الثورة اعصار سيدمر كل ما يعترض الطريق الى الحرية، لذلك من المستحيل ان توجد ازمة اقوى من الثورة.
ان ثورة 17 فبراير المباركة، في طريقها الى تحقيق اهدافها كاملة باذن الله، اسقاط النظام الساقط اصلا، وترسيخ دولة الامن والحرية والقانون والمؤسسات والامان، واعادة الحقوق الى اصحابها، والقصاص لدماء الضحايا والشهداء. كل ذلك قادم باذن الله لا محالة. ولا تنازل عن ذلك.
لكن البعض لم يدرك ذلك بعد، اي لم يدرك حقيقة انتصار ثورة 17 فبراير، فاخذوا من حيث يشعرون، او من حيث لا يشعرون، يتعاملون ويتفاعلون ويتخاطبون مع الثورة، كازمة سياسية، وليس كثورة اندلعت ضد اعتى الديكتاتوريات المعاصرة.
التعامل والتخاطب مع الثورة الليبية، كازمة سياسية، ادى الى تغلب مصطلحات "الازمة" على مصطلحات "الثورة"، في خطابنا السياسي والاعلامي، فاصبحنا نسمع ونتحدث عن مفاوضات، وحوارات، ودراسات، وخلافات، واختلافات، واجتماعات، وتصريحات، وندوات، وصفقات، ومبادرات، وصلح، واتصالات، واصلاحات، ولقاءات، ونقد، ونقد اخر، ورأي، ورأي اخر، وتصريح ونفي، ثم نفي اخر، وتصريح اخر بعده.
فما هو شعور الثائر المقاتل في الجبل الغربي، او في الزنتان، او البريقة، او مصراتة، او زليتن، او في اي بقعة من بلادنا الحبيبة الثائرة، وهو يسمع عن الف اجتماع واجتماع، والف مؤتمر ومؤتمر، والف مبعوث ومبعوث، والف حوار وحوار، والف تصريح وتصريح، بينما همه الاول، شيء من سلاح، او طعام، او دواء، او جرعة ماء، تمكنه من الصمود الى ان يحطم بقايا النظام المنهار في ليبيا.
بل ما هو موقف او مشاعر ابناء ليبيا في المناطق التي لم تتحرر بعد، وما هو موقف او مشاعر الاسرى، الذين رأيناهم بين ايدي كلاب الدم، وهم يسخرون منهم ويجرجرونهم ويضربونهم ويحتقرونهم ويعذبونهم على الهواء، يطلبون منهم ترديد مقولة المردة والشر والشيطان (الله ومعمر وليبيا وبس). ما هو موقف او مشاعر هؤلاء، وهم يسمعون الالاف من ابناء وطنهم، يخوضون مع الخائضين، في حوارات وافتراضات ومفاوضات واستنتاجات وتوقعات واقتراحات جدلية، لا علاقة لها بواقع الثورة والثوار.
لابد اذا ان يطغى خطاب الثورة من جديد، ويعود اعلى واقوى من خطاب الازمات، وخطاب المشاكل والخلاف والعناد والخلافات، لابد ان يصعد خطاب الثورة الى اعلى وان ويبرز قويا من جديد، وايجابيا، في جميع وسائلنا الاعلامية، المطبوعة والالكترونية والمرئية والمسموعة، ولابد ان تسيطر روح الثورة على احاديثنا وحواراتنا ومناظراتنا وسجالاتنا، لابد ان يعود الحديث عن الثورة والتعامل والتفاعل معها وكأنها اندلعت اليوم.
لابد ان تبرز من جديد معاني ومصطلحات ومترادفات القمع، والظلم، والاستبداد، والتنكيل، والقصاص، والجهاد، والنضال، والمقاومة، والكفاح، والحرية، والنصر، والايثار، والعطاء، والصمود، والصبر، والفداء، والتحرير، فهذا هو خطاب الثورة، اسبابا ووقودا وممارسة واهدافا.
ان بروز خطاب الثورة قويا من جديد، وتراجع خطاب الازمات السياسية، سيجدد ارتباطنا وتمسكنا باسباب الثورة نفسها، تلك الاسباب التي تضمن لليبيا والليبييين، مواصلة الثورة بنفس القوة والاندفاع والحماس الذي بدأت به، كما يضمن انتصارها باذن الله.
بل ان بروز خطاب الثورة قويا من جديد، سيحطم الاقلام المرتزقة، ويخرس الالسنة التي وجد اصحابها فرصة ذهبية، في اجواء اللغط والجدل والخلط الذي خلقناه بايدينا وبالسنتنا، فغمسوا اقلامهم في دماء الشعب الليبي، واطلقوا لالسنتهم العنان، واخذوا يتخبطون يمينا وشمالا، في نقد ولعن ومهاجمة كل شيء، الا الطاغية وكتائبه ونظامه. ناهيك عن المرتزقة من رؤساء الدول امثال بوتفليقة وشافيز وكاستروا، وقد نهض الاخير من قبره هذه الايام، ودافع عن الطاغية، وهو الذي علم معمر، في السبعينيات، عندما زار ليبيا، كيف يذبح الليبيين في الشوارع علنا. بل تقفل افواه روسيا وكوبا وفنزويلا، وغيرهم من اولياء الطاغوت، الذين لا يتحدثون الا عن الناتو، ولا يلقون بالا لمذابح الكتائب المجنونة، وكأن الليبيون لا يعتبرون من البشر.
بل نشط النظام المنهار ايضا، في استغلال وترسيخ هذا المنزلق الخطير، اي الانتقال من خطاب الثورة الى خطاب الازمة. فكثف هو الاخر من التصريحات، والمبادرات، والمفاوضات، والاجتماعات، والاتصالات الزائفة. وكثف، ايضا، من محاولات شق الصف واثارة القلاقل والفتن والنعرات. خطوات ومحاولات وجهود، ما كان للنظام المنهار ان يقوم بها، لو طغى صوت الثورة على غيره من الاصوات.
وبالطبع، لا يعني ما سبق، ان نتجاهل المستجدات، او نجمدها، او نغض الطرف عنها، فالاحداث والوقائع والازمات والخلاف والخلافات، تكاد ان تبرز بصورة شبه دورية، وتكاد ان تكون ملازمة للثورات على مر التاريخ. فلابد ان نتعامل مع هذه المستجدات في وقتها، ولكن بترو وحكمة وهدوء وموضوعية وضبط للنفس، وبعد مشورة واتفاق ودراسة وتنسيق واجماع واستشارات، وبما يحسم الامر، في النهاية، وباية طريقة، في صالح الثورة والمقاتل والثوار، مهما كان حجم المستجدات، ومهما بلغت شدة الازمات، التي قد تواجهها الثورة، او قد يواجهها الثوار.
الاولوية اذا للثورة والثوار وللمقاتلين وللاسرى وللمناطق غير المحررة، وذلك حتى لا يعبث بنا الجدل، من جهة، وحتى لا نحول ثورتنا وبايدينا، الى ازمة سياسية، يخوض فيها الخائضون من مرتزقة الالسنة والسياسة والاقلام والاعلام، وحتى لا يوظف الطاغية وجنده ونظامه المنهار، هذا الامر، بما يحلو له، مما يسمم ابداننا واسماعنا وارواحنا، وحتى لا نبدأ في التآكل من داخلنا، فنتفرس في بعضنا البعض، بدلا من ان نتفرس في اعداء البشر، معمر واعوانه ومن والاه.
ثم والاهم من كل ذلك، حتى يستمر وهج الثورة والثوار، الى ان يتحرر كل شبر من ارض ليبيا الحبيبة من براثن هذا الطاغوت. وحتى ذلك الحين، لابد ان تتوحد جهودنا المعنوية والسياسية والاعلامية والعسكرية، وان نخرج من مستنقع الجدل، ونعود الى وهج الثورة والحرية والثوار، والله ولي التوفيق.
د. فتحي الفاضلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق