يتحدثون
عن مصالحة! أي مصالحة؟ أم أن حيلة العقيد المقبور انطلت على الحكومة الجديدة؟ لقد
لعب بورقة الخلافات القبلية، والحرب الأهلية، فخيب الله رجاءه، وكان عاقبة أمره
خسراً. والآن يكرس البعض لفكرة أن ما حدث كان خلافاً بين الليبيين أو حرباً أهلية،
ويدعون إلى المصالحة. حقيقة القول: إنها مهزلة.
الذي حدث
في ليبيا يعرفه كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. كان في ليبيا حاكم مستبد
انتزع السلطة من حكومة ضعيفة، وعاونه أنصار وأتباع لا يخشون الله ولا يرقبون في
مؤمن إلاً ولا ذمة، فسخرهم للقتل والقمع والنهب، وسرق بمساعدتهم اثنين وأربعين
عاماً من أعمارنا.
كان في
ليبيا أغلبية مظلومة وأقلية ظالمة. أغلبية بريئة وأقلية مجرمة. أغلبية مغلوب على
أمرها وأقلية غلبت بقوة السلطة التي تمتلك المال والسلاح وتصنع القانون. والظالمون
بعضهم أولياء بعض. غير مقبول أن يبرر أحد تصرفاته بحجة أنه كان مغيباً أو مغرراً
به. الظالمون كانوا مدركين لما صنعوا سواء خلال العقود الأربع التي سبقت ثورة 17
فبراير أو خلال أشهر الجهاد الثمانية اللاحقة للثورة. الظالمون كانت تحركهم
العناصر الرئيسة الثلاثة التي كانت تحرك الطواغيت على مدى التاريخ: حب السلطة
والمال والنساء؛ مقتدين في ذلك بكبيرهم الذي علمهم السحر.
بعد أن
جاء الحق وزهق الباطل بفضل الله تعالى؛ الذي هيأ للثوار الأبرار سبل النصر واتخذ
منهم شهداء، بعد أن انتصرنا وامتلكنا السلطة والمال السلاح التي استخدمها الطاغوت
وأنصاره ضد الشعب الليبي الصابر والصامد، بعد كل ذلك لا نريد أن نستكين ونهين أنفسنا
ونخون دماء شهدائنا. أنصار العقيد المقبور وحوارييه معروفون لدينا، بعضهم في ليبيا
وآخرون لاذوا بالفرار خارجها. إذا تحدثنا عن المصالحة مع هؤلاء نكون قد نأينا
بالموضوع عن سياقه. الصحيح أن عليهم إعلان التوبة الصادقة، والاعتراف بالخطأ
الفادح والجرم العظيم الذي ارتكبوه ضد الشعب الليبي، والندم على ما اقترفت أيديهم.
إعلان
الاعتذار والاعتراف بالخطأ والندم والتوبة ينبغي أن يكون جهاراً نهاراً، ويبث على
شاشات التلفزيون. بعد ذلك يجب أن يرد كل منهم الحقوق التي استلبها إلى أصحابها، ثم
يحاكم محاكمة عادلة، على أساس أن الحقوق العامة لا يكون فيها عفو، أما حقوق الناس
فيكون العفو فيها رهناً بتنازل الطرف المتضرر.
بالأمس
أصدرت فرنسا قانوناً يعاقب بالحبس والغرامة كل من ينكر جرائم الإبادة العرقية التي
حدثت ضد الأرمن. نحن في ليبيا الحرة نريد أن يصدر قانون يجرّم ويعاقب كل من ينكر
جرائم العقيد المقبور وأتباعه وأنصاره. لا يجب أن نسمح لأحد أن يقول: "امعمر
بومنيار ليس مجرماً وهذا رأيي وأنا حر في رأيي." إذا جرمنا هذا القول، لن
يستطيع أحد أن ينكر علينا ذلك، فقد سبقتنا فرنسا بالقانون الذي ذكرته آنفاً وكذلك
بقانون تجريم من يشكك في المحرقة النازية. قانون مماثل يجب أن يصدر بمنع أنصار
الطاغوت من خوض الانتخابات في الحكومات القادمة، وأن يمنعهم من عضوية الحكومة
المؤقتة والمجلس الوطني الانتقالي. الإعلان الخجول الصادر عن رئيس المجلس الوطني
الانتقالي ليس كافياً.
جرائم حكم
(الفاتح العظيم) لا يجب أن تكون (مسالة فيها نظر) أو (رأي شخصي). إن السماح لأي
كان بأن يجاهر بتمجيد العقيد المقبور أو أن يذكره بخير؛ أعتبره ظلم ما بعده ظلم
وقهر ما بعده قهر، لاسيّما ودم قتلاه ما زال طرياً، واستغاثات الحرائر المغتصبات
ما زالت تدوي في آذاننا، والأطفال اليتامى ما زالوا يسألون متى يعود آباءهم، وعويل
الشابات الأرامل ما زال يُسمع.
منقول عن موقع ليبيا المستقبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق