هل يفكر سيادة المستشار مصطفى عبدالجليل في الكلام الذي يقوله؟ أعني هل
يُحضره مسبقاً، أو يستشير أحداً ما بخصوصه؟ بل هل يستمع إليه وهو ينطق به؟ أم ربما
يشاهده لاحقاً؟
سبب تساؤلي هذا هو أن تصريحات سيادة المستشار قد وصلت إلى ذروة الغرابة
التي لم نكن نتوقعها من أعضاء حكوماتنا الجديدة بعد ثورة 17 فبراير. فقد فاجأنا
طيلة الفترة الماضية بتصريحاتٍ كانت تشحننا برغبةٍ عجيبةٍ في البكاء والضحك في نفس
الوقت، ولا أعلم هل ذلك بسبب مشاعر الحزن أم الفرح... ولكن تصريحاته مؤخراً كانت
على مستوى أعلى من الغرابة، ولا تثير مشاعر الفرح أو الحزن، ولكنها تثير مشاعر
الفزع والارتباك...
وأقصد هنا بالتحديد ما صدر عن سيادة المستشار من تصريحات بالغة الغرابة في المقابلة التي أجرتها معه قناة العربية مؤخراً؛ فقد دفعتني غرابة هذه التصريحات إلى الشك بأن سيادة المستشار لم يكن في حالةٍ عقليةٍ واعية – وكأنه قد سكر قليلاً بكأس السلطة. أرجو أن لا تظنوا بأنني أتمادى في هذا الوصف، فخمرة السلطة حقيقية وتأثيرها قوي جداً على الإنسان، ومن الحقائق العلمية المعروفة فيما يخص السكر هو أنه يؤثر على عمل الدماغ ويُضعف الذاكرة. ويمكننا ملاحظة هذه الآثار – للسكر بخمرة السلطة – في خطاب سيادة المستشار، وبالتحديد عندما عبر برأفة عن مخاوفه تجاه مصير ليبيا وشعبها بقوله: (رحيلي ربما سوف يؤدي بهذه البلاد إلى كارثة...) فمع أن سيادة المستشار لم يتلعثم وهو ينطق بهذه العبارة، إلا أن الدليل على السُكر ظاهرٌ في الاختلال الواضح في ذاكرته؛ حيث أن سيادة المستشار يبدو أنه قد نسي العديد من الأمور المهمة... ولعل أهمها هو أن الكارثة قد وقعت أصلاً...
وأقصد هنا بالتحديد ما صدر عن سيادة المستشار من تصريحات بالغة الغرابة في المقابلة التي أجرتها معه قناة العربية مؤخراً؛ فقد دفعتني غرابة هذه التصريحات إلى الشك بأن سيادة المستشار لم يكن في حالةٍ عقليةٍ واعية – وكأنه قد سكر قليلاً بكأس السلطة. أرجو أن لا تظنوا بأنني أتمادى في هذا الوصف، فخمرة السلطة حقيقية وتأثيرها قوي جداً على الإنسان، ومن الحقائق العلمية المعروفة فيما يخص السكر هو أنه يؤثر على عمل الدماغ ويُضعف الذاكرة. ويمكننا ملاحظة هذه الآثار – للسكر بخمرة السلطة – في خطاب سيادة المستشار، وبالتحديد عندما عبر برأفة عن مخاوفه تجاه مصير ليبيا وشعبها بقوله: (رحيلي ربما سوف يؤدي بهذه البلاد إلى كارثة...) فمع أن سيادة المستشار لم يتلعثم وهو ينطق بهذه العبارة، إلا أن الدليل على السُكر ظاهرٌ في الاختلال الواضح في ذاكرته؛ حيث أن سيادة المستشار يبدو أنه قد نسي العديد من الأمور المهمة... ولعل أهمها هو أن الكارثة قد وقعت أصلاً...
نعم، لقد وقعت الكارثة، فالكارثة ليست (رحيل مصطفى عبدالجليل) ولكن
الكارثة هي أن يظن رئيس السلطة العليا في البلاد بأن بقاءه هو فقط (المهمة
الوطنية) الوحيدة التي يجب عليه القيام بها، وينسى أن مهمته الأولى والأخيرة هي
خدمة الشعب ومعالجة مشاكله التي لم تحل بعد، ولكنها تتوالد وتتكاثر مع مرور الزمن،
بدون حلول، وبدون مبالاة...
الكارثة هي أن ينفي رئيس المجلس الانتقالي علمه بتفاصيل التصريحات الرسمية
لمجلسه، ويُصرح كلما وقع من المجلس تصرفٌ خاطئ بأنه كان مجرد هفوة تغافل عنها،
فينفي مسؤوليته عن كل الأخطاء والخطايا وينسى أن وظيفته هي رئاسة هذا المجلس الذي
يداوم سيادة المستشار على التبرؤ منه...
الكارثة هي أن يشرع رئيس أعلى سلطة في البلاد في التعامل مع أي مشكلة
وكأنه شيخ قبيلة، وينسى أن الشعب يريد أن يعيش في بلاد القانون، لا في نجعٍ بدوي.
الكارثة هي أن يعمد سيادة المستشار إلى إسكات كل من يشكو ويعترض برشاوى التعيين في
المناصب والسفارات، وينسى أننا نريد أن يُعين الرجل المناسب في المكان المناسب
لتحقيق مصلحة الشعب، ولا نريد أن يُعين من له لسانٌ طويل في منصبٍ يُسكته بكمامة
المصلحة الشخصية...
الكارثة هي أن يقوم رئيس المجلس الانتقالي بإنكار صوت الشعب، ويحصره في
شارعٍ واحد في بنغازي، ويتجاهل الاعتصام في شارعٍ آخر في طرابلس، والمظاهرات التي
خرجت في شوارعٍ عديدة في إجدابيا، وطبرق، ودرنة، ومصراته. الكارثة هي أن يشترط
رئيس أعلى سلطة في البلاد أن يصيح نصف الشعب أو أكثر بمطالبهم قبل أن يستمع إليها،
وينسى أن مطالب الشعب هي الشفافية والنزاهة والكفاءة ومحاربة الفساد والمحسوبية،
ينسى أن هذه مطالب كل شعوب العالم، فيظن أنها فقط مطالب شارعٍ في بنغازي...
الكارثة هي أن ينسى رئيس المجلس الانتقالي مدينة بنغازي، فتصبح بالنسبة له
مجرد صرخة بعيدة لا يستطيع سماعها بعد أن كانت هي حنجرة الشعب الليبي التي صدحت
بصوته ونادت باسم الثورة في أرجاء العالم كله، فلا يتذكر رئيس المجلس الموقر أن
بنغازي كانت شرارة الثورة، ومهدها، ومعقلها، وعاصمتها، وواجهتها، فيظن بأنها مجرد
رصيف عابر جلست عليه الثورة قليلاً في يومٍ من الأيام، ويتجاهل سيادة المستشار أن
مدناً في دولٍ أخرى تتنافس في ثوراتها لكي توصف بأنها (بنغازي) هذه البلاد أو
تلك...
الكارثة هي أن ينفي سيادة المستشار إصدراه للعفو عن المجرمين، ثم يقول في
نفس اللقاء بأن هنالك قانوناً للعفو تتم دراسته، وبعد ذلك يحاول تفسير كلامه
بتوضيح أن العفو سيشمل كل الجرائم إلا الجرائم الشخصية وجرائم المال العام، فيظن
سيادة المستشار بأن هم الحكومة الأول هو ملء جيوب أعضائها باستعادة المال العام،
ويُلقي بعبء الجرائم الأخرى على الضحايا، ليخرج كل شهيدٍ من قبره ويرفع قضيةً على
قاتله، وينسى سيادة المستشار الموقر، القانوني المخضرم، أن هنالك جرائماً ضد
الإنسانية، ينسى أن هنالك جرائم حرب، ينسى أن هذه الجرائم هي من مسؤوليات العالم
كله، وأن الإنسانية كلها تدينها وتلاحقها لتحاكمها، ولكنه ينساها فيجعلها من
مسؤوليات الضحايا، ويستبعدها من مسؤوليات الحكومة وهو يؤكد على واجب كل ذي حقٍ بأن
يطالب بحقه بوحده، بل إن سيادة المستشار، القاضي، ووزير العدل السابق، ينسى وجود
(الحق العام) الذي يعتبر الدفاع عنه من واجبات الحكومة تجاه الشعب، ينسى أن
الحكومة لا تستطيع أن تسمح للقاتل، أو المغتصب، أو المعتدي، أو السارق بأن يهرب
فقط لأن ضحاياه لم يرفعوا عليه قضية...
لقد وقعت الكارثة يا سيادة المستشار، وهي لا تنتظر رحيلك... بل إنها استوطنت بلادنا، وأصبحنا نراها ونسمعها طوال الوقت: فالكارثة يا رئيس أعلى سلطة في بلادنا هي أن تتحدث أنت مع الشعب كما كان يتحدث الطاغية المقبور، وملامح الكارثة كانت واضحة حين بدأتَ أنت أيضاً ترفع رأسك إلى الأعلى حين تتكلم، أعراض الكارثة بدأت تظهر حين أصبحتَ ترى أن جلوسك على الكرسي هو (مهمة وطنية) وأن استقالتك تعني انتحار البلاد... لقد رأينا تقاسيم الكارثة وملامحها يا سيادة المستشار، وسمعناها أيضاً... فقد سمعنا مواويل الكارثة حين بدأتَ يا سيادة المستشار تدندن للشعب بوعود تقسيم النفط وتوزيع الثروة وتحقيق الديمقراطية وحكم الشعب، وسمعنا زئير الكارثة حين هاجمتَ يا سيادة المستشار الشعب ووصفته بأنه طابورٌ خامسٌ مُندس يُبطن أجنداتٍ خفية ويُنفذ مؤامراتٍ أجنبية، فقط لأن الشعب تظاهر ضد أخطاء مجلسك الفادحة وطالبكم بتصحيح مسار الثورة... الكارثة تسللت إلى وسطنا وأصبحت (منا وفينا) يا سيادة المستشار حين ظن شعبنا بأنك لن تتأثر بالسلطة التي هي (أضر بأهل النسك من صنمٍ).. الكارثة استفحلت حين بدأنا نقول بأنك (راجل بركة)، بأنك طيب، نزيه، صريح، متواضع، بريء، حين عشقناك وتغزلنا بك من قبل أن نعرفك، حين أعلنا نجاحك قبل أن نختبرك.. حين وصفناك يا سيادة المستشار بأنك شيخٌ جليل ووليٌ صالح، وبنينا لك ضريحاً مقدساً وأنت ما تزالُ تجلس فوق عرشٍ من الاغراءات، وجعلنا مدحك عبادةً ونقدك كفراً، حينها يا سيادة المستشار أصبحت الكارثة ديانتنا...
فلا تقلق على البلاد أكثر مما يجب يا سيادة المستشار، ولا تخف من أن تؤدي بنا إلى كارثةٍ برحيلك؛ فلقد وقعت الكارثة يوم رفضت الرحيل...
لقد وقعت الكارثة يا سيادة المستشار، وهي لا تنتظر رحيلك... بل إنها استوطنت بلادنا، وأصبحنا نراها ونسمعها طوال الوقت: فالكارثة يا رئيس أعلى سلطة في بلادنا هي أن تتحدث أنت مع الشعب كما كان يتحدث الطاغية المقبور، وملامح الكارثة كانت واضحة حين بدأتَ أنت أيضاً ترفع رأسك إلى الأعلى حين تتكلم، أعراض الكارثة بدأت تظهر حين أصبحتَ ترى أن جلوسك على الكرسي هو (مهمة وطنية) وأن استقالتك تعني انتحار البلاد... لقد رأينا تقاسيم الكارثة وملامحها يا سيادة المستشار، وسمعناها أيضاً... فقد سمعنا مواويل الكارثة حين بدأتَ يا سيادة المستشار تدندن للشعب بوعود تقسيم النفط وتوزيع الثروة وتحقيق الديمقراطية وحكم الشعب، وسمعنا زئير الكارثة حين هاجمتَ يا سيادة المستشار الشعب ووصفته بأنه طابورٌ خامسٌ مُندس يُبطن أجنداتٍ خفية ويُنفذ مؤامراتٍ أجنبية، فقط لأن الشعب تظاهر ضد أخطاء مجلسك الفادحة وطالبكم بتصحيح مسار الثورة... الكارثة تسللت إلى وسطنا وأصبحت (منا وفينا) يا سيادة المستشار حين ظن شعبنا بأنك لن تتأثر بالسلطة التي هي (أضر بأهل النسك من صنمٍ).. الكارثة استفحلت حين بدأنا نقول بأنك (راجل بركة)، بأنك طيب، نزيه، صريح، متواضع، بريء، حين عشقناك وتغزلنا بك من قبل أن نعرفك، حين أعلنا نجاحك قبل أن نختبرك.. حين وصفناك يا سيادة المستشار بأنك شيخٌ جليل ووليٌ صالح، وبنينا لك ضريحاً مقدساً وأنت ما تزالُ تجلس فوق عرشٍ من الاغراءات، وجعلنا مدحك عبادةً ونقدك كفراً، حينها يا سيادة المستشار أصبحت الكارثة ديانتنا...
فلا تقلق على البلاد أكثر مما يجب يا سيادة المستشار، ولا تخف من أن تؤدي بنا إلى كارثةٍ برحيلك؛ فلقد وقعت الكارثة يوم رفضت الرحيل...
إبراهيم سليمان الشريف
المصدر: ليبيا المستقبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق