من وجهة نظري.. ومن خلال متابعاتي لما يحدث
في ليبيا، أرى أننا غيرنا العلم والنشيد الوطني فقط..
ففي كل لقاء أو اجتماع نكتفي بالترحم
على أرواح الشهداء وطلب الشفاء العاجل لمصابينا والعودة السريعة لمفقودينا. قاطعة
واقلب الصفحة!!
خطابنا السياسي لم يتغير.. وتصرفاتنا
السياسية لم تتغير.. والكولسة لا زالت تلعب أدوارها.. وانتهاك القانون من أعلى
سلطة مؤقتة لا يجد من يردعه.. والتكالب على المناصب يستعر.. والوعود بمستقبل زاهر
يتغنى به الجميع.. والشفافية مجرد كلمات على أفواه كبار المسؤولين.. تماما مثلما
كان الفاسدون في النظام الذي اسقطناه يتحدثون الينا عن محاربة الفساد ويتبجحون
بتحقيق الشفافية وترسيخ حقوق الانسان والحريات العامة.. كانوا يبيعوننا الكلام
والوعود والأوهام.. فهل لا زلنا نسمع نفس النشاز؟
كل هذا وذاك يذكرني بعهد اسقطناه من
الجغرافيا ولكن ثقافته وسلوكياته لا زالت متأصلة في الكثر من ابناء هذا الوطن الذي
نسينا التوجه لبنائه باخلاص وانصرفنا عنه للتوجه الى تحقيق اجنداتنا كل حسب قدرته
على المصارعة أو تلقي الدعم المالي والعسكري من الخارج.
لم يكن يخطر ببالنا أن يتواجد ليبي واحد..
ليبي واحد فقط، يفرط في كرامته وسيادة الدولة الليبية ليخدم اجندة دولة أخرى.. كنا
ننعت البعض بأنهم عملاء للمخابرات الأمريكية.. أو تُبَّع للاستعمار الايطالي لمجرد
الشك ونلعنهم.. ونتحاشاهم. فبماذا ننعت بعض ساستنا اليوم الذين على (عينك يا تاجر)
يهرولون لدولة عربية صغيرة لتلقي التعليمات والأوامر وهم صاغرين يقبلون أياديها
ليستلموا اكرامياتها المالية.. ويتمسحون باعتاب شيخ ليزكيهم في احتلال منصب في
الوزارة الليبية؟.. بعنا ضمائرنا ووطنيتنا وحرمة وسيادة وطننا للغير ليمكنوننا من
الحكم في بلادنا!!.. وأسفاه على جيل لم يرث روح الوطنية الصادقة من آبائهم
وأجدادهم.. وسوف يخلفون العار لأولادهم وأحفادهم.
لم يكن يخطر ببال أحد ان تأتي وزارة
جديدة وفيها وجوه قديمة لعهد نريد أن ننساه.. وجوه لا أحمل لأي منهم كراهية أو
حقد.. ولكن وجودهم في أول وزارة لثورة الأربعين ألف شهيد استفزاز لأرواحهم
ولعائلاتهم واصدقائهم وللشعب الذي ثار على نظام بكل رموزه.
لم يكن يخطر ببال أحد أن يستمر المجلس
الوطني الانتقالي المؤقت بعد تحرير ليبيا دون أن يعاد بناؤه ليتخلص من بعض
المتسلقين وعديمي الكفاءة والمؤهلات الذين ركبوا موجة الثورة ولم يكن هناك من مناص
لقبولهم مرحليا.
لم يكن يخطر ببال أحد أن نستمر في تهميش
الوطنيين والكفاءات على حساب المحاصصة والترضية، لتأتي النتائج الأولية عدم القدرة
على صياغة قرار أو حتى رسالة. لتجد فلول النظام السابق النائمة المبرر للطعن في
الثورة التي قامت لأغراض انسانية نبيلة.
في البدء كنا نقول (معليشي) نحن في حالة
حرب.. لكن الاستمرار في (معليشي) بحجة مرحلة الحرب.. ثم المرحلة الانتقالية.. ثم
مرحلة تجاوز الأزمة، لن يساعد على بناء ليبيا الجديدة على أسس جديدة. ان الاستمرار
في مواقف (المعليشي) سوف يضيع هذه الدولة.. سوف نفقد الوطن بتسليمه لغير
الليبيين.. ويا ارواح الشهداء عليك ألف رحمة وسلام..
بدأت الشفافية تغيب.. وافتتح المجلس
الوطني الانتقالي المؤقت مهرجان اغتيال القانون والتعدي على الاعلان الدستوري الذي
جاء معيبا في الكثير من النواحي.
بدأت دهاليز السياسة
وعباقرة اللف والدوران يأخذون حيزا مهما في صنع القرار.. وسوف يأتيكم قانون
للانتخابات معيبا وبه أكثر من خلل تماما مثلما فرض عليكم اعلان دستوري مخيب
للآمال. وسوف تأتيكم انتخابات مزورة.. لمؤتمر وطني ضعيف ومسلوب الإرادة.. سوف
يأتيكم دستور يفصل تفصيلا.. سوف تنجزون دولة بلا سيادة وطنية اذا استمر المنوال
السياسي في مثل السياق الذي هو عليه.
بدأت الصراعات على تقسيم غنائم الحرب
والفتك بالوطن.. وعدنا الى أصل الانسان الأول بكل انواع واشكال حيوانيته ووحشيته.
غيرنا العلم والنشيد الوطني.. وأضفنا
بعض الأغنيات الوطنية.. وبدأنا نتربص بعضنا ببعض.. والوطن يسرق منا ونحن مشغولين
بالتزاحم على المناصب وجمع المال الحرام.
من يهزنا هزة عنيفة لنستيقظ من هذا
الهراء الذي يحدث.. من هذه الخيانات التي ترتكب في حق الوطن.. على الأقل من أجل
أرواح الشهداء حتى لا يكتب التاريخ أننا بعنا دم أولادنا بأبخس الأثمان.. وأحقر
الغايات.. وأن ثورة السابع عشر من فبراير قام بها الشجعان وسرقها المتسلقون.
ويا شيخنا عمر المختار.. لا تشيح بوجهك
بعيدا عنا لكي لا ترى العار الذي يلحق بهذا الوطن.. عار يقترفه بعض من أحفادك وهم
يضحكون مستبشرين بالقادم من الظلام ليحجب نور الحضارة عن هذا الوطن.. فرحين
بعمالتهم لدولة لا تساوي حجم ربع مليون ليبي فقدناهم شهداء وقتلى ومفقودين.
يا شيخنا لا تدفن وجهك بين كفيك مما
يحدث لنا، فنحن لا زلنا بحاجة لاستلهام جهادك.. نحن لا زلنا نردد كلماتك الخالدة..
" اما أن ننتصر أو نموت". ولم ننتصر يا شيخ الشهداء بعد، على أنفسنا على
الأقل. ولن يموت هذا الشعب العظيم قبل أن يحقق النصر المؤزر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق