"إن انسب الأوقات لتصحيح المسار،
هو لحظة الانحراف عنه"
- رغم إننا على أبواب مرور عام على انطلاق ثورة 17 فبراير، ورغم أيماننا وقناعتنا بأن التغيير لا يحدث بين يوم وليلة، إلا أن المراقب للإحداث فى ليبيا يستطيع أن يُجزم انه إذا ما أستمر الحال على هو عليه الآن فأن هذا التغيير قد لا يأتى على الإطلاق.
- مازلنا نعانى من تمركز أزلام النظام فى أكثر مراكز الدولة حساسية. يشعر المراقب أن الذى حدث فى ليبيا هو انقلاب بعض أتباع القذافى وابنه على البعض الآخر..فكل يوم يخرج علينا أسم جديد، ممن عُرفوا بولائهم للأب أو الابن، بصفته مسئول على هذا الجهاز، أو تلك الأموال، أو هذه المشاريع... تماما كما كان يحدث أيام المشاريع الوهمية التى صار نتيجتها العديد من أصحاب الملايين، أو المليارات.
- مازال المجلس الوطنى الانتقالى المؤقت يُمرر الملايين هنا وهناك، رغم وجود حكومة تُسيّر أمور البلاد.. فها هو الأستاذ على الترهونى يُمرر (3) مليون دولار إلى بعض المستشفيات الأمريكية، متجاوزا بذلك كل القنوات الرسمية، على رأسها السفارة الليبية فى واشنطن. ولا يمكن إلا أن نسأل مرة أخرى: ما هى صفة الأستاذ على الترهونى الرسمية اليوم؟ وبأى حق يتصرف الأستاذ على فى ملايين الليبيين رغم وجود وزير للصحة ورئاسة للوزراء؟
- مازال الأستاذ مصطفى عبد الجليل يُصر على التصرف بصفة شخصية مستخدما تلك الأساليب المعمرية القديمة. فها نحن نرى ونسمع عن هذا المسئول سيء السمعة، أو ذلك اللص المشبوه من عهد الطاغية الذى نُصّب وصيا على مقدرات ليبيا، الخ، ولكن إذا ما حاول أحد الاعتراض أو تغيير أحد هذه الشخصيات يُقال له (هذا من طرف “الحاج”)، أو (هذا “موصى عليه الحاج”). ألم يعلم “الحاج” أننا إنما قمنا بالثورة ضد هذه الصور من الوساطة والفساد؟ وهل يملك الحاج الحق فى تعيين من شاء دون معايير وانظباطات أهمها القدرة والكفاءة والوطنية..وهل للحاج الحق فى تعيين كل المسئولين فى الدولة؟ أم أن هناك عناصر أخرى ينبغى أن تُستشار؟
- يبدو وكأن هناك ازدواج فى شخصية ليبيا. فالذى يزور طرابلس وبنغازى (كمثالين للمنطقتين الغربية والشرقية)، يشعر انه قد زار بلدين، لا مدينتين. ما زال المواطن الليبى خارج طرابلس يعيش مهمشا بالكامل، فالشعب فى بنغازى يعيش حالة غليان واحتقان، والمسئولون فى طرابلس يتعاطون السياسة اليومية وكأن ليبيا هى طرابلس فقط. المعاملات اليومية تختلف من هنا لهناك... وكذلك القانونية والمالية. فرجال الأعمال فى المناطق الشرقية مُلزمون بدفع مبلغ مالى يُعادل 100٪ من قيمة أى اعتماد يُفتح، فى حين يُطالَب رجال الأعمال فى طرابلس والمناطق الغربية بدفع 25٪ فقط من قيمة الاعتماد! فهل هناك قانون للغرب وقانون للشرق؟
- لقد تعود الشعب الليبى أن يسمع من الأستاذ مصطفى عبد الجليل كل أنواع الوعود..لكنه رأى القليل جدا من التطبيق. ويبدو أن الأستاذ مصطفى عبد الجليل يعتقد أنه يملك مفاتيح خزائن ليبيا! فكلما تصاعدت أصوات المعتصمين بالاحتجاجات والانتقادات، خرج عليهم الأستاذ مصطفى عبد الجليل مبشرا بأنه (وليس الحكومة) “سيُعطى” هذا، ويُرقّى ذاك، ويعفو عن هذا، ويلغى ذاك... ولا يملك المراقب أو المستمع إلا أن يشعر “ما أشبه اليوم بالأمس”!! نريد أن نذكّر الأستاذ مصطفى عبد الجليل بأن الشعب الليبى قام بالثورة لكى تُصنع القرارات داخل مؤسسات، وبشكل شفاف من خلال القنوات المؤهلة المسئولة... لا أن يخرج علينا “الحاج” بمنحة هنا، ووعود هناك، اعتقاد منه أن ذلك سيُسكت الأصوات ويُذهب الاحتقان.
- أجهزة الدولة تبدو وكأنها تتحرك وتعيش وتعمل فى عزلة تامة عن المواطن. لا يربط الجهتين رابط. المواطن الليبى لا يعلم على الإطلاق ما يدور فى دهاليز الدولة. فلا متحدث رسمى باسم المجلس الوطنى الانتقالى المؤقت، ولا متحدث رسمى باسم الحكومة، يخرج بشكل دورى ثابت ليشارك المواطن فى ما يدور وراء الكواليس. الشوارع والميادين تأكلها الإشاعات، البشر يتعاطون الأخبار النصف صحيحة، يبلورون الأفكار والانطباعات عن هذا، والأحكام عن ذاك، كل ذلك فى غياب مسئول واحد يحترم حق هذا المواطن الذى دفع أكثر بكثير مما دفعه أغلب أصحاب المناصب... متى يا سادتى نحترم المواطن؟ متى نعطه حقه من الآدمية؟ متى نشعر أن المسئول هو مأجور لدى المواطن، وأن حقبة الاستعباد والاستكراد والتهميش قد ولّت؟
- من هو المسئول عن مراقبة المجرمين المسجونين أمثال سيف القذافى؟ عبد الله السنوسى؟ وغيرهم..ولماذا نرى صور لهذا المجرم سيف فى جلسات ولائم وليس سجن؟ ولماذا نسمع عن أخباره وكأنه فى فندق 5 نجوم؟ لماذا لم تقم الدولة حتى الآن بالمطالبة الحثيثة باسترجاع المجرمين الهاربين أمثال أبناء الطاغية؟ لماذا لم نسمع حتى الآن أى أخبار عن تطور ملف محاكمة هؤلاء المجرمين؟ ماذا حدث لموسى كوسى وأمثاله؟ أم أن هناك اتفاقات قد تمت، ومبالغ تم تداولها، ومن ثم نسمع عن هروب هذا والعفو عن ذاك..
- هذه الثورة قد تم سرقتها.. قد تم الاستيلاء عليها من قبل عناصر معمر وابنه سيف..وبات أصحاب الحق الأصليين يقفون فى الطوابير بالساعات، يمدون أيديهم... يتراكمون فوق بعضهم..فاليوم إشاعة بأن الرواتب قد نزلت، وغدا إشاعة عن توزيع دولارات... فما أشبه اليوم بالأمس! المواطن يلهث وراء كرامته، ومجلسنا الوطنى المؤقت يريد إسكاته برغيف خبز! المواطن يعيش نازحا مثل اللاجئين، يتراكمون الأب والأم والأطفال فى غرفة مؤقتة واحدة، وهذا مسئول واحد يقيم فى “جناح رئاسى” فى أحد فنادق طرابلس بتكلفة 3500 دينار فى الليلة الواحدة!!
- اننى أدعو كل شرفاء ليبيا الذين خرجوا فى الأيام الأولى للثورة... وصمدوا. الذين يؤمنون بأن للإنسان الليبى كرامة وعزة تتجاوز الـ 2000 دولار، والخبز والزيت والطماطم...أولائك الذين ثاروا على الظلم والقهر والفساد.. وقدموا فى سبيل تغيير ذلك الواقع المؤلم كل شيء... أدعوهم جميعا أن يخرجوا يوم 17 فبراير القادم، لا للاحتفال ، فأن الثورة بعد لم تنتهى، ولكن لتصحيح المسار، لاسترجاع حقهم... لاسترجاع هذه الثورة...أدعوهم أن يخرجوا بمنتهى الهدوء والسلمية والمدنية... أن يملئوا الميادين العامة.. أن يرفعوا الشعارات أننا نحن أصحاب الثورة، وألا يهنوا أو يتراجعوا يوم بعد يوم حتى يرضخ هذا المجلس الوطنى الانتقالى المؤقت لمطالبهم... وأن تحتوى مطالبهم على الآتى:
- العزل الفورى لكل العناصر المحسوبة على معمر أو أبنائه، وخاصة فى المجالات المالية والعسكرية والإستراتيجية.
- الشفافية التامة فى إدارة كل شؤون الدولة.
- تقديم تقارير مالية دقيقة عن كل الأموال التى دخلت إلى ليبيا منذ اندلاع الثورة وأوجه صرفها.
- تقديم تقارير الذمم والعُهد المالية لكل أعضاء المجلس الوطنى الانتقالى المؤقت بما فى ذلك المستقيلين والمكتب التنفيذى السابق.
- توقف الأستاذ مصطفى عبد الجليل فورا وبالكامل عن التدخل فى تسيير شؤون البلاد وإعطاء الحكومة المؤقتة فرصة للدفع بالبلاد إلى الأمام دون الازدواجية المقلقة التى يمارسها المجلس وخاصة الأستاذ مصطفى عبد الجليل.
- التزام المجلس الوطنى الانتقالى المؤقت والحكومة المؤقتة بالتواصل المباشر والمستمر مع المواطن الليبى بشكل يحترم ذكائه وكرامته وعزة نفسه.
إلى أن
نلتقى فى عددنا القادم بأذن الله، هذا بعض ما شعرت فى وقتنا هذا انه لابد أن يُقال
إبراهيم
جبريل
29 يناير 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق