بقلم منير العكش*
يطلق الهنود الحمر على من يخونهم من بني جلدتهم مع المستعمرين البيض اسم "التفاحة"، لأنه لم يبق له من هنديته إلا البشرة الحمراء، أما من الداخل فقد أصبح كالمستعمر الأبيض، أبيضَ السياسة والأخلاق، وأبيض النظرة إلى معتقدات أهله وثقافتهم وذوقهم وسلوكهم وتراثهم الروحي.
كذلك فإنهم يشبهون "مكتب الشؤون الهندية" الذي أنشأه لهم المستعمرون البيض وجعلوه بمثابة "السلطة الوطنية" للهنود الحمر، بالنمل الأبيض. ذلك لأن هذه الآفة من أخطر ما يواجهه الأميركيون في حياتهم اليومية لأنها تنخر قواعد بيوتهم وتعطبها من الداخل وربما تؤدي بها إلى الانهيار.
صحيح أن المستعمرين البيض استولوا على 97% من أراضي الهنود ووقعوا معهم 371 معاهدة استولوا بمقتضاها على ما يعادل ملياري هكتار من الأرض (محاضر الكونغرس 1971، الدورة الأولى)، ثم لم يحترموا واحدة منها، إلا أن هذه الـ3% الباقية من أراضي الهنود ما زالت إلى الآن مطمعاً وعرضة للنهب والاستيطان. وعلى الرغم من أنها قطع من الأراضي ممزقة مخردقة معزولة مطوقة متباعدة كأنها ضفة غربية عملاقة، فإن مجموع مساحتها أكبر من مساحة الجزيرة البريطانية.
فجأة اكتشف الغزاة أن هذه الأراضي البور التي حشر فيها الهنود بالقوة والإرهاب ليقضموا فيها الحصى والتراب، والتي ظنت الحكومة الاتحادية أنها ستصبح مقابر جماعية تبتلع ما تبقى من هؤلاء الأشقياء.. اكتشفوا أنها تضم كنوزاً يسيل لها لعاب الشركات الكبرى على اختلافها. لقد تبين لهم أن في هذه الأراضي التي لا تعيش فيها السحالي والضباب ثلثي احتياطي "الولايات المتحدة" من اليورانيوم، وربعَ الفحم الكبريتي، وخُمسَ الغاز والنفط، ومخزوناً هائلاً من الذهب والنحاس والماس وبوكسيت الألمنيوم، وغير ذلك من الكنوز التي أعطت الغزاة مبرراً إضافياً لزرع "النمل الأبيض" في قواعد البيت الهندي وتأسيس أدهى نظام استعمار داخلي على وجه الأرض تحت مظلة "السلطة الوطنية" للهنود الحمر.
في ظل "مكتب الشؤون الهندية"، منذ إنشائه عام 1824 (باسم مختلف في السنوات الأولى) حتى اليوم، سطت الشركات العملاقة على معظم ما في أراضي الهنود من ثروات رغم ما يُسمعك المسؤولون عنه من شعارات الصمود وعدم التفريط والغيرة المحترقة على ماضي الهنود وحاضرهم.
بفضل هذا "النمل الأبيض" الذي زرعه الغزاة في قواعد البيت الهندي، تعتبر نسبة فقر التغذية بين الهنود أعلى من المعدل الأميركي بـ 12 ضعفاً، ونسبة تعاطي الكحول أعلى بتسع مرات، ونسبة الموت عامة أعلى بخمس مرات. الهنود اليوم أكثر جماعات هذه الإمبراطورية المتخمة عرضة للأمراض والأوبئة التي اختفت تماما، ولديهم أعلى نسبة انتحار وإدمان على المخدرات. بفضل مكتب الشؤون الهندية تم تعقير الكثير من نساء الهنود، وتم خطف معظم أطفالهم في سن الرابعة وإلحاقهم بمدارس داخلية مات 50% منهم قبل أن يتخرجوا. أما من كتبت لهم الحياة فقد سلبوا من أسمائهم ولغاتهم وتقاليدهم وهنديتهم وتحولوا إلى ألغام داخل المجتمع الهندي، أو مسؤولين في مكتب الشؤون الهندية.
ومعلوم أن الحكومة الاتحادية هي التي تختار مسؤولي هذا المكتب وتمنحهم سلطات وهمية وأبهات وألقاباً خاوية لقاء أن يوقعوا من حين لآخر على ورقة مكتوبة في واشنطن أو على عقد مصاغ في هذه الشركة أو تلك. كل سلطة هؤلاء "الشخصيات" تنحصر في أن يوقعوا باسم الهنود الحمر على ما يشاء الغزاة، فهم يوقعون على تعديلات تنقض هذه المعاهدة أو تلك، أو تعطل شرعيتها وتبخر ما تبقى من السيادة الإسمية للهنود على أراضيهم. وهم يوقعون "باسم الشعوب الهندية" على عقود يتنازلون بمقتضاها عن ثروات بلادهم مقابل بِنسٍ واحد عن كل دولار منهوب من كنوز أراضيهم.
إنهم يوقعون على مهمات إقناع الهنود بعدم المقاومة ونبذ العنف والعيش على عسل التسويف، ويوقعون على تفريغ مأساتهم من بعدها الحضاري والثقافي والإنساني والأخلاقي وعلى كل ما أحال قضية اغتصاب قارة كاملة وإبادة أكثر من 112 مليون إنسان في أبشع محرقة في التاريخ البشري إلى سوء تفاهم عابر. وهذا ما دعا رَسل مينز أحد أبرز قادة الحركة الهندية المعاصرة إلى القول في رسالة غاضبة موجهة إلى كل الشعوب الهندية "إن انقاذ الهنود من فقرهم وشقائهم لن يتم إلا بعد القضاء على مكتب الشؤون الهندية".
النمل الأبيض
مَن يقوم بدور النمل الأبيض لدى الأميركيين السود يشبهونه بحلوى تسمى "أوريو" وهي طبقتان من "البسكويت" الأسود وبينهما مادة سكرية بيضاء، لكن الاسم الشائع للأسود المتأبيض هو "أنكل توم"، وقد جاء الاصطلاح من رواية "كابين العم توم" (1852) للروائية الأميركية هرييت بيشر ستو. "العم توم" في الرواية أسود متفوق أخلاقياً على سيده الأبيض، لكنه استعمل فيما بعد اصطلاحاً مهيناً لوصف من يخون بني جنسه من السود بالذل والخنوع والمبالغة في التملق للسيد الأبيض. ومن ظاهرة هذا الأسود المتأبيض استعار علم النفس ما يعرف بوباء العم توم، ومن أعراض هذا الوباء المبالغة في النفاق والخنوع والتملق كما يعبر عن ذلك القول المأثور في كليلة ودمنة "كلني يا مولاي".
لطالما وَصفت منظمات الحقوق المدنية السوداء أوباما بحلوى "الأوريو" تارة وبالعم توم تارة أخرى، كما أطلقتهما من قبل على كثير من الشخصيات السوداء البارزة التي ما زالت تعمل لصالح المؤسسة الأميركية الحاكمة بروح العبد المطيع.
ولعل أقرب مثلين على هذه الوباء كما يراه الأميركيون السود المعاصرون هما وزير الخارجية السابق كولن باول الذي اتخذته "ذي فيليج فويس" (صوت القرية) أنموذجاً لوباء العم توم، وصورته وهو يقود حصان طروادة إلى هارلم قلعة السود في نيويورك (15 أغسطس/آب 2000). والمثل الثاني على هذا الوباء يتمثل في تفاني وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس في خدمة سيدها الأبيض.. إنها على مدى ثماني سنوات من عملها مستشارة للأمن القومي ثم وزيرة للخارجية، ورغم معاناتها من العنصرية وهي طفلة في برمنغهام (ألاباما)، لم تكتف بأن أدارت ظهرها لبني جنسها في الولايات المتحدة وأفريقيا، وإنما كانت من ألد أعداء حركة الحقوق المدنية السوداء.
لقد ورثت عن أبيها القس الفذ وباء العم توم حيث كان يصف المناضلين السود من أجل الحقوق المدنية بقيادة مارتن لوثر كينغ بأنهم "شرذمة نيغرو (واللفظ يستخدم تحقيراً) ضالين جهلة". أما هي فقد وصفت نضالهم وتضحياتهم وشهداءهم بأنه "عبث لا معنى له"، وهنا تعلق مجلة "بلاك كومنتايتور" (1 ديسمبر/كانون الأول 2005) بأن "رايس لا تختلف عن أبيها.. إنها لن تتورع عن أن تبصق على قبر مارتن لوثر كينغ وعلى تلك النفوس الشجاعة التي بذلت حياتها من أجل أن تكون رايس حيث هي الآن".
لكن كوندي التي فتنها "أنكل توم" لبنان ذات يوم ليست باستثناء في المؤسسة الحاكمة الأميركية، فمعظم السود في الحزب الجمهوري متهمون -كما يقول عضو الكونغرس تيموثي جونسون- بأنهم يكرهون بني جنسهم، ويطلق عليهم اسم "العم توم" (6 أبريل/نيسان 2010).
أبرز من أطلَقَ على باراك أوباما اسم "العم توم" هو رالف نادر أشهر محامي المستهلكين في الولايات المتحدة حيث اتهمه بأنه لا يختلف عن سلفه جورج بوش في خدمة الشركات الكبرى، شركات الرأسمال والنفط والسلاح وتجارة الموت. وبالطبع لم يكن رالف نادر مخطئاً، فكل وعود أوباما للفقراء وأبناء الطبقة الوسطى تبخرت ساعة دخوله البيت الأبيض، على غرار كل من سبقه من أصحاب اللسان المشقوق.
تضليل وشقشقة
كل الحملات الانتخابية التي شهدتُها منذ أيام رونالد ريغان حتى باراك أوباما، سواء كانت للرئاسة أو لعضوية الكونغرس، كانت مباريات ضارية في التضليل وشقشقة اللسان، لا فرق بين أبيض وأسود، وديمقراطي وجمهوري. كلاهما يحيي كرنفالاً تديره مدارس التمثيل وشركات العلاقات العامة وتُنفَق فيه ملايين الدولارات على مكياج الوجوه، ودراسة شكل البسمات والحركات والمصافحات، ومشاهد توزيع القبل الأبوية للأطفال أمام العدسات، وطبيعة الملابس التي يفضلها هذا الجمهور أو ذاك.
كلاهما يبيع أسهم حروبه المقبلة في مساومات مافيوية مع مديري شركات السلاح وتجارة الموت، وكلاهما يصطحب زوجته وأطفاله وكلابه ليوهم بأنه رب عائلة مخلص طيب القلب، وكلاهما لا تنكشف فضائح خيانته لزوجته ولا يظهر أطفاله غير الشرعيين إلا بعد خسارته المعركة الانتخابية (يراجع كتاب شلّي روس "فضائح وفساد في السياسة الأميركية").
أما خطب هؤلاء المرشحين فتتغير لهجتها ولكنتها وموضوعاتها وأساليبها وطريقة إلقائها وتعابير الوجه الملازمة لكل جملة فيها مع طبيعة الجمهور، ففي الأماكن الفقيرة يستعير المرشح لنفسه وجه الفادي المخلص، فيبيع الآمال والأحلام، ولا يمل من اختراع القصص الكاذبة عن أمه الفقيرة وأبيه "المعَتّر" وجارته المعوزة. أما في مناطق "اليانكي" والزنابير (البيض الأنجلوسكسون البروتستانت) فيتحدث عن الدور الرسالي للولايات المتحدة في العالم، وعن عظمة الشعب الأميركي وتفوقه واستثنائيته، وعن الحاضر المجيد الذي سيصبح أكثر مجداً وغنى وقوة.
وحين يخطب المرشح أمام مناهضي الحرب فإنه يصطنع الحزن، وقد يستعين بما يشبه البصل لدر الدموع على الضحايا الذين يتفطر قلبه عطفاً مع أهلهم ومحبيهم. هنا لا يمل المرشح من الوعد بعدم زج "أطفالنا" في خطوط النار، وهي الأسطوانة التي أدارها كل الرؤساء الأميركيين منذ حرب فيتنام. كل الرؤساء علقوا هذه الكليشيهات بما في ذلك "أنكل أوباما" الذي يخوض الآن حرباً في أفغانستان، وحرباً في باكستان، وحرباً (يبدو أن بتراوس سيوسع رحاها) في اليمن ودول الخليج والصومال وإيران وفلسطين المحتلة.
لم يتغير شيء منذ فيتنام حتى أفغانستان، كلها كانت حروباً "نبيلة خيرية" أُسقطت فيها أكثر من خمسين حكومة شرعية وغير شرعية، استبدادية وديمقراطية، وقُصفت بالقنابل أكثر من ثلاثين أمة، ودمرت حياة ملايين البشر في أميركا اللاتينية وأفريقيا والعالم الإسلامي.
لم يرحل قط رئيس أميركي من الدنيا وليس على يديه دم شعب من الشعوب، ولم يعرف التاريخ الأميركي قط يوماً واحداً فقط توقَّفَ فيه القتل والتدمير، ولم يعرف فن الخطابة عبر تاريخه أبلغ من رؤساء أميركا وهم يحاضرون في العفة إلا ربما رؤساء وزراء بريطانيا.
كل هذه الاحتفالات الانتخابية التي ترتفع فيها الأعلام وأنواع عجيبة من الزينة والزخرف، وتتطاير فيها البالونات على اختلاف ألوانها، ويحشد لها في حفلة الترشيح النهائية آلاف المحازبين والمحازبات، هي مشاهد مصممة لتعمي عيون الناخبين والناخبات والمتأمركين والمتأمركات عن أن الديمقراطية في الولايات المتحدة تبيع جسدها للمال والقوة.
وما أوباما ببدعة في خطابه ووعوده. إنه لم يَبدُ استثناءً إلا لأنه جاء بعد رئيس مَكابيّ جلف، أخرق المنطق، بذيء اللسان، كَسّر كل شيء بما في ذلك اللغة الإنجليزية. أما من حيث اللون فإن أوباما ليس بأسود ولا بأبيض.. أمه "آن دنهام" أميركية بيضاء من كنساس إحدى قلاع العنصريين البيض والمقر الرئيسي للنازيين الجدد المعروفين باسم "الأمم الأريانية". ثم إنه لا يكاد يعرف أباه الأسود "المسلم" الذي قتل في حادث سيارة عام 1982، فقد تفرق والداه عام 1963 عندما كان في الثانية من عمره فكفلته أمه. ولما بلغ السادسة تزوجت من الإندونيسي "لولو سويتورو" فحملت ابنها وانتقلت إلى جاكرتا.
شخصية أوباما
كل مدارك أوباما ووعيه الباطن وحساسيته للعالم من حوله تبلورت في كنف أمه، ثم في كنف جدته البيضاء حين عاد من جاكرتا ليعيش معها في هاواي، كما تشهد على ذلك سيرته الذاتية بعنوان "أحلام أبي". وأما طبقياً فالرجل من أصحاب الملايين.. صحيح أنه لا توجد معلومات واضحة عن ثروته، لكن من المعروف أن دخله في عام 2005 كان أكثر من مليوني دولار، وأن صلاته الوثيقة بغابة الرأسمال مكنته من أن يجمع 58 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى من حملته الانتخابية. هناك دائماً خلط مغشوش لأوراق هذه اللعبة الطبقية/العرقية التي تديرها مافيا المال والسلاح وتجارة الموت باسم الديمقراطية في أميركا.
وبالتأكيد فقد كان لرعونة بوش (الابن) الفضلُ الأكبر في نجاح أوباما وخسارة منافسه جون ماكين. كانت هذه الرعونة تطارد العجوز الدموي المخضرم وتنخر أعصابه، بل كانت الكابوس الذي سكن حملته الانتخابية. كل الأكاذيب التي افتراها ماكين ليوهم الناخبين بأنه ليس بوشاً آخر يتحدث مع الله ولا يفتح فمه إلا للأكل والكذب وتناول المخدرات، لم تنفع. وهذا ما عزز من أوهام الكثيرين الذين ظنوا أن انتخاب رئيس ديمقراطي لا أسود ولا أبيض سيضمد جراح أميركا في الداخل ويلمع صورتها في الخارج. أفففف! بعد الآن لن يكون هناك تشيني آخر ولا رمسفيلد جديد، وسيتطهر مجلس الأمن القومي من مستشارة بَزَّت النازيين في دعواها إلى "تغيير العقل العراقي كمقدمة لتغيير العقل العربي".
انتهت الجعجعة واللغة الفجة والقتل المسرحي.. لقد أسدلت الستارة على "الأخ الأكبر" واستعاد مسدس أميركا كاتم صوته مثلما استعادت السياسة الخارجية قفازها المخملي. وهذا لعله التغيير الوحيد الذي جاء به العم أوباما، فشركات السلاح صارت تعمل 25 ساعة في اليوم، وشركات المال التي لم يكفها ما سرقته من الفقراء والطبقة الوسطى تسرق الآن مال الدولة.. لقد حول إليها العم أوباما أكبر كمية من الثروة في التاريخ الأميركي. أما الأهداف الإستراتيجية الكبرى التي رعتها كل الإدارات السابقة -الديمقراطية والجمهورية- فما زالت هي هي منذ بداية القرن الماضي على الأقل.
كل ما في "كابين العم أوباما" وتاريخه وتصرفاته وتصريحاته التي يضرب بعضها بعضاً، يؤكد أنه لا يختلف إسرائيلياًً عن كابين "العم بوش" وعن التزام الإدارات السابقة بالمفكرة الصهيونية. فقبل أن يبدأ بنصب مصيدته للمغفلين المسلمين مستعيناً بمكاتب الشؤون الهندية في العالم العربي وبمراكز العلاقات العامة (مارتن إنديك أند كو)، كشف أوباما في لقاء مع جيفري غولدبرغ (أتلانتيك، 21 مايو/أيار 2008) عن عمق الفكرة الصهيونية والأخلاق اليهودية في تربيته وثقافته ومشاعره، وعن التزامه بهذه الفكرة التزاماً لا يختلف عن جورج بوش.
ويروي أوباما أنه كان في جنوب أفريقيا حين اعتدت إسرائيل على لبنان عام 2006 فألقى خطاباً بتلك المناسبة جاء فيه "لا يخطرن ببال أحد أن أميركا ستقف موقفاً ألطف من موقف جورج بوش عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل.. ولا يتوهمن أحد بأنه سيجد في ظل رئاستي أي موقف أقل صلابة بأمن إسرائيل". ("أمن إسرائيل" في اللغة الأورويلية الأميركية يعني أمن الاحتلال الإسرائيلي، وأمن الاستيطان، وأمن توفير المجال الحيوي لهذا الاحتلال والاستيطان في أي بقعة من العالم العربي).
وفي رام الله يخاطب العم أوباما مجموعة من الطلاب الفلسطينيين، تحت سمع وبصر كبير المهرجين الفلسطينيين فيقول (المصدر السابق) "اسمعوا جيداً.. إذا كنتم تنتظرون من أميركا أن تبتعد عن إسرائيل فأنتم واهمون واهمون. إن التزامنا والتزامي أنا شخصياً بأمن إسرائيل لا يقبل نقاشاً". ثم يكشف عن دور اليهود في حياته الشخصية والسياسية فيقول متباهياً إن "اليهود وراء نجاحي في شيكاغو.. إن لهم دوراً مركزياً في هذا النجاح.. لهذا يتهمني السود بأنني أقرب إلى اليهود مني إلى السود". (لعل أطرف ما في هذا "التهود" قول إيلينا كاغَن التي اختارها أوباما قاضية في المحكمة العليا بأنه "أول رئيس أميركي يهودي").
ثم يسرد بعض التفاصيل العاطفية عن الكتب والمؤلفين اليهود الذين صاغوا حساسيته الأولى مثل ليون أوريس وفيليب روث "لقد تعلمت فن الأخلاق من اليهود.. إن فيليب روث صاغ حساسيتي (لروث علاقة غريبة مع الموساد كما يدل كتابه "عملية شيلوك").. وعندما أفكر بالفكرة الصهيونية إنما أفكر بمشاعري التي تكونت تجاه إسرائيل حين كنت في الصف السادس ودخلت معسكراً يشرف عليه يهودي أميركي أمضى وقتاً في إسرائيل (للسياحة؟).. تلك كانت أعرق ما في ذاكرتي عن إسرائيل التي امتزجت بعد ذلك بالإعجاب بالتجربة الصهيونية في المستوطنات الجماعية (الكيبوتس)".
ومثل هذه المبالغات النفاقية -إن صحت- تنسجم مع "أعراض وباء العم توم" ومع الأهداف الإستراتيجية الكبرى التي رعتها كل الإدارات السابقة، ديمقراطية وجمهورية.
وهنا لا بد من التذكير بأن ما يسمى "مشروع القرن الأميركي الجديد" الذي شاع صيته في زمن بوش ليس بجديد على الإطلاق، بل كان محاولة يائسة لتطوير مشروع "نازي أميركي" مضاد تبناه الرئيس ودرو ولسون الذي زعم هو أيضا أن الله تحدث معه في ردهات البيت الأبيض.
أما مشروع الرئيس ولسون فقد وضعه الإستراتيجي الجغرافي الأميركي إشعيا بومن ورسم فيه معالم الإمبراطورية الأميركية في القرن العشرين، مؤمرِكاً فيه أفكار الألماني النازي فريدريك راتزل عما يسمى بالمجال الحيوي (ليبنزراوم).
ويتلخص هذا "المجال الحيوي" الأميركي بأن ترث الولايات المتحدة مستعمرات بريطانيا والقوى الاستعمارية الأوروبية الأخرى بحيث لا يبقى شبر من الأرض خارج السيطرة الأميركية، مؤكداً أن من يتحكم بما سمي يومها حديثاً "الشرق الأوسط" يتحكم بالعالم كله، على أن تكون التكلفة قليلة. لكنه استثنى من هذه التكلفة القليلة جزر الفلبين التي قال الرئيس ولسون بأن الله نفسه أمره باحتلالها. (اصطلاح "الشرق الأوسط" -أو "الأدنى" سابقاً- افتراه "مكتب الهند" البريطاني في خمسينيات القرن التاسع عشر بهدف تزوير هوية المنطقة العربية الإسلامية ودس ما ليس منها فيها، لكنه لم ينتشر إلا بعدما استخدمه الإستراتيجي البحري الأميركي ألفرد ماهن عام 1902. وما يزال هناك عرب ومسلمون يستخدمونه للتدليل على حقيقة وعيهم بهوية هذه المنطقة).
هذا الهوس الأميركي بوراثة مستعمرات بريطانيا والقوى الاستعمارية الأوروبية الأخرى هو التفسير الوحيد لموقف الرئيس أيزنهاور من عدوان السويس. لقد وجدت أميركا في حرب 1956 فرصتها الذهبية لكي تعلن للعالم "مات الملك، عاش الملك".
إشعيا بومن هو الذي حدد المفاهيم واللغة والمبررات اللازمة للمجال الحيوي الأميركي على أساس اقتصادي: إن تراكمُ الرأسمال والإنتاج في الولايات المتحدة يحتاج إلى غزو ساحق لأسواق العالم، كما أوضح ذلك في كتابه "العالم الجديد" (نحو 800 صفحة وأكثر من 200 خريطة) الذي أصبح إنجيل ما يسمى القرن الأميركي في البيت الأبيض منذ ودرو ولسون حتى جورج بوش. هذا نظام عالمي جديد محورُه حقُّ الولايات المتحدة في سرقة كل شعوب الأرض باعتبارها "المجال الحيوي للاقتصاد الأميركي.. أمة قدرُها المتجلي أن تزداد غنى على حساب ما يصفه بومن بالشعوب والأعراق الضعيفة. ومنذ مقدمة الكتاب يقول بومن "إننا مضطرون -شئنا أم أبينا- إلى أن نمسك بزمام العالم الحالي، بطريقة أو بأخرى".
بهذا المنطق شارك بومن في مؤتمر باريس للسلام عام 1919 بتكليف من ولسون، بهدف "نقل صولجان الإمبراطورية البريطانية من لندن إلى واشنطن". كان يعلم أن القوى الاستعمارية الأوروبية لا تزال في المركز السياسي للعالم و"لابد من اتباع إستراتيجية جيوسياسية لتغيير هذا الواقع بحيث تصبح الولايات المتحدة المركز السياسي للعالم، وتصبح المسيطرة على عصبة الأمم" (الأمم المتحدة لاحقاً). أما كيف ستفتح واشنطن مستعمرات القوى الأوروبية للرأسمال الأميركي المتوحش، فهذا ما كان الشغل الشاغل للإدارات الأميركية منذ ولسون حتى ترومان.
لقد ركز ولسون وكل من جاء بعده من الرؤساء على حرية التعامل التجاري بين الدول المستقلة (أوروبا)، وعلى أن تحصل المستعمرات المؤهلة للاستقلال على استقلالها في ظل سلطة وطنية لا تختلف عن "مكتب الشؤون الهندية". أما المستعمرات غير المؤهلة فيجب أن تحكم مباشرة من قبل مفوضيات دولية أو انتداب دولي.
ثم سعت الولايات المتحدة بعد الحرب الثانية إلى استيعاب القوى الاستعمارية نفسها في المجال الحيوي الأميركي، وهذا أهم ما تعرض له الرئيس ترومان في خطبة ولايته الثانية عام 1949 حيث أراد استيعاب أوروبا بمشروع مارشال، على أن يليه برنامج استثمار وتنمية في المستعمرات الأوروبية.
إذن، يجب أن لا نضيع في التفاصيل ولا في تحليل خطبة هذا الرئيس أو ذاك، وأن لا ننخدع ببهلوانيات لغة كبير المهرجين الفلسطينيين أو كبير متعهدي التفليسة الفلسطينية، فليس عبثاً أن يسمي العرب الخطيب بالشقشقة (لهاة البعير) ويشبهوا المكثار منها بالبعير الكثير الهدر، ويقولوا إن كثيراً من الخطب من شقاشق الشيطان (منسوب -دون قصد مسبق- لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه).
كل هذه التفاصيل بل كل ما يسمى عقيدة هذا الرئيس أو سياسة ذاك، هو مجرد فهم وتطبيق مرحلي لهذه الإستراتيجية العامة. ولم تكن عقيدة كارتر التي تبناها كل من أعقبه من رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين، ولا الحربان اللتان خاضهما بوش (الأب والابن) ضد أهلنا في العراق، إلا مثلاً حياً على طاغوت إستراتيجية "الليبنزراوم الأميركي" كما رسمها بومن في أول القرن.
أما أوباما فليس هناك ما يدل على أنه أدار ظهره لإستراتيجية "الليبنزراوم الأميركي" أو عقيدة كارتر. إنه رغم شقشقته في الحديث عن الانسحاب من العراق، أكد أكثر من مرة على الحاجة إلى الاحتفاظ بحضور عسكري قوي في منطقة الخليج، وأنه لن يتردد في استخدام القوة لحماية المصالح الأميركية الحيوية. وبالطبع فإن سياسة تبرير استخدام القوة للحفاظ على المصالح الأميركية يعني أننا قد نشهد تزايداً في حركة الاستيطان الأميركي المسلح في المنطقة، وأن واشنطن لن تطفئ حربا إلا بنار حرب جديدة، وهذا عهدها منذ إنشائها حتى الآن.
لفلسطين لدى الرؤساء الأميركيين شأن آخر، فهي ليست مجرد "إستراتيجية" أو اقتصاد أو "مجال حيوي"، وبالتأكيد فهي ليست سياسة خارجية إلا في الإطار البيرقراطي. فطالما أن إنشاء الولايات المتحدة وتاريخها لم يكن إلا تأسياً بفكرة إسرائيل التاريخية، وطالما أن بلاغة العنف التي استعارت أخلاقها من فكرة إسرائيل التاريخية وأساطيرها وأنماط سلوك مجرميها، بدءاً من العهد المقدس الذي عقده المهاجرون الأوائل مع يهوه في عرض المحيط، وانتهاء بمكالمة الرئيس بوش معه في البيت الأبيض واعتقاده بأنه "موسى العصر"، فإن الأميركيين ورؤساءهم -على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم- لا يتفقون على شيء كاتفاقهم على المشروع الصهيوني الذي يشربه الأميركيون مع حليب أمهاتهم ثقافيا، وتاريخياً، وتربوياً، وإعلاميا، ودينياً، ومثلاً أخلاقياً أعلى.
كل تاريخ الولايات المتحدة كما يروي المؤرخ كونراد شيري هو "تاريخ القناعة الراسخة بأن الأميركيين هم الإسرائيليون فعلاً، وشعب الله المختار حقاً". وخطر هذه القناعة لا يكمن في تلبسها بمصالح شركات النفط ومصانع السلاح وداء الكَلَب الإمبراطوري وحسب، بل يكمن أيضاً في استيعاب هذه القناعة لكل ميتافيزيقا الكراهية العبرانية وهوس الإبادة والاستعباد للفلسطينيين الكنعانيين بخاصة، ولكل حضارات العالم العربي القديم بعامة، من قبل أن يولد هرتزل ومشروعه بثلاثة قرون. ولو أن هرتزل لم يخلق لاختلقوا هرتزلاً آخر.
والأمر هنا يتعدى ما يسمى زوراً بالصهيونية المسيحية، لأن "غالبية الأميركيين ومعهم كبار المسؤولين السياسيين -كما يقول عالم الأديان ستيفن أوليري- لا يختلفون عن هذه الجماعات (الصهيونية الدموية) إلا في درجة التوتر وطريقة التعبير (مرة بلغة بوش، ومرة بلغة أوباما). إن "نزعة الافتراس.. تنتشر بينهم.. وعلينا أن لا نسرع إلى طمأنة أنفسنا بأن هذا الاعتقاد أحمق، فنحن على أبواب زمن قد تكون فيه الحماقة هي القاعدة".
وفي كتاب "المواجهة بين عصر العقل وعصر الرؤيا" يقول الفيلسوف ريتشارد پوبكين "إن الإنجليز على طرفي المحيط (بريطانيا والولايات المتحدة) أكثر حماسة من اليهود لتأسيس الدولة اليهودية وبناء معبد سليمان، وإن صهيونيتهم هي التي صنعت الحركة الصهيونية (اليهودية) وانتشلتها من هامشيتها".
صهيونية يهودية
نعم.. الصهيونية الأنجلوسكسونية على طرفي المحيط هي التي صنعت الصهيونية اليهودية، وهي التي رعتها وغذتها وأعطتها زخمها بالقوة والسلاح، وبالتدمير المنهجي للعالم الإسلامي والعربي، وبمكاتب الشؤون الهندية التي أسسها بيرسي كوكس أوائل القرن الماضي في كثير من العواصم العربية لتكون شريكاً للمشروع الصهيوني في فلسطين. اليهود يريدون ما يسمونه "أرض إسرائيل"، أما الإنجليز على طرفي المحيط فيريدون أرض إسرائيل وإسماعيل وإبراهيم. هل هي مصادفة بريئة أن كل رؤساء الحكومة البريطانيين العشرين في السنوات المئة الأخيرة، من بلفور 1902-1905 إلى بلير 1997-2007 بدون استثناء -حتى لا نذهب في تاريخ الجريمة المنظمة بعيداً- لم ينهوا ولايتهم إلا وعلى أيديهم دم عربي؟
بدون الصهيونية الأنجلوسكسونية وهذه المكاتب الهندية الرديفة التي صنعوها في العالم العربي، لم يكن كِتاب "الدولة اليهودية" لهرتزل أكثر من هلوسات مدمن على المخدرات. كان يهود ذلك الزمان يتخوفون من إلحاح بريطانيا والولايات المتحدة على إنشاء دولة لهم في فلسطين. وحين بلغ الضغط على اليهود الأميركيين أقصاه في مؤتمر شيكاغو الذي عقد برئاسة المعمداني وليام بلاكستون (عام 1890) أي قبل المؤتمر الصهيوني الأول بسبع سنوات، غضب الحاخام الأكبر إميل هيرش وقال "إننا يهود هذا العصر لا نرغب في أن نعاد إلى فلسطين.. إننا لن نعود أبداً لتأسيس كيان قومي خاص، ولا نقبل بأن يسقط علينا الآخرون ما يريدونه هم أنفسهم لنا". ثم تجلت المعارضة اليهودية للمشروع الصهيوني الأميركي في افتتاحية كتبتها صحيفة "نيويورك صن" جاء فيها "إن غالبية اليهود يرفضون إعادتهم إلى فلسطين، وإن على الولايات المتحدة أن لا تحشر أنفها في ما لا يعنيها".
ثم إننا نجد في كتاب سيسيل روث الوثائقي "مقالات ووجوه في التاريخ اليهودي الإنجليزي" معلومات كثيرة عن دخول المهاجرين الإنجليز الأوائل في الدين اليهودي أفواجاً، مما جعلهم نواة الطائفة اليهودية الأميركية. وهذا أمر بالغ الخطورة، فهو يعني أن النواة الصلبة ليهود أميركا اليوم هي نواة أنغلوسكسونية وليست ساميّة كما يُتَوهَّم، ويعني أن المفكرة الصهيونية الجيوسياسية لليهود والأنغلوسكسون هي مفكرة أيدولوجية واحدة لكل الإدارات والرؤساء والأحزاب في واشنطن ولندن وتل أبيب. لهذا -ربما- قال الحاخام لي ليفنغر في كتابه عن تاريخ اليهود في الولايات المتحدة إن "الأميركيين أكثر يهودية من اليهود".
نعم قد تتخذ هذه المفكرة الأيدولوجية تعابير أورويلية مختلفة مثل "القيم المشتركة" و"الحلف الإستراتيجي" و"الالتزام الأخلاقي" و"الالتزام بأمن إسرائيل" و"الحرب على الإرهاب" وغير ذلك من التعميات، لكنها جميعها لا تعني إلا الالتزام بالمشروع الصهيوني، وهي في كل الأحوال تستمد أخلاقها من معين آسن مشترك: إسرائيل فوق أخلاق البشر، وقوانين البشر، وحريات البشر، وحياة البشر، وفوق كل الرؤساء من جورج واشنطن إلى باراك أوباما.
ليس هناك من رئيس أو إدارة أو مؤسسة أميركية حاكمة تستطيع أن تتحدى هذه الثوابت.. فلسطين ليست كوريا أو فيتنام أو أفغانستان أو الفلبين.. فلسطين هي الرحم التي ولد منها الغرب اصطلاحاً ومفهوماً مقابل العالم العربي الإسلامي حضارياً وجيوسياسياً.. فلسطين -والقدس تحديدًا- هي الشرارة التي أشعلت نار المواجهة التي أججها الغرب على مدى السنوات الألف الماضية.
لا يمكن فهم قضية فلسطين بمعزل عن المواجهة مع الغرب الذي تجسده اليوم أميركا وقُفّتها البريطانية. بدون فلسطين -والقدس على التحديد- لن يكون هناك غرب وشرق، فباسم احتلال فلسطين (أرض كنعان) صنع الإنجليز أميركا، وباسم هذه الاستعارة أهلكوا سكان قارتين كاملتين وأبادوا ملايين البشر في البقعة التي تسمى اليوم الولايات المتحدة، كما فعلوا ذلك في أستراليا ونيوزيلندا ومئات الجزر التي استعمروها.
لا تغيير
لن يتغير شيء في زمن العم أوباما.. كل ما يستطيع فعله هو أن يبني للقضية الفلسطينية غرفة غاز يسميها "دولة فلسطين"، كما نصب سلفه بيل كلينتون للفلسطينيين خازوقاً سمّاه "السلطة الوطنية"، ونصب كارتر قبلهما في جسد العرب سرطاناًً اسمه "كامب ديفد".
لن يتغير شيء حتى تدرك الولايات المتحدة بأنها ستدفع الثمن من اقتصادها وبشرها، وهذا ما لن تفعله الأنظمة العربية التي لم تعد تقدمية ولا رجعية ولا رأسمالية ولا اشتراكية ولا ليبرالية ولا راديكالية ولا ديمقراطية ولا استبدادية، ولا يمكن وصفها إلا بأنها نسخ مشوهة من "مكتب الشؤون الهندية".
لقد أضرت هذه الأنظمة بالعرب أكثر مما أضر مكتب الشؤون الهندية بالهنود الحمر حين تبرعت هذه الأنظمة للولايات المتحدة بما عجز عن تحقيقه كل فرسان الحروب الصليبية، وحين أعانتها على اقتلاع شجرة المشروع السياسي المحمدي من روضتها التي نبتت فيها. هذه القواعد الأميركية المنتشرة من سيناء والبحرين حتى شمال العراق والتي يعمل أوباما على تعزيزها وتوسيعها وزيادة عددها، لا يشبهها في تاريخ المنطقة -من حيث الوظيفة- إلا تلك القلاع التي بناها الصليبيون لمساندة احتلالهم لبيت المقدس ونهبهم لثروات العرب والمسلمين، وليتخذوا منها قواعد للعدوان على هذا البلد العربي المسلم أو ذاك.
إن المشروع السياسي الذي أطلق هذه الأمة من دولة المدينة سياسياً ومن غزوة بدر عسكريا، فأعطاها هويتها وبنى حضارتها وبسط جناحيها على نصف كوكب الأرض، قد تقهقر -بفضل هذه الأنظمة- إلى نقطة المنطلق مهزوماً مهاناً مسحوقاً تحت الدبابة الأميركية وفي النقطة المقدسة التي انطلق منها.
وللأسف، فقد تعبتْ الإهاناتُ وفقدت الشتائم والسباب معانيها، وماتت كل هذه اللغة عندما مات فيهم الحياء والخجل والوطنية والإيمان والشرف، وماتت فيهم حتى غريزة البقاء. ما العمل؟ ماذا يفعل المرء حين يرى في فراش ابنه أفعى؟
* منير العكش سوري بالولادة، فلسطيني بالاختيار. أستاذ الإنسانيات ومدير الدراسات العربية في جامعة سفك/ بوسطن. له بالإنجليزية والعربية 22 كتاباً ألفه أو ترجمه أو حرره. يعتبر من أبرز الباحثين العرب في الدراسات الأميركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق