الخميس، ديسمبر 02، 2010

ضوء الشمس ونور القمر

[...انطلاقا من هذه الحقائق العلمية التي تمايز بين الضوء الصادر من جسم مشتعل ملتهب مضيء بذاته، في درجات حرارة عالية -قد تصل إلى ملايين الدرجات المئوية كما هو الحال في قلب الشمس-، وبين الشعاع المنعكس من جسم بارد يتلقى شعاع الضوء فيعكسه نورا، ركز القرآن الكريم على التمييز الدقيق بين ضياء الشمس ونور القمر، وبين كون الشمس سراجا وكون القمر نورا فقال عز من قائل: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾(يونس:5). وقال تبارك اسمه: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾(نوح:15-16). وقال سبحانه: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾(الفرقان:61).
وقابل الظلمات بالنور وليس بالضياء في آيات كثيرة من مثل قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾(الأنعام:1).
ووصف الشمس بأنها "سراج" وبأنها "سراج وهاج" فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا﴾(النبأ:13).
وحينما وصف خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم بأنه سراج (بمعني أنه مضيء بذاته) وأضاف إلى وصف السراج أنه منير فقال عز سلطانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾(الأحزاب:45-46).
وحينما وصف النار وصَفها بالضياء ووصف أشعتها الساقطة على من حولها بالنور فقال عز من قائل: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ﴾( البقرة:17).
ووصف أشعة البرق بأنها ضوء فقال -وهوأصدق القائلين- ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾(البقرة:20)، ووصف سبحانه وتعالى الزيت بأنه يضيء، ووصف سقوط ضوئه على ما حوله بالنور، فقال تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(النور:35). وقال عن غيبة الشمس: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ﴾(القصص:71).
هذه الدقة البالغة في التفريق بين الضوء المنبعث من جسم ملتهب مشتعل مضيء بذاته، وبين سقوط هذا الضوء على جسم مظلم بارد وانعكاسه نورا من سطحه لا يمكن أن يكون لها مصدر من قبل ألف وأربعمائة سنة إلا الله الخالق، فهذا الفرق الدقيق لم يدركه العلماء إلا في القرنين الماضيين، ولا يزال في زماننا كثير من الناس لا يدركونه.
فسبحان الذي أنزل القرآن الكريم، أنزله بعلمه، على خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم وتعهد بحفظه فحفظ على مدى أربعة عشر قرنا أو يزيد بنفس لغة الوحي (اللغة العربية) دون زيادة حرف واحد، أو نقص حرف واحد، وأبقى فيه تلك الومضات النورانية من حقائق الكون وسنن الله فيه شاهدة على صدقه، وحجة على أهل عصرنا وأهل كل عصر يأتي من بعده إلى قيام الساعة. فاعتبروا يا أولي الألباب! والحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد له على نعمة القرآن، والحمد لله على إرسال النبي الخاتم والرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.] - أ. د. زغلول النجار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق