الأحد، يونيو 10، 2012

عبثية اختيار الهيئة التأسيسية الليبية.... احمد موسى صالح

لا مراء أن المقصود لغة "بالعبثية" هو إتيان أمر لا فائدة من ورائه. لذا، فإنني أود ابتداء أن أفصح عن عظيم اعتذاري للمجلس الانتقالي ومجلس الوزراء والمفوضية العليا للانتخابات، وكذا كل مواطن ليبي اشتعلت مشاعره فرحا وغبطة بدنو موعد انتخابات المؤتمر الوطني، لأن كما يقولون "ما كل بريق يصدر من ذهب". ولكن لماذا كل هذا!!؟؟ أهو التشاؤم؟ أم الجهل والاستخفاف بدور الهيئة التأسيسية في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة؟ أم الوقوع في أسر تجربة "جماهيرية الشر اللعينة"؟ في حقيقة الأمر لاشيء من ذلك مطلقا، فالدافع بصفة أساسية هو نص المادة (30) من الإعلان الدستوري المؤقت قبل وبعد التعديل وتداعيات تفسير وتأويل مدلولها لا على الهيئة ذاتها فحسب، بل على مستقبل ليبيا لسنوات أو ربما لأجيال قادمة فلنستكشف أبعاد ذلك بموضوعية ودونما إبطاء أو إسهاب.


يجمع المتخصصون في الدراسات الدستورية أنه لا وجود لطريقة واحدة يمكن بموجبها تشكيل الهيئة التأسيسية بيد أنهم يقرون بضرورة الإفصاح عن الآلية المزمع استخدامها لتشكيل تلك الهيئة، وكذا المعايير الواجب الاستناد إليها لاختيار أعضائها. وهنا لا مناص لنا أن نسأل إلى أي مدى التزم نص المادة (30) بذكر وتبيان تلك الآلية والمعايير؟ وحتى لا نتهم بالشطط والقفز إلى الأحكام وتجاهل الحيثيات. لكل ذلك، فلنقرأ سويا بتمعن نص المادة المذكورة قبل وبعد التعديل، فقبل التعديل عددت المادة(30) مهام واختصاصات المؤتمر الوطني العام حيث كان يجري النص على النحو التالي:
~ يقوم المؤتمر الوطني العام في مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما في أول اجتماع له بالآتي:
1- تعيين رئيس للوزراء ...الخ .
2- اختيار هيئة تأسيسية لصياغة مشروع دستور للبلاد تسمى الهيئة التأسيسية ] لاحظ الحشو الذي لا لزوم له[، على أن تنتهي من تقديم مشروع الدستور للمؤتمر في مدة لا تتجاوز ستين يوما من انعقاد اجتماعها الأول .}
من باب الإنصاف والاعتراف بجهود المجلس، لم تبق الفقرة (2) الواردة أعلاه طويلا حتى طالها التعديل لتصبح على النحو التالي:
~ 2- اختيار هيئة تأسيسية من غير أعضائه لصياغة مشروع دستورا ]هكذا ؟!! تكون كلمة دستور منصوبة وفقا لما أقرته لجنة الصياغة بالمجلس الانتقالي[ للبلاد تسمى الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تتكون من ستين عضوا على غرار لجنة الستين التي شكلت لإعداد دستور استقلال ليبيا عام 1951 وفي كل الأحوال تصدر قرارات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بأغلبية ثلثي الأعضاء زائد واحد على أن تنتهي من صياغة مشروع الدستور واعتماد هذا المشروع ] حشو لا لزوم له مرة أخرى [ في مدة لا تتجاوز مائة وعشرون ] هكذا نكاية في سيبوبه [ يوما من انعقاد اجتماعها الأول.}
والآن لنطرح الأخطاء النحوية جانبا، وليتركز نقاشنا على جوهر القضية . يبدو جليا، أن المجلس الانتقالي بإقراره للتعديل المشار إليه آنفا، قد أدرك أن الهيئة التأسيسية يجب أن يتم تشكيلها على أساس توافقي التزاما بقواعد العدل الطبيعي والجغرافيا والتاريخ وصونا للوحدة الوطنية، وحسنا فعل. إذا فتلك نقطة تحسب للمجلس لا عليه. كل تلك المناقب التي نسجلها لمجلسنا المؤقر لن تزيل صفتي العبثية والغموض عن المادة (30)، وذلك للأسباب التالية:
  • ازدواجية العمل المناط بالمؤتمر وكذا الهيئة، تجعل تكلفة إعداد مشروع الدستور مرتفعة جدا ليس من حيث الموارد الاقتصادية المستخدمة فحسب، بل من حيث الزمن اللازم لتنفيذ المهام المستهدفة بكفاءة وفاعلية. ديمقراطيا،كان حري بالمجلس الانتقالي الاكتفاء بهيئة تأسيسية منتخبة انتخابا مباشرا على مستوى كل منطقة من المناطق الثلاث (طرابلس و برقة وفزان)، عوضا عن الاختيار غير المباشر . علاوة على إصدار قانون انتخابات المجالس المحلية لإحلال أعضاء المجلس الانتقالي بالأعضاء المنتخبين عن كل مدينة أو منطقة وصولا إلى إضفاء صفة الشرعية الحقيقية على المجلس الانتقالي، سواء في اختياره لرئيس مجلس الوزراء للحكومة الانتقالية الجديدة، أو ممارسة وظيفته التشريعية خلال الفترة الانتقالية.
  • إن مهمة بحجم وقدسية وأهمية صياغة الدستور لا يمكن أن تسند إلى جهة – كائنة من كانت – دونما تحديد لآلية تشكيلها، والمعايير التي يجب أن يستند إليها عند اختيار أعضائها. ولكن، وادستوراه !!فلا ذكر للآلية ولا المعايير. فقد ارتأى المجلس الانتقالي إطلاق يد المؤتمر في اختيار الآلية المناسبة والمعايير اللازمة بلا حدود دون تحديد لأي منها بنص صريح، علما بأن المجلس الانتقالي أصر على أن المؤهلات العلمية للترشح للمؤتمر هو"أن يجيد القراءة والكتابة" وذلك وفقا لنص المادة (10) من القانون رقم (4) لسنة 2012 بشأن انتخابات المؤتمر الوطني العام. فهل إجادة القراءة والكتابة تكفي لتأهيل أعضاء المؤتمر لتناط بهم مهمة اختيار اللجنة التأسيسية؟؟!!.
  • إن تبني مبدأ الديمقراطية التوافقية CONSENSUS DEMOCRACY، التزاما بقواعد العدل الطبيعي والجغرافيا والتاريخ وحماية الوحدة الوطنية من الانشطار والتشظي - بعد تعديل المادة (30) واستخدام ذات الأسلوب والمنهج الذي نفذ بنجاح في تشكيل لجنة الستين لإعداد دستور 1951- يعد بحق إحدى مناقب المجلس الانتقالي، بيد أن هذه المفخرة سرعان ما يذوي بريقها بمجرد تذكر أن الهيئة التأسيسية سيتم تشكيلها من قبل المؤتمر الوطني، أي أن اختيار أعضائها سيكون بيد الجهة التي تمتلك الأغلبية اللازمة لإقرار الترشيحات للهيئة التأسيسية، والتي لا أحد يعلم إن كانت بالأغلبية المطلقة أم بالأغلبية النسبية أم بثلثي الأعضاء أو أي نصاب آخر. وبعبارة أكثر وضوحا وصراحة، سيهيمن ممثلو طرابلس بالمؤتمر الوطني على قرار اختيار ممثلي كل من برقة وفزان بالهيئة التأسيسية، الأمر الذي يعني بالضرورة إجهاض فكرة تبني الديمقراطية التوافقية (لجنة الستين) واجتثاثها من جذورها كأن لم تكن.وهنا مكمن الخطر الحقيقي على مستقبل ليبيا الحلم، فليحفظ الله ليبيا والليبيين من تداعيات تلك العبثية.
تلك كانت أبرز سمات العبثية اللصيقة والملازمة بصفة أساسية للمادة(30) المعدلة من الإعلان الدستوري سالفة الذكر، والى حد ما للمادة (10) من القانون رقم 4 لسنة 2012، والتي تعد بحق أكبر العوائق أمام تشكيل الهيئة التأسيسية، ومن ثم صياغة دستورنا الذي نترقبه بتلهف وفرح مشوب بكثير من الشكوك والمخاوف . فهل من مخرج من هذا المأزق؟. لعله من أكثر الحلول قابلية للتطبيق وسهولة في الإجراء، للخروج من هذه المعضلة، هو تعديل المادة (30) مرة أخرى، أو استحداث مادة جديدة ينص فيها على أن يتم اختيار ممثلي كل منطقة (طرابلس، و برقة و فزان) كل على حدة من قبل ممثلي كل منطقة في المؤتمر الوطني، فكما يقال أهل مكة أدرى بشعابها . وهنا لابد من التنبيه إلى أن التعديل المقترح للمادة (30) أو إصدار مادة جديدة سيجنبنا الدخول في معارك قضائية أمام محاكم النقض والاستئناف – لا سمح الله - والولوج في أقبية تفسير النصوص وتأويلها مستندين في ذلك إلى القاعدة القانونية الراسخة "لا اجتهاد مع نص". وليوفق الله ويبارك في كل جهد صادق لبناء ليبيا الحلم... ليبيا العدل والديمقراطية... ليبيا الخير والنماء والاستقرار من اجل كل الليبيين على اختلاف رؤاهم ا وانتماءاتهم الثقافية والعرقية.
أحمد موسى صالح
عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد، جامعة بنغازي
ahmed.saleh20@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق