الثلاثاء، ديسمبر 28، 2010

تعلّم‏.‏‏.‏‏.‏ ثم تكلم

أن يتتبع باحث ما الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقف عندما يريد أن يقف عنده منها، بالدراسة العلمية الموضوعية، لمتنها وأسانيدها، ليصل إلى مدى ما يمكن أن يصل إليه من أدلة صحتها أو ضعفها أو بطلانها، عمل مبرور ومطلوب، على أن تكون عدّته إلى ذلك ‏(‏بعد توافر الموضوعية التامة‏)‏ الدلائل العلمية التي تظلّ هي الـحَكَم أمام كل اختلاف، وهي السبيل لإزالة كل أنواع الغموض‏.‏
وبمقدار ما يكون هذا النوع من التتبع مشكوراً ومبروراً ومفيداً، يكون العمل الناقد المتفلّت عن ضوابط الموضوعية والدراية العلمية سمجاً، ويأتي ثقيلاً على النفس، مرفوضاً من العقل‏.‏
أقول، مذكراً بهذه الحقيقة التي كانت ولاتزال معروفة لدى سائر المثقفين، بمناسبة فضولٍ سمج قرأت كلماته، ممن أقبل فوضع نفسه موضع الناقد لبعض ما قاله رسول الله مما أورده البخاري في صحيحه، دون أن يحمّل نفسه مسؤولية الانطلاق إلى نقده من برهان علمي أو قرار منطقي يفترض أن يكون البوابة التي لابدّ منها ولابديل عنها، بين يدي أي مناقشة لموضوع ما‏.‏
انتقد حديث رسول الله الذي أورده البخاري وغيره، بشأن الذباب إن وقع في إناء فيه طعام أو شراب، لأن مضمون الحديث لم ينسجم مع ذوقه وإحساسه، مكتفياً بقرار ذوقه هذا عن الاعتماد على دليلٍ علمي ما يؤيد مزاجه وذوقه، جاهلاً أو متجاهلاً القاعدة المنطقية القائلة‏:‏ ‏{‏الجهل بالشيء لايصلح أن يكون دليلاً علمياً عليه‏}‏‏.‏
أقول لهذا الناقد وأمثاله‏:‏ تعلم‏.‏‏.‏ ثم تكلم‏.‏ فإن أبيت إلا أن تتكلم دون أن تتعلم، فاعلم أن كلامك لابدّ أن يأتي ثقيلاً على النفوس سمجاً في ميزان العقول وقواعد المنطق‏.‏
هل استقرأت ما قرره أطباء العالم جميعاً، فرأيت أنهم انتهوا إلى علم بما يناقض قول رسول الله‏؟‏‏.‏‏.‏ إذن فلسوف يحرز كلامك القيمة العلمية اللازمة، ويرتفع عن مستوى الهذيان، المهم أن لاتجعل من جهلك بالشيء دليلاً علمياً على الرأي الذي تراه‏.‏
وإلى أن يأتينا هذا الناقد المزاجي، بنتيجة استقرائه، لما قد قاله في ذلك كل أطباء العالم في هذه المسألة، ألفت نظره إلى ما نشرته جريدة تشرين الدمشقية بتاريخ 16‏/‏6‏/‏عام 1987 قالت‏:‏‏{‏اِكتشف علماء صينيون مؤخراً أنه يوجد في جسم حشرة الذبابة نوع من البروتينات النشطة التي تملك قدرة كبيرة على إبادة الجراثيم المسببة للأمراض فيها‏}.‏‏.‏ ونقلت ‏‏‏(‏شينخوا‏)‏‏‏ عن صحيفة ‏‏(‏شينمين‏‏‏)‏ الصينة قولها‏:‏ إن هذه الحشرة المقززة للنفس تملك بروتينات قوية قادرة على إبادة الفيروسات والجراثيم التي فيها، بشكل قاطع إذا بلغت كثافتها حداً معيناً، وأضافت الصحيفة أن في جسم الذبابة أيضاً مادة الدهن وخاصة في اليرقات التي تحتوي على نسبة كبيرة من المغنيزيوم والكالسيوم والفوسفور‏.‏ ويفكر العلماء باستخراج هذه المواد من جسم الذباب ليكون مصدراً جديداً لمركبات قاتلة للجراثيم‏.‏
كما نشرت جريدة تشرين ذاتها بتاريخ 20‏/‏6‏/‏1987 النص التالي‏:‏ ‏(‏ذكرت جريدة ‏"‏الشعب‏"‏ الصينية الصادرة في شانغهاي أن البروتينات النشطة التي يملكها الذباب تقدر على إبادة جميع الجراثيم والفيروسات التي فيها إبادة تامة، إذا بلغت كثافتها واحداً في العشرة آلاف‏.‏ وقال النبأ‏:‏ إنه سوف يصبح للبشر مضاد جديد للجراثيم، له قدرة جبارة لامثيل له، إذا تم استخراج هذه البروتينات الغريبة من جسم الذباب‏)‏‏.‏
* * *
ولاأشك أن هذا الناقد، بمقدار ما هو جريء في تفنيد كلام رسول الله أو الإمام البخاري، فإنه في غاية الجبن تجاه توجيه النقد إلى ما روته جريدة تشرين، أو إلى مصدر الرواية، وهم الأطباء والعلماء الصينيون الذين أدلوا بحقيقة علمية تسجد لما قاله رسول الله‏:‏ ‏(‏إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليلقه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وإنه يتقي بجناحه الذي فيه داء‏)‏‏‏‏.‏
ولاشك أن العلماء الصينيين لا علم لهم برسول الله ولا بشيء من كلامه‏.

د. محمد سعيد رمضان البوطي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق