الاثنين، ديسمبر 06، 2010

الفضيلة وأبوابها للداعية (2) الشيخ محمد متولى الشعراوى

بذل الخير
عندما ننظر في معنى كلمة خير نجد أن المقابل لها كلمة شر لكن كلمة خير هي الكلمة الوحيدة التي يكون فيها الاسم مساويا لأفعل التفضيل إذا أضيفت لها "من" لتصبح ~ خير من}.
والخير هو ما يأتي بالنفع، ولكن مقياس النفع يختلف باختلاف الناس فواحد ينظر إلى النفع العاجل، وواحد ينظر إلى نفع آجل. ولنضرب مثلا على ذلك مثلا ـ والله المثل الأعلىـ بأخوين الأول يستيقظ باكرا ويذهب إلى مدرسته، ويستمع إلى أساتذته، ويواظب على قراءة دروسه واستيعابها، والآخر يوقظونه من النوم بمنتهى الصعوبة فإذا استيقظ فاستيقاظه قهر، ويخرج من المنزل لا إلى المدرسة، ولكن ليتسكع في الشارع ليلعب مع هذا وذاك.
إن كلاهما يحب الخير لنفسه ولكن الخلاف بينهما يكون في تقييم الخير، واحد يفضل الخير الآجل، وآخر يفضل الخير العاجل ولو كان فيه ضياع لحياته.
واحد يفضل أن يتعب عشر أو خمسة عشر سنة ليكون إنسانا ذا مكانة في المجتمع، وآخر يفضل أن يلعب الآن ولو كان ذلك فيه دمار لمستقبله.
مثال آخر فلاح يفلح الأرض، ويحسن زراعتها ورعايتها، ويعتبرها فضلا من الله تعالى فيرعى حق الخالق فيما وهب، ويروي الأرض ويسمدها، ويرجو الحق أن يبارك له في الرزق فيمر الوقت وينضج الزرع فيحصده ويملأ الرجل مخازنه برزق الله الوفير، ويزكي ماله وزرعه، ويظل طوال العام يأكل هو وأبناؤه مما رزقه الله نتيجة لتعبه وكدّه، وآخر لا يرعى حق الله فيما وهبه من أرض ويتركها ويهملها، ولا يرهق نفسه، ويستسلم للكسل، ويأخذ رزقه من السرقة والتسول.
إذن فهناك معايير مختلفة لحب الخير، فلماذا نرهق أنفسنا في وضع مقاييس للخير؟ إن الحق هو الذي أنزل الشريعة الغرّاء وبها كل معايير الخير، وان معايير الخير التي وضعها الحق لا تختل أبدا.
***
الصدق
يقول الحق سبحانه وتعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة 119. أي يا من أمنتم بالله اتقوا الله أي اجعلوا بينكم وبين الله وقاية، ولكن من المفروض أن المؤمن يكون في معية الله فكيف يطلب الحق سبحانه وتعالى منا أن نجعل بيننا وبينه وقاية؟
نقول، أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال في الله وقاية، وهنا يأتي من يتساءل بأن الله سبحانه وتعالى يقول:{ اتقوا الله} ويقول سبحانه:{ اتقوا النار} فكيف ينسجم المعنى؟
نقول: إن المعنى منسجم، لأن النار جند من جنود الله تعالى، فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول: اجعلوا بينكم وبين النار التي هي من جنودي صفات الجلال وقاية.
وقول الحق سبحانه وتعالى:{ وكونوا مع الصادقين} أي التحموا بهم فتكونوا في معية الله، فإذا جاء من بعدكم وجدوكم من الصادقين.
إذن فـ { مع الصادقين} سابقة { لَمِنَ الصادقين} يوسف 51.
ولكن من هم الصادقون؟
مادة هذه الكلمة الصاد، والدال، والواو تدل على أن هناك نسبا يجب أن تتوافق مع بعضها البعض فما معنى هذه النسب؟
إن إنسان حين يتكلم فانه قبل أن ينطق بالكلمة تمر على ذهنه نسبة ذهنية قبل أن تكون نسبة كلامية مثل إذا أردت أن أقول:" محمد زارني" قبل أن تسمع لساني ينطق بهذه العبارة فإنها تمر على ذهني أولا، والمستمع لا يدري شيئا عنها، فإذا قلت لي كلاما أعلم أن النسبة الذهنية جاءت إلى عقلك فتردمها لسانك إلى نسبة كلامية فنطق بها فلما سمعها السامع عرف أولا النسبتين، وقد تكون هذه النسبة صحيحة وواقعة، حينئذ يكون الصدق، وقد تكون غير صحيحة ويكون الكذب.
إذن فالصدق هو أن تطابق النسبة الكلامية الواقع، وإذا لم تتوافق فهو من الكذب، فكل كلام يقال محتمل الصدق أو الكذب، والصدق هو الذي يجمع كل خصال الإيمان، وجاء في الأثر حديث البدوي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: في ثلاث خصال لا أقدر عليها:" الأولى النساء، والثانية الخمر، والثالثة الكذب، وقد جئتك بخصلة من الخصال الثلاثة أتوب منها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن صادقا وما عليك" فلما ألحت عليه خصلة شرب الخمر قال: وان سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أشربت الخمر" فماذا أقول له؟ لا بدّ أن أقول له الصدق فأمتنع عن شرب الخمر، وعندما نظر إلى امرأة واشتهاها قال: إن سألني رسول الله:" ماذا فعلت مع النساء؟ فماذا أقول له؟ لا بد أن أقول له الصدق فامتنع عن النساء، وهكذا منعه الصدق من المعاصي، ولذلك عندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيسرق المؤمن؟ قال نعم. أيزني المؤمن؟ قال نعم، أيكذب المؤمن؟ قال: لا.
والله سبحانه وتعالى ينبه إلى أنه لا بدّ أن يكون كلامك مطابقا لواقع فعلك، وإياك أن تقول كلامك وفعلك غيره، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} الصف 2، 3.
***
الصبر
الصبر هو حبس النفس بحيث ترضى بمكروه نزول بها، والمكروه له مصدران:
الأول: أمر لا غريم لك فيه، فان أصابك مثلا مرض أو عجز، أو فقدت أحد أولادك بموت، فهذا ليس لك غريم فيه، ولا تستطيع أن تفعل معه شيئا.
والثاني: أمر لك غريم فيه كأن يعتدي عليك أحد، أو يسرق مالك أو غير ذلك.
الأمر الذي لا غريم لك فيه: ليس أمامك إلا الصبر، والأمر الذي لك غريم فيه تكون نفسك مشتعلة برغبة الانتقام، ولذلك يحتاج إلى صبر أكبر وصبر أطول، لأن غريمك أمامك، فنفسك تطالبك بالانتقام منه، ولذلك يفرق الله سبحانه وتعالى بين الصابرين فيقول سبحانه وتعالى:{ واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} لقمان 17، ويقول سبحانه وتعالى في آية أخرى:{ ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور} الشورى 43، ووجود اللام هنا يدلنا على أننا نحتاج إلى الصبر على غريم لنا، والى قوة إرادة وعزيمة حتى نمنع أنفسنا من الانتقام.
والصبر له دوافع، فمن الناس من يأتيه أحداث شديدة فيظهر أمام الناس أنه اقوى من الأحداث التي لا تستطيع أن تنال منه، وانه جلد، وأنه صبور فهذا صبر ليس لابتغاء وجه الله، ولكنه صبر ليبين نفسه أنه فوق الأحداث، أو صبر أمام أعدائه حتى لا يشمتوا فيه، فقد قال الشاعر:
وتجلدي للشاتمين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
ولكن الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن نصبر ابتغاء وجهه الكريم، فعندما ترى أمرا يحدث فاعرف أن فيه خيرا كثيرا، واعلم أن لله فيه حكمة، ولو أنك خيّرت بين ما كان يجب أن يقع وبين ما وقع لاخترت ما وقع.
إذن فالذي صبر ابتغاء وجه الله ينظر إلى مناط الحكمة في مورد القضاء عليه، ولذلك يقول: أحمدك يا ربي على كل قضائك، وجميع قدرك حمد الرضا بحكمك لليقين بحكمتك، هذا تيقن بالحكمة فلا تأخذ الأمور بسطحية.
***
ألوان الصبر
إن الصبر في البأساء هو الصبر على ما يعتري الإنسان من بؤس وفقر، أما الصبر في الضراء فهو الصبر على آلام البدن من مرض أو علل أو عاهات، والصبر حين البأس هو الصبر الذي يطلق على الصبر والصابرة في القتال أثناء الالتقاء بالعدو، إذن فنحن أمام ثلاثة ألوان من الصبر:
الأول: صبر على حال بؤس أو فقر.
الثاني: الصبر على الابتلاء في البدن.
الثالث: الصبر في لقاء العدو.
ولذلك يروى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى:" إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عوّاده أطلقته من إسارى ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه ثم يسالأنف العمل". معنى ذلك أن الإنسان إذا أصابه الله بأمر من أمور الابتلاء الذي يؤلم، ولم يتذمر العبد بالشكوى إنما صبر على ذلك الابتلاء فان مات فان الله تعالى يغفر له ويرحمه، وان عافاه كانت عافيته بلا ذنب.
لكن لا يجب أن نفهم من ذلك أن يستسلم الإنسان للأحداث أو الابتلاءات دون أن يبحث عن حلول لها عند الأطباء مثلا إن كنت مريضا، أو أن يأخذ بأسباب الله لإزالة هذه النكبات، علينا أن نفهم أننا يجب أن نأخذ بأسباب الله دون ضجر بما يمر علينا من أحداث.
***
حقيقة البر
يقول الحق سبحانه وتعالى:{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة2. فما هو البر؟
البر: ما اطمأنت إليه نفسك، والإثم: هو ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه أحد، بمعنى: أن الأمر الذي تفعله وتخاف أن يطلع عليه الناس، هو الإثم، لأنه لو لم يكن إثما لحببت أن يراك الناس وأنت تفعله.
إذن فقول الحق سبحانه وتعالى:{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} هو أن كل جماعة من الناس تأتي لتتعاون على مشروع خيري فنقول لها: فليبارك الله لك ونشد على يديك، ولكن نحذرك من شيء واحد هو ألا تجعلي لجمعياتك نشاطا ينسب إلى غير دينك، مثال ذلك تلك الجمعيات المسماة بـ الروتاري أو ما شابه ذلك من الأسماء المشبوهة والوافدة إلينا من الغرب ويقال أن نشاطها خيري، لماذا لا تقدمون الخير ما دام منكم ولإخوانكم باسم الإسلام.
إن الخير كل الخير ألا ننخرط في هذه الجمعيات فان بدا فيها خير ظاهر فما تبطنه من شر أضعاف مضاعفة، وان كان لواحد منا طاقة على العمل الخيري فليفعل ذلك من خلال دينه وعقيدته، وليعلم كل إنسان أن الإسلام طلب منا أن تكون كل حياتنا للخير وذلك ما يجب أن يستقر في الأذهان حتى لا يأخذ الظن الخطأ كل ما يصيبه الخير من هذه الجمعيات أن الخير قادم من غير دين الإسلام أن من أميز ما يميز المؤمن.. { وكانوا يسارعون في الخيرات} الأنبياء 90..
وليعلم كل مسلم أنه ليس فقيرا إلى القيم حتى يتسولها من الخارج، بل إن في دين الإسلام ما يغنينا جميعا عن هؤلاء، فإذا كنا نفعل الخير، ونقدم الخدمة الاجتماعية للناس، فلماذا لا نسميها بمسمياتنا نحن؟ ونأخذ أهدافها من ديننا نحن؟ ولماذا نجري وراء كل ما هو غربي؟
ولنقرأ جميعا قول الحق سبحانه وتعالى:{ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين} فصلت 33.
***
التعاون على البر
يقول الحق سبحانه وتعالى:{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة 2.
الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن ننمي الخير ونمنع الهدم، وما دمنا نتعاون على الخير فعلى كل منا أن يعرف أنه يستطيع أن يقيم كل أبنية الخير، إننا نسأل الفقير فنجده أحيانا صاحب ثوب واحد، ويتناول وجبة واحدة، وعندما تسأله من أين تأتي برغيف الخبز فانه يشير إلى البقال الذي أعطاه هذا الرغيف، وهذا يلفتنا إلى أن الله قد سخر البائع أن يأتى بالخبز ليشتري منه كل الناس، ولو سألت البائع من أين أتيت بالخبز الذي تبيعه لقال لك أنه من المخبز.
وعندما نذهب إلى المخبز فنجد بعض العمال يعجنون الدقيق وآخر يخبز، ولو سألت صاحب المخبز من أين أتيت بالدقيق إلى المخبز؟ لقال لك من المطحن.
وفي المطحن نجد عشرات العمال والمهندسين يعملون من أجل طحن الدقيق، وهذا يلفتنا إلى قدرة الله سبحانه الذي سخر بعضا من الممولين الذين اشتروا هذه الآلات الضخمة التي لا يستطيع فرد واحد أن يشتريها بمفرده، وهذه الآلات الضخمة قامت بإنتاجها معامل ومصانع ضخمة فيها الكثير من العلماء الأفذاذ الذين قاموا بدراسة الحركة والطاقة من أجل تصميم هذه الأجهزة.
إن الإنسان عندما يأكل رغيفا واحدا يعلم أن هناك عشرات من الدول والأفراد يعملون من أجل هذا الرغيف، وتلك مشيئة الحق سبحانه وتعالى من أجل تنظيم كل حركة الحياة، فالبقال الذي عرض الخبز عاون الناس، وكذلك الخباز، ومن قبله الطحان والعجان، والذي استورد الآلة، والذي صمم الآلة، والكلية التي علمت المهندس الذي صممها.
إذن فالكل يتعاون من أجل رغيف خبز، ولا أحد منا يفكر في هذا الرغيف إلا ساعة أن يجوع، فحركة الحياة كلها تمّ بناؤها بالتعاون بين خلق الله كلهم، فالكل مسخر لخدمة الكل.
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق