الأربعاء، يونيو 05، 2013

تناقضات.... الهادي بوحمره

لا أحد مهما كانت نواياه يمكن أن يعترض بشكل صريح ومباشر على كون الهدف في المرحلة الانتقالية هو بناء دولة تقوم على المساواة والحرية والعدالة وتضمن التداول السلمي للسلطة في إطار احترام المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية. إلا أن إثبات حقيقة الاقتناع بذلك تظهر من خلال التصدي للمسائل التطبيقية. حيث أن فحص الأمر وتتبع المواقف منها  يمكن ان يقدم لنا قرائن على ما يسعى اليه البعض من وراء ستار وهو ما يمكن لنا رفعه عنهم بتتبع تناقضات الخطاب لديهم. ومن السهل تقديم أمثلة لهؤلاء الذين يفسدون الواقع ويحرمون الليبيين من السير في طريق دولة الحق والقانون.

فهم من ينادون ببناء دولة على أساس من الحق والقانون يكون فيها كافة المواطنين على قدم المساواة في الحقوق والواجبات ويدعون في نفس الوقت إلي مزايا لبعض الفئات ويصل بهم الأمر لتمييز مدن عن مدن أو فئة على فئة. وهم من يقولون بدولة ديمقراطية تقوم على التداول السلمي للسلطة يكون الحكم فيها لمن يختاره الشعب عبر صناديق الاقتراع ويحملون السلاح لاكراه من اختاره الشعب على تنفيذ برامج أو تبني قوانين ويصفون الشعب نفسه بالمغفل أو الأحمق أو الساذج لأنه اختار مثل هؤلاء النواب. وهم من يبنون خطابهم على أن ليبيا للجميع ويقدمون في نفس الوقت الإدانة على البراءة.
ومن هؤلاء من يتلون قوله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى) ولا ينزلون هذه الآية الكريمة على وقائع التهجير والنزوح داخل الوطن وخارجه، ويذهبون عكس ذلك تماما بالتجرؤ على لوم الضحايا بمن فيهم الأطفال والعجائز.
وهم من يستدلون من على المنابر أو من على مقاعدهم البرلمانية أو في خطاباتهم الدينية أو السياسية  بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)  ويحاولون-في نفس الوقت- تبرير كافة أصناف الهمجية ويغضون الطرف في المساجد أو يعرقلون في مكان صناعة القوانين صدور قوانين تقوم على هذا الأساس فبالكاد نسمع في خطب الجمعة عن التعذيب والإخفاء القسرى وسلب الممتلكات العامة والخاصة ممن يحملون السلاح اليوم في بلادي وبالكاد استطاع المؤتمر الوطني العام أن يمرر قانون تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز حيث لم ينل هذا القانون إلا واحد وثمانين صوتا مقابل التصويت بالإجماع على قانون العزل السياسي الذي احتاج لإعادة النظر في قواعد العدالة والمساواة محاولة لحمايته من الإلغاء عن طريق الطعن بعدم الدستورية وهي محاولة لا يمكن أن تنتج أثرا قانونيا لأنها تعطل قواعد مستقرة في الضمير الإنساني وتخالف أسس التغيير في ليبيا المتضمنة في الإعلان الدستوري وتسمح بسلطة مطلقة للسلطة التشريعية ما يجعله نصا معطلا للإعلان الدستوري وهو ما لا يجوز لسلطة أو جدها الإعلان الدستوري نفسه.
وهم الذين لا يجدون حرجا في عرقلة قانون العدالة الانتقالية لكونه يتناول جميع الجرائم دون تمييز بين المجرمين ويسعى لتعويض الضحايا بمقدار ما أصابهم من ضرر ويهدف لكشف حقائق كافة الانتهاكات والمنازعات المسلحة في ليبيا ويطالبون بحصره في مرحلة النظام السابق وتفادى البحث فيما حدث من انتهاكات في المرحلة الانتقالية استنادا على حجج أقل ما يمكن ان يقال عنها أنها تدعو إلي التمييز بين المجرمين والضحايا بحسب انتماءاتهم السياسية أو الجهوية أو القبلية.
وهم من ينادون بليبيا دولة واحدة حرة ذات سيادة و في نفس الوقت لا يجدون حرجا في الاتصال بالأجنبي والحصول منه على  المال والسلاح من خلف ظهر الحكومة والمؤتمر الوطني أو بدون وضع أي اعتبار لهما. ويتمسكون بدويلات  داخل الدولة.
وهم من يدفعون في مواجهة المجتمع الدولي عامة والمحكمة الجنائية الدولية خاصة بأن القضاء الليبي قضاء نزيه ومستقل ومحايد ولديه القدرة على محاكمة كافة المجرمين والنظر في كافة القضايا مهما كانت جسامتها وتعقيداتها وصفة أو انتماء المتهمين فيها، وعندما ينقلبون إلي الداخل يصفون القضاء والقضاة بالفساد وبضعف النزاهة والكفاءة ويطالبون بضرورة تطهيره من الفاسدين، وبأنه لا يمكن أن تقوم الدولة إلا بالمرور بهذه الخطوة الضرورية المتمثلة في تنقية كافة الهيئات القضائية.
وهم بذلك أما أنه لا تعنيهم توفير محاكمات عادلة، حيث إن الأهم لديهم هو إجراء المحاكمات على أرض ليبيا ومن قبل القضاء الليبي ولو كانت محاكمات صورية،  وأما أن مثل هذا القضاء يناسبهم لأنهم يستطيعون التأثير عليه ولا يمكن أن يطال المتنفذين منهم المتورطون في جرائم خطيرة قد تصل الي مصاف الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب أو أنهم يدفعون بهذا القول بغير قناعة منهم وإنما  لإرضاء لسلطة الواقع.
فما تحتاجه ليبيا اليوم هو التخلص من الفاسدين في الماضي وفي الحاضر، ويجب أن يدرك الليبيون أنه ليس كل من وقف ضد النظام السابق أو استطاع ان يظهر نفسه أنه كذلك  صالحا لأن يساهم بإيجابية في بناء ليبيا الجديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق