الجلسة العاشرة للجمعية الوطنية التأسيسية الليبية يوم 12/2/1951
حضرات أعضاء الجمعية التأسيسية الموقرين:
يتشرف وفد جمعيتكم المحترمة الذي زار القاهرة أخيراً أن يتقدم إلى حضراتكم بتقريره التالي على نشاطه الذي بذله لدى وفود الدول العربية ولدى الحكومة المصرية حول القضية الليبية.
بناء على قرار الجمعية المتخذ يوم 17 يناير 1951 قد سافر الوفد إلى القاهرة يوم 22/1/1951 للاتصال بوفود الدول العربية والمشتغلين بالقضايا العربية ليوضح لهم التطورات الدستورية التي تمت في ليبيا وفقاً لقرار هيئة الأمم المتحدة ولرغبة الشعب وإجماعه وليحذرهم من سوء عاقبة الطريق الذي رسمته الدول العربية في الدورة الأخيرة لهيئة الأمم بالنسبة للقضية الليبية.
وقد وصل الوفد العاصمة المصرية وهو عالم ومقدر الصعوبات والعراقيل والظروف المعاكسة التي ستحيط به في بلد تصر حكومتها على مناوأة الجمعية ويعظم فيها نفوذ أمين الجامعة العربية وهو أكبر عائق في وجه أعمال الجمعية.
وقد كان في استقبال الوفد بالمطار مندوب عن وزارة الخارجية وهيئة تحرير ليبيا ومحمد بك سلطان والطلبة الليبيين الذين يتلقون العلم في المعاهد المصرية. وقد دعا عبد الله باشا لملوم الوفد لتناول طعام العشاء على مائدته في نفس المساء. وفي صباح اليوم التالي ذهب الوفد وبصحبته عبد الله باشا لملوم إلى سراي عابدين حيث سجل الأعضاء أسماءهم في سجل التشريفات ثم توجه بعد ذلك إلى وزارة الخارجية المصرية حيث قابله وزير الخارجية معالي محمد صلاح الدين باشا. وعندما طلب الوفد من معاليه تعيين وقت للبحث طلب منه أن يبحث فوراً في المسألة الليبية فشرح له الوفد بإيجاز الطريقة التي قامت على أساسها الجمعية التأسيسية واشتراك كل من كامل سليم بك والسيد عبدالرحيم خان والسيد مصطفى ميزران والسيد بشير بك السعداوي في وضع أسس هذه الجمعية التي يطعنون اليوم في مشروعيتها.
وقال الوزير إنه سيستمع وسيسمع فإذا كان خاطئاً رجع وإذا كان الوفد على خطأ فليرجع، ثم شرع يتحدث حديثاً عاطفياً عن نوايا مصر والدول العربية وعن الخطر الذي يتهدد البلاد من جراء قيام الاتحادية وفتح الطريق للنفوذ الأجنبي كما أشار إلى أن الجمعية بوضعها الحالي ستكون دوماً محل طعن وانتقاد لأن حقوق الأغلبية فيها مهضومة. وأضاف أنه من الغريب أن تطالب الدول العربية بالكمال لليبيا وبتحريرها بتاتاً من ربقة الاستعمار في حين يوجد من يود أن يتبع طريقاً لا يؤدي هذه الغاية.
وهنا واجه أعضاء الوفد معاليه بالحجج وبالمنطق وشرحوا له أهداف الجمعية التأسيسية وقراراتها وعزمها على تشكيل حكومة مركزية تتركز فيها وزارة الخارجية والمعارف والدفاع والمواصلات والمالية وشئون القضاء وتشكيل مجلس نيابي نسبي ومجلس شيوخ بالتساوي وأن مسألة العلاقات الخارجية ستكون بيد وزير الخارجية بالحكومة المركزية وهذا لا يغير من صلاحياته في شيء سواء كانت الحكومة اتحادية أو موحدة لأن الإدارة المحلية لن تكون لها أية علاقة بالشئون الخارجية، ثم شرح لمعاليه أسباب المطالبة بالاتحادية ودواعيه.
وبعد أن أتم الوفد توضيحاته وقف وزير الخارجية وقال إن هذا القسم من أهدافكم كنت أجهله ومادامت هذه هي أهداف جمعيتكم فإني لا أعارض. وقد استغرقت المحادثة ساعة ونصف الساعة، ثم أجل البحث في مسألة عرض دستور الجمعية على المجلس النيابي المنتخب إلى جلسة أخرى، وتقاطر في نفس اليوم الصحافيون ومراسلو وكالات الأنباء فوضح لهم القضية توضيحاً تاماً.
وفي يوم 23 زار الوفد سمير باشا الرفاعي وشرح له وجهة نظره فوعد أنه سيبذل جهده لنصرة وجهة نظر الوفد أما نوري باشا السعيد الذي قابله الوفد في نفس اليوم فقال: الله يعلم بكل شيء وغير خاف عليه شيء وأنه يشكو كل الشكوى من عزام باشا وتصرفاته وأغراضه، وقال سيروا في أعمالكم ولا تكترثوا ولا تترددوا فإن قضيتكم ناجحة بإذن الله.
وفي 24 واصل الوفد مباحثاته مع وزير الخارجية المصرية وانصب أغلب البحث حول ضرورة عرض الدستور الذي تضعه الجمعية الوطنية على المجلس النيابي المنتخب وقد دافع الوفد عن وجهة نظر الجمعية بهذا الخصوص بحجج منطقية معقولة مشروعة فهي أن عرض الدستور على برلمان نسبي معناه إلغاء الاتفاق الذي اجتمعت على أساسه المناطق الثلاث للاتحاد ولوضع الدستور وقد بدأ الاقتناع على الوزير بيد أنه قال إن مصر ستحتفظ بوجهة نظرها في هذا الخصوص ريثما ترى سير الحوادث.
ثم قابل الوفد رفعة النحاس باشا وقد رحب به ترحيباً حاراً وعندما بحث معه موضوع القضية الليبية وعد خيراً وقال إنه سيتحدث مع صلاح الدين بك في هذا الخصوص.
وزار بعد ذلك الوفد عزام باشا لأول مرة ولم يبحث معه في شيء وإنما استمع إلى توكيداته عن نواياه الطيبة نحو ليبيا.
وفي مساء نفس اليوم قابل الوفد رياض بك الصلح وشرح له الحال فما كان منه إلا أن أبدى استغراب تبدل بشير بك السعداوي، وقال إنه كان دائماً يحاول إقناعه بأن الفدرالية خير حل لقضية ليبيا ووعد أن يثير المسألة أمام اللجنة السياسية وأن نقاشاً حاداً طويلاً قد دار وأن بعض الوفود عارض تدخل الجامعة أو أية دولة عربية في مسائل ليبيا الداخلية، وتمسكت مصر بوجهة نظرها ثم انتهى البحث باتخاذ قرار مائع يفوض مصر في متابعة القضية الليبية لتنفيذ قرار هيئة الأمم المتحدة في الميعاد المحدد وذلك لأن مصر مشتركة في المجلس الدولي لليبيا.
وهذا القرار ضد فكرة عزام باشا الذي لا يريد أن يتقيد بالميعاد ولا يرى مانعاً في مد الأجل المضروب لاستقلال البلاد ولكن عزام باشا أدلى بتصريحات للصحف تجافي حقيقة قرار اللجنة، فأرسل الوفد برقية احتجاج واستنكار إلى رؤساء الوفود العربية لاتخاذهم هذا القرار قبل الاجتماع بالوفد واستلام مذكرته، وفي نفس اليوم انتهى الوفد من وضع مذكرته وسلمها إلى أعضاء اللجنة السياسية في وقت اجتماعهم.
وفي يوم 28 اجتمع الوفد بأعضاء اللجنة السياسية وقام بعرض وجهة نظره عرضاً وافياً وقد ناقشه كل من ناظم القدسي بك والأمير فيصل وصلاح الدين بك في بعض المسائل المتعلقة بالاتحادية وبالدستور، وقد رد عليهم رداً مقنعاً ودامت الجلسة ساعتين وبدا الإقناع على الجميع باستثناء صلاح الدين بك الذي تمسك بتحفظه وفي مساء أول فبراير دعا وزير الخارجية أعضاء الوفد إلى حفلة عشاء بوفود العرب وكانت فرصة سانحة اتصل فيها الوفد بكبار رجالات العرب أمثال السيد أمين الحسيني والأمير عبدالكريم ومحمد علي علوبه باشا وحسين حسن باشا وغيرهم، أما عزام باشا فقد دعا الوفد بداره مساء 2 فبراير وقد أخذ عزام باشا يستعرض تاريخه وأعماله في ليبيا ويقول إنه لم يقصر في مساعدة أي طرابلسي أو برقاوي وتأسف للحملات التي توجه إليه من ليبيا، واعترف بتصريحاته في إيطاليا وقال إنه من الخير كسب إيطاليا والفاتيكان لكي تكون الدول اللاتينية في صف العرب، ثم اعترف أنه أشار على الطرابلسيين عام 1940 بعدم الاشتراك في الجيش السنوسي لأنه كان مقتنعاً بأن المحور سيفوز، وقد دام النقاش حوالي أربع ساعات كان خلالها عزام يناقض أقواله ببعضها ولا يركز معارضة في منطقة معينة واحدة، وأخيراً قال إنه إذا رغب الوفد فهو سيعلن على الصحف أنه لن يتدخل بعد في قضية ليبيا.
أما في ميدان الصحافة فقد كان نشاط الوفد عظيماً شاملاً فقد وجد نفسه في أول الأمر أمام جبهة عدائية كونتها جميع الصحف المصرية ولكن استطاع بفضل الاتصالات والمناقشات ومحاولات الإقناع أن يجعل الصحف تقف موقف المحايد وتنشر وجهة نظر الوفد، وبالرغم من الأوامر المشددة للصحف كي يتجاهلوا الوفد ونشاطه فقد كانت جميع الصحف المصرية والأجنبية ووكالات الأنباء تتبع نشاط الوفد وكانت حافلة بأخباره ومحادثاته وتنقلاته وتصريحاته الأمر الذي جعل الرأي العام المصري يطلع على خفايا القضية الليبية ويدرك أن الحكومة المصرية وأمانة الجامعة لا تقصدان مصلحة ليبيا من موقفهما هذا.
وقد بلغ الأمر بجريدة الجمهور المصري أن نشرت في عددها الصادر يوم 5 فبراير مقالاً عن تناقض سياسة مصر في ليبيا وعن إلحاحها في اشتراك الإيطاليين في البرلمان الليبي، وقد أمرت الحكومة بمصادرتها وإحالتها إلى النيابة.
وخلاصة القول فإن جهود الوفد قد كللت بالنجاح التام وقد أفهم صراحة أن سير الجمعية التأسيسية لن يعرقل من قبل أحد وأن شئون ليبيا الداخلية من حق أهلها، ولكن مصر التي وقفت موقفاً معيناً في هيئة الأمم قبل شهرين لا يسعها اليوم أن تتراجع رسمياً عن موقفها وإنما هي تتحفظ بوجهة نظرها فقط، كما أن النجاح كان باهراً كبيراً في تحطيم ا لأسطورة التي نسجها عزام باشا حوله في كل ما يتعلق بليبيا فقد استطاع الشعب المصري والحكومة المصرية والوفود العربية أن يدركوا تماماً أن عزام باشا رجل مغرض بقضية ليبيا وأهلها وأن تدخله في القضية غير مرغوب فيه لأنه قائم على غايات خاصة وأغراض شخصية، أما بشير بك السعداوي فقد تضاءل نفوذه في مصر ولدى وفود العرب وقد حطمت الوثائق التي نشرت البقية الباقية إذ أنها كشفت النقاب عن أغراضه وعن مواقفه المتناقضة.
هذا وقد زار الوفد سفير الباكستان وناظم القدسي بك وغيرهم من المهتمين بالقضية، وقد أكد له سفير الباكستان أنه لم يوافق إلا مرغماً على موقف مندوب الباكستان الأخير في المجلس الاستشاري وذلك لأن أعضاء هيئة تحرير ليبيا قابلوه وطلبوا منه باسم الشعب أن تقف الباكستان هذا الموقف ووعد أن يكتب إلى وزير الخارجية في هذا الخصوص كي يتحول مندوبهم في طرابلس عن موقفه هذا. وقد أصدر الوفد بياناً قبل مغادرته القاهرة يوجد في الكراسة الموزعة على حضرات الأعضاء كما زار قبل سفره سفارة الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا والأمانة العامة للجامعة العربية وأرسل برقية شكر لجلالة الملك فاروق وأخرى لوزير الخارجية المصرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق