هذه القواعد لم توضع جملة واحدة في وقت معين على أيدي أناس معلومين، بل تكونت بالتدرج في عصور ازدهار الفقه و نهضته على أيدي كبار فقهاء المذاهب من أهل التخريج و الترجيح استنباطاً من دلالات النصوص و علل الأحكام و المقررات العقلية.
كما لا يعرف لكل قاعدة صائغ معين إلا ما كان منها نص من حديث شريف كقاعدة~ لا ضرر و لا ضرار} ومعظمها قد اكتسب الصياغة الأخيرة عن طريق الصقل و التحوير على كبار الفقهاء بعد استقرار المذاهب الفقهية الكبرى ، وانصراف كبار أتباعها إلى تحريرها و ترتيب أصولها وأدلتها.
ويروى أن الإمام الدباس ـ وقد عاش في القرنين الثالث و الرابع ـ قد جمع سبعة عشر قاعدة كلية في مذهب أبي حنيفة و قد تلاه الكرخي المتوفي سنة 340 هـ بمجموعة عددها سبع و ثلاثون قاعدة إلا أن بعضاً منها ليس بمعنى القاعدة بل من قبيل الأفكار التوجيهية في تعليل المسائل.؟
ثم جاء الإمام الدبوسي الحنفي، فوضع كتابه تأسيس النظر، وضمنه طائفة من الضوابط الفقهية الخاصة، بموضوع معين، ومن القواعد الكلية مع التفريع عليها.
ثم جاء ابن النجيم المصري المتوفى سنة 970 هـ فجمع خمساً و عشرين قاعدة ، ثم جاء الفقيه الحنفي الخادمي فجمع أربعاً وخمسين ومائة قاعدة إلا أن بعضها متداخل وبعضها كتوجيهات للمذهب.
ثم جاءت مجلة الأحكام العدلية ، تجمع في أولها مجموعة كبيرة من هذه القواعد في مختارة بلغت تسعاً وتسعين قاعدة في (99) مادة من المادة الثانية حتى المادة المائة أما المادة الأولى فكانت في تعريف الفقه.
وبعد المجلة العدلية، ووضع مفتي دمشق – محمود حمزة – في كتابه (الفوائد البهية في القواعد الفقهية) مجموعة كبيرة أوسع وهو مطبوع في دمشق سنة 1298 هـ.
وقد نشط علماء المذاهب الأخرى: الشافعية و المالكية و الحنابلة في هذا الميدان منذ تأسيس هذه المذاهب.
أشهر الكتب التي اعتنت في التقعيد
من يطلع على أشهر ما ألف في فن القواعد الفقهية خلال عصورها المختلفة يمكنه أن يقسم هذه المؤلفات إلى أربع مجموعات كبرى تبعاً للاتجاه الغالب عند مؤلفيها:
أولاً : كتب الأشباه والنظائر
وهذه الكتب تشتمل على كثير من القواعد الفقهية بالمعنى المحدد لكلمة قاعدة.
ومعنى الأشباه و النظائر كما جاء في شرح الأشباه للحموي:
~المراد بها ـ أي الأشباه و النظائر ـ المسائل التي يشبه بعضها بعضا مع اختلاف في الحكم لأمور خفية أدركها الفقهاء بدقة أنظارهم و صنفوا لبيانها كتبا كفروق المحبوبي و الكرابيسي الحنفيان.}
ولعل أول من سلك التأليف تحت هذا العنوان هو الإمام مقاتل بن سليمان البلخي المتوفى سنة 150هـ ، من علماء التفسير في القرن الثاني الهجري حيث ألف كتابا بعنوان: (الأشباه و النظائر في تفسير القرآن العظيم) ، ولمحمد بن العماد المصري المتوفى سنة 787هـ كتب في التفسير بعنوان : (كشف السرائر في معنى الأشباه و النظائر.)
وقد برز التأليف في هذا الفن ليس في القواعد الفقهية فحسب بل في مختلف الفنون و سائر العلوم كالأدب و النحو وغيرها منذ القرن الرابع الهجري.
ومنذ بداية القرن الثامن الهجري نشط الفقهاء في هذا الميدان و أبرزواالقواعد الفقهية عن طريق التصنيف على هذا الطراز مضمنين مؤلفاتهم مسائل الفقه و أصول الفقه و أحيانا بعض مسائل علم الكلام التي لها صلة بالموضوع اعتبارا بالفروع المتشابهة المتناظرة ومن أشهر هذه الكتب و أكثرها تداولاً:
1. الأشباه و النظائر، لابن الوكيل الشافعي (ت 716هـ .)
2. الأشباه و النظائر، لتاج الدين السبكي الشافعي (ت 771هـ .)
3. الأشباه و النظائر، للحافظ السيوطي الشافعي ( ت911 هـ .)
4. الأشباه و النظائر، لابن النجيم الحنفي ( ت 970 هـ .)
ويدخل ضمن هذه المجموعة:
1. كتاب (القواعد الفقهية) للزركشي.
2. كتاب (مجامع الحقائق) لأبي سعيد الخادمي.
3. (الفوائد البهية في القواعد الفقهية) للشيخ حمزة الحسيني.
4. مجلة الأحكام العدلية بشروحها، وكتب القواعد الحديثة، ككتاب: (المدخل الفقهي العام) للزرقاء، (الوجيز في إيضاح القواعد الفقه الكلية) للبورنو وغيرها.
ثانياً : كتب تحمل اسم القواعد
هي كتب تحمل اسم القواعد و لكنها في الحقيقة لا تتضمن الكثير من القواعد بالمعنى الذي اصطلح عليه الفقهاء و العلماء لتعريف القاعدة، وإنما أكثر ما تضمنته أقسام وضوابط أساسية في موضوعات فقهية ومنها:
1. كتاب القواعد في الفقه الإسلامي لابن رجب الحنبلي.
2. قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، للعز بن عبد السلام.
3. إيضاح المسالك إلى قواعد مذهب مالك، للنوشريسي المالكي ، وغيرها.
ثالثاً : كتب جمعت بين القواعد الفقهية و أصول الفقه
وهي كتب نحت منحى كتب الفقه المقارن: فمنها كتب تذكر الخلاف بين فقهاء المذهب الواحد، ومنها ما تذكر الخلاف بين فقهاء المذاهب المتعددة، ومن هذه الكتب:
1. كتاب تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي.
2. القوانين الفقهية، لابن جزي المالكي ..
3. تخريج الفروع على الأصول، للزنجاني.
4. تخريج الفروع على الأصول للإسنوي.
رابعاً :كتب الفروق الفقهية
وهذه الكتب لم تهتم بشرح القاعدة و بيان أصلها من الكتاب و السنة أو العقل و لم تفرع عليها كبقية كتب القواعد الأخرى، و وإنما تولت إظهار الفروق بين قاعدتين متشابهتين، وعلى ضوء تلك الفروق يكون تفريع المسائل، وكثيراً ما ينتشر فيها قواعد فقهية دستورية كثيرة متفرقة في مناسبات تعليل الأحكام و نصب الضوابط.
================
المصدر: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عليها ، د. صالح بن غانم السدلان.
المصدر: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عليها ، د. صالح بن غانم السدلان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق