الأحد، نوفمبر 07، 2010

تقرير وفد الجمعية الوطنية التأسيسية الليبية عن زيارته للقاهرة


الجلسة العاشرة للجمعية الوطنية التأسيسية الليبية يوم 12/2/1951‏

حضرات أعضاء الجمعية التأسيسية الموقرين:‏
يتشرف وفد جمعيتكم المحترمة الذي زار القاهرة أخيراً أن يتقدم إلى حضراتكم بتقريره التالي على نشاطه الذي بذله ‏لدى وفود الدول العربية ولدى الحكومة المصرية حول القضية الليبية.‏
بناء على قرار الجمعية المتخذ يوم 17 يناير 1951 قد سافر الوفد إلى القاهرة يوم 22/1/1951 للاتصال بوفود الدول ‏العربية والمشتغلين بالقضايا العربية ليوضح لهم التطورات الدستورية التي تمت في ليبيا وفقاً لقرار هيئة الأمم ‏المتحدة ولرغبة الشعب وإجماعه وليحذرهم من سوء عاقبة الطريق الذي رسمته الدول العربية في الدورة الأخيرة ‏لهيئة الأمم بالنسبة للقضية الليبية.‏
وقد وصل الوفد العاصمة المصرية وهو عالم ومقدر الصعوبات والعراقيل والظروف المعاكسة التي ستحيط به في بلد ‏تصر حكومتها على مناوأة الجمعية ويعظم فيها نفوذ أمين الجامعة العربية وهو أكبر عائق في وجه أعمال الجمعية.
‏وقد كان في استقبال الوفد بالمطار مندوب عن وزارة الخارجية وهيئة تحرير ليبيا ومحمد بك سلطان والطلبة الليبيين ‏الذين يتلقون العلم في المعاهد المصرية. وقد دعا عبد الله باشا لملوم الوفد لتناول طعام العشاء على مائدته في نفس ‏المساء. وفي صباح اليوم التالي ذهب الوفد وبصحبته عبد الله باشا لملوم إلى سراي عابدين حيث سجل الأعضاء ‏أسماءهم في سجل التشريفات ثم توجه بعد ذلك إلى وزارة الخارجية المصرية حيث قابله وزير الخارجية معالي محمد ‏صلاح الدين باشا. وعندما طلب الوفد من معاليه تعيين وقت للبحث طلب منه أن يبحث فوراً في المسألة الليبية فشرح ‏له الوفد بإيجاز الطريقة التي قامت على أساسها الجمعية التأسيسية واشتراك كل من كامل سليم بك والسيد عبدالرحيم ‏خان والسيد مصطفى ميزران والسيد بشير بك السعداوي في وضع أسس هذه الجمعية التي يطعنون اليوم في ‏مشروعيتها.
وقال الوزير إنه سيستمع وسيسمع فإذا كان خاطئاً رجع وإذا كان الوفد على خطأ فليرجع، ثم شرع ‏يتحدث حديثاً عاطفياً عن نوايا مصر والدول العربية وعن الخطر الذي يتهدد البلاد من جراء قيام الاتحادية وفتح ‏الطريق للنفوذ الأجنبي كما أشار إلى أن الجمعية بوضعها الحالي ستكون دوماً محل طعن وانتقاد لأن حقوق الأغلبية ‏فيها مهضومة. وأضاف أنه من الغريب أن تطالب الدول العربية بالكمال لليبيا وبتحريرها بتاتاً من ربقة الاستعمار في ‏حين يوجد من يود أن يتبع طريقاً لا يؤدي هذه الغاية.
وهنا واجه أعضاء الوفد معاليه بالحجج وبالمنطق وشرحوا له ‏أهداف الجمعية التأسيسية وقراراتها وعزمها على تشكيل حكومة مركزية تتركز فيها وزارة الخارجية والمعارف ‏والدفاع والمواصلات والمالية وشئون القضاء وتشكيل مجلس نيابي نسبي ومجلس شيوخ بالتساوي وأن مسألة ‏العلاقات الخارجية ستكون بيد وزير الخارجية بالحكومة المركزية وهذا لا يغير من صلاحياته في شيء سواء كانت ‏الحكومة اتحادية أو موحدة لأن الإدارة المحلية لن تكون لها أية علاقة بالشئون الخارجية، ثم شرح لمعاليه أسباب ‏المطالبة بالاتحادية ودواعيه.
وبعد أن أتم الوفد توضيحاته وقف وزير الخارجية وقال إن هذا القسم من أهدافكم كنت أجهله ومادامت هذه هي ‏أهداف جمعيتكم فإني لا أعارض. وقد استغرقت المحادثة ساعة ونصف الساعة، ثم أجل البحث في مسألة عرض ‏دستور الجمعية على المجلس النيابي المنتخب إلى جلسة أخرى، وتقاطر في نفس اليوم الصحافيون ومراسلو وكالات ‏الأنباء فوضح لهم القضية توضيحاً تاماً.
وفي يوم 23 زار الوفد سمير باشا الرفاعي وشرح له وجهة نظره فوعد أنه ‏سيبذل جهده لنصرة وجهة نظر الوفد أما نوري باشا السعيد الذي قابله الوفد في نفس اليوم فقال: الله يعلم بكل شيء ‏وغير خاف عليه شيء وأنه يشكو كل الشكوى من عزام باشا وتصرفاته وأغراضه، وقال سيروا في أعمالكم ولا ‏تكترثوا ولا تترددوا فإن قضيتكم ناجحة بإذن الله.
وفي 24 واصل الوفد مباحثاته مع وزير الخارجية المصرية ‏وانصب أغلب البحث حول ضرورة عرض الدستور الذي تضعه الجمعية الوطنية على المجلس النيابي المنتخب وقد ‏دافع الوفد عن وجهة نظر الجمعية بهذا الخصوص بحجج منطقية معقولة مشروعة فهي أن عرض الدستور على ‏برلمان نسبي معناه إلغاء الاتفاق الذي اجتمعت على أساسه المناطق الثلاث للاتحاد ولوضع الدستور وقد بدأ الاقتناع ‏على الوزير بيد أنه قال إن مصر ستحتفظ بوجهة نظرها في هذا الخصوص ريثما ترى سير الحوادث.
ثم قابل الوفد ‏رفعة النحاس باشا وقد رحب به ترحيباً حاراً وعندما بحث معه موضوع القضية الليبية وعد خيراً وقال إنه سيتحدث ‏مع صلاح الدين بك في هذا الخصوص.
وزار بعد ذلك الوفد عزام باشا لأول مرة ولم يبحث معه في شيء وإنما ‏استمع إلى توكيداته عن نواياه الطيبة نحو ليبيا.
وفي مساء نفس اليوم قابل الوفد رياض بك الصلح وشرح له الحال فما ‏كان منه إلا أن أبدى استغراب تبدل بشير بك السعداوي، وقال إنه كان دائماً يحاول إقناعه بأن الفدرالية خير حل ‏لقضية ليبيا ووعد أن يثير المسألة أمام اللجنة السياسية وأن نقاشاً حاداً طويلاً قد دار وأن بعض الوفود عارض تدخل ‏الجامعة أو أية دولة عربية في مسائل ليبيا الداخلية، وتمسكت مصر بوجهة نظرها ثم انتهى البحث باتخاذ قرار مائع ‏يفوض مصر في متابعة القضية الليبية لتنفيذ قرار هيئة الأمم المتحدة في الميعاد المحدد وذلك لأن مصر مشتركة في ‏المجلس الدولي لليبيا.
وهذا القرار ضد فكرة عزام باشا الذي لا يريد أن يتقيد بالميعاد ولا يرى مانعاً في مد الأجل ‏المضروب لاستقلال البلاد ولكن عزام باشا أدلى بتصريحات للصحف تجافي حقيقة قرار اللجنة، فأرسل الوفد برقية ‏احتجاج واستنكار إلى رؤساء الوفود العربية لاتخاذهم هذا القرار قبل الاجتماع بالوفد واستلام مذكرته، وفي نفس ‏اليوم انتهى الوفد من وضع مذكرته وسلمها إلى أعضاء اللجنة السياسية في وقت اجتماعهم.
وفي يوم 28 اجتمع الوفد ‏بأعضاء اللجنة السياسية وقام بعرض وجهة نظره عرضاً وافياً وقد ناقشه كل من ناظم القدسي بك والأمير فيصل ‏وصلاح الدين بك في بعض المسائل المتعلقة بالاتحادية وبالدستور، وقد رد عليهم رداً مقنعاً ودامت الجلسة ساعتين ‏وبدا الإقناع على الجميع باستثناء صلاح الدين بك الذي تمسك بتحفظه وفي مساء أول فبراير دعا وزير الخارجية ‏أعضاء الوفد إلى حفلة عشاء بوفود العرب وكانت فرصة سانحة اتصل فيها الوفد بكبار رجالات العرب أمثال السيد ‏أمين الحسيني والأمير عبدالكريم ومحمد علي علوبه باشا وحسين حسن باشا وغيرهم، أما عزام باشا فقد دعا الوفد ‏بداره مساء 2 فبراير وقد أخذ عزام باشا يستعرض تاريخه وأعماله في ليبيا ويقول إنه لم يقصر في مساعدة أي ‏طرابلسي أو برقاوي وتأسف للحملات التي توجه إليه من ليبيا، واعترف بتصريحاته في إيطاليا وقال إنه من الخير ‏كسب إيطاليا والفاتيكان لكي تكون الدول اللاتينية في صف العرب، ثم اعترف أنه أشار على الطرابلسيين عام 1940 ‏بعدم الاشتراك في الجيش السنوسي لأنه كان مقتنعاً بأن المحور سيفوز، وقد دام النقاش حوالي أربع ساعات كان ‏خلالها عزام يناقض أقواله ببعضها ولا يركز معارضة في منطقة معينة واحدة، وأخيراً قال إنه إذا رغب الوفد فهو ‏سيعلن على الصحف أنه لن يتدخل بعد في قضية ليبيا.‏
أما في ميدان الصحافة فقد كان نشاط الوفد عظيماً شاملاً فقد وجد نفسه في أول الأمر أمام جبهة عدائية كونتها جميع ‏الصحف المصرية ولكن استطاع بفضل الاتصالات والمناقشات ومحاولات الإقناع أن يجعل الصحف تقف موقف ‏المحايد وتنشر وجهة نظر الوفد، وبالرغم من الأوامر المشددة للصحف كي يتجاهلوا الوفد ونشاطه فقد كانت جميع ‏الصحف المصرية والأجنبية ووكالات الأنباء تتبع نشاط الوفد وكانت حافلة بأخباره ومحادثاته وتنقلاته وتصريحاته ‏الأمر الذي جعل الرأي العام المصري يطلع على خفايا القضية الليبية ويدرك أن الحكومة المصرية وأمانة الجامعة لا ‏تقصدان مصلحة ليبيا من موقفهما هذا.
وقد بلغ الأمر بجريدة الجمهور المصري أن نشرت في عددها الصادر يوم 5 ‏فبراير مقالاً عن تناقض سياسة مصر في ليبيا وعن إلحاحها في اشتراك الإيطاليين في البرلمان الليبي، وقد أمرت ‏الحكومة بمصادرتها وإحالتها إلى النيابة.
وخلاصة القول فإن جهود الوفد قد كللت بالنجاح التام وقد أفهم صراحة أن ‏سير الجمعية التأسيسية لن يعرقل من قبل أحد وأن شئون ليبيا الداخلية من حق أهلها، ولكن مصر التي وقفت موقفاً ‏معيناً في هيئة الأمم قبل شهرين لا يسعها اليوم أن تتراجع رسمياً عن موقفها وإنما هي تتحفظ بوجهة نظرها فقط، كما ‏أن النجاح كان باهراً كبيراً في تحطيم ا لأسطورة التي نسجها عزام باشا حوله في كل ما يتعلق بليبيا فقد استطاع ‏الشعب المصري والحكومة المصرية والوفود العربية أن يدركوا تماماً أن عزام باشا رجل مغرض بقضية ليبيا وأهلها ‏وأن تدخله في القضية غير مرغوب فيه لأنه قائم على غايات خاصة وأغراض شخصية، أما بشير بك السعداوي فقد ‏تضاءل نفوذه في مصر ولدى وفود العرب وقد حطمت الوثائق التي نشرت البقية الباقية إذ أنها كشفت النقاب عن ‏أغراضه وعن مواقفه المتناقضة.
هذا وقد زار الوفد سفير الباكستان وناظم القدسي بك وغيرهم من المهتمين بالقضية، ‏وقد أكد له سفير الباكستان أنه لم يوافق إلا مرغماً على موقف مندوب الباكستان الأخير في المجلس الاستشاري وذلك ‏لأن أعضاء هيئة تحرير ليبيا قابلوه وطلبوا منه باسم الشعب أن تقف الباكستان هذا الموقف ووعد أن يكتب إلى وزير ‏الخارجية في هذا الخصوص كي يتحول مندوبهم في طرابلس عن موقفه هذا. وقد أصدر الوفد بياناً قبل مغادرته ‏القاهرة يوجد في الكراسة الموزعة على حضرات الأعضاء كما زار قبل سفره سفارة الولايات المتحدة وفرنسا ‏وإنجلترا والأمانة العامة للجامعة العربية وأرسل برقية شكر لجلالة الملك فاروق وأخرى لوزير الخارجية المصرية.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق