الخميس، ديسمبر 08، 2011

معذرة سيدي المستشار... صلاح المرغني

عذرا سيدي المستشار! بلاش حكاية القضاء المستقل في سابق الزمان و"راهو ما في حد على رأسه ريشة"

ترددت كثيرا في كتابة هذه السطور أرجأت نشرها يوما بعد يوم خشية أن تكون مساهمة سلبية في مسيرة تحرير هذا الشعب والوصول إلى الهدف المنشود بإقامة دولة العدل وسيادة القانون والحريات وحقوق الإنسان إلا أنه نظرا لتكرار ما سمعته منكم يقال على الملأ كان لابد من الصدع بالأمر وعلى الملأ أيضا لتصلكم رسالة واضحة في خضم زحمة المسئوليات الجسام والأمانة الثقيلة الملقاة على عاتقكم وعواتق زملائكم في المجلس الوطني الانتقالي المؤقت منذ انحيازكم التاريخي للشعب الليبي ضد الطغيان والظلم. وبعد التوكل على الله سبحانه والتضرع إليه أن يشرح لي صدري وييسر لي أمري ويحل عقدة من لساني وقلمي فتفهموا قولى المبتغى هنا هو التحذير والرفض لتصريحات متكررة لسيادتكم نراها خاطئة ومؤذية ومعرقلة لتحول ليبيا من الثورة إلى دولة القانون المنشودة وقيام سلطة قضائية حقيقة مستقلة (وليس لدولة المجاملة على حساب الحق والعدل والصدق) وبالذات فيما يتعلق بدفاعكم المستميت والمتكرر عن حالة السلطة القضائية السابقة وقولك بأن الجهاز القضائي سابقا في ليبيا كان بخير وأنه "لم يخترق" وأنه كان "مستقلا" على حد تعبيركم وكأنك تتحدث عن سلطة قضائية لا نعرفها أو في بلد أخر أو كوكب بعيد. ومن منطلق الحرص على المصلحة العامة وصدق الذاكرة الوطنية التى لا ينبغي أن تشوه وبكل تواضع مدعوم بحقيقة أن كاتب هذه السطور قد عايش القضاء الليبي من واجهتي منصتة ومن خارجهما لمدة قاربت لآن الأربعين سنة وأن هناك العشرات من الأساتذة القضاة والمحامين الكرام يمكنهم أن يصححوا ما قد يزل من قولي:



  1. كانت البدايات للإيقاع بالقضاء يا سيدي المستشار بعد انقضاء شهر العسل بين القضاء ونظام القذافي في سنة 1973 بعد ما عرف بخطاب زوارة والثورة الشعبية لتعقبها بعد ذلك حقبتا الثمانينات والتسعينات شديدتا السواد إلى أن ترهلت العلاقة بين القضاء والسلطة في العقد الأول من هذا القرن والذي عايشتم بعضه كأمين للجنة الشعبية العامة للعدل وفي وقت طفت إلى السطح فيه مفاهيم إصلاحية وهمية ما لبثت أن انقشعت.
  2.  فشل القضاء في عهد المقبور فشلا ذريعا في تطبيق حتى الحد الأدنى من العدالة في كل ما يتعلق بالقضايا السياسية وقضايا الحريات وحقوق الإنسان أو حتى تلك ذات الصبغة السياسية أو القضايا العادية التى مست الأسرة الحاكمة أو حواشيها أو معاونيها أو مخابراتها وما تبعهم من عصابات فيما اقتصرت التطبيقات القضائية المقبولة على القضايا المدنية والتجارية والجنائية خارج ذلك النطاق (أي أن القضاء فشل في وظيفته الأساسية من إيقاع رقابة قضائية فعالة على تصرفات السلطة التنفيذية فيما يتعلق بالحريات والحقوق الأساسية للإنسان).
  3. سيدي المستشار: لعلك تعلم أن شرفاء من عناصر القضاء في عهد المقبور تعرضوا للفصل والسجن والتهديد والإبعاد بل والعزل أو أجبروا على الفرار أو الاستقالة من الهيئة القضائية وأن كم من محام قتل واغتيل غدرا في الداخل والخارج وخطف وعذب دون نصير قضائي ينصفه وكم من محاضر قضائية زورت وأرسل بها إلى "الانتربول" بهدف الإيقاع بمعارضين ليبين فروا إلى الخارج من بطش وإرهاب نظام المقبور.
  4. سيدي المستشار: كم من محكمة أستثانية ظالمة غاشمة أُنْشأت وطعن المحامون في قوانين إنشائها وعرضوا أمرها على أعلى سلطة قضائية (مستقلة!) في "الجماهيرية العظمى" بأمل أن تصدح أو على الأقل أن تهمس بالحق وتحكم بعدم دستوريتها أبت إلا السلامة ومملاءة السلطة وكم من قضية عوملت في المحاكم الأدنى بذات الطريقة ولعل ملفات ومحاضر ومشاهد جلسات المحاكم ومحكمة الشعب ونيابة أمن الثورة ونيابة ومحكمة أمن الدولة تشهد على ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر وضع القضاء "المستقل"!! طعنا دستوريا في تعديل قانون محكمة الشعب سيئة السمعة في " درج" هذا (القضاء المستقل) لما يزيد عن عشر سنوات ولم يظهره إلا بعد إلغاء محكمة الشعب بثلاث سنين!!! فهل تريد رقم هذا الطعن فهو موجود بين أيدينا شاهدا على التاريخ.
  5. أين كان "القضاء المستقل!!" سيدي المستشار عندما شنق الشباب في الجامعات والميادين دون محاكمة؟.. ألم تكن تلك جرائم قتل مع سبق الإصرار والترصد وباستعمال وسائل وحشية ولأسباب دنيئة؟لماذا لم تنتقل النيابة العامة المنتمية "للقضاء المستقل!!" الذي تتحدث عنه سيدي المستشار وتحقق في تلك الجرائم وفقا للقانون؟ الم يقبع "القضاء المستقل!!" في مكاتبه يرتجف خوفا أو يبتغي السلامة وأين كان ذاك "القضاء المستقل!!" في قضية النادي الأهلي ببنغازي وما صدر فيها من أحكام.
  6. سيدي المستشار أين كان " القضاء المستقل!!" عندما وقعت المذابح ومنها بلا شك مذبحة سجن "بوسليم" المعروفة عام 1996 على بعد لا يزيد عن كيلومترين من مجمع المحاكم والنيابات؟ الم يسمع بها القضاء المستقل؟ أين كانت النيابة العامة من كل ذلك؟ الم يكن لها حق وواجب التفتيش على السجون وهي صاحبة الدعوى العمومية والاختصاص والتحقيق؟
  7. أين كان القضاء المستقل سيدي المستشار عندما عذب شباب بني وليد بإطلاق الكلاب عليهم في زنزاناتهم في قضية مظاهرات بنى وليد عام 1995 عندما خرج شباب بني وليد تهتف ضد الطاغية المقبور وكتبوا على سوق المدينة بالبنط العريض " يسقط الطاغية القذافي"ّّ!؟ وماذا فعلت المحكمة المنتمية "للقضاء المستقل!!" تجاه ذلك؟
  8. أين كان "القضاء المستقل!!" سيدي المستشار عندما فشل في التصدي للظلم البواح باستمرار سجن من صدرت أحكامهم بالبراءة من أحرار ليبيا لسنوات وعقود وأفرج عن بعضهم بـ "مكرمات" القائد " المقبور راعي ذاك "القضاء المستقل!!"؟ وألم يتول أعالى مناصب النيابة العامة راجل الأمن واللجان الثورية؟ وأين كان "القضاء المستقل!!" عندما أختطف الناس وقتلوا وعذبوا والقي بهم على قارعة الطريق بين الحياة والموت ليس فقط في حقبة الثمانينات والتسعينات بل في السنين الأخيرة في ظل مشروع " ليبيا الغد " المزعوم وهل تصدى "القضاء المستقل!!" حينها حقيقة لذلك أم جامل السلطة ونظر إلى الناحية الأخرى لأن الفاعلين كانوا فوق القانون؟ وأنت تعلم أن القائمة طويلة وطويلة جدا وكل ما نتحدث عنه هنا هو قبل 17 فبراير بسنين وعقود ولعل ما عاناه الزميل "جمعه عتيقة " الذي قيض الله له أن يبقى على قيد الحياة وأن يفلت من مذبحة أبي سليم ليروي لنا معاناته في السجن بعد البراءة وكذلك ما وقع على " ضو المنصوري" من خطف وتعذيب وظلم وما عاناه من أضعاف ذلك كثيرون آخرون من أمثال فتحي تربل وزملاء له نسيناهم وضحايا غيرهم قد لا يعلم بهم أحد الآن لأنهم لا يكتبون يذكركم باستقلال قضاءنا المقال به.
  9. سيدي المستشار أين كان"القضاء المستقل!!" عندما كان يلقى بالناس في غياهب السجون لعشرات السنين دون تحقيق أو محاكمة وينقلون من درنة وبنغازي وإجدابيا ناهيك عمن هم من طرابلس والزاوية ومصراته والجنوب وما بينهم إلى سجن أبي سليم بينما كان "القضاء المستقل!!" يرى عذابات أهليهم في السفر والإقامة بل وقيام السلطات الأمنية بالاستيلاء على حاجياتهم بعد أن قتلوا ولا ننسى إذلال الأمهات والآباء الذين لا حول لهم ولا قوة وألم يكن من واجب النيابة العامة وقضاة التفتيش المنتمين إلى "القضاء المستقل!!" أن يتحققوا ويفتشوا السجون وأي أماكن اعتقال خارج القانون؟ وألم يسكت "القضاء المستقل!!" عن كل ذلك لأن من أمر به كانوا فوق القانون؟ّ! ماذا فعل "القضاء المستقل"!!الذي تذكر محامده؟ أفدنا أفادك الله!!!
  10. سيدي المستشار قائمة الانتهاك في ظل ما وصفته بـ "القضاء المستقل!!" طويلة جدا والآمها مبرحة وجروحها عميقة! ومقولة استقلال القضاء في عهد المقبور هي من باب الباطل.. وحاشك من قول الباطل.. أليس كذلك؟
    على كل حال ندعوكم سيدي المستشار لأن تنكبوا الآن على دعم جهاز القضاء والنيابة العامة تدريبا وتأطيرا (لكي لا يحكموا كما فعلوا يوما "برفض الدعوى شكلا وموضوعا"!!!) ليصبح قضاء قويا عادلا عالما(لا يحكم برفض الشكل ثم ينظر الموضوع فيحكم برفضه!! لا لشئ إلا لان القضية تتعلق بسجن أبي سليم ونزلائه قبل المذبحة والتى لو تدخل "القضاء المستقل!!" في قضاياه لما حدثت الكارثة ). نريد قضاءا لا يخشى في الحق لومة لائم مهما بلغ شنآن المعتدي ولوا كان من الثوار أو الأبطال أو الكتائب أو غيرهم ممن قد يحاول مستقبلا أن يتبوأ مرتبة "فوق القانون" تأسيا بالماضي و"قضائه المستقل!!" وآمل أن توفر للقضاء الحصانة والحماية من الاعتداء مع المراقبة والمحاسبة الشديدة عن كل انحراف.
  11. أتأمل سيدي المستشار في هذا المقام أن نميز بين الحديث عن سجلك الشخصي الحسن كأمين للجنة الشعبية العامة للعدل في آخر حكومة للقذافي وبين حالة جهاز القضاء والمدى الذي كان يقوم "القضاء المستقل!!" فيه بحماية الحريات والحقوق الأساسية للإنسان طوال أربعين سنة ونيف وحتى لا يختلط الحابل بالنابل.
  12. لا يفوتني هنا من باب الإنصاف أن أحي من القلب ثلة من القضاء وأعضاء النيابة الذين وقفوا دائما إلى جانب الحق كل حسب قدرته وظروفه وطلب من القلب لغيرهم ممن خانته الشجاعة وقت الشدة أن يتركوا القضاء لأهله "فالقضاة ثلاث اثنان في النار وواحد في الجنة " فاحذروا" فإن تولى القضاء ليس "أكل عيش" فقط.
ومعذرة سيدي المستشار فيما قد نكون قد تطاولنا فيه فالحق يعلو ولا يعلى عليه حتى من ذلك الرجل الطيب الذي عرفنا عنه يوما التواضع كأمين للجنة الشعبية العامة للعدل الذي أبتسم في وجوهنا يوما بينما تجهم آخرون وهددوا، ارعدوا ومنعوا من السفر وأصدروا أوامر القبض وقالوا بالويل والثبور وعظائم الأمور لمجرد كلمة حق قيلت بصوت خافت ومعذرة من أساتذتنا القضاة جميعا فالحق يجب أن يقال ليكون القضاء الحصن الحصين للأمة ولا تتكرر التجربة.
ويقولون ونقول معذرة "ما في حد على رأسه ريشة"
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق