الخميس، ديسمبر 29، 2011

مجلس يسمع ما يكره .. ويفعل ما يريد... عبد الرحمن الشاطر

لأكثر من ثلاثة أسابيع وشبابنا في ميدان الشجرة في بنغازي وإخوانهم في ميدان الجزائر بطرابلس يواصلون اعتصامهم مطالبين بتصحيح مسار الثورة وتنقيتها من الشوائب التي بدأت تظهر وتتوغل في أوصال الدولة لتمثل خطرا مؤكدا على صحة مسارها ما قد يؤدي الى سرقة الثورة لصالح تيار أو تيارات سياسية مذهبية معينة.
وطوال هذه المدة لم يتزحزح المجلس الوطني الانتقالي المؤقت عن صمته وعدم مبالاته بهذين الاعتصامين..
وطوال هذه المدة ظل التأييد لهاتين الوقفتين الشجاعتين حبيس المرابيع والجلسات الخاصة.


غاب عنهما المؤيدون لها من أحزاب ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني..
غاب عنهما الوطنيون الذين فضلوا دفء منازلهم على برودة الجو في الميدانين.
غاب عنهما الحقوقيون ونقابات المحامين وهم الذين يلعلعون في المرابيع بأنهم حماة القانون والعدل والشفافية..
غاب عنهما اتحادات الطلبة في الجامعات .. وهم الذين كان النظام السابق يتوجس خيفة منهم..
غاب عنهما الكثير من أهالي الشهداء والجرحى والمفقودين وكأن الموضوع لا يخصهم..
غاب عنهما الشباب الذين لم يقاتلوا وقت لزم القتال .. وفضلوا الصمت في انتظار عودة الحياة إلى طبيعتها.. تمنطقوا بالكلاشنكوفات .. وأقاموا البوابات والمتاريس.. في مظاهر استعراضية لبطولة على وشك ان تسرق منهم.
غاب عنهما أصدقاء الشهداء والجرحى والمفقودين .. أداروا لهم الظهر وقت الحاجة لوقفة منهم تحرك الضمائر الميتة. أكثر من مائة ألف بين شهيد ومصاب ومفقود .. أين صديق واحد مخلص لكل واحد منهم في هذين الميدانين؟
غابت عنهما القنوات الفضائية في التغطية اليومية لحشد التأييد لهما لمن لا يفهمون (البقري الا بالكرشة).
غبنا جميعا ولم نمارس الانضمام الى هذين الاحتجاجين ولو لأربع ساعات في اليوم .
غبنا جميعا وكأننا نقول للمجلس الوطني الانتقالي المؤقت بأنه على حق . وأن المعتصمون على خطأ.
فهل الأمر حقا هو كذلك؟
أنا اسمع الانتقادات في كل لقاء وكل محاضرة وكل ندوة أو حلقة نقاش ..بل انني أسمعه في طوابير الخبز وفي أسواق الخضار. وأكثر من ذلك سمعته من أعضاء في المجلس الوطني الانتقالي المؤقت. بل ان رئيس المجلس صرح بأن المجلس والحكومة غير قادرين على السيطرة على الأمور. ما يجعلني متأكدا بأن أداء المجلس الوطني الانتقالي المؤقت لا يسير في الطريق الصحيح وبالوثيرة التي نتمناها وبالشفافية التي نطالب بها.
بت على وشك اليقين أن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت يعد لنا طبخة لن نستسيغها على الاطلاق.. وأنه يتصرف متمثلا الحكمة الليبية (يسمع ما يكره .. ويفعل ما يريد).
بت متأكدا أن هذا المجلس بتشكيلته الحالية لن يوصلنا الى بر الأمان.
هؤلاء المعتصمون لا يطالبون بوظائف ولا قروض ولا منح ولا هبات .. انهم يطالبون بأشياء جوهرية تمس حياتنا ومستقبل الوطن بصورة أشمل.. يطالبون بأن لا تسرق الثورة بعد أن قدم الشعب على قربان الحرية أربعون ألف شهيد وخمسون ألف مفقود وأكثر من ستين ألف مصاب وجريح وثمانية آلاف حالة اعتداء على الشرف.. ناهيك من المشردين واليتامى والأرامل .. وجروح غائرة لن تندمل أبدا.
هؤلاء المعتصمون يقولون لنا : فيقوا من سباتكم قبل أن يجرفكم السيل بتطبيق سياسة ومواقف (معلشي) اعطوا للمجلس فرصة .. أعطوا للحكومة فرصة. ولا يسألون لماذا لا يعطوننا فرصة الثقة فيهم بتقديم أداء شفاف بخطة واضحة.
المجلس الوطني الانتقالي المؤقت اعتمد معايير تقلد الوظائف العامة . ولم ينفذها. أليس هذا خطأ أو تضليلا للرأي العام يستوجب الاعتصام؟
المجلس الوطني الانتقالي يصدر لنا التصريحات المطمئنة على نسق سياسة (القذافي) الذي كان يقول لنا (سوف نوزع عليكم الثروة) ثم يعطي البعض عشر نعجات عجاف... أليس هذا سببا للاعتصام؟
المجلس الوطني الانتقالي لم ينظف صفوفه من المتسلقين وأتباع القذافي ولم يستكمل تشكيلته وفقا لنص الإعلان الدستوري.
أليست هذه من الأسباب التي تبرر الاعتصام؟
المجلس الوطني الانتقالي بدأ يرد على المحتجين عليه بأنهم طابور خامس.. ورفع من وثيرة التحدث عن أتباع النظام السابق وخطرهم. فهل هم أخطر على الثورة الآن بعدما انتصرت. أليس هذا تخوينا للوطنيين الأحرار يستدعي الاعتصام؟
ألا يمثل هذا كما للأفواه يستدعي عدم السكوت والخروج للاعتصام؟
المجلس الوطني الانتقالي يقول لنا بأن حياتنا في المستقبل سوف تكون رغدة.. وأنه سيمنح القروض..والبعثات الدراسية..والفلل والشقق السكنية.. انه يستنسخ سياسة (القذافي) في المن علينا من أموال الشعب. . وعود مبنية على كلام طائر في الهواء.. وهو المؤقت مكسور جناحي الأمن والسيولة والمدة التي تؤهله لأن ينفذ وعود تحتاج إلى عشرات السنين .. هل يقول لنا المجلس بهذه الوعود بأنه باق ودائم وليس مؤقت لمرحلة انتقالية؟ هل يريد أن يلمح لنا بأنه سوف يتحول الى مجلس لقيادة الثورة ليصير خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه بالنقد؟ ألا يعني هذا بداية الهيمنة لصنع دكتاتورية جديدة؟.. ألا يبعث هذا على القلق وإشاعة الخوف ما يستدعي الاعتصام؟
المعتصمون لا يطالبون بتوزيع الغنائم على المجتمع الليبي ..ولا يطالبون بـ (توزيع الثروة) انهم يطالبون بتصحيح مسار الثورة حتى لا تنحرف .. وحتى لا تسرق.. وحتى لا تضل طريقها فيتجه المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بسفينة الوطن بدل شاطئ الأمان فتجنح الى شاطئ مملوء بالصخور فتتعطل مسير تها وقد تتكسر.
المجلس الوطني الانتقالي يطأطئ رأسه لبعض الدول لمجرد أنها ساعدتنا .. ولا يقول لها كما نقول شكر الله سعيكم نحن مستعدون لتعويض ما خسرتموه من أموال من أجلنا وبارك الله لكم في مجهوداتكم ووقوفكم معنا. اتركونا نصنع دولتنا بأنفسنا كما صنعها أجدادنا وآباؤنا.
المعتصمون لديهم رؤية أن ليبيا لديها امكانات بشرية هائلة وهي ليست في حاجة لأن تتعلم من دولة عمرها عشرات السنين وليبيا عمرها آلاف السنين.
المعتصمون يقولون أن ليبيا ليست للبيع .. وأن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بتشكيلته الحالية غير مؤهل لأن يقود معركة بناء الدولة بحيث تأتي ولادتها طبيعية وليست قيصرية عن طريق التدخلات الأجنبية.
مخابرات الدول الأجنبية تملأ البلد.
مخططات الدول الأجنبية رسمت وهي في طور التنفيذ.
الأموال الأجنبية تغدق على الخونة من أبناء هذا الوطن ليؤسسوا لهم حكما يكونون هم البيادق فيه.
المعتصمون في ميدان الشجرة وفي ميدان الجزائر .. يقولون لا لكل هذه التدخلات . ولكي نوقف كل هذه التدخلات ينبغي أن يصحح مسار الثورة.
هل تسمعون أيها النائمون في الدفء .. دفء بيوتكم ودفء قلوبكم الطيبة التي تنتظر من السماء أن تمطر لكم ذهبا.


المصدر: ليبيا المستقبل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق