الخميس، أغسطس 11، 2011

ليبيا بعيون وقلوب التونسيين

نحن لا نتعاطى مع مشكلات الحياة وزخمها إلا انطلاقا من ذواتنا فكيف تبدو ليبيا اليوم للتونسيين وهي تصنع ملحمتها بالثمن الرهيب الذي نعرف ولا نعرف.

ليبيا المفاجأة
كم أخطأنا التقييم في تونس لأشقائنا وقد ظنناهم يوما غبار أفراد وقبائل ارتضوا العيش تحت دكتاتورية حمقاء ومجنونة لا يحركون ساكنا ولا يقضون مضجع الدكتاتورية كما كنا نفعل في تونس ونحن شوكة في الحلق عبر ما كنا نخلق من أحزاب ومن جمعيات مدنية. نعم كم أخطأنا وكم أسأنا الظنّ لعمق جهلنا بأن تحت غطاء الشعب المسكين المستكين هناك جذوة لا تموت هي جذوة الحياة وجذوة القيم العربية الإسلامية. نعم لم نرى إلا السطح الساكن ولم نكن حتى نتصوّر غليان البركان الذي سينفجر يوما في وجه الطغيان والطاغية.

ليبيا الملحمة
كم كنا نودّ أن نرى الدماء الزكية في شرايينها بدل أن نراها مسكوبة على الأرض ، كم كنا نودّ أن نرى الثورة الليبية تأخذ نفس الطريق الذي أخذته الثورة في تونس ومصر ، لكن الغباء والتعنت والخوف من المحاسبة جعل النظام يختار المواجهة مع شعب ظنه مستسلما وليس مسالما. هنا ينتفض أحفاد عمر المختار لكرامتهم ولحقوقهم ليلقنوا هذا الطاغية ومن سينسجون يوما على منواله أنه لا قاهر لشعب أراد الحياة. يا للبطولات الخارقة التي يأتيها هذا الشعب الأعزل وهو يواجه آلة دمار جهنمية شكلت ولا تزال جيش احتلال داخلي وليس كما كانت الأبواق المأجورة جيشا وطنيا. إنها الملحمة الرائعة لشعب من المواطنين ضدّ جيش من المرتزقة وإنها لأسطورة ستروى سنينا وعقودا وقرونا عن تلك السنة وتلك الأيام التي كسر فيها شعب أراد الحياة كل قيوده معطيا أروع صور الشجاعة والتضحية.

ليبيا الحامية لظهرنا
نعم نحن مدينون في تونس لأشقائنا الليبيين ببقاء ثورتنا إلى اليوم فلولا انتفاضتهم لاستفرد بنا الطاغية وهو أول من يعلم أن ثورة ديمقراطية ناجحة على أبوابه خطر ماحق يجب التخلص منه. ولولا الثورة الليبية لما توقف الطاغية عن الدس والتحريض والتمويل والتسليح لكي نسقط من جديد في براثن أصدقائه القدامى الذين فتحوا له ولأبنائه أبواب الفساد بكل أنواعه في بلادنا فرحم الله شهدائنا نحن الشعبان عبد التونسيون بدمائهم طريق الحرية في ليبيا وعبّد الليبيون بدمائهم طريق الحرية في تونس.

ليبيا الأهل والأحباء
سنة 1911 –سنة 2011. قربت المحنتان بين شعبينا وكل شعب يكتشف في مرآة الآخر أحسن ما فيه. اكتشفنا نحن التوانسة في الحقبتين المفصليتين من تاريخ ليبيا أننا لسنا بالبشاعة التي نشيعها عن أنفسنا بل أننا نعرف معنى التضامن والأخوة وأن فينا من يذهب إلى حدّ التسليم في بيته للشقيق التي ضاقت به السبل. هكذا أهدانا الليبيون في الأزمتين فرصة لنتصالح مع صورتنا وكم نقسو أحيانا على أنفسنا فلا نرى إلا عيوبنا نشهّر بها طول الوقت ويجب أن تأتي كبرى الأزمات والمحن لنكتشف التبر الذي في التراب فشكرا لليبيين وقد صالحوا مرتين مع أنفسنا.

ليبيا مستقبلنا المشترك
نعم ليس لتونس مستقبل في تونس مثلما ليس لليبيا مستقبل في ليبيا و لمصر مستقبل في مصر و لأي قطر عربي أي مستقبل داخل حدود رسمتها أيادي خارجية وبعض أهواء التاريخ. يوم تتخلص ليبيا من الطاغية المشئوم فستكون بأمس الحاجة للأيادي العاملة وأين يمكن أن تجدها خارج تونس ومصر ومن البديهي أن ليبيا التي اكتشفت أن تونس هي حديقتها الخلفية وحصنها أيام الشدة ستجد في فضائها الرحب وفي طاقاتها ما يمكنها من التوسع والتعمق والترقي وهو نفس الأمر بالنسبة لكل الأقطار العربية وكل قطر بحاجة
لأوسع فضاء ممكن ليصرّف فيه شعره وأدبه وموسيقاه وصناعاته أو لكي يشعر بالأمن وهو لا يكون يوما إلا بالاحتماء بأوسع مجموعة بشرية ممكنة.
نعم مستقبلنا أن نبني اتحاد الشعوب العربية الحرة وواته الأولى مصر الديمقراطية وتونس الديمقراطية والجسر الرابط بينهما ليبيا الديمقراطية.
حفظ الله لتونس وللأمة هذا الجسر الهائل الرابط بين مشرقنا العزيز ومغربنا الحبيب وتحيى ثورة الشعب الليبي الهمام والمجد والخلود للشهداء الأبرار أبناء وتلامذة ذلك العلم الشامخ في تاريخ ليبيا والأمة العملاق المسمى عمر المختار.

د. منصف المرزوقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق