خطبة حجة الوداع التي ألقاها أفصح العرب طرًّا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة من جبل الرحمة وقد نزل فيه الوحي مبشراً أنه {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}
فبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال[1]: ~ أيها الناس، اسمعوا قولي، فإنى لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدًا. أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلَّغت، فمن كانت عنده أمانة فلْيؤدِّها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون. قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوعٌ كله، وإن كل دمٍ كان في الجاهلية موضوع، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضَعًا في بني ليث فقتلته هذيل، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية.
أيها الناس، إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدًا، ولكنه إن يُطعْ فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم.
أيها الناس، "إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا ليواطئوا عدة ما حرم الله فيُحلوا ما حرم الله" (التوبة: 37) ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم: ثلاثة متوالية، ورجب مضر[2]، الذي بين جمادى وشعبان.
أيها الناس، إن لكم على نسائكم حقًّا، ولهن عليكم حقًّا، لكم عليهن ألا يُوطئن فرُشكم أحدًا تكرهونه، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربًا غير مبرِّح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوانٍ[3]، لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلَّغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا بعدي أبدًا، أمرًا بينًا: كتاب الله وسنة نبيه.
أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمُنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمُن أنفسكم، اللهم هل بلغت؟
فذُكر لي أن الناس قالوا: اللهم نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد.
قال ابن إسحاق: .... كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعرفه ربيعة بن أمية بن خلف... } انتهى ما أردته.
[1] السيرة النبوية لابن هشام: 6(/8ـ11) دار الجيل. بيروت. طـ أولى. 1411هـ. بتحقيق طه عبد الرؤوف سعد، رواها ابن هشام عن ابن إسحاق بغير إسناد، وقد جاء إسنادها في أحاديث متفرقة، فقد جاءت في الصحيحين عن أبي بكرة، ولمسلم عن جابر رواية جامعة، وفي سنن الترمذي وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص، وغيرها من كتب السنة. وحسبنا ما قاله ابن حجر العسقلاني في مقدمة "لسان الميزان" وهو يتحدث عن فضل الاشتغال بعلم الحديث موردًا بعض ما جاء في خطبة الوداع: "فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع.."، قال عن الخطبة: "وقد بلغت حد التواتر" راجع لسان الميزان: (1/3) بيروت. طـ ثالثة. 1406هـ.
[2] إنما قال النبي ذلك؛ لأن ربيعة كانت تُحرم رمضان وتسميه رجبًا، فبين أنه رجب مضر لا رجب ربيعة، وأنه الذي بين جمادى وشعبان.
[3] عوانٍ: جمع عانيه، وهي الأسيرة.
[3] عوانٍ: جمع عانيه، وهي الأسيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق