السبت، مارس 17، 2012

ستر الله باقي.... أحمد بن موسى

في هذه الحقبة المخيفة من تجربة ليبيا وذاكرتها، وفي أشهر يظل الشك وعدم الفهم فيها ‏العنوان الأول والرئيس لوطن لا يزال ملقىً في غرفة الإنعاش، وبعد ‏الدعاوى الأخيرة من ‏البعض لاتخاذ الفيدرالية حلاً لجوع أطفال جنود المناطق البعيدة عن العاصمة، يرفع بعضنا ‏قناع الحضارة لإظهار دمامة تخلفنا ‏السياسي والفكري والثقافي، وغرقنا في مزدوجات الاتفاق ‏والوطنية، والاختلاف والخيانة، وليبين لنا أن تصرفات الطاغية كانت نتاجاً لثقافة محلية ‏موغلة ‏في الجهل وضيق الأفق، وأن آخرين شرعوا في استعمال الأسلوب نفسه، فقط لأنهم هم ‏من يجلس خلف المدفع هذه المرة ..



دعاوى الفيدرالية – بغض النظر عن اتفاقك أو اختلافك معها – جوبهت بهجوم شديد من قبل ‏مناهضيها، هجوم حمل لهجة الخيانة والانقسام والانفصال ‏وخذلان الشهداء وغيرها من ‏المهاترات والمزايدات التي تعبق برائحة قذافية خالصة، وهو أمر متوقع من رجل الشارع الذي ‏تربى على ثقافة الرأي الواحد ‏لعقود طويلة، والذي تعود الحكم بالوطنية لكل من يشاطره الرأي، ‏وبخيانة وعمالة كل من يقف على الطرف الأخر من المركب، غير أن مرارة الثورة ‏تجلت ‏عندما ظهر إلينا رئيس مجلسنا المؤقت، فخامة السيد المستشار مصطفى عبد الجليل، ‏متهماً بالخيانة الآلاف جملة واحدة، الآلاف من المواطنين الذين فت ‏سواعدهم حكم مركزي ‏يجامل الكتائب والمدن التي تحتل العاصمة، وينسى البعيد والضعيف والفقير، سيادة المستشار ‏‏- وزير عدل النظام السابق – وزع التهم ‏يمينا وشمالاً بالجملة، وأدهش المواطن الليبي البسيط ‏بكفاءة الحكومة التي رغم فشلها في تشكيل جيش متين إلى حد الآن، استطاعت تكوين جهاز ‏استخبارات ‏فذ يتجسس هنا وهناك، ويجلب للمستشار تقارير تفيد “بضلوع دول عربية شقيقة في ‏مخطط لتقسيم ليبيا”، في تكرار ممل لنظرية المؤامرة الصدئة، دون أن ‏يخطر ببال سعادته ‏احتمال مشروعية الأسباب التي أدت إلى هكذا مطالب، ودون أن يتكرم بالتواصل مع أصحاب ‏الدعوة وفهم مسبباتهم وسبل حلها بطريقة ‏تبين للمواطن اتساع ليبيا فعلاً للجميع. يحضرني هنا ‏عبارة شهيرة قالها “اللي ما يتسمى” في خطاب “زنقة زنقة” الشهير .. “دول عربية شقيقة للأسف” ‏‏.. وما ‏أشبه اليوم بالأمس
التقط الدعوة والضوء الأخضر إعلامنا الموجّه، والذي استطاع بإيعاز من الحكومة إثبات أنه لا ‏يوجد في ليبيا إلا رأي واحد، وأن الفيدرالية مضرة بالصحة ‏تماماً كالسجائر والنفاق، وأن كل من ‏ينادي بالفيدرالية كحل لمشكلة المركزية التي لا تزال قائمة هو خائن وعميل ويجب الإلقاء به ‏إلى حطب جهنم، خصوصاً ‏أنه خالف فتوى صريحة من سماحة المفتي الوحيد، توضح بأن ‏كل من يدعو للفيدرالية قد خالف الشرع والدين وعصى الله ورسوله، في استحضار ‏لتجارب ‏مريرة خلط فيها نابل الدين بحابل السياسة والآراء الشخصية التي تحتمل الخطأ ‏والصواب، وفي مخالفة لنظرية الإمام الشافعي عليه رحمة الله ” رأيي ‏صواب يحتمل الخطأ ‏ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”‏
وبالطبع كان على رأس المهددين والمتوعدين سعادة البيه الوزير “فوزي عبدالعال” الذي فشل ‏حتى الآن في فرض سيطرة وزارته على المنافذ البرية ‏والبحرية في المناطق الغربية، والذي هدد ‏بالدم كل “الانقساميين والانفصاليين” على حد تعبيره، مستقوياً ببعض أبناء ليبيا على البعض ‏الآخر، وناسياً – أو ‏متناسياً – أن فرسان برقة هم من سلموا المنافذ التي تتحكم فيها وزارته ‏طوعاً ، وأنهم قاتلوا جنباً إلى جنب مع أخوتهم من فرسان مصراتة في شارع ‏طرابلس، وأن بث ‏الفتن بين أبناء الوطن ليس من شيم العقلاء .. ولا من شيم الرجال ..‏
عند ظهور مسائل وطنية مهمة في بلد مثل ليبيا يعج بالسلاح والجراح العميقة، فإن الحكمة ‏تقضي باستخدام خطاب احتواء وتهدئة، لمناقشة القضايا ‏بموضوعية وعقلانية، ولإقناع ‏المواطن بحقه في التعبير عن رأيه، وحق غيره في الاختلاف مع هذا الرأي، بعيداً عن الإقصاء ‏الفكري والسياسي، غير أن ‏ما قام به المجلس ومن خلفه الإعلام والمفتي ووزير الداخلية من ‏تأليب للشارع المدجج بالسلاح ضد بعضه، وإقناع جزء من الرأي العام بخيانة الجزء الآخر، ‏هو ‏تصرف أرعن، الأمر الذي انفجر اليوم في بنغازي، وسقط بسببه مواطنون يحملون الجنسية ‏الليبية ويحميهم القانون الذي يفترض أن يحرص الجميع على ‏تطبيقه، سقطوا في مظاهرة ‏سلمية كان الأولى على وزير الداخلية حمايتها بدل التهديد والوعيد، انطلاقاً من حق المواطن ‏في التعبير عن رأيه بالطرق ‏السلمية، ومن أن واجب الدولة – ممثلة في وزارة الداخلية – حماية ‏هذا المواطن تحت كل الظروف.
أرى هنا أيها السادة ثورة سرق منها حق التعبير، وشهداء دفنوا تحت التراب لتكمم الأفواه ‏مجدداً، وأمهات ثكلت ليقوم كل من سيادة المستشار وسماحة المفتي ‏ومعالي وزير الداخلية ‏بفرض رأي واحد على الوطن، وأرى الوطن يذوب شيئاً فشيئاً خلف بعبع ………. ستر الله ‏باقي ..‏
لك الله يا وطناً يعج بالتهم المعلبة الجاهزة للالتصاق عند أول اختلاف .. اليوم صار شديد ‏الشبه بالأمس .. والتخلف والتعصب كالعادة قاسم مشترك ..‏
حفظ الله ليبيا
أحمد بن موسى


Follow me on twitter: @Ben_Mussa
Email‏: ‏ahmed.benmussa@yahoo.com




هناك 4 تعليقات:

  1. محمد مصطفى جابرالسبت, 17 مارس, 2012

    بارك الله في من كتب، لا فض فوه، وليت الشباب من أمثاله يتولونها وحمانا الله من عواجيزنا مدععي السياسة والحزبية والإدارة
    وبارك الله كذلك في من نشر وجعل صفحته عامرة

    ردحذف
  2. اخي الكريم هناك مشكلة في المقال ربما نتيجة النسخ ...ا حو اعادة نسخة بصورة جيدة

    ردحذف
  3. انت فدرالي برقاوي متعصب وتدعي انك موضوهي ولكن اللغة خذلتك وفضحت ما تخبئه في نفسك

    ردحذف
  4. خذ كل جملة في هذا المقال وأنفها، فستكون بذلك اصبت عين الصواب !

    ردحذف