الاثنين، نوفمبر 29، 2010

جدلية العروبة والإسلام


قديماً قالت العرب، الفرق بين العبقرية والجنون شعرة، وأنا أقول: إن الفرق بين الخطأ والصواب شعرة، حيث بالإمكان جعل الأفكار متطابقة وليست متناقضة أو متعارضة بقليل من الحكمة وحسن التأتي عندما نريد بحث موضوع معين. هذا ما يجعلني أبحث عنوان هذه المقالة على طريقة شعرة معاوية التي لا مصلحة فـي قطعها طالما أمكن وصلها، فالواقع والنص يجعل ذلك ممكناً إذا بحثنا الموضوع بطريقة رشيدة وأسلوب حكيم من خلال الحقائق التالية:
¯    الإسلام دين سماوي نزل على محمد e العربي القرشي لحل مشاكل الإنسان بوصفه العقلاني والغرائزي، أي هو دين إنساني لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.
¯    وصف الله سبحانه وتعالى الناس جميعاً بأنهم شعوباً وقبائل، والشعب أرقى من القبيلة، لأن أي شعب من الشعوب هو مجموعة قبائل، فالقبائل يجمعها الأصل والنسب والقربى، بينما الشعب تجمعه المصالح والحياة المشتركة. فالعرب قبل رسالة الإسلام كانت مجموعة قبائل بمواصفات خاصة من حيث النسب والخلق، هـذه القبائل متناحرة يجمعها الإشراك بالله وتفرقها المصالح، وتسود فيها سجايا حميدة تؤهلها للقيادة والعز والسؤدد ورذائل تجعلها في الأسفلين.
¯    اختار الله العرب واختار قريشاً من العرب ليكون الرسول النبي e منهم، نظراً لمواصفات راقية في هذا الشعب أهلته لقيادة العالم، وكثيراً ما امتدح الرسول e العرب كمعدن وأصل وامتدح قريشاً بشكل خاص، وأثنى على بني هاشم على وجه الخصوص، قوله: ~أنا سيد ولد آدم ولا فخر}، قوله: ~الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم فـي الإسلام إذا فقهوا}، قوله: ~ أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب }، قوله: ~ أنا عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي}.
¯    الأمة أرقى من القوم والقبيلة والشعب، لأن الأمة تجمعها العقيدة والفكر، كما هو حال الأمة الأمريكية والأمة الصينية والأمة الإسلامية، فالأمة مجموعة من الشعوب وحَّدها فكر (ايديولوجي)، آمنت به قيماً وأسلوب حياة.
¯    التكليف في الإسلام للانسان بغض النظر عن الجنس والعرق ذكر أكان أم أنثى، ولا يوجد في كتاب الله ولا سنة رسوله خطاباً تكليفياً للعرب أو العجم أو لأي شعب من الشعوب، دائماً الخطاب يبدأ (يا أيها اللذين آمنوا.. يا أيهـا الناس). فالنبي e عربي والرسالة عالمية، والعرب كشعب هم الذين حملوا رسالة الإسلام ابتداءاً وضحوا من أجلها في الداخل والخارج، وفتحوا البلاد ودانت لهم العباد، وقادوا أمة الإسلام بكل شعوبها وأجناسها ولغاتها إلـى بوتقة الإسلام التي انصهرت فيها شعوب البلاد المفتوحة حيث امتزجت فيها الطاقة العربية بالطاقة الإسلامية، وأسلمت قيادتها إلى العرب كونهم مهد الإسلام الأصلي وقادته المؤسسون، وطاعةً للرسول عليه الصلاة والسلام قوله: (الخليفة من قريش) مع خلاف بين الفقهاء حول هذا الموضوع كونه على سبيل الوجوب أو الندب أو الأفضلية مع استيفاء شروط الانعقاد.
¯    مع ابتداء الفتوحات الإسلامية في بلاد الروم وفارس وما جاورهم من بلدان العالم، حيث أصبح الدين الإسلامي هو دين البلاد المفتوحة واعتنقته الشعوب عن حرية واقتناع، وامتزجت الطاقة الإسلامية كأفكار ومبادئ بالطاقة العربية كلغة وأصالة، بطاقات أهل البلاد المفتوحة بما فيها من علوم ومدنية أثرت الحضارة الإسلامية العالمية. فبرزت إمكانية أهل البلاد المفتوحة في كافة مجالات العلوم الدينية والسياسية والعسكرية، فظهر منهم العلماء والمفكرون والقادة العسكريون والأدباء والشعراء.
¯    استمر العرب بحكم الشرع والواقع يقودون الأمة الإسلامية بمختلف شعوبها من مدريد إلى بنغلاديش (بلاد ما وراء النهر) كل العهد الأموي وحتى خلافة المأمون في العهد العباسي، والأمة بكل شعوبها راضية بقيادتهم حتى ظهرت الرايات الشعوبية الفارسية في فتنة الأمين والمأمون، من هنا بدأ الضعف في القيادات العربية للأمة الإسلامية عندما اعتلى سدة الخلافة قيادات مهجَّنة سيطر عليها الشعوبيون الفرس، ولم تنتهي هذه المرحلة إلا بسقوط بغداد على يد المغول ونصائح ابن العلقمي.
¯    أثبت التاريخ منذ بعثة الرسول e أنه لم ينازع العرب أي شعب من الشعوب التي اعتنقت   الإسلام القيادة إلا في حالة ضعف القيادات العربية وتخليها عن مسؤوليتها في حماية الدولة والدين. حيث التاريخ الإسلامي شاهد على ذلك، سواء أكانت موجة السلاجقة أم الأيوبيون أم المماليك أم الترك والمغول، جميع هذه الشعوب تصدت للغزو الخارجي الذي حاول القضاء على الإسلام والمسلمين بما فيهم العرب باعتبارهم معدن الإسلام. ولولا أن سخر الله سبحانه وتعالى هذه القيادات غير العربية لم يبق عرب ولا مسلمون بل أنهتهم الحروب المغولية والصليبية.
¯    بسقوط غرناطة عام 1492 رداً على سقوط القسطنطينية عام 1453 استطاع العثمانيون المسلمون رد الزحف الاسباني البرتغالي الصليبي على الجزيرة العربية عام 1516 بإنزالهم البحري الذي استهدف مدينة جدة لهدم الكعبة وفي منطقة بدر لاستخراج جثة الرسول e من مسجده في المدينة، عندما وجه حاكم مكة الشريف بركات نداء إلى السلطان سليم، قائلاً له: ~ الغوث الغوث والعون العون..} [1] وهذا ما جعل السلطان سليم يرسل جيوشه إلى الجزيرة العربية ماراً إجبارياً ببلاد الشام لطرد الأسبان والبرتغاليين وقدم الشريف بركات للسلطان سليم، بردة وعصا الرسول e مبايعاً بالخلافة لمن حمى الإسلام من سيطرة الصليبين علـى بلاد المسلمين. وأصبحت الدولـة العثمانية دولة الخلافة التي حافظت على العرب والمسلمين لقرون ضد الغزو الصليبي الأوربي، وللعلم اسـتمرت الدولة العثمانية قرنين تحارب مـن أدرنة وبورصة الغرب الصليبي ولم تتجه باتجاه المنطقة العربية إلا بعد طلب مباشر من حكام الحجاز.
¯    ولما ضعفت الدولة العثمانية التي حكمت العالم الإسلامي من طنجة إلى دلهي في الهند، وكانت القوة الأولى في العالم ظهرت قوة الغرب واتحد العالم المسيحي بالكامل ضدها (روسيا/أرثوذكس ـ بريطانيا/بروتستانت ـ فرنسا/كاثوليك) من أجل أخذ مخلفات (الرجل المريض) الخلافة الإسلامية العثمانية. بدء الغرب متحداً لإثارة النعرات المذهبية والطائفية والعرقية لتفكيك دولة الخلافة العثمانية بدأ من دعم ما سُمي بالحركات التحررية فـي بلاد البلقان ، ومن ثم إثارة النعرات القومية والمذهبية في الدولة الإسلامية بين العرب والترك والكرد والأمازيغ وغيرهم من مكونات الشعوب التي وحدها الإسلام تحت شـعار {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات، ودأبت الاستخبارات الغربية علـى دعم الأقليات في بلاد المسلمين من أجل تفكيك الدولة ووراثتها في معاهدة سايكس بيكو، حيث ساهم العرب بقيادة الشريف حسين وبتخطيط من الانجليز علـى تفكيك دولتهم وأدخلوا ولده فيصل ليكون ملكاً على سوريا وأقطعوا ولديه الآخرين العراق وشرق الأردن، من أجل وعود كاذبة قطعها لورنس ونكلت بها بريطانيا، أوصلت البلاد العربية إلى الاستعمار المباشر من قبل البريطانيين والفرنسيين، حيث هم نفسهم كانوا وراء الأتراك (الطورانيون) الماسون ويهود سالونيك أمثال، جاويد وطلعت وأنور ومدحت وجمال السفاح اللذين هدموا الدولة من الداخل، وفككوها إرضاء لأسيادهم الغربيين، وباعوا البلاد العربية بدون مزاد علني ليحافظوا على دويلة تركية قومية طورانية يعمل شعبها عمال قمامة في برلين وفرانكفورت ويتوسل الاتحاد الأوربي ليكون عضواً من الدرجة الثانية بعد أن كانت أوربا تستجدي الدولة العثمانية.
¯    إن ما أريد أن أقوله في هذه العجالة، أن الإسلام دين إنساني كرّم الإنسان بوصفه إنساناً بغض النظر عن الدين والعرق والجنس... لكنه وضع العرب كشعب على قيادة المسلمين بحكم الواقع باعتبار القرآن عربي ولغة الدولة هي اللغة العربية، حيث لا يفهم هذا الدين فهماً صحيحاً إلا بها، ولقد دانت شعوب الدولة الإسلامية في كل وقت وزمان ومكان للقيادات العربية ما داموا أهلاً لذلك، باعتبار تفضيل الشرع لقيادتهم وتأكيد الواقع على ذلك. وكما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة عند الخلاف بين المهاجرين والأنصار على البيعة قوله: ~إن العرب كالجمل الآنف لا يخضع إلا لهذا الحي من قريش} ، فإن أبا بكر لم يلجأ إلى دليل شرعي ليبرر فيه ويؤكد على قيادة العرب ماداموا أهلاً، بل بحث بالناحية الواقعية وهي: المفترض أن الحكام من العرب وأن قريش ذؤابة العرب وعصبتهم ومنها نبيهم ونزل القرآن على لهجتهم، وأن لهم الأفضلية ماداموا أهلاً لذلك شرعاً وواقعاً، حيث لا يمكن في ذلك الوقت أن يقود المسلمين بلالاً أو صهيب الرومي أو سلمان الفارسي رضي الله عنهم، مع مكانتهم العظيمة وخدماتهم الجليلة للإسلام والمسلمين، لأن الحكم لابد له من قواعد وأسس فكرية وعصبية يستطيع الحاكم بواسطتها ودعمها تصريف أمور البلاد وسياسة الرعية.

وأختم مقالي بالقول المأثور: (إذا عز العرب عز الإسلام) فلماذا هذا الاختلاف؟

د. منير الشواف



[1] كتاب الخلافة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ـ د. عبد العزيز الشناوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق