الخميس، ديسمبر 15، 2011

ما هكذا تؤكل اللقمة يا بني.... علي عمر التكبالي

أحسست بالدماء تندفع في العروق الجافة وأنا أراقب الشباب الذي خرج إلى الشوارع يركض فوق الحواجز مخترقا "تابو" الفضائيات وجدران الصحف الباهتة، ناشرا قلبه فوق أمواج الريح.. كانت هذه العصافير هناك منذ زمن تراقب وتحسب، وتأمل وتنتظر يوما ويوما، وشهرا وشهرا حتى بلى ريشها، ووهن صبرها، فكسرت الخط الوهمي العازل بين حُبّ عشها وعبادة سجانها، فاندفعت سربا طائرا يغني أغنية الحب الخالدة.
كانت هذه العصافير تعلم أن سجانيها أكبر من سجنها وأنهم سوف يصرّون على حبسها حتى بعد أن بعث الله لها من يخبرها بخلاصها. كانت تعلم عبر وشوشات جيرانها بأن السجّان في بلاد العرب هو من أسوأ السجانين في الدنيا: يتلكأ، ويسوّف، ويستنظر، ويتعلّل بالطقس، وندرة الحبّ، وقلة الماء، ثم فجأة بعد أن يضيق الصدر، وينفذ الصبر يستنبط كل الحلول الممكنة، والغير ممكنة والتي كان بإمكانه أن يجود بها قبل الحدث.
ما آلمني أن ُتحارب العصافير بنفس أسلوبها، فتخرج طيور مناوئة حين تسمع غربان الحكومة تنعق عبر الهواتف تخوّن الذمة، وتثبط الهمة، وتفرق اللمة.
ما الفرق بين من ينعت الأحرار بالجرذان، وبين من يصفهم بالطابور الخامس والمندسين والخوان؟ ما الفرق بين من يسبّ"الجزيرة" ويحاول ليّ رقبتها، وبين من يسفّه قرار "ليبيا الأحرار" بنقل مظاهرات الشباب، ثم يمدحها حين تنقل ما يفعله. هل آل بحرنا بعد تمدد إلى انحسار، وهل انكمشت أيادينا بعد أن نكصنا عن أمانينا فصار ما بنيناه إلى دمار!.
إخوتي الليبيين الشرفاء... نحن ما قمنا بالثورة لنكبو في حفرة.. نحن ما خرجنا على الطاغية التي كان يختصر البلاد في حذائه كي ننحني أمام رموز أخرى.. لا بد لنا من الأيمان بأن عهد عبادة الفرد قد ولّى، وأنه ما من شخص يستطيع إسكات الشعب مهما تعلىّ.

كمواطن يرنو إلى أفق يمتد خلف الغيوم الداكنة أسجّل خيبة أملي، وأسفي، وحزني فوق رقعة من الجلد الناشف بحبر أسود، وأحمل أوراقي عائدا إلى مخدعي كي أراجع تطلعاتي التي كتبتها بلون الأمل الزاهي.. أهكذا تكون فرحتنا بالحرية؟.. أهكذا نعامل الوليد الذي بدأ يخطو في دروب غير ممهدة.
أحضرهم الطاغية في "الساحة الخضراء" وقال هاهم الملايين يهللون لعظمتي ويركعون تحت هامتي، ونادتهم الرسائل القصيرة كي يهتفوا باسم جديد يعيد رسم رمز قديم فوق الوجوه الشابة.
سيدي الحاكم.. أذكّر ففي الذكرى عبرة، وفي العبرة اعتبار، وفي الاعتبار سلامة. أنا أعلم أنكم تعون الدرس الذي لم يمض على تعليمه لنا سوى أيام، والذي أرسل بكل حكام المنطقة إلى كهوف النسيان، وأعلم أنكم أعقل من أن تدخلوا في نطاح أكباش مع فحول فتيّة، لذلك أتمنى عليكم بنيّة الغافل، وصحوة الجافل أن تزحفوا فوق كبريائكم، وأن تنزلوا من عليائكم التي أراد غيركم أن تسكنوها ضد رغباتكم، وأن تخرجوا إلى أبنائكم معلنين لهم عن حبكم وإخلاصكم، وحرصكم، وسعيكم على عمل ما يطلبونه.. وأنصحكم ثلاث:
1.    أن لا تنسوا أنكم هنا لأنهم هناك.
2.    وأن تشدّوا نفسكم إلى الأرض بكبل من حديد.
3.    وأن تروا العروس قبل أن يزورها العطار.

وها أنا يا سيدي أفسّر.. الأولى لا تحتاج إلى كثير عناء فهناك من يود أن يسمعكم تقولون: "إني أسمعكم."
أما الثانية فهي لا تخفى على من هم في فطنتكم.. فالكرسي الذي تعتلونه غادر وكافر ولا يقود إلا إلى المقابر، ورحم الله من أبى أن يسير فوق الإثير.
والثالثة أن لا تركنوا إلى من يهمس في أذنكم بما يرضيكم.
أيعقل يا سيدي أن نخرج على الشباب الهادر في الدروب بحل بائس يقترح أن تكون بنغازي عاصمة مزدهرة.. أيعقل يا سيدي أن يخرج علينا عضو في المجلس الانتقالي يمارس وظيفة مزدوجة مقلدا "إبن الطاغية،" فيلوّح لشباب الغد اليائس بأن مدينتهم ستكون العاصمة الاقتصادية.. من علّم المحيطين بكم بأن العواصم تولد بفرمانات من السلطان، أو بقرار من "الساعدي العرادي؟"
أيعقل يا سيدي أنه في الوقت الذي نحاول فيه لملمة بلادنا المشتتة والعضّ على السكاكين التي أثخنت أجسادنا المهترئة نرى من يمزق أوصالنا بنقل وزارة هنا وأخرى هناك، مخترعا سابقة لم نرها في أي بلد، متعللا بتوزيع السلط؟.. أيعقل يا سيدي أن تنقل الوزارات خارج العاصمة إدعاء بالخروج من دائرة المركزية؟.. أهكذا تعالج الأمور عند مستشاريك؟.. أهكذا نحاصر القبلية البغيضة؟.. أهكذا ندخل القرن الواحد والعشرين؟.. أهكذا نخطو فوق عشب الحرية البارض؟.
ما هكذا تؤكل اللقمة يا بني!.. عبارة قالها والد "طه حسين" الضرير، وهو يراه يقرّب يده إلى فمه فتحيد إلى أنفه.. رأيت أنها أبلغ ما يقال اليوم عن طريقة معالجة ما يقوم به شباب أراد أن يقول نحن هنا.
الازدهار لا يأتي بوعود سريعة غرضها الأساسي محاصرة المظاهرة، ومحاربة المركزية لا تتأتى عن اقتراحات مهربة من عصر الجاهلية. الازدهار حالة دائمة تنمو باطراد ورويّة عبر معطيات متوفرة، وعقلية متنورة، وأساليب متطورة.. والحيد عن المركزية يكون بإنشاء الدواوين، وسن القوانين، ورفع العبء عن المواطن المسكين.. هل سمع مستشاروك "المجددون"في حياتهم بدولة كبرى مثل أمريكا تمتدّ حدودها من المحيط إلى المحيط، ومن رقعة الجليد إلى خليج العواصف أن نقلت وزارة الدفاع مثلا إلى ولاية "آلاباما؟" ما هذا التفكير السخيف، والتصميم المخيف على إثارة زوابع القبلية التي خمدت، ونعرة التملك الجهوي التي سكنت؟.
سيدي الحاكم الغافل المسلّم أمره لمريديه وحاشيته.. أقول، والحق أقول أن البحر كالجمل يهيم بتكرار فعلته وأراه – كما قلت للطاغية السابق بعيد الثورة – يرتفع حتى يطغى على خط المدّ السابق.. فحذاري، حذاري من البحر والشعب.. البحر يثور بلا قاعدة، والشعب يمشي وهو قاعد.
أعلمكم- وأنتم ولا شك تعلمون - أن الشباب الذين مشوا حفاة فوق الأشواك بالأمس في بنغازي ما كانوا يبحثون عن عاصمة اقتصادية أو وزارة بريدية.. لقد ملّوا التسويف وسئموا التخويف فهتفوا يسألون بصوت واحد: "أين الحرية التي رسمناها بالأحمر فوق الآفاق، وأين الوعود العسلية حلوة المذاق؟"
أهيب بكم يا سيدي الحاكم الذي يعرف ما يريد، أن تخدم بلادنا ببث اجتماعاتكم عبر الأثير، وأن تفسر لنا اللغط الذي يدور، وأن تعيد لنا حريتنا في انتخابات نقرر بها المصير.
تقوم الدول الديمقراطية ببث اجتماعاتها الدورية بثا مرئيا يكفل للمواطن معرفة ما يجري، ومراقبة من يقول فيلتزم ولي الأمر بالأمر، ويتحاشى الحيد عن السطر.
وفي الدول الديمقراطية لا يرمون من يخالفهم الرأي بالخيانة بل يخرجون إليه بشجاعة العادل ويبينون لهم ما خفي عن الغافل.
  •   سمعت من يريد أن يعرف سبب ترك الكثيرين من المستفيدين من النظام السابق في وظائفهم الأصلية، أو تعيينهم في وظائف أعلى وكأن البلاد خلت من المواهب.
  • نما إليّ أن الكثير من التكليفات العشوائية طالت الأقارب والأباعد في نسق يتناغم مع العهد الغابر.
  • وقال رجل ضرير أنكم قابلتم أحد رجال العهد الغابر ونفحكم منحة كبيرة من مال مسروق منا، ولم نسمعكم تخبروننا عنها وكأننا غير راشدين أو أننا كزوجة الخائن التي هي آخر من تعلم.
  • وأخبرني رابع بأنه كان ينتظر أن يشارك في اختيار من يحكمه فمنعوه، وأراد أي يقول "لا" فكمّموه.. قال أن كل من جلس على كرسي حقير تملكه وجعله قطعة من أثاث منزله. توسل إلي أن أنقل لكم – ظانا أنني من الواصلين – أنه يريد أن يرى المجالس تحل، والأصوات تعلو، والجمع يتكاثف.
  •   والخامسة يا سيدي تريد مني تهيئة حتى لا أقع في المحظور، فاكتموا نفسكم يا سيدي، حتى يتسع صدركم، وبسملوا - فأنكم حسب علمي – من المبسملين وقولوا لنا أنكم لا تتدخلون عمدا في عمل الحكومة، وأنك تمارسون سلطاتكم التشريعية حسب القانون.
سيدي الحاكم.. ما كتبت كي أنال حظوة وأنتم تعلمون أن الكتابة مشي فوق الجمر، وما رصفت أحرفي كي أعبر بها إلى بر آخر فأنتم تعرفون أن لمكاني قداسة، ولكني أردت أن أذكّر.. أردتكم أن تمسكوا الماء المالح في قبضتكم قبل أن يسيل من كل الشقوق.
طرابلس13/12/2011


هناك تعليق واحد:

  1. أنصحك يا تكبالي قبل أن تتكلم في أمور العامة أن تهتم بأمورك الشخصية و تصلح علاقتك مع الله الذي هو ربك و هو الأحق بالعبادة شئت أم أبيت أنت و من هم على شاكلتك من الذين يسعون لأنحراف المجتمع عن الفطرة، اتقوا يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سلييييييييييييييييييييييييييييييم.

    ردحذف