الاثنين، ديسمبر 20، 2010

الاستشراق والإسلام

مقدمة:
إن للاستشراق أثر كبير في العالم الغربي وفي العالم الإسلامي على السواء وان اختلفت ردود الأفعال عند كلا الجانبين ،لان الاستشراق كان ولا يزال جزءا من الصراع الفكري والحضاري بين الشرق والغرب ،بل يمكننا القول أن الاستشراق يمثل الخلفية الفكرية لهذا الصراع الذي له مظاهر شتى ،لذلك لا يجب التقليل منه حيث كان له الأثر الأكبر في صياغة التصورات الأوروبية عن الإسلام لقرون عديدة،وما يزال الأوروبيون يعتمدون إلى اليوم في دراساتهم وأبحاثهم على من سبقهم من المستشرقين.

مفهوم الاستشراق:
الاستشراق معناه علم الشرق، أو علم العالم الشرقي وكلمة المستشرق تطلق على كل عالم غربي يشتغل بدراسة الشرق لكننا هنا لن نتوسع في هذا المفهوم العام الشامل ،بل سنضيق الدائرة لتناول الدراسات الغربية المتعلقة بالشرق الإسلامي حول عقيدته لغاته آدابه فنونه تاريخه حضارته.

البدايات الأولى للاستشراق
يمكننا القول أن الاستشراق يبدأ بشكل رسمي بعد صدور قرار مجمع فيينا الكنسي سنة 1312م بإنشاء عدد كبير من كراسي اللغة العربية بعدد من الجامعات الأوربية .
ولاشك أن الانتصار السريع للإسلام هو الذي لفت رجالات الدين المسيحيين إلى الاهتمام بهذا الدين ،ومن هنا بدأت دراساتهم للإسلام ,وكان من أوائل من اهتم بدراسة الإسلام رجال الدين المسيحيين وكان ذلك خلال العصور الوسطى وكان الغرض من هذه الدراسات آنذاك هو:
       أولا : ضرورة التعلم من العرب وترجمة علومهم إلى اللغات اللاتينية.
       ثانيا : التصارع معهم بسبب خطر عقيدتهم على العالم المسيحي.
لكن كلمة مستشرق بهذا المعنى لم تظهر إلا خلال القرن الثامن عشر حيث تم إدراجها في قاموس اللغة الأكاديمية الفرنسية سنة 1738م

طبيعة الاستشراق في القرون الوسطى
إن أدب أوروبا في القرون الوسطى حول الإسلام وضع في غالبيته من طرف رجال الدين المسيحيين، الذين استندوا غالى المؤلفات الجدلية اللاهوتية الدفاعية للمسيحيين الشرقيين، وترجمات مفكريهم وشهادات بعض المسلمين، وكانت المعلومة تنتزع من سياقها الأصلي وتقدم بطريقة مشوهة آو بطريقة غير واعية في أحيان أخرى، وكان الدافع وراء هذه الدراسات هو الصراع الذي دار بين العالمين الإسلامي والمسيحي في الأندلس وصقلية ،كما دفعت الحروب الصليبية بصفة عامة إلى اشتغال الأوروبيين بالأبحاث حول علوم العرب وثقافتهم، وقد نشط اللاهوتيون ورجال الدين في ذلك الوقت ضد الإسلام وراحوا ينشرون الأكاذيب حول الرسول صلى الله عليه وسلم وحول القران الكريم، وزعموا أن الإسلام قوة شريرة.
وخلال هذه الفترة أيضا كانت هناك بالمقابل أيضا جهود موضوعية اهتمت أكثر بعلوم العرب ومعارفهم، حيث نشطت حركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية وأشهر المترجمين الكاهن جيربرت الذي قصد الأندلس للدراسة وجيرالد الكريموني الذي أقام في طليطلة ونقل إلى اللاتينية فلسفة الكندي والمجسطي لبطليموس .وميخائيل سكوتس الاسكتلندي الذي درس في باريس وأقام في طليطلة ورحل إلى باليرمو عاصمة صقلية حيث لقي استقبالا من ملكها النورماندي فريدريك الثاني وقد اشتهر بتبحره في الفلسفة والفلك والسحر والتنجيم ،ترجم العديد من كتب ابن سينا وابن رشد .
إذن يمكن القول انه خلال فترة القرون الوسطى كان هناك اتجاهين رئيسيين:

الاتجاه الأول: اتجاه ديني لاهوتي متعصب وحاقد ينظر إلى الإسلام بكراهية وبغض.
الاتجاه الثاني: كان بالمقارنة مع الاتجاه الأول أقرب إلى الموضوعية، ونظر إلى الإسلام بوصفه مهدا للعلوم والطب والفلسفة والفلك والرياضيات.

الاستشراق في القرن 17 م و 18 م.
لقد جعل الأوربيون الاهتمام باللغة العربية مسألة أساسية للتعرف على ثقافة الشعوب الإسلامية، لذلك وضعوا في جامعاتهم كراسي لتعليم اللغة العربية، وكان الهدف هو نشر المسيحية.
وعلى الرغم من الأهداف التبشيرية الواضحة والمعادية للإسلام خلال العصور الوسطى فان القرن السابع عشر شهد اتجاها مختلفا استمر في القرن الثامن عشر وقد نظر هذا الاتجاه إلى الإسلام نظرة أكثر موضوعية مما سبق، وظهرت بعض المؤلفات الموضوعية المعتدلة عن الإسلام والحضارة الإسلامية، والتي حلت محل الآراء المتطرفة للاهوتيين الذين وصفوا القران باللغو الباطل والرسول الكريم بأشنع الصفات، ومن بين الأمثلة ريتشارد سيمون في كتابه التاريخ النقدي لعقائد وعادات أمم الشرق، ثم محاولات هادريان ريلاند أستاذ اللغات الشرقية في جامعة اوتريخت بهولندا، فقد أصدر كتابه الديانة المحمدية، قام فيه بتصحيح كثير من الآراء الغربية السائدة حول الإسلام، حتى أن الكنيسة الكاثوليكية أدرجت كتابه ضمن الكتب المحرم تداولها.
لكن هذه الأمثلة التي سردناها لم تكن هي السائدة في أوربا، ولم تستطع القضاء على الصورة المشوهة للإسلام في أذهان الغربيين والتي رسمتها القرون الوسطى وكرستها بعض كتابات المستشرقين خاصة الذين عادوا الدين بصفة خاصة بما في ذلك الدين المسيحي.

الاستشراق في القرن التاسع عشر
خلال هذا القرن ظهرت نظرة متعالية ومتغطرسة اعتمدت على خرافة التفوق العرقي للشعوب الآرية الأوربية على باقي الشعوب والأجناس الأخرى، وخلال هذا القرن أيضا ازدهرت بشكل كبير الدراسات الاستشراقية في كل الدول الأوربية خاصة انجلترا وهولندا، لذلك يمكن القول أن هذا القرن هو قرن الاستشراق بحق، حيث تخلص من اللاهوت عليه وبرزت النزعة العلمية، وفي نهاية هذا القرن أصبحت الدراسات الإسلامية تخصصا قائما بذاته داخل الحركة الاستشراقية العامة .
ونشطت الحركات الاستشراقية والمجلات المهتمة بإصدار المجلات والمطبوعات حول الاستشراق والتي تضم مئات من العلماء، وتنشر بحوث هذه المؤتمرات في مجلدات وكتب ونشرات .

الاستعمار والاستشراق أي علاقة؟
لقد كان الاستعمار أواخر القرن التاسع عشر للعالم المسيحي أثره في النظرة الأوربية إلى الشرق فقد استفاد الاستعمار من الرواسب والدراسات الاستشراقية الكثير، كما جند الاستعمار طائفة من المستشرقين لخدمة أغراضه وتحقيق أهدافه وتمكين سلطانه في بلاد المسلمين، وهكذا نشأت علاقة وثيقة ورسمية بين الاستعمار و الاستشراق، حيث كرس العديد من المستشرقين أبحاثهم ودراساتهم لخدمة أطماع دولهم الاستعمارية أمثال الألماني كارل بيكر والهولندي سنوك هورجرونيه.
وفي فرنسا كان هناك العديد من المستشرقين يعملون مستشرين لوزارة المستعمرات الفرنسية، وعلى سبيل المثال المستشرق المشهور دي ساسي الذي ترجم البيان الموجه للجزائريين، وكان يستشار في كل الأمور المتعلقة بالشرق.
وفي بريطانيا كان اللورد كيرزن من أشد المتحمسين لفكرة إنشاء مدرسة للدراسات الشرقية باعتبارها جزءا من تأثيث الإمبراطورية، وقد كانت الحكومة البريطانية ترسم سياستها الاستعمارية بعد التنسيق والتشاور مع فريق من المستشرقين الذين يقدمون لها الدراسات المطلوبة، كما اتجه الاستشراق المتعاون مع الاستعمار بعد الاستيلاء العسكري والسياسي على بلاد المسلمين إلى إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس المسلمين وتشكيكهم في معتقداتهم و دينهم وزرع أفكار تقول أن سبب تخلف المسلمين عائد إلى تمسكهم بالإسلام.
ومازالت لحد الآن تهتم الحكومات الأوربية بدعم الحركة الاستشراقية، ولا تبخل عليها بالمال اللازم لاستمرار نشاطها، وهذا يؤكد الارتباط القائم بين مصالح الغرب في العالم الإسلامي والحاجة إلى الاستشراف.
لذلك لا تخلو أي جامعة أوربية أو أمريكية اليوم من معهد خاص للدراسات الإسلامية و العربية، بل يوجد في بعض الجامعات أكثر من معهد للاستشراق ويرأس كل معهد أستاد يساعده بعض المحاضرين الذين يواصلون أعمالهم الأكاديمية في مجال الاستشراق، ويتخرج من هذه المعاهد الدارسون الذين يلتحقون بالسلك الدبلوماسي أو بالترجمة، ومنها أيضا يتخرج بعض العرب المسلمين الذين يعودون للتدريس في بلادهم الأصلية بعد أن تكون آراءهم قد حرفت ومبادئهم قد تأثرت بكثير من الأفكار الاستشراقية، فيبثون سمومهم وسط الجامعات ويرددون في كتابتهم ومحاضراتهم كثيرا من أفكار أساتذتهم في الغرب.

أهداف الاستشراق
لا يستطيع أي باحث في تاريخ الاستشراق التغاضي عن الهدف الديني الذي كان وراء نشأة الاستشراق في أوربا ,وكان الهدف الديني للأوربيين من الاستشراق هو تحقيق الأغراض الثلاثة التالية:

1. محاربة الإسلام والبحث عن نقاط ضعفه، للطعن فيه، والزعم أنه ملفق ومأخوذ عن المسيحية و اليهودية .
2. حماية النصارى من خطره وذلك بتشويهه وحجب حقائقه عنهم.
3. التبشير وتنصير المسلمين.

وتتجلى هذه الأهداف عند أغلب المستشرقين، كما أن عددا كبيرا من رجال الدين المسيحيين المتدينين كانوا من كبار المستشرقين مثل القس الأب لامانس والمستشرق البريطاني منتغمري واط وغيرهم كثير، هذا دون أن ننسى الأهداف الاستعمارية .

طبقات المستشرقين
لا يمكن وضع المستشرقين في طبقة واحدة، فقد تعددت فئاتهم وتباينت آراءهم إذ نجد:

1. فئة من المتعصبين الذين افتروا على الإسلام، واخترعوا الأقاصيص والخرافات والصقوها به، وقد ظهر هذا الفريق خصوصا في بداية نشأة الاستشراق.
2. فريق من المستشرقين جندوا أنفسهم وأقلامهم لخدمة المصالح الاقتصادية الاستعمارية في الدول التي خضعت للاستعمار.
3. فريق من الحاقدين على الإسلام والذين تقطر أقلامهم بالحقد والعداوة أمثال بريدو وسيل.
4. فريق التزم الموضوعية والنزاهة العلمية وأنصف الإسلام والمسلمين وهؤلاء قلة ويعدون على رؤؤس الأصابع بالمقارنة مع غيرهم، وقد قادت هذه الأبحاث بعضهم إلى اعتناق الدين المسيحي.
5. فريق اهتم بالدراسات الشرقية بهدف علمي بحث، فاشتغل بالترجمة أو تأليف المعاجم أو تحقيق المخطوطات.

نماذج من آراء المستشرقين حول الإسلام
لقد شكل الاستشراق الأداة التي قدمت المدد للتنصير والاستعمار وغذت عملية الصراع الفكري في البلاد المستعمرة ,فالاستشراق كان وسيلة لمد المستعمرين بالمواد التي يسوقونها في العالم الإسلامي قصد تحطيم عقيدتهم وهدم أخلاقهم، ولقد كثرت مراكز البحوث والدراسات الشرقية في الجامعات الأوربية، ووضعت تحت تصرفها إمكانات مادية ومالية ،حتى يتمكن أصحاب القرار السياسي من الاطلاع على أحوال العالم الإسلامي لوضع الخطط والاستراتيجيات المناسبة.
لقد اصبح كل شيء في الغرب خاضع للبحث و التحليل، أما عندنا فنحن عاجزون وغير قادرون على المواجهة، فأكثر الباحثين اليوم يتغذون على فتات مائدة المستشرقين وأبحاثهم حتى أن اغلب المخطوطات لم تر النور إلا بفضل جهودهم فأين نحن منهم ؟
لقد انشغل علماؤنا بتحقيق حديث أو تضعيفه أو تقويته، بغرض الانتصار لمذهبه وقليل من يرقى إلى المستوى المطلوب، فإذا استثنيا جهود علمائنا الأقدمين في تدوين السنة ووضع قواعد الجرح والتعديل وتأصيل أركان الفقه وحفظ علوم السنة، نرى اليوم التقليد الأعمى والتعصب للمذهب والإفتاء بغير علم.
لقد نجحت العقلية الأوربية في السيطرة على مصادر التراث العربي الإسلامي وعن طريق المستشرقين ظهرت إلى الوجود كثير من الكتب والمنشورات والمخطوطات، ولقد تمكن الأوربيون من خلال هذه الكتب من فرض طرقهم في التحليل على مثقفينا الذين ساروا على نهجهم أمثال محمد اركون وطه حسين وفرج فوده ونصر حامد أبو زيد.. حتى أصبح بعضهم يدافع عن أفكار المستشرقين ويطرح أفكارا مأخوذة في الغالب عنهم.
ونحن هنا نؤكد أن الإسلام بوصفه دينا خاصا وغير محرف لا يخشى عليه من التيارات المناوئة، كما أن الموضوعية كانت دائما لصالحه، لكن الخطر على الإسلام كان من التشوهات التي لحقته نتيجة تعصب أغلب المستشرقين وتماديهم في ذلك مم أثر سلبا على التصورات الأوربية حول الإسلام، ومن أهم هذه التشوهات والآراء نجد :

أولا: التشوهات التي لحقت القران الكريم
اتجهت جهود المناهضين للإسلام قديما وحديثا إلى محاولة زعزعة الاعتقاد في القران الكريم وفي صحته ومصدره ،وقد حدا المستشرقون المتحاملون على الإسلام والقران حذو المشركين فبذلوا جهودا هائلة ليثبتوا أن القران ليس وحي من عند الله وإنما هو تأليف محمد صلى الله عليه وسلم ،قال جورج سيسل "أما أن محمد كان مؤلف القران والمخترع الرئيسي له فأمر لايقبل الجدل" ويرى ريتشارد بل مؤلف كتاب "مقدمة القران" أن النبي عليه الصلاة والسلام اعتمد في كتابه القران على الكتاب المقدس وخاصة العهد القديم وكانت فرصته بالمدينة حيث اتصل بالجاليات اليهودية ومنهم تعرف على كتب موسى (مع العلم أن الرسول الكريم كان أميا لا يعرف القراءة والكتابة) ويزعم بعض المستشرقين أيضا إن محمدا تعرف على النصرانية من بحيرى الراهب وهذه القصة خرافة مؤداها أن محمدا كان في البداية تلميذا للراهب النسطوري سرجيوس بحيرى زاعمين انه تلقى منه المعلومات الأساسية عن التوراة والانجيال ،وبعد ذلك أعلن نفسه نبيا وكون عقيدة خاصة به ،أما مانعرفه نحن من سيرة ابن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ الثانية عشر من عمره خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام في قافلة له، فلما نزل الركب، لاحظ راهب كان يقطن تلك الجهة احد ذلك الركب تظلله غمامة، وقد وضع هذا الراهب أكلا لهذا الركب ودعاهم إليه، فاجتمعوا إلا محمدا إذ تركوه لحراسة القافلة، ولما نظر بحيرى لم يجد صفة الشخص الذي وصفته كتبه فسألهم هل تخلف أحد منهم فلما أخبروه الخبر، أصر أن يحضر هذا الغلام إلى طعامه ولما جاء الغلام ودخل أخذ الراهب يراقبه، ونصح عمه أبا طالب أن يحذر عليه من اليهود وغدرهم ،- هذه القصة كما وردت عند ابن هشام ويذكر المسعودي أن هذا الراهب اسمه جرجيس ونلاحظ من خلال هذه الرواية أن محمدا كان مايزال غلاما لم يبلغ الحلم بعد، كما أنه لم يمكث فترة طويلة في الشام بالإضافة إلى أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب .
يتضح أن الروايات المسيحية أرادت أن تكون عن الإسلام صورة مشوهة، تجعله بدعة مسيحية، وأن محمد رجل مرتد ونبي مزيف ودجال كذاب، اخترع كتابا هو القران، وهو مزيج من ما كتب في العهدين القديم والجديد، وهذه كلها مزاعم لا أساس لها من الصحة، فلماذا لم يؤلف بحيرى لنفسه القران؟ ولماذا يعطي هذا المجد لغيره ّ!!
ولماذا لم تتهم قريش النبي بأنه أخذ ذلك عن اليهود أو النصارى!!.
كما أن هناك العديد من القصص المذكورة في القران الكريم غير موجودة في الكتب السماوية السابقة مثل قصة زكريا وولادة مريم وكفالته لها، فمن أين أخذ هذا كله؟؟؟؟؟

آراء المستشرقين حول الحديث والسنة النبوية
السنة هي الأصل الثاني للإسلام، والسنة متمثلة في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريرا ته، وقد اهتم المسلمون كثيرا بها باعتبارها المصدر الثاني للشريعة.
وقد اتجه المستشرقون إلى التشكيك فيها، وأول مستشرق حاول القيام بذلك هو اليهودي "جولد تسيهر" الذي كان من العارفين بعلم الحديث وقد ادعى أن الأحزاب والفرق الكلامية الإسلامية أجرت على الرسول صلى الله عليه وسلم الأقوال لتساند بذلك أفكارها وشعاراتها وتعطي الشرعية لمذهبها، وهكذا عند هذا المستشرق تم اختراع كم هائل من الأحاديث في العصر الأموي، وقد استمر هذا الوضع قائما بعد ذلك. ولا شك أن هذا الكلام يراد به الباطل، فصحيح أن هناك أحاديث لا صحة لها نسبت إلى الرسول الكريم، لكن علماء الإسلام الذين اهتموا بالحديث النبوي الشريف لم يفرطوا في التدقيق فيها والكشف عنها وهذه الأحاديث تعرف بالأحاديث المكذوبة والموضوعة، ولعلماء السنة والحديث النبوي الشريف باع طويل في نقد الرواة وبيان أحوالهم وصفاتهم، ومنهج الجرح والتعديل صارم جدا في تقويم الرواة، فلقد بذل العلماء المحدثون جهودا كبيرة في توثيق الأحاديث لم تبذل من أتباع النصرانية أواليهودية عشر مثقال معشاره في سبيل توثيق العهدين القديم والجديد.

آراء المستشرقين حول الشريعة الإسلامية والفلسفة الإسلامية
ادعى كثير من المستشرقين أن الشريعة الإسلامية ماخوذة من القانون الروماني مع التعديلات التي أدخلت عليها بما يتوافق مع طبيعة العرب وثقافتهم، وهذه هي الأكاذيب الملفقة، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم عالم قانون بل هو رجل أمي كما وصفه القران الكريم، وكما عرفته العرب ،ولم يطلع على القانون الروماني ،أما القول بالتشابه، فان هذا لايعني بالضرورة التأثر، كما أن التشابه ظاهري فقط، فالاختلافات كثيرة بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني.
كما زعم المستشرقون أيضا أن الفلسفة المسماة إسلامية ماهي إلا فلسفة يونانية اصطبغت بصبغة إسلامية، وأن المسلمين نقلوا التراث الإسلامي فقط، وقد زعم رينان وجوتييه أن دين الإسلام لا يشجع على العلم والفلسفة والبحث بل هو عائق، وهذا كله من المزاعم الكاذبة، فالمسلمون أضافوا للفلسفة الكثير ونقدوا الفلسفة اليونانية الوثنية، وردوا على عقائد الغنوصيين والفرس والفلاسفة الدهريين، وكان لهم باع كبير في العلوم التطبيقية كالرياضيات والفلك والطب والهندسة، حتى أن الأوروبيين في العصور الوسطى تأثروا كثيرا بالمسلمين في الأندلس وصقلية وخلال الحروب الصليبية، وترجموا العديد من الكتب العربية، فقد ترجمت كتب ابن رشد وابن سينا وكتب الغزالي وكتب البيروني والرازي، وعرف الاروبيون الأرقام عن طريق العرب ونقلوا الصفر عن الخوارزمي ،كما تم نقل الإسطرلاب و البوصلة، كما أدخلت مجموعة من المزروعات العربية إلى أوربا، فكل ما قاله الأوروبيون المستشرقون عن محاربة الإسلام للعلم والفلسفة هراء وكذب فالقران الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يدعو إلى التفكر والى العلم والتعلم، وقد نوه القران الكريم بالعقل، وحارب الشعوذة والخرافة والأوهام والتنجيم.
إن القران الكريم وفر للإسلام المناخ الملائم للتفكير والتامل والبحث، وما يدل على ذلك هو ما وصله المسلمون من تقدم خلال العصور الوسطى.
أن ما يقوله المستشرقون ينطبق في الحقيقة على الكنيسة الكاثوليكية التي حاربت العلم والعلماء وادعت أن رجال الدين هم وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة وما يقولونه غير قابل للنقاش ،حيث تمت محاكمة جاليليو بدعوى انه خالف تعاليم الإنجيل حيث ادعى أن الأرض كروية الشكل !!
ترى لو كان جاليليو قال مقولته هذه آنذاك في أرض إسلامية – في الأندلس مثلا – أو خلال مرحلة حكم الدولة العباسية أو غيرها – هل كان سيلقى المحاكم والعقوبات .

إنه من خلال الآراء التي اقتصرنا عليها لبعض المستشرقين، يتضح الحقد والتحامل الذي لحق الإسلام على أيديهم دون باقي الأديان الأخرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : خالد فؤاد طحطح



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق