حزب النهضة التونسيّ .. والسقوط في الهاوية
العنترية الإخوانية .. وترشيح الشاطر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإعلان الذى أصدره أحد مسؤولي حزب النهضة التونسيّ، المحسوب على الحركة الإسلامية، من أنّ الحزب لن يعتمد الإسلام "كمصدر رئيسيّ للتشريع"، للحفاظ على وحدة الشعب، يؤكد كلّ ما ذكرنا من قبل، سواءً في حق مؤسس الحزب راشد الغنوشيّ، أو في الأيديولوجية التي يعتمدها هذا الحزب، والذى يسير على الرؤية الإخوانية دون شك، وإن لم ينتمى إليهم تنظيمياٍ.
هذا الإعلان خروج عن الإسلام، وكفر محضٌ لا خلاف فيه. ولا نعنى الكفر الأصغر، أو الكفر العمليّ، بل نعنى الكفر الناقل عن الملة الذي يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل. ولا أرى داعياً لذكر أسباب هذا الحكم، إذ إنّ من يطلب سبباً لا يعرف عن توحيد الله، أو عن الإسلام، أو عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً، وعليه أن يبدأ بتعلم الإسلام قبل فوات الأوان.
هذا هو التوجه الذي يسير مع نظرة الغنوشيّ، رئيس الحزب أو مرشده أو ما شاءوا أن يسمونه، وهى النظرة الليبرالية الوسطية الاعتزالية التحررية العلمانية. وقد ظهرت هذه النظرة في كتابات الغنوشي منذ أن بدأ في الظهور على مسرح الحياة العامة في بلاده، ولازالت تحكم توجهاته إلى يومنا هذا.
وقد يسأل البعض، فماذا عن صراع الغنوشيّ مع بن على وبورقيبة والنظم الديكتاتورية الكفرية السابقة؟ ألا يدل هذا على أنه مخالف لها بالضرورة، وأنهم إن كانوا علمانيين، فهو إذاً إسلاميّ، خاصة وهو يدعي هذا بالفعل؟ قلنا، هذا هو المنطق والنظر الذي يحكم آراء العامة في أيّ بلد من البلاد الإسلامية، وعلى رأسها الأطروحة الإخوانية التي هي المُوجِّه والرائد للحركات الأخرى كحزب النهضة. وهو المنطق الذي تستغله هذه الحركات، سواء الإخوانية أو شبه الإخوانية، لتكتسب الدعم الشعبيّ والقوة التصويتية، وهي تَعلمُ أنّ الدهماء لا يقدمون دعمهم على أساس الفهم والتحقيق، بل على أساس قواعد عقلية بسيطة أولية، مثل مقولة أنّ "عدو عدوى صديقي".
إن صراع الغنوشيّ مع النظام الحاكم السابق، مثله في ذلك مثل القيادات الإخوانية بشكلٍ عام، هو صِراع على السلطة، في داخل إطار واحدٍ مشتركٍ، ومنظومة حكمٍ وشبكة اتصالات ومصالح داخلية وخارجية متماثلة ومتوازية، مع استبدال في الأسماء والوجوه. هذا ما صرّح به مثلاً قادة الإخوان في مصر من قبل مراراً، من إنهم ينقدون النظام من داخله لا من خارجه (قولة عمر التلمساني). وهو يعنى أنهم قوة معارضة تتصارع على السلطة، داخل الإطار السياسيّ الموضوع والمبادئ العامة التي يضعها هذا النظام، والتي تقوم على فصل الدين عن القانون، ومن ثمن فصله عن الحياة.
لقد مرّ ردح كبير من الزمن، منذ منتصف الستينيات، كانت فيه القوى العلمانية اللادينية الكافرة تستخدم إرهاباً فكرياً ضد علماء المسلمين الذين يعرضون الحق دون التفاف أو مواربة، فترميهم بأوصاف التكفير وتنعتهم بالخوارج، ووافقهم على ذلك أتباع النهج الإخوانيّ، يتبرؤون من هذا الغلو والتكفير، ويحاولون إمساك العصا من النصف، بين الإسلام والعلمانية. وسقط في الطريق، منذ ذلك التاريخ من سقط، وراجع فتراجع من تراجع. لكن النهج الإخوانيّ الذي تربى وترعرع على هذه الأيديولوجية مدة خمسين سنة، كَبُر فيها الصغير منهم، وشابَ فيها الكبير، أصبح منهجاً عاماً لا يصحّ الخروج عليه ولا نقده، وأصبحوا مؤسسة عسكرية الطابع، لا يصح فيها مخالفة الأوامر، مما ناسب الغالبية التى لا تملك أن تفكر لنفسها، ولا تعمل إلا بتعليمات محددة، كأن أتباعهم جند من جند الأمن المركزيّ.
إلا أن اليوم، بعدما ظهرت حقيقة حكام العرب وبطانتهم، وعرف الناس معنى الظلم المُكَفِّر، لم يعد هناك ما يمنع من أن يعود العلماء إلى استخدام الألفاظ الشرعية، كالكفر والبدعة والزندقة، من واقع تعريفاتها الموثقة السنية. فإمساك العصا من النصف بين الإسلام والكفر، كفر، و "تجديد الخطاب الديني" الذي يتشدق به العلمانيون، كفر، إذ الخطاب الدينيّ هو أساسا الكتاب والسنة، ولا معنى للتجديد هناك إلا التبديل. وكذلك معاني الحداثة والتجديد والتطوير وغيرها من مصطلحاتٍ تبناها الغنوشيّ ورَبْعه، وما هي إلا كفر صراحٌ بواحٌ، ينقل عن ملة الإسلام، قول واحد.
هذا التوجه، الذي لخّصه بيان حزب النهضة، لم يكن غريباً، في السياق الفكري الذي عرفناه عن كبيرهم الغنوشيّ، مما كتبه وطرحه في العقود الأخيرة. فالرجل من دعاة تبديل الدين (الخطاب الديني)، ومن قساوسة التجديد والحداثة، ومن رواد فكر إنكار "ما علم من الدين بالضرورة". فليس غريباً على حزبه أن يستمر على نهج سابقيه من العلمانيين، في طَرح الشريعة جانباً، وتبنى دستورٌ علمانيٌّ يقوم على أساس أنّ الله ليس هو المُطاع، بل مجلس الشعب، وفقهاء القانون الوضعيّ، هم المرجع في حياة التونسيّ الحديث المُطوّر المُعدل.
ولا نريد أن نظلم الإخوان في مصر، بأن نسوِّيهم بهذا الشيطان التونسئّ الغنوشيّ تمام التسوية، وإن كانوا هم أنفسهم لا يجدون غضاضة في مدحه والثناء عليه، بل ووصفه بالتجديد وانفتاح الأفق، إلا إن أطروحتهم لا تطابق أطروحة هؤلاء المرتدين من حزب النهضة، بل هي تقف في الوسط بين الإسلام والكفر، تدرأ عن نفسها هذه التوصيفات الشرعية، بتلك الغلالة الرقيقة الشفافة التي يسمونها "المادة الثانية"، فتحجب وصف الكفر البواح عن نفسها، وتفسح مجالاً للمداهنة والملاوعة وتخوّف الشريعة من أيّ طريق سانح من وراء ذلك.
أمام الشباب التونسيّ المسلم اليوم تحدٍ، هو غاية في الوضوح والقسوة، أن يُسقطوا هؤلاء الكفار العلمانيين من حزب النهضة، وإلا فقد ذهبت دماء شهدائهم هباءً، وأذهبوا دينهم سدى، جريرة السكوت على هذا الزنديق الغنوشيّ.
* 27 مارس 2012
المصدر: مركز المقريزى للدراسات التاريخية ـ لندن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق