الأربعاء، ديسمبر 08، 2010

الرذيلة ومداخلها (4) للداعية الشيخ محمد متولي الشعراوي

الكيد
 الكيد هو محاولة الإنسان إفساد الحال لآخر، أو لآخرين.
وهناك من يحاول الفساد بدون حيلة، فعندما يضبطه الإنسان يقول: لا، أنا لم أفعل أي شيء، هذا هو الكيد.
ولا يقبل على الكيد إلا الضعيف، لأن القوي يواجه ولا يكيد، ومثال ذلك: الضعيف هو من يدس السم للقوي فهذا احتيال إفساد الحال، لكن القوي لا يفعل مثل ذلك بل يواجه، وحتى الذي يقتل نقول له: انك قليل الحيلة قليل الذكاء لأنك أثبت بمقدمك على قتله أنك لا تطيق حياته، وكانت الرجولة تقتضي منك أن تواجه خصمك بالمنطق.
والحق سبحانه وتعالى يقول عن كيد الشيطان:{ إن كيد الشيطان كان ضعيفا} النساء 76. فكيد الشيطان ضعيف، لأنه لا يملك قوة يقهر بها قلب الإنسان ليقنعه، والكيد فيه احتيال ولا يحتال إلا الضعيف، وكلما كان الكائن ضعيفا للغاية كان كيده كبيرا ولذلك يقولون: المرأة أكثر لؤما من الرجل، ويستخدمون في التدليل على ذلك قول الحق سبحانه: { إن كيدكنّ عظيم} يوسف 28، ونقول لهؤلاء ما دام كيد النساء عظيما فلا بد إن ضعف النساء أعظم، ولذلك أراد الشاعر العربي أن يبرز هذا المعنى إبرازا واضحا حتى لا تتعجب فيقول:
وضعيفة فإذا أصابت فرصة قتلت كذلك قدرة الضعفاء
فالضعيف عندما يمسك بالخصم أو تمكنه الظروف منه فانه لا يتركه يفلت منه.
إن الضعيف يخاف من انتقام الخصم، لكن القوي يمسك بالخصم وبعد ذلك يتركه ويقول لنفسه: سأمسك به لأعاقبه إن فعل شيئا آخر، وهكذا نعرف أنه كلما كان الكيد عظيما فان الضعف يكون أعظم.
***
المن بالصدقة
يقول الله سبحانه وتعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا، والله لا يهدي القوم الكافرين} البقرة 264.
الذي يتصدق ويتبع الصدقة بالمنّ الأذى إنما يبطل صدقته فخسارته تكون خسارتين:
الخسارة الأولى: أنه أنقص ماله بالفعل، لأن الله لن يعوّض عليه، لأنه أتبع الصدقة بما يبطلها وهو     المن والأذى
الخسارة الثانية: هي الحرمان من ثواب الله من عطاء هذه الصدقة.
الذي ينفق ماله ليقول الناس عنه أنه منفق، أو أنه حسن فعليه أن يعرف أن الحق سبحانه وتعالى يوضح لنا في هذا المجال أن الذي يدفع الأجر هو من عمل له العمل، فالإنسان على محدودية قدرته يعطي الأجر على من عمل له عملا، والذي يعمل من أجل أن يقول الناس انه عمل فيأخذ أجره من قدرة البشر المحدودة، ولذلك قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذي يفعل الحسنة أو الصدقة ليقال عنه انه فعل " لقد فعلت ليقال وقد قيل" هذا الإنسان يأتي يوم القيامة فيجد أن لا أجر له.
وإياك أيها الإنسان أن تقول: أنا أنفقت ولم يوسع الله رزقي، لأن الله قد يبتليك ويمتحنك فلا تفعل صدقة من أجل توسيع الرزق، لن عطاء الله عند المؤمن ليس في الدنيا فقط، ولكن الله قد يريد ألا يعطيك في الفانية ويبقى لك العطاء في الآخرة، وعندما تتأمل قول الحق سبحانه وتعالى في حق الذي ينفق ثم يتبع ما أنفق المنّ والأذى:{ فمثله كمثل صفوان عليه تراب} البقرة 264، الصفوان هو الحجر الأملس الذي نسميه بالعامية الزلط ويقال للأصلع صفوان رأسه أي رأسه أملس كالمروة، ومعنى كلمة أملس أي: لا مسام له، أو لا مسام يمكن أن تدركه بالعين المجردة إنما يدرك الإنسان هذه المسام بوضع الحجر تحت المجهر، وهذا الشيء عندما يكون ناعما يأتي عليه تراب وعندما يأتي المطر وينزل على التراب فلا يبقى من التراب شيئا على هذا الحجر الأملس، ولو كان بالحجر بعض من الخشونة لبقي شيء من التراب بين نتوءات الحجر.
إذن، فالذي ينفق ماله رئاء الناس هو كالصفوان المتراكم عليه تراب ثم عندما ينزل المطر على التراب فيزيله. وقوله:{ لا يقدرون على شيء مما كسبوا} أي: فقدوا القدرة على امتلاك أي شيء، لأن الله جعل ما عملوا من عمل هباء منثورا.
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق