[ .... وهكذا يقيناً أننا قد ابتلينا بالخوف من قديم الزمان، ألم يبقر فرعون بطون الحبالى؟ فالسحرة اخترقهم موسى بعصاه ونجا فرعون ببدنه ليكون لمن خلفه آية إذن فمصدر الخوف هو الظلم، ولا أجد تعبيراً أدق مما سطّره هارولد لاسكي من (تأملات في ثورات العصر، عقب الحرب الكونية الثانية) تقول: ~وعندما يتسلّط الخوف على حكّام مجتمع ما، يبدو أن العقل نفسه أصبح عدوهم، وأولئك الذين يحكمون بأن سياستهم مخطئة يصبحون فوراً أعداءً لهم، بل حتى عدم الهتاف بسياستهم يؤدي إلى الاشتباه في سوء النية.}
وكلما كان الخوف أعمق زاد ما يتولد عنه من وحشية، فيندفع الحكّام تحت تأثير منطق مجنون إلى القيام بأعمال تزداد قسوة، لكي يكبتوا ذكريات أخطائهم الأولى وهم لا يستطيعون التمهّل ليفكروا، لأنهم لو فعلوا ذلك، فكأنهم يشكّون فيما يعتقدون، وتعمى أبصارهم عما في طريقهم من صعاب، وتصم أذانهم عن أي تحذير لهم بشأنها، بل يأتي وقت لا يستطيعون فيه تحمّل أي رسول يحمل أخباراً سيئة، بحيث يصبحون فريسة لأمراض نفسية تساعدهم على بناء عالم أشباح لا تعرف الحقيقة سبيلها إليه.
ويبدو لهم وهم في شجونهم يعاقرون أفكارهم أنه ليس هناك شئ ممكن سوى الانتصار الكامل، أو الهزيمة الماحقة، فهم بعد ما طرحوا العقل جانباً، فقدوا دليلهم إلى الطريق الوسط، لأنهم يدركون أن أسوأ ما في الأمر قد يقع، ومن ثم يتّخذون احتياطهم ضده. وتصبح السياسة مؤامرة بشعة، لا يأمن فيها على نفسه إلا من يضرب أولاً.
وعندئذ تخضع الحياة بواسطة المخبرين والبوليس السري، ويصير هؤلاء في نهاية الأمر هم الذين يحددون اتجاه السياسة، ويؤخذ التسامح، إما على أنه دليل ضعف، وإما دليل سوء نية، ولا يصيب نجاحاً إلا أولئك الذين يسمع الزعماء في أقوالهم صدى أوهامهم، والتصرّف الذي يتم بدافع من نزعة الخوف، لا يفرّق بين الخطأ والصواب، ففي ظل النظام الذي يسوده الخوف، تصبح المبادئ عديمة الجدوى، حيث أن النجاح هو معيار الخير الوحيد.
وتؤدي الحاجة إلى أن يخفي المرء ما يدور في خلده، خشية العقاب إذا صرّح به، إلى جعل المهارة في النفاق بضاعة رائجة، ولا يعود لسائر المواطنين شخصية عامة، فهم يساقون إلى الاختفاء خلف رقابة العلاقات الخاصة.
ويتولّى المتعصبون والبلطجية زمام الأمور، ويستعملون المنافقين والوصوليين أدوات لهم، وتثير تصرفاتهم عداءً بطبيعة الحال، ولما كان هذا العداء لا يجد وسيلة للتعبير الذاتي جهراً، فإنه يتحوّل إلى التآمر، بيد أن التآمر يؤدي، عندما تكون الحكومة خائفة، إلى رد فعل يتجاوز أثره صفوف المتآمرين، وهو يهئ الفرصة لجعل الإرهاب أداة دائمة في السياسة.]
اقتباس من مقالة بعنوان "الرادار بين عمر المختار وسمير القنطار" للمحامى سليمان عوض الفيتورى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق