~ .. وبدأت أجد أبعادى، وأفكر بصفاء أكثر، وبدأت أهز رأسى وأنتفض مثل جرو سمين ولطيف ومبتهج.. وعبر الأيام القادمة أنا أتوقع الكثير من الحياة.. أخى.. وكيف حالك أنت؟ انك لم تخبرنى عن ذلك.. لقد كتبت لى أشياء كثيرة حلوة وجيدة.. ولكنك نسيت أن تحدثنى عنك.. أنت تقضى اليوم بطوله فى سوق الحشيش، ولكن ما الذى تفعله هناك.. ما الذى تريده من حارة صغيرة مليئة بالأطفال والملل.. إن سوق الحشيش لا يثيرنى أبدا لقد كان مجرد مكان للراحة.. مجرد مقعد اجلس فيه واشرع فى الحلم.. وكان يصيبى بالصدأ، ويجعلنى أغمض عينى وأرغب فى الموت. وكنت أهرب من ذلك للبحر، إلى قارب (سليم) وكلبه الصغير.. وسرطانات البحر الهائلة هناك. أظل أجرى وراءها واقتلها وانزع أرجلها.. وأظل أحدثها وابصق فوقها.. وأغسل نفسى فى عمق الماء البارد حتى ينتهى الصدأ.. وأعيش.. فماذا تريد أنت من حارة الصدأ.. ما الذى سوف تصفه وأنت جالس هناك.. فى بالوعة حقيقية وبلهاء تماما..
أخى أنا لا احتقر حارتنا.. و لا أقول عنها أشياء قذرة.. ولكن أضع لها اسما إنها مجرد بالوعة فحسب.. وهى مفيدة لكل صرصار.. ولكنها تقتل الناس الرائعين.. فدعها لا تعد تمكث فيها هكذا.. اعتبرها مقعدا للتفكير ولقليل من الدراسة.. ولكن كن دائما فى الخارج.
لقد عشت أنا فى سوق الحشيش، قضيت فيه كل حياتى.. وجلست على كل ذراع منه.. ورأيت كل الناس هناك، كثير من الأصدقاء اللطيفين جدا.. وكثيرا من الذكريات والمتعة وشربت من زجاجتى وسكرت.. وضحكت وصنعت معظم أحلامى الجيدة.. ولكننى لم اعتمد عليه أبدا فى بناء رأسى. ولا استطيع أن أثق فى ذلك.. إن غرفتى المظلمة، بقليل من الضوء وإبريق شاى ونار وبضعة سجاير وأنا.. تفيدنى أكثر من سوق الحشيش وهذه حقيقة (راهنة) فاذكر أننى قلتها لك.}
~.... وأصدقائى الآخرون فى سوق الحشيش أبطال كبار.. انهم قادرون على الحب، هذا عمل رائع وجيد.. وأنا أحبهم كذلك.. وأتذكرهم دائما غير الأيام لا تتركنى أرحل اليهم دائما أحيانا يكثر الضباب والغبار، واضطر للهبوط فى مكان قريب.. ويكفى انك انت معهم.. قريب جداً تمارس تلك الحياة المفعمة بالتفاهم، وهذا كله يعجبنى.. وأتمناه.} ألمانيا 09/02/1963
***
~ وقل لمن فى سوق الحشيش أن يكتبوا لى.. فأنا وحيد.. } ألمانيا 10/11/1963
***
~ صديقى منذ عام مضى كتبت لك رسالة عادية.. قلت لك غادر سوق الحشيش.. وكف عن الموت.. ولكنك لم تفعل يا صديقى.. لقد جلست هناك تسكر وتحلم.. وكنت قد قلت لك: "أنا أعرف هذا الطريق.. اعرف كل حجر فيه.. وقد قتلنى فلا تتركه يقتلك.. فلم تصدقنى."
إننى، يا خليفة، لم اقل لك كذبة واحدة فى تلك الرسالة.. ولم امزح قط.. كنت أكتب لك بمرارة.. وابذل غاية جهدى لإقناعك.. } ألمانيا 25/03/1964
***
الصادق رجب النيهوم – كاتب ليبى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق