق. ونحن من الناحية الرّوحيّة
والسياسيّة، نتوجّه إلى الشرق وبالتحديد إلى الأماكن المقدّسة للإسلام، ولكن
ماديّا سوف تكون لنا دائما روابط مع الغرب، وهذا يعني في حالة الضرورة
فسياستنا عليها أن تنهج منتصف الطريق"
توطئة:
بعد فشل مشروع بيفين –
سفورزا (وكان قد صاغه بيفين وزير خارجية بريطانيا وسفورزا وزير خارجيّة إيطاليا في
اجتماعهما بلندن أوائل مايو 1949)، والذي شهد مناقشات طويلة في لجان الأمم المتحدة
وجمعيّتها العامة، تبلور إجماع الدول الأعضاء على استقلال ليبيا كاملة. ولذلك
حوّلت مسألة تقرير مصير المستعمرات الإيطاليّة السابقة إلى اللجنة الأولى (لجنة
الشئون السياسيّة والأمنيّة) لصياغة وثيقة الاستقلال. وفي اجتماعها بتاريخ 3
أكتوبر 1949 برئاسة "ليستير بيرسون" مندوب كندا، أخذ الكلمة مندوب الهند
"سير بينقال ناساريم راو"، وبعد أن عبّر عن الارتياح لتغيير كثير من
الوفود لمواقفها، واتفاقها على منح الاستقلال لليبيا قال: "إن أنجع وسيلة
للمحافظة على هذا الاستقلال، هو السماح لشعب ليبيا بأن يضع دستوره بنفسه من خلال
ممثليه المختارين، كما جرى مؤخّرا في الهند وبورما". والمعروف أن "سير
راو" كان من الذين صاغوا هاذين الدستورين. ثم ضرب مثلا بالدستور الذي وضع
لمدينة دانزيج أو "جدانسك" البولانديّة، والذي أعدّ تحت إشراف عصبة
الأمم، ولذا فهو يقترح أن يكتب الدستور الليبي من قبل جمعيّة تأسيسيّة تعمل تحت
إشراف الأمم المتحدة، للتأكّد من أن هذا الدستور سيعكس الإرادة الأصيلة للشعب
الليبي، ولتحقيق ذلك ينبغي على الجمعيّة العامة تعيين مجلس من بين أغراضه
تشكيل جمعيّة تأسيسيّة، تفصل في أي خلاف ينشأ بين ممثلي الأقاليم التي تدار
من قبل دولتين مختلفين هما بريطانيا وفرنسا". ثمّ قدّم مندوب الهند
تفصيلات لاقتراحه؛ كأن تكون الجمعيّة التأسيسيّة واحدة، لتحافظ على وحدة ليبيا، مع
إعطاء الحقّ لأعضائها في اختيار الحكم الوحدوي أو الفيدرالي، وأن لا تمارس
الجمعيّة الأعمال التنفيذيّة، إلى أن تُكمل صياغة الدستور، وأن يستمرّ مجلس الأمم
المتحدة المفوّض في أداء واجباته إلى أن :"يتأكّد من أن حقوق الإنسان
والحريّات الأساسيّة قد تمّ تضمينها في الدستور".
وبالفعل فقد صدر قرار
الجمعيّة العامة رقم 289 (IV) في جلستها رقم 251 بتاريخ
21 نوفمبر 1949، متضّمنا ما دعا إليه الاقتراح الهندي، إذ نصّ بعد الديباجة على :
"(1) أن ليبيا التي تشمل برقة وطرابلس الغرب وفزّان تكون دولة مستقلّة
ذات سيادة. (2) يسري مفعول هذا الاستقلال في أسرع وقت ممكن بحيث لا يتأخّر في أيّ
حال من الأحوال عن أوّل يناير سنة 1952. (3) يوضع دستور لليبيا يتضمّن شكل
الحكومة، بواسطة ممثلي السكّان في برقة وطرابلس الغرب وفزّان، المجتمعين
والمتشاورين معا في جمعيّة تأسيسيّة. (4) ولأجل مساعدة شعب ليبيا في صياغة
الدستور وإقامة حكومة مستقلّة، سوف يعيّن مفوّض عام للأمم المتحدة في ليبيا من قبل
الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، وأن يعيّن مجلس ليساعده ويرشده. (5) يقدّم مفوّض
الأمم المتحدة بالتشاور مع المجلس، تقريرا سنويّا، وغيره من التقارير التي يرى
أهميّتها إلى السكرتير العام . ويضاف إلى هذه التقارير أيّة مذكّرة أو وثيقة يرى
مفوّض الأمم المتحدة، أو أي عضو من أعضاء المجلس رفعها إلى الأمم
المتحدة". والذي يهمّنا من هذا القرار في سرد هذه النبذة، هو ما يتعلّق
بالدستور الذي مثّل المكوّن الثالث في قرار الاستقلال، ولم يسبقه إلاّ تعريف
البلاد وإعلان استقلالها.
وحالما باشر المفوّض ومعه
المجلس الأممي الذي يساعده في أعماله، جرى تكوين لجنة الواحد والعشرين، وبعدها
"الجمعيّة الوطنيّة الليبيّة التأسيسيّة" أو جمعيّة الستين، اختصارا،
وكلاهما قام على أساس التساوي بين الأقاليم الثلاثة، ممّا أثار جدلا حادّا حُسم
بالتصويت.. وفيما يلي الخطوات التي اتخذت لصياغة دستور المملكة الليبيّة
المتحدة:
(1)
في اجتماعها بتاريخ 2
ديسمبر 1950، قرّرت "جمعيّة الستين" (ترأسّها الشيخ محمد أبو الأسعاد العالم
مفتي ليبيا- من طرابلس)، القرارات الآتية:
أوّلا: أن تكون ليبيا دولة مستقلّة ذات سيادة، وأن يكون
شكل الحكم فيها اتحاديا فيدراليّا عادلا.
ثانيا: أن تكون
الحكومة (أو الحكم) ملكيّا دستوريّا ديمقراطيّا نيابيّا تحت تاج الملك محمّد إدريس
المهدي السنوسي.
ثالثا: أن ترفع الجمعيّة إلى جلالة الملك قرارها
التاريخي، ونعتبره ملكا شرعيّا على ليبيا منذ الآن.
وقد ردّ الملك
المعيّن على الجمعيّة ببرقيّة جاء فيها – بعد أن شكر الجمعيّة على ثقتها-
"أعلن عن نيّتي في قبول دعوة الجمعيّة لي إلى تولّي عرش الدولة الليبيّة، إلا
ّ أنني أرى أنه من المستحسن أن نرجئ الآن من طرفنا إلى أن يتم إنجاز الدستور
والإعلان عنه رسميّا، وريثما تصل الخطوات السياسيّة والإداريّة والدستوريّة إلى
مرحلة يمكننا معها ممارسة سلطاتنا الملكيّة ويتم بعد ذلك اعتلائنا عرش المملكة
الميمون. وفي هذه اللحظات السعيدة في تاريخ وطننا المحبوب ، يسرّني أن أؤكّد
لشعبنا الكريم أنني سوف أخدم دوما بلادنا بكلّ أمانة، وأجاهد لمساعدة أهلها حتى
يعيشوا في سعادة ورفاه. كما يسرّني أن أبعث إلى جمعيّتكم
الموقّرة تهاني المخلصة، وأبتهل إلى العليّ القدير أن تتكلّل جهودكم بالنجاح".
ووقّع البرقيّة بصفته أمير برقة. ثمّ قرّرت الجمعيّة (باقتراح من عبد
الجوّاد فريطيس) الانتقال إلى بنغازي، لآن البيعة ينبغي أن تُسلّم باليد، وحتى
يستطيع الملك المعيّن مزاولة اتصالاته بالطلب من الإدارات الحاكمة تسليم
السلطة إلى الحكومة الوطنيّة. وهو ما جرى يوم 17 ديسمبر 1950، بعد وصول دعوة
من الملك إلى الجمعيّة للحضور إلى بنغازي، حيث قدّم رئيس الجمعيّة البيعة بحضور
الجميع. ولم يعتلي السيّد إدريس العرش إلاّ بعد اعتماد الدستور وتسلّم الحكومة
المؤقتة للسلطة، يوم إعلانه للاستقلال، أي بعد زهاء عام. وفي الأثناء في 21
فبراير تكوّنت الحكومات ت المؤقّتة لتسلّم السلطات من الإدارتين البريطانيّة في
طرابلس والفرنسيّة في فزّان (ومن المعلوم أن هذه الإجراءات قد تمت تنفيذها في وقت
سابق في برقة).
(2)
وقبل ذلك، وفي اجتماعها
الثالث في 4 ديسمبر 1950، أقرّت الجمعيّة التأسيسيّة تشكيل لجنة تعكف على صياغة
دستور البلاد. واتفق على أن يكون أعضاؤها بالتساوي بين الأقاليم الثلاثة على غرار
النظام الذي اتبع في تشكيل لجنة أل 21 ثم جمعيّة أل 60. وتمنّى الطرابلسيون أن
يكون عدد اللجنة الجديدة كبيرا، ليلبّي تعدّد الأحزاب والاتجاهات بينهم، ولكن
المشكلة برزت بالنسبة لفزان الذي لا يتوفّر فيه الكثير من ذوي الخبرة القانونيّة، ولذا اتفق على أن
يكون العدد 6 أعضاء من كلّ إقليم، رغم احتجاج الفزانيين بعدم القدرة على توفير هذا
العدد. وبذا سُميّت لجنة أل 18 (ترأسّها عمر شنّيب – من برقة)، ثم نوقشت منهجيّة
العمل؛ هل تقدّم كل مادّة إلى جمعيّة الستين للمصادقة عليها، أم تقدّم إليها
مجموعة من المواد. ووفق على هذا الأسلوب الثاني مع ضرورة قراءة كل مجموعة من
المواد ثلاث مرّات قبل اعتمادها. وقد تساءل العضو الطرابلسي عبد العزيز الزقلّعي،
عمّا إذا كان المطلوب وضع مشرع دستور، أم دستور كامل وردّ عليه رئيس الجمعيّة (أبو
الأسعاد العالم) مؤيّدا من العضو البرقاوي عمر شنّيب بأنه اتفق على وضع دستور
للبلاد. كما اتفق على أن تنعقد اللجنة كل يوم أثنين في الأسبوع، بدلا من الأحد
-احتراما للخبراء القانونيين وموظّفي السكرتارية وأغلبهم من المسيحيين .
وفي 6 ديسمبر انعقدت اللجنة
لصياغة وثيقة البيعة للسيّد إدريس كملك على البلاد، واتفق على أن يقوم بذلك فريق
مكوّن من 6 أعضاء (أثنين من كلّ إقليم)، وبذلك اتبعت هذه كقاعدة أيضا في صياغة
مسوّدة الدستور، ثم تعرض على لجنة الـ 18 لمناقشتها وإحالتها إلى
"الجمعيّة". وسمّى فريق العمل"بلجنة الستة" (ترأسّها خليل
القلاّل – من برقة).
(3)
في يوم 11 ديسمبر بدأت لجنة
الستة بدراسة توزيع السلطات بين حكومة الإتحاد و"الإدارات المحليّة".
ونظرا إلى عدم معرفتهم بنظام السلطات في الدول الفدراليّة في العالم، طلب الأعضاء
من بعثة الأمم المتحدة إمدادهم بالأنظمة الاتحادية في :الأرجنتين، استراليا،
البرازيل، بورما، ألمانيا الاتحادية الهند، إندونيسيا، المكسيك، سويسرا، الولايات
المتحدة، فنزويلا، ثم أضيفت هولندا، واتحاد جنوب أفريقيا. وقام عوني الدجّاني
المستشار القانوني للممثلين البرقاويين بتوفير دساتير جميع الدول العربيّة. ومنذ
ذلك الوقت وحتى منتصف مارس، عقد فريق العمل 16 اجتماعا بطريقة أن يأخذ كل عضو
مجموعة من الوثائق ليقوم بدراستها في بيته. ومنذ البدء وضع أدريان بيلت مفوّض
الأمم المتحدة، ومعه عمر لطفي المستشار القانوني وموظّفي بعثتها، أنفسهم تحت تصرّف
" الجمعيّة" واللجنة وما تفرّع عنهما. وأشرف إسماعيل الخالدي على فريق
السكرتارية لها جميعا. كما استدعي خبراء شئون ماليّة للمساعدة. وكان المستشار
القانوني عمر لطفي (من مصر) يحضر جميع الاجتماعات تقريبا. وقد حرص "بيلت"
على ألاّ يتدخّل أو يفرض أراءه على فريق العمل، ولكنه أبدى استعداده لإعطاء أية
مشورة تطلب منه، وأن بابه مفتوح أمام الجميع سواء في بيته أو مقرّ البعثة لذلك،
حسب قوله. كما أن "بيلت" نوّه بالعمل الدءوب والجهود التي بذلها أعضاء
الفريق في صياغة الدستور، إضافة إلى رؤساء اللجان المذكورة: سليمان الجربي (من
برقة)السكرتير الأوّل لجمعيّة الستّين؛ منير برشان (من طرابلس) مقرّر لجنة الـ 18
؛ أبوبكر بن أحمد (من فزان) مساعد مقرّر لجنة أل 18 ؛ محمد الهنقاري (من طرابلس)
عضو لجنة الستّة؛ عبد الجوّاد فريطيس (من برقة) عضو لجنة الستة. وكان بين هذه
اللجان اتصال مستمرّ وتبادل للمعلومات. وكثيرا ما أوقفت لجنة الستّة مناقشاتها
لتستشير لجنة أل 18، وأحيانا جمعيّة الستّين، أو طلب توجيهات الأمير في
قضايا سياسيّة حسّاسة. ونفس الأمر مع مفوّض الأمم المتحدة ومعاونيه، خاصة في
المعضلات القانونيّة والفنيّة.
(4)
وكمثل على خطّة العمل التي
اتبعتها لجنة الستّة في مداولاتها، فقد جاء القسم (ب) (الفصل الثاني من الدستور)
تحت عنوان "حقوق الشعب"، وهو ما اصطلح على تسميته ب فصل Bill of Rights الذي أضيف إلى
الدستور الأمريكي (كأولّ تعديل أصبح نافذ المفعول اعتبارا من 15/12/1791)، أو
الحريّات العامة في الدساتير الأخرى. فقد شرعت اللجنة منذ أبريل 1951 في
دراسته، فاطّلعت على دساتير الدول العربيّة : مصر وشرق الأردن والعراق ولبنان
وسوريا، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وكانت مسألة منح الجنسيّة الليبيّة
لأفراد الأقليّة الإيطاليّة أوّل مسألة عويصة نوقشت. واستنادا على ما أقرّته لجنة
الواحد والعشرين (السابقة لجمعيّة الستين) من عدم السماح لممثلي الجاليات
الأجنبيّة بالمشاركة في الهيئات التأسيسيّة للدولة، مع "النيّة في النصّ على
حماية حقوقها المدنيّة والدينيّة في الدستور الليبي"، لذا كان هناك إجماع على
تفعيل هذه التوصية، واهتدت لجنة الستة بمواد ميثاق حقوق الإنسان الدولي المتعلّقة
بالحقوق الجوهريّة، كالحريّة الشخصيّة، وحرية المعتقد الديني، وحريّة التعبير
والاجتماع والاعتراض ...الخ. ووافقت على ما نصّ عليه الدستور بعد ذلك (يلاحظ
بالنسبة لأفراد الجالية اليهوديّة أنها مشمولة بهذه الحقوق لمن لا جنسيّة أجنبيّة
لديه، وهو على العكس ممّا خضعت له في العهد الإيطالي الفاشيستي من تمييز عنصري).
علما بأن لجنة الـ 18 عندما جاءتها مسودّة الدستور ناقشتها ككلّ لا يتجزّأ، وقرّرت
بالنسبة للجنسيّة أن يصدر بها قانون مفصّل.
(5)
ولسنا هتا بصدد تفصيل
النقاشات والآراء والمقترحات الكثيرة التي استغرقت من اللجنتين الشهور العديدة،
وكان من ضمنها شهر رمضان الفضيل، حيث قرّر الأعضاء ضرورة إنجاز مهمّتهم رغم
الصيام في الحرّ القائظ (كان خليل القلاّل رئيس لجنة الستة وراء هذا الإصرار)،
أمّا الجمعيّة التأسيسيّة فقد قرّر رئيسها (المفتي أبو ألأسعاد العالم) أن تكون
مناقشاتها للدستور مفتوحة للجماهير، فكانت قاعات الاجتماعات تغصّ بها، إذ كانت
تتابع بشغف المناقشات والجدال. وبالنظر إلى قيام المظاهرات المضادّة للفيدراليّة
في طرابلس من قبل حزب المؤتمر الوطني والأحزاب الأخرى ، لم تتمكّن الجمعيّة
من إنجاز مناقشاتها للفصول الأولى التي حوّلت إليها، فارتأت ألانتقال إلى بنغازي
لمواصلة أعمالها في جوّ أكثر هدوءا، وإلاّ خسرت السباق مع الزمن الضاغط، لتحقيق ما
طُلب منها في قرار الاستقلال. وهي المناسبة التي تمّت فيها مراسم تسليم البيعة
المشار إليها.
ويتعيّن القول إن
مناقشات الجمعيّة لم تخلُ من صراعات وجدل عنيف ومراوغات، والقوى الطّامعة كانت
تحوم بمؤامراتها، وتتسلّل إلى داخل البلاد لتفعل فعلها. وبالنسبة لأعضاء الجمعيّة
ولجنتيها كان النقاش مهما حمى وطيسه، يرسي أخيرا على توافق واتفاق لاستمرار
المسيرة، لأن إحساس الجميع وإيمانهم بضرورة المحافظة على حريّة الوطن وضمان
مصيره بأيدي أبنائه، كان هو القاسم والحاسم المشترك. وبهذه الرّوح جرى التغلّب على
كافة المناورات والدسائس. وتحقّق للبلاد استقلالها ثم وحدتها السياسيّة والإداريّة
في نهاية المطاف. ولقد أثنى "أدريان بيلت" مفوّض الأمم المتحدة على رئيس
الجمعيّة الوطنيّة ورؤساء اللجان والأعضاء الذين ثابروا وتحمّلوا المسئوليّات
بجديّة وحكمة ورجاحة عقل. وفوق الجميع تحدّث عن دور السيّد إدريس الأساسي في
معركة صياغة الدستور وبناء دولة الاستقلال، ولأن مفوّض الأمم المتحدة روى قصّة
تكوين الدولة ودستورها ومؤسّساتها في مجلّد ضخم يناهز الألف صفحة، واحتوى على
وقائع وشهادات ومعايشات، تخفى على الكثيرين، فإننا نرجو أن يوفّقنا الله لكي نطلّ
على القرّاء من حين إلى أخر لإحاطتهم بحقائق كثيرة منسيّة أو مخفيّة، ونحن في سبيل
إضاءة أسس دستور البلاد وشرعيّته التاريخيّة والشعبيّة التي قام عليها استقلال
ليبيا وسيادتها ومؤسّساتها الديمقراطيّة، بعد أن اغتصبه الهمج المتخلّفون بقيادة
الطاغية القزم القذّافي منذ أربعين سنة مضت، وظنّوا واهمين بأنهم طمسوه، دون أن
يدركوا أنه إرث الأجيال ما زال ينبض في القلوب، وسيتألّق شعاعه من جديد.
في التعديل الذي أقرّه مجلس
الأمّة بتاريخ 7/12/62 ألغيت عدّة موادّ من الدستور أهمّها المادّة (38) بحيث
أصبحت الحكومة الاتحادية تختصّ بالشركات الأجنبيّة والامتيازات وشئون الاستيراد
والتصدير والملاحة والمطارات والنظام القضائي وشئون العمال، كما أصبحت تشرف على
الصحافة والإذاعة وكيفيّة ممارسة المهن الحرّة. وألغى التعديل أيضا المجالس
التنفيذيّة، وحوّلها إلى هيئات إداريّة يرأسها الوالي وهو مسئول أمام المجالس
التشريعيّة. أما تعديل أبريل 1963 ، فألغى كليّا النظام الاتحادي، وألغى التمثيل
المتساوي في مجلس الشيوخ، وأصبح تعيين أعضائه من الملك ، وحلّت المحافظات محلّ
الولايات.
(6)
نريد أن نختم هذه النبذة
التاريخيّة بما ذكره "أدريان بيلت" عندما جلس مع السيّد إدريس الذي عيّن
ملكا، وطلب عدم تولّي العرش إلاّ بعد أقرار الدستور وتوابعه، فقال لمفوّض الأمم
المتحدة ما يلي، كما ذكره "بيلت" في كتابه ص515 "السيّد المفوّض،
عليك ألاّ تنسى أن ليبيا ، إلى جانب كونها أوّلا بلدا عربيّا، هي أيضا متاخمة
للبحر الأبيض، وكانت دوما على صلات باللاتين والإغريق. ونحن من الناحية الرّوحيّة
والسياسيّة، نتوجّه إلى الشرق وبالتحديد إلى الأماكن المقدّسة للإسلام، ولكن
ماديّا سوف تكون لنا دائما روابط مع الغرب، وهذا يعني في حالة الضرورة
فسياستنا عليها أن تنهج منتصف الطريق".
(إعداد لجنة دراسة
دستور 1951)
المؤتمر
الوطني للمعارضة الليبية
18 رمضان 1430هـ
الموافق 8 سبتمبر2009م
* ** *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق