الظلم
يقول الله تبارك وتعالى:{ وما ربك بظلام للعبيد} فصلت 46.
إذن، فالإنسان هو الذي يظلم نفسه، ويقول الحق سبحانه:{ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون} يونس 44.
فإياك أيها الإنسان أن تظن أنك حين تظلم أحدا بتدبير السوء له قد كسبت الدنيا، وهذا غير صحيح، ولو علم الظالم ماذا أعدّ الله للمظلوم لضن عليه بظلمه.
وهب أن رجلا مثلا له ولدان وجاء ولد منهما وضرب أخاه، أو خطف منه شيئا إن معه ثم عرف الأب ذلك، قلب هذا الأب مع من يكون؟ قلبه بالطبع يكون مع المظلوم فيحاول أن يرضيه، فان كان الأخ الظالم قد أخذ منه شيئا يساوي عشرة قروش فان الأب يعوّضه بشيء يساوي مائة قرش، هنا نجد الابن الظالم يعيش في حسرة لأنه لو علم مسبقا أن والده سيكرم أخاه المظلوم لما ظلم أخاه أبدا.
إن الظلم ظلمات يوم القيامة، ومن المفارقات التي تروى مفارقة تقول: إن كنت ولا بد مغتابا فاغتب أبويك، ويقول السامع لذلك وكيف أغتاب أبي وأمي؟!
يقول اًصحاب المفارقة: إن والديك أولى بحسناتك فبدلا من أن تعطي حسناتك لعدوك ابحث عمن تحبهم وأعطهم حسناتك.
إن صاحب المفارقة هذه يريد أن يكره المغتاب فيها، وحيثية هذه المفارقة هي: لا تكن أيها المغتاب أحمق، لأنك لا تغتاب إلا عن عداوة، وكيف تعطي حسناتك التي هي أثمن نتيجة لأعمالك لعدوّك.
ويروى أن الحسن البصري بلغه أن أحدا قد اغتابه فأرسل الحسن شخصا إلى المغتاب ومعه طبق من البلح الرطب وقال لهذا الشخص: اذهب بهذا الطبق إلى فلان وقل له: بلغ الحسن أنك اغتبته بالأمس، وهذا يعني أنك أهديت له حسناتك، وحسناتك بلا شك أثمن من هذا الرطب.
إن الظلم كالجور.. وهو نوع من الاعتداء أو القسر أو القهر أو انتقاص القدر والقيمة، ويقابل الظلم الإنصاف كما يقابل الجور العدل.
الظلم إذن، انتقاص حق الناس، فما بالنا عندما ينتقص الإنسان من حق نفسه، أي: أن يظلم نفسه، وظلم النفس هو أبشع ألوان الظلم فالنفس كرّمها الله وخلقها، فقد كانت تستحق من الإنسان أن يرعاها وأن يحقق مراد الله منها، وأن يمنع عنها إلحاح اشتهاء ما يغضب الله. يقول الحق سبحانه وتعالى:{ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ونعم أجر العاملين} آل عمران 135، 136.
إن ظلم النفس يعني: أن يبيع الإنسان دينه بدنيا غيره، فهو لا يحقق لنفسه أي نفع آجل أو عاجل.
وقديما قالوا: شر الناس من باع دينه بدنياه، وشر هؤلاء الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم.
لهؤلاء وأولئك كتب الله لهم الطريق إلى النجاة، وذلك بأن يذكروا الله، وأن يستغفروا ، وألا يعودوا إلى مثل تلك الفواحش، أو ظلم النفس حتى يغفر الله لهم، ويرزقهم الجنة، ذلك أن الله لا يظلم أحدا ولكن الناس يظلمون أنفسهم، لأن الناس تنقص قدرها من النافع الباقي ويقعون أسرى للذي يزول.
***
السخرية والاستهزاء بالناس
إن الاستهزاء بالناس أو السخرية من عيوب أحد الناس هو دليل على عدم تمكن الإيمان من النفس، وذلك بأن الله خالق لكل البشر، فهذا المخلوق الذي به عيب خلقي، ليس له دخل في ذلك العيب، وإنما هي مشيئة الله الذي خلق هذا المخلوق على تلك الصورة لحكمة اقتضت ذلك لا يعلمها إلا الله سبحانه. وعندما يسخر إنسان ما من عيب إنسان آخر فمعنى ذلك إن الساخر إنما يسخر من صنعة الله، والسخرية من هذا النوع هي عدم إيمانية النفس لمخلوقية كل البشر من اله واحد.
إذن، فالذي يبحث عن عيوب البشر فهو يبحث عن عيوب أرادها الله سبحانه وتعالى لحكمة في مونه، وما دامت لحكمة فهي ليست عيوبا.
فمثلا حين يعيب إنسان على صناعة كرسي أو مائدة فهذا ليس تعديلا على الكرسي أو على المائدة ولكنه تعديل على من قام بصناعة الكرسي أو المائدة.
لذا فكل من يسخر من إنسان به عيب، فليعلم أن الإنسان لا حيلة له في صنع نفسه.
إذن فالسخرية هنا تكون من خلق الله، وهذا نوع من الغباء، لأن الذي يسخر من عيب إنسان فانه لم يقدر الخصال الحميدة التي يتفضل بها الله على هذا الإنسان الذي سخر منه، لذلك يقول سبحانه:{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} الحجرات 11.
إن الحق سبحانه وتعالى يأمر كل المؤمنين بالا يسخر أحد من أحد، لأن كل إنسان فيه من الخصال الحميدة التي تعمى عنها بصيرة الساخر، وقد يكون في الساخر نفسه بعض الخصال السيئة التي لا يحب أحد أن يسخر منها.
إن في السخرية خروجا عن مقتضى الايمان الكامل، وظلما للغير والنفس، ويجب أن نعرف أن الله قد وزع علينا الصفات والمواهب المختلفة بدرجات متفاوتة، ولكن أخيرا يتساوى مجموع الصفات والمواهب المختلفة بدرجات متفاوتة، ولكن أخيرا يتساوى مجموع صفات كل إنسان مع صفات أي إنسان.
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق