الإسلام مستباح، الكل ينهش، مما يليه، ومما
طاب له، من الإسلام. اختزل البعض الإسلام في قنبلة، تقتل من تقتل، من آل بني آدم،
بناء على فتوى، ولدت مشوهة، ثم ماتت دون أن تبكي عليها الأرض، ودون أن تبكي عليها السماء.
ماتت لكنها ظلت، عند البعض، أكثر من مقدسة، لا
يجوز حتى الهمس أو الغمز أو اللمز حولها.
في فقه البعض، لا يجوز المساس بفتوى الدمار
والقتل والتدمير، أما النفس، التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فآية من آيات التنزيل،
فيها، عند نفس البعض، ألف قول، وقول أخر. بل ضُرب بحفظ النفس، طول وعرض وارتفاع حائط
الزمان والتاريخ والمكان.
البعض حول رسالة الإسلام إلى معول هدم، إلى
مطرقة، إلى "ماصة"، إلى "قادومة"، انزلها الله سبحانه وتعالى
لتحطم، وتحطم فقط، وعندما تنتهي من التحطيم، تواصل تحطيمها لكل شيء أخر. المهزومون
حولوا الإسلام، في غفلة من كل شيء، إلى آلة تحطيم.
في غفلة من البلاد والتاريخ والعباد، في
غفلة من الإنسانية، في غفلة من التكريم، الذي وهبه الله سبحانه وتعالى لبني آدم،
"ولقد كرمنا بني آدم..."، في غفلة من كل شيء، اختزل البعض الإسلام في قبر،
ودموع، ويتامى، وكفن، وأرامل، وثكالى، وجوع، ومنة، وحاجة، وفقر، وقحط، ونسف،
وتفجير، وتخويف، ومعاناة، ومسكنة، ووعيد، وتكشير، وحروب، وأحزان، ومآسي، وانتحار،
وكد، ونكد، وفاقة. المهزومون اختزلوا الإسلام في الذبح والهدم والدم. اختزلوه في عزرائيل.
البعض حول الإسلام إلى طاحونة تحريم،
تحرم، ثم تجتر التحريم، ثم تحرم، ثم تجتر التحريم، فنصيب الدنيا، الذي شرعه قيوم
السموات والأرض حرام، والهمس حرام، ومقارعة الظلم حرام، والخروج على مجرم، ظالم
فاسق قاتل، زير نساء، فاسد، جاثم على قلوب وأفئدة وعقول البشر، حرام. مجرم جاثم على قلوب العباد، بكم هائل من العقد
والحقد والتعقيد والحسد. ارعن مصاب بمركب نقص يتضخم منذ ولادته، أحمق مصاب برغبة
قاتلة في التشفي والغل والانتقام، الخروج على هذا الأحمق المجرم الأرعن، حرام. فهو
أخ بغى علينا. ظالم فاسق قاتل، زير نساء فاسد، يتلذذ، عبر سادية اعقد من السادية
نفسها، يتلذذ، بقهر البشر. هذا المسخ المشوه، هو أخ بغى علينا، والخروج عليه اكبر حرام.
البعض يريدنا باسم الإسلام أن نرضخ
للطغاة المجرمين الفاسقين القاتلين الظالمين الفاسدين المستبدين، ثم نستمع لنفس
البعض يزلزل الكون، وهو يعظ الناس عن الأضرحة والتمائم والسراويل.
البعض يصب جام غضبه على النمرود وقارون وأبو
جهل وأبو لهب وهامان وفرعون، وغيرهم من الهالكين، ولا ينبس بهمسة، أو اقل من ذلك،
ضد المفسدون، في السموات السبع والارضين. لا ينبس بهمسة ضد طغاة "ألان" طغاة
اليوم، الأحياء، الذين يحرقون الحرث والزرع والنسل، ويذيقون البلاد والأرض
والعباد، الويل والثبور والهلاك.
الإسلام مستباح، الكل ينهش، مما يليه،
ومما طاب له من الإسلام. البعض ممن لم ينالوا من هوى النفس، حظا، اختزلوا أعظم رسالة
انزلها قيوم السماوات والأرض، اختزلوها في جبة وتكشيرة وقفطان. أعظم رسالة،
اختزلها غيرهم في ماء وأرز ومائدة وطعام. البعض حول الإسلام إلى مخدر، ومصبر،
ومسكن. البعض اختزله في طبلة ودف وتراتيل ومزمار. البعض يريد أن يحوله إلى جبل من الثلج.
والبعض اختزله في علي رضي الله عنه، ولو كان علي حيا، لأختزلهم قبل أن يرتد إليه
طرفه. البعض يريد أن يغرد الإسلام خارج السرب.
البعض جمد الجوامع وبيوت الله والمساجد،
فحولها إلى مراكب لا تبحر إلا إلى الوراء. مراكب لا تجيد السفر إلا إلى الماضي. مراكب
عاجزة عن التعامل مع اليوم ومع المستقبل، ومع "ألان". نجد أنفسنا (في مساجد
البعض) في عالم لا يمت إلى الواقع، أو الحياة،
أو الآلام، أو المعاناة، أو الطموح، أو اليوم، أو الوطن، أو المواطن بصلة.
وما أن نعود من ماضي الماضي، ويحتضننا الشارع،
خارجين من بيت الله، الذي اغتاله الخطيب، حتى نجد أنفسنا، في عصر أخر، ومشهد أخر، ومسرح
أخر، وزمن أخر، وواقع أخر، نجد أنفسنا وسط معاناة تختلف شكلا وموضوعا وروحا ولبا
ومضمونا، عن معاناة القرن الذي اختطفنا إليه خطيب المسجد الثلاجة، وحولنا إلى
اسرى، ورهائن لتخلفه. ما أن نعود من ماضي الماضي، ويحتضننا الشارع، حتى نجد أنفسنا وسط حراك سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي،
لم يشر إليه خطيب القرن السابع، الذي يصر على أن يحشر نفسه في زماننا قسرا. السيد
الخطيب لا يتحدث عن مكونات "ألان"، لأنه لا يجيد الحديث عنها أصلا، ناهيك
عن معالجتها.
الاقتراب من "الآن"، يكشف غياب
خطيب الماضي، يكشف غيابه العقلي والروحي والثقافي والديني والعقائدي والنفسي
والوجداني، ويكشف ضعفه وجهله وضحالته. لقد تربى على التقليد والمحاكاة والتلقين. الخروج
عن النص الذي مات، الخروج عن الفتوى التي ماتت، يغرقه في اقل من شبر ماء. الاقتراب
من قضايا الآن، لا تضمن له أن يتميز عن غيره من العلماء والأئمة والشيوخ والفقهاء،
لا تضمن له أن ينضم إلى بهرجة النخب المزيفة. الاقتراب من "الآن" يكشف
موته، وهو حي يرزق. يكشف لا انتمائه للحياة. يكشف رغبته في حشد عباد الله، إلى صف الأحياء
الأموات، أو الموتى الأحياء.
الإسلام مستباح، الكل ينهش، مما يليه،
ومما طاب له من الإسلام. الإسلام ليس قنبلة أو خنجر أو رصاصة. الإسلام ليس طبلة
ودف وتراتيل ومزمار. الإسلام تفاعل ووجود وحياة وعطاء. الإسلام رسالة الحياة، رسالة
الحرية، رسالة الإبداع، رسالة السلام، رسالة الحب، رسالة الأمل، رسالة الطموح،
وحفظ النفس، والنمو، والإعمار. الإسلام رسالة العدل، والحكمة، والقسط، رسالة الصلح
والمصالحة والإصلاح، إصلاح ذات البين، وكتم
الغيظ، والسماح والتسامح والغفران.
الإسلام رسالة الرقي بالعباد والناس والبلاد،
رسالة التنافس الايجابي، والتحدي الايجابي، والتقدم الايجابي. الإسلام رسالة التي
هي أحسن، رسالة "سلاما"، رسالة الحكمة والموعظة الحسنة. الإسلام الذي انزله
قيوم السموات والأرض، وجاء به سيد ولد آدم، رسالة راقية، رسالة التعارف والتفوق
والتقدم والأمن والإيثار والعطاء والأخوة والإبداع والمساواة. الإسلام رسالة الإنسانية
والكرامة والتكريم والإنسان. الإسلام رسالة السعي والإنتاج والعمل. رسالة الرحمة
واللين والرأفة.
الإسلام رسالة لا تحترم البشر وحقوق
البشر فقط، بل تحترم الحجر والحيوان والشجر. رسالة الإسلام تحترم قبور الموتى، حتى
لو مات، صاحب القبر، منذ قرون وقرون وقرون، وبليت عظامه وعظام عظامه. الإنسان في الإسلام
أكرم واشرف وأعظم واهم، من الكعبة الشريفة، وأكرم واشرف وأعظم واهم من الدنيا وما
فيها. في الإسلام: من قتل نفسا بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعا. الإنسان في الإسلام،
أهم ما في الكون.
الإسلام
فيه احد والخندق وبدر. وفيه الحرب والقتال
والكر. لكن الإسلام رسالة تُحرم
حرق الشجر، في ظل أسوأ العلاقات بين البشر،
تحرم حرق الشجر في الحرب، بينما البعض، في وقت السلم، باسم الإسلام، وباسم الجهاد،
وباسم القرآن، يفجر، ويقتل، ويذبح، ويقطع الرؤؤس، والرقاب، والأطراف، ويحرق، في أوقات
السلم، البشر والحجر والشجر.
الإسلام مستباح، الكل ينهش، مما طاب له،
ومما يليه، من الإسلام. الكل يتنافس على اغتيال الإسلام. الكل يتسابق على تسميم الإسلام.
فهل من نظرة وعبرة وحكمة ووقفة. هل من قادة وحكماء ومجددين. أم حان يا ترى استبدالنا بأقوام غيرنا، لن يكونوا
حتما أمثالنا.
د. فتحي الفاضلي
لمراسلة الكاتب: fathifadhli@yahoo.com
لزيارة صفحة الكاتب: www.fathifadhli.com
لزيارة صفحة الكاتب على الفيس بوك: www.facebook.com/fathilibya
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق