الكبر
لا يوجد كبرياء إلا لله وحده، أما الإنسان فهو من الأغيار، فالقوي يصيبه الضعف، والغني يصيبه الفقر، وان كان عالما فقد يفقد علمه لسبب ما، لذا فكل من أراد الاستعلاء والتكبر على غيره فليحاول أن يبحث عن شيء ذاتي في نفسه يستحق أن يتكبر به!
ومعنى ذلك أن يبحث عن شيء لا يسلب منه، ولن يجد أحد ذلك الشيء، لأن الوجود الإنسانى كله يطرأ عليه الأغيار، من غنى وفقر وضعف وقوة وصحة ثم ينتهي الكل بالموت.
لذلك فالمؤمن الصادق مع نفسه يعرف إن الكبرياء لله الواحد القهار وحده لا ينازعه فيه أحد.
إذن، فالمؤمن عليه ألا يحبط عمله بالاستعلاء على الخلق بما رزقه الله من مال، أ، موهبة من عمل ينبغ فيه، لأنه يعلم أن هذا كله من الله تعالى، وأن الله مستخلفه وناظر ما يفعل فيه، فيرى كل منا ربه ما يحب ويرضى.
***
الاختيال والتكبر
يقول الحق سبحانه وتعالى:{ إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} النساء 36.
ما هو الاختيال؟ وما هو الفخر؟
مادة الاختيال: كلها تدور على زهو لحركة لذلك نسمي الحصان من فصيلة الخيل، لأنها تتخايل في مشيها، وعندما يركبها الفرسان تتبختر بهم، ولذلك كلمة الخيلاء من هذه.
إذن، فالاختيال حركة مرئية، أما الفخر فهو حركة مسموعة، فالحق سبحانه وتعالى ينهى المؤمن أن يجعل صورته أمام الناس صورة المختال الذي يسير بعنجهية، ويعتبر نفسه مصدر النعمة فينطبق عليه قول الله سبحانه وتعالى:{ ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد} الحج 9، 10.
أما الفخر: فهو أن يتشدق الإنسان بكلام غير صحيح أو مبالغ فيه فيحكي عما فعله ويمجده ويعلي من شانه وكأنه مصدر كل عطاء البشر.
***
البخل
يقول الحق سبحانه وتعالى:{ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما أتاهم الله من فضله، واعتدنا للكافرين عذابا مهينا} النساء 37.
البخل هو المشقة في العطاء، فعندما يطلب من شخص ما أن يعطي شيئا فانه يجد في العطاء مشقة. لذا فالمؤمن موصوف ببسط الكف، وأنه يسعد للعطاء، أما البخيل فقد يذهب به بخله أن يضن بالشيء الذي لا يضره بذله، ولا ينتفع بمنعه.
إن البخيل لا يرغب في الطعام حتى ولو في ذات نفسه، واقرأ قول الشاعر حين يصوّر البخل والشح فانه وصف البخيل أنه يبخل على نفسه، وإذا كان الإنسان يبخل على نفسه فكيف يجود على غيره؟
كان الشاعر يذم شخصا اسمه عيسى وهو بخيل حتى على نفسه فيما لا يضره بذله ولا ينفع منعه، فيقول:
يقتر عيسى على نفسه وليس بباق ولا خالد
فلو يستطيع لتقتيره لتنفس من منخر واحد
انه بخيل إلى الدرجة التي يضن بها على نفسه فلا يتنفس بفتحتي أنف، ولكنه يحاول أن يتنفس بفتحة واحدة لو استطاع.
وهاهو ذا شاعر آخر يصور البخيل صورة تمنع البخيل الأريحية والكرم فيقول:
لو أن بيتك يا ابن عم محمد ابر يضيق بها فضاء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ليخيط قدّ قميصه لم تفعل
انه بخيل حتى بإبرة واحدة لو طلبها منه نبي الله يوسف عليه السلام الذي قد تمزق قميصه من دبر أثناء مراودة امرأة العزيز له عن نفسه.
هذا هو البخيل في خيال الشاعر، ولو أن نبيا كيوسف الصديق جاء إلى هذا البخيل الذي يملك منزلا مليئا بالإبر فلن يعطيه البخيل إبرة واحدة يخيط بها قميصه.
قال الحق سبحانه:{ ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم، بل هو شر لهم، سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة، ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير} آل عمران 180.
الحق سبحانه وتعالى يصنع للبخيل بما بخل به طوقا حول عنقه، فلو أن البخيل قد بذل قليلا لكان الطوق خفيفا حول رقبته يوم القيامة، لكن البخيل كلما منع نفسه من العطاء ازداد الطوق ثقلا.
ولقد قال الحق سبحانه وتعالى أيضا عن الذين يكنزون الذهب والفضة:{ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} التوبة 34، 35.
وذلك يعني أن كل ما كنزوه من الذهب والفضة يحمى عليها في النار يوم القيامة لتكوى به الجباه، والجنوب جمع جنب.
إذن.. فالإنسان العاقل هو من يخفف عن نفسه الكي بما يكنز.
والبخلاء عن عطاء الناس من مال الله لا يكتفون بما بخلوا به وهي خسيسة خلقية في نفوسهم يحبون أن تتعدى إلى سواهم كأنهم عشقوا البخل ويؤلمهم أن يروا إنسانا جوادا فيقول البخيل للمنفق في سبيل الله لاتفق.. لماذا؟ لأن البخيل يؤلمه أن يرى الكرم، ويجب أن يكون الناس كلهم بخلاء حتى لا يكون هناك من هو أفضل منه، فالبخيل يعرف إن الكرم أفضل من البخل، والدليل أنه يطلب من الناس جميعا أن يكونوا بخلاء وهؤلاء هم الذين قال فيهم الحق سبحانه وتعالى:{ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما أتاهم الله من فضله، واعتدنا للكافرين عذابا مهينا.} النساء 37.
إذن.. فالبخيل هو من ضن ما آتاه الله من فضله على من لم يؤت من فضل الله.
والبخل ليس في المال فقط، إنما هو في كل موهبة من المواهب التي أعطاها الله لأحد من خلقه وتنقص عند الغير، فمن ضنّ بها فهو داخل في البخل، فالذي يبخل بقدرته على معونة العاجز على القدرة فهو بخيل، والذي يبخل بما عنده من علم على من لا يعلم فهو بخيل، والذي يبخل حتى على السفيه بالحلم فهو بخيل، فإذا كان الإنسان يملك طاقة من الحلم فلماذا لا يبذلها على السفيه؟
إذن.. فمن معاني البخل هو أن يمنع الإنسان شيئا قد وهبه الله له عن مخلوق محتاج، فمثلا ذلك البارع في صنعة ما يضن بأسرارها على تلاميذه، هذا لون من البخل كما يقول الحق سبحانه:{ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} النساء 37.
وقوله تعالى:{ ويكتمون ما آتاهم الله من فضله، واعتدنا للكافرين عذابا مهينا} النساء 37.
إن الكتم هو: منع شيء يريد أن يخرج بطبيعته، فيحاول الكاتم كتمه، فعندما يجرح إنسان فهو يكتم الدم، لأنه إن لم يكتم الدم فان الإنسان ينزف حتى يصفى دمّه. وكأن المال والعلم وكل موهبة خلقها الله يريدها أن تظهر وتنتشر بين الناس، لذا فان الفطرة الطبيعية في كل رزق مادي أو رزق معنوي هو أن يستطرق بين البشر فكل شيء مخلوق لخدمة الإنسان.
فعندما يأتي إنسان ليكتم شيئا مخلوقا لخدمة الإنسان، ويحجبه فقد منع الشيء عن أداء رسالته.
ولما كان كل شيء خلقه الله تعالى من اجل خدمة الإنسان فيجب ألا يعوقه أحد عن هذه الخدمة، فالرزق ماديا كان أو معنويا يغضب ويحزن، واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:{ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين} الدخان 29.
إذن.. فبلاغ الحق في قوله:{ ويكتمون ما أتاهم الله من فضله} النساء 37، يبين لنا أن كل شيء مخلوق هو ملك لله تعالى خالقه وموجده، فليس هناك شيء ذاتي في الإنسان ولننظر إلى الكون حولنا وسنجده كله أغيارا فنحن في حياتنا نرى القادر قد صار عاجزا، ونرى الغني صار فقيرا، والأيام دول.
من أجل ذلك حتى لا تستقر الأشياء أما الإنسان، وما من أحد إلا ويمر أمام عينيه، وفي تاريخه، وفي سمعه إلا أنه كان ثم صار غير ما كان، وما دام المر كذلك فلم لا نعتبر؟
إن البخيل عندما يكنز ما أتاه الله من مال فهو يحرم نفسه منه ويصير المال إلى ورثته وأولاده وقد ينفقونه في غير ما كان يحب، ولا أحد بقادر على أن يخدع خالقه أبدا.
إن البخيل ييسر السبيل لغيره فقد حرم نفسه وادخر، فلمن ادخر، انه ادخر لبشر آخرين، وما دام الادخار لأناس آخرين فهذا يعني أن رزق البخيل ضيق والذين سيأخذونه رزقهم واسع، والبخيل حين
يمنع المال عن الغير فهو قد يسر سبيلا لمن يعطي مستقبلا أي يدبر المال للمنفق في أن ينفقه، انه ييسر السبيل للكريم.
***
فعل السوء
قال الله تبارك وتعالى:{ من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} الأنعام 54.
السوء: وهو الأمر المنهى عنه من الله، وهناك من يعمل السوء بجهالة.
وشائع بين الناس أن الجهالة تعني عدم العلم، وهذا فهم خاطئ للجهالة. إن الذي لا يعلم هو المرء الخالي الذهن، ولمن الجاهلة هو أن يعلم الإنسان حكما ضد الواقع، مثل أن يكون مؤمنا بعقيدة تخالف الواقع.
ومعالجة الجهالة تقتضي أن ينزع منه هذه العقيدة التي ضد الواقع ثم نقنعه بالعقيدة المطابقة للواقع.
إن الذي يسبب المتاعب للناس هم الجهلة، لأن الجاهل يعتقد في قضية ويرمن بها وهي تخالف الواقع، إن الجهالة هي السفه والطيش، والطيش يكون بعدم تدبر نتائج الفعل، والسفه هو أن الإنسان لا يقدّر قيمة ما يفوته من ثواب، وما يلحقه من عقاب، وقد يكون الإنسان مؤمنا ولكنه يرتكب السوء، لأنه لم يستحضر الثواب والعقاب، وبذلك يرتكب من السوء ما يحقق له شهوة عاجلة دون التمعن في نتائج ذلك مستقبلا ولو أن ذلك الإنسان قد استحضر الثواب والعقاب لما فعل ذلك السوء.
ومن معاني عمل السوء بجهالة هو انه ارتكاب الأمر السيئ دون أن يبيت له الإنسان أو يخطط له.
وقوله تعالى:{ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم، وكان الله عليما حكيما} النساء 17.
الله سبحانه وتعالى يقبل توبة مرتكبي الذنب إذا ما ارتكبوه في حالة من الحماقة والطيش ثم يتوبون إلى الله تعالى، هؤلاء يقبل الحق سبحانه وتعالى توبتهم، لكن الذين لا يندمون على فعل السوء هؤلاء يقول عنهم الحق:
{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت، قال إنى تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار، أولئك واعتدنا لهم عذابا أليما} النساء 81.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق