الأربعاء، نوفمبر 21، 2012

بقايا الجماهيرية في مؤسسة النفط و هيئة الاستثمار و الاستعداد لكارثة من العيار الثقيل...أحمد المهدي

كلنا يعرف أن مؤسسة النفط وهيئة الاستثمار التي كانت حلقة الوصل بين القذافي والدول الغربية التي كانت تسرق ثروات الشعب الليبي الطبيعية من نفط وغاز. هم من كان يعد الصفقات ويبرم العقود التي تضمن مصالح الدول الغربية وفي نفس الوقت يضمنون بقاء أموال بيع النفط في بنوك تلك الدول لمساعدة استمرار انتعاش اقتصاديات تلك الدول المستهلكة للنفط. تلك الدول التي كانت ولا زالت تستفيد من نفطنا مرتين: مرة بشرائه بأسعار بخس, والثانية بإيداع أموال بيعه في بنوك تلك الدول والاحتفاظ بها هناك لأطول فترة ممكنة لكي تدور عجلة اقتصادهم بأموالنا ونظل نحن ” نمص الليم “. هذا ما يفسر وجود مئات المليارات من الأموال الليبية في بنوك الدول الغربية رغم سوء الوضع الاقتصادي للبلد و حاجته الماسة و المستمرة للأموال و السيولة.


نحن اليوم وعلى بعد حوالي العامين من ثورتنا لا نزال ندور بنفس الدوامة من الفقر والانهيار الاقتصادي في الوقت الذي تصل فيه أسعار النفط لأرقام قياسية تكفي للصرف على ثلاث دول مثل ليبيا!!!. و لكن ورغم أن الأمر يبدو عجيب وغير قابل للفهم, إلا أن السبب واضح وجلي. أكبر خطأ يرتكبه الليبيين اليوم هو اعتقادهم الخاطئ أن ثورتهم نجحت. الطامة الكبرى هي حصر أهداف الثورة في اسقاط القذافي وترك نظامه يعمل من بعده. بل وصل بنا الأمر أن سلمنا أمورنا ومستقبل ثورتنا ودماء شهدائنا لوزير ” عدل ” القذافي الذي كان أحد أهم خمسة اشخاص يحضرون اجتماعات القذافي الأمنية باعترافه هو شخصياً بذلك!!!. لم يعد خافي عن أحد أن كل مصائب ونكبات وفشل حصل ونعاني منه اليوم هو بسبب المجلس الانتقالي ورئيسه. حتى مؤتمر الـ 200 الذي لا ” يصك لا يحك ” يعترف بأن المجلس الانتقالي هو سبب كل ما يعانون من مشاكل بتركة رهيبة من الفساد والمفسدين والعصابات التي شجعها ودعمها المجلس الانتقالي ورئيسه.
الشاهد هو أن فريق المؤسسة وهيئة الاستثمار للسرقات والنهب والرشاوي والصفقات المشبوهة الذي كان يعمل في جماهيرية القذافي هو نفسه اليوم نفس الفريق الذي يتحكم في المصدر الرئيس لرزق الشعب الليبي بعد ثورته. لم يتغير شيء في مؤسسة النفط التي تستمر بأريحية أكبر في غياب القذافي الذي كان سيداً عليهم وهم اليوم يعملون بما يتناسب و مصالح الدول الغربية دون ازعاج أو تدخل من أحد.
أحد أهم الكوارث التي تستعد المؤسسة لتنفيذها هي تمكين فرنسا من سرقة الأموال الليبية المجمدة وتحويل ملكيتها للخزينة الفرنسية. ففرنسا تحاول اليوم من خلال زيارة وزير خارجيتها في اليومين الماضيين ابرام صفقة مع ليبيا من خلال الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية (وهي شركة كانت تابعة للأمن الخارجي في عهد القذافي) لشراء أقدم مصفاة نفط في فرنسا وهي مصفاة خاسرة ومثقلة بالديون التي ادت لإفلاسها. وبالتالي تسعى فرنسا لضرب عصفورين بحجر واحد عن طريق إنقاذها وإنقاذ العاملين ببيعها لليبيا بمبلغ 1.8 مليار دولار وفي نفس الوقت تقوم بتبييض الاموال الليبية المجمدة عن طريق عقد صفقة بيع المصفاة المفلسة أصلاً والمدينة بمليارات الدولارات التي بالطبع ستدفع ضمن بنود الصفقة من الأموال المجمدة. هذه المصفاة التي بلغت خسارتها في الثلاثة السنوات الماضية 2.6 مليار دولار هي مكسب كبير جداً لفرنسا و خسارة كبرى للاقتصاد الليبي. التالي هو توضيح لماذا فرنسا كاسبة و ليبيا خاسرة:
1. المصفاة مفلسة ومدينة بالمليارات وبالتالي لن تجد فرنسا من يشتريها وستضطر لإقفالها.
2. يترتب على إقفال المصفاة تسريح العمال ووقف كل النشاطات الاقتصادية التي تستفيد من عمل المصفاة.
3. ستزداد نسبة البطالة وستخسر الميزانية دخل الضرائب الذي كان سيدخل عليها من مصفاة تعمل بمليارات الدولارات.
و بالتالي فإن شراء ليبيا للمصفاة سيمنع اقفالها وسيحقق لفرنسا التالي:
·  منع تسريح العمال وبالتالي تجنب ارتفاع البطالة.
·  استمرار النشاطات الاقتصادية المرتبطة بوجود المصفاة و بالتالي المساهمة في انعاش الاقتصاد.
·  استمرار عمل المصفاة يعني استمرار جبي ضرائب للحكومة الفرنسية هي في أمسّ الحاجة إليها.
·   تتجنب فرنسا ارجاع الأموال المجمدة لليبيا و تضمن بقاء هذه الأموال تدور في الدورة الاقتصادية الفرنسية.
·   إضافة للمليارات التي ستستولي عليها فرنسا من الأموال الليبية المجمدة من خلال بيع المصفاة, فإن هناك مليارات أخرى ستتم السيطرة عليها من خلال دفع ليبيا للديون المستحقة على المصفاة من الأموال المجمدة.
والآن دعونا ننظر للصفقة من خلال الطرف الليبي وكيف أن شراء المصفاة هو خسارة كبيرة ومحققة والتي اوجزها في النقاط التالية:
1. ستخسر ليبيا مليارات من أموالها المجمدة في صفقة لا تخدم المرحلة ولن تكون رابحة حتى بعد عشرات السنين لتكلفتها الباهظة جداً.
2. ستصرف ليبيا مليارات من ميزانيتها دون أن يكون هناك أي مردود على السوق المحلية كون المصفاة موجودة في فرنسا وليس على الأراضي الليبية للأسباب التالية:
o   لن تساهم صفقة المصفاة في خلق فرص عمل للسوق الليبي الذي هو في أمس الحاجة لمشاريع كبيرة كالمصفاة لتخفيف نسبة البطالة خاصة في شرق ليبيا حيث معظم موانئ و حقول الانتاج التي تحتاجها المصفاة.
o  وجود المصفاة في فرنسا لن يخلق أعمال اقتصادية جانبية مرتبطة بوجود المصفاة و بالتالي ستكون هذه ضربة للقطاع الخاص الذي ينتظر مشاريع نوعية تحرك عجلة الاقتصاد.
o  بدل أن تستفيد الخزينة الليبية من ضرائب مشروع ضخم كالمصفاة, فإن من سيأخذ الضرائب هو الجانب الفرنسي كون المصفاة على أراضيه و تعمل ضمن السوق المحلية الفرنسية.
ببساطة وبدون كثير عناء وجهد سيكتشف كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن هذه صفقة فاسدة وهي فقط لخدمة أجندات الدول الغربية ويستفيد منها من أبرمها بنيله الرشى والعملات مقابل إبرام هذه الصفقة. ولهذا فإن المؤسسة الوطنية للنفط ستعقد مؤتمر علمي وهمي في بنغازي للترويج للصفقة ومحاولة إلباس الصفقة الصبغة الأكاديمية الفنية وبالتالي لا تلقى معارضة في أوساط المهتمين بقطاع النفط والاستثمار الخارجي.
ولتنوير القراء الكرام بحقيقة ما يجري فالتالي هو بعض الروابط الإلكترونية من مصادر محايدة تظهر حقيقة المصفاة المفلسة وسعي فرنسا لبيعها لليبيا من خلال الفساد والفاسدين المنتشرين في مؤسسة النفط و هيئة الاستثمار الخارجي.
أنني ومن خلال هذا المقال أسعى لجعل الشعب الليبي يدرك كم هو مغيب عن كل ما يدور بخصوص لقمة عيشه ورزقه. تعتيم رهيب وغموض في حقيقة كل ما يخص النفط والاستثمارات. أنني أدعوا لخروج مظاهرات في بنغازي حيث سينعقد مؤتمر المؤسسة للترويج للصفقة خاصة وفي ليبيا عموماً لوقف هذه المهزلة التي تزيد من بؤسهم الاقتصادي. يجب أن نطالب بالآتي:
1.  وقف هذه الصفقة ومنعها نهائياً.
2. تطهير مؤسسة النفط و كذلك هيئة الاستثمار من كل بقايا نظام الجماهيرية.
3. فرض نظام شفافية صارم يتيح للصغير قبل الكبير التعرف على كل تفاصيل أي صفقات اقتصادية وكذلك عن كل دولار يتم دخوله أو خروجه من البلد.
يا شرفاء ليبيا إن لم تتحركوا بسرعة ونكتفي بالفرجة والحوقلة وننتظر من يأخذ بزمام المبادرة, فإننا لن نفيق إلا ويكون الآوان قد فات وتحولت القطط السمان إلى وحوش كاسرة تشتري بأموالنا ضعفاء النفوس منا لنضرب بعضننا بعضاً ويستمر مسلسل نزف المال الليبي وتستمر جماهيرية القذافي الملونة بعد عقود من سيادة اللون الواحد.
 
الكاتب أحمد المهدى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق