الأحد، يناير 15، 2012

ألف "لماذا؟"... والأجوبة غائبة....عبد الرحمن الشاطر

تتواتر أسئلة (لماذا؟) كلما دارت عجلة الأيام ما بعد تحرير ليبيا من قبضة النظام السابق المستبد.
في أشهر الثورة ومع احتدام المعارك وسقوط الشهداء.. كان الإجماع الوطني على أداء المجلس الوطني الانتقالي المؤقت ومكتبه التنفيذي متحققا في أبهى صوره.. وكان الإجماع على سرايا الثوار لا تشوبه شائبة.. وكان التأييد لكل عمل عسكري أو حراك سياسي يصب في مصلحة وهدف إنجاح الثورة متفق عليه ويلقى تأييد الجميع.
كان الكلام وكانت التصريحات وكانت التحليلات والمداخلات تصب في نهر واحد.. نهو إدانة النظام السابق المتعسف وتأييد الحراكين السياسي والعسكري لاجتثاثه من جذوره.
وقبل أن تحرر ليبيا بالكامل.. كانت هناك وعود بالشفافية واستكمال عضوية المجلس الوطني الانتقالي المؤقت لتشمل كافة المدن المحررة.. وكان الوعد بأن الحكومة المؤقتة سوف لن تعلن إلا بعد استكمال شواغر العضويات في المجلس الوطني الانتقالي المؤقت.. ووعد بحل كافة المجالس المحلية وإعادة تشكيلها بالانتخاب..كانت هناك وعود بأن لا يشغل أعضاء المجلس الانتقالي أية مناصب حكومية.
كانت هناك خريطة طريق للانتقال بالبلد من حالة الثورة إلى حالة الدولة... كانت هناك وعود معسولة.. وعود مطمئنة.. وعود تبين أنها من نوع المخدر الذي يعطى لتسكين الأوجاع واحتمال الصدمات القلبية القادمة.

مشينا مع هذه الوعود تحت لواء سياسة "معليشي".. لنمنحهم الفرصة.. المرحلة تقتضي وجود عناصر برغم أنها قفزت، إلا أنها أعطت للثورة جسما يكون بمثابة الشكل القانوني ليضفي على الثورة الشرعية الدولية والمحلية.. كيان يلتف حوله الجميع سدا لأي فراغ سياسي يؤدي إلى إجهاض الثورة واعتبارها مجرد حركة تمرد.
وبعد التحرير (طارت نشوة النصر.. وجاءت الفكرة) كما يقولون.
بدأنا نمحص الأمور ونراقب الأداء ونتمعن معاني وخلفيات التصريحات وانطباقها على أرض الواقع.. بدأنا ندقق في كل حركة وسكنة.. ليس من باب تصيد الأخطاء.. وإنما من باب الحرص على سلامة الأداء.
وحيث جاءت الفكرة.. فقد بدأت جموع الشعب تكتشف مذاق العسل المر.. فلا المجلس الوطني الانتقالي نظف صفوفه من أتباع القذافي وبالتالي استكمل كافة أعضائه.. ولا المجالس المحلية حلت وأعيد انتخابها.. ولا السرايا المسلحة انخرطت في سلكي الدفاع والداخلية.. ولا امتنع بعض من أعضاء المجالس الانتقالي من الانتقال إلى احتلال مناصب وزارية وسفارات.
الأدهى من ذلك أن الشفافية غابت.. فقد وعدنا بأن يتم البث المباشر عبر الفضائيات لمداولات المجلس الانتقالي.. ولم يحدث.. ووعدنا بأن تنشر السير الذاتية لأعضائه ولم يحدث.. ووعدنا بحكومة مؤقتة عمرها ثمانية أشهر تعمل على تأهيل مؤسسات الدولة، فإذا بها تتصرف كحكومة دائمة تخطط للسنوات القادمة.. وتبحث مع الدول والشركات تفاصيل مشاريع الأعمار وهو ليس من اختصاصها.. ويعد رئيس المجلس الوطني الانتقالي الدول التي يزورها بأنه سوف يمنحها الأولوية في الاستثمارات الليبية.. ويعد الوزراء وكبار الضيوف الأجانب.. بأن ليبيا الجديد سوف تعطي لكل منهم الأسبقية في الاستثمارات.. مجلس يعطي الوعود وكأن ليبيا هي أغنى دولة في العالم في حين أنها تعاني أزمة بل أزمات مالية واقتصادية شديدة الوطأة وخانقة إلى درجة الموت.. لدينا مائة وسبعون مليار دولار مجمدة في شكل أصول ثابتة ومنقولة.. وعلينا التزامات توازيها أن لم تفوقها في شكل التزامات سابقة ومخالفات سوف نحاسب عليها وفوائد وغرامات علينا دفعها واستثمارات تتآكل بفعل تقلبات العملات الأجنبية ( الدولار واليورو ) فضلا عن الانكماش الاقتصادي الذي تعاني منه أغلبية دول العالم حيث تتواجد استثماراتنا. وحتى لو سيلنا الأصول الثابتة فإننا ما نجمعه نقدا في حدود 170 مليار دولار لن تفي بشئ من الواجب الإيفاء به.
في ظل هذا المناخ السياسي والاقتصادي الخانق.. يعدنا مصرف ليبيا المركزي أنه بإمكان الفرد أن يسحب من حسابه ألفي دينار يوميا.. ونذهب للمصرف.. وبالكاد نتحصل على سبعمائة وخمسون دينارا في الشهر. بل أن مصرف المصارف يغدق علينا الوعود بإمكانية الحصول على العملة الصعبة التي أصبحت – عملة صعبة - بفتح العين.
وثالثة الأثافي.. يصدر لنا المجلس الوطني الانتقالي إعلان دستوري معيب بعد أن رفض إعلان دستوري رصين.. وزاد في الاستخفاف بالمواطنين.. فقدم لهم مسخرة مشروع قانون انتخاب المؤتمر الوطني.. بعد أن رفض مقترح القانون الذي صاغته لجنة الصياغة.
لماذا يفعل بنا المجلس الوطني الانتقالي المؤقت كل هذه الأفعال؟.. لماذا يصدر لنا أسوأ إعلان دستوري لا يكتبه طلبة سنة أولى حقوق.. وقانون للانتخابات لا يصيغه طلاب الثانوية العامة؟
لماذا يتبرع المجلس الوطني الانتقالي المؤقت بتقديم وعود الاستثمارات للدول الأخرى وهو يعلم أنه غير باق في سدة الحكم؟ لماذا يستنسخ سياسة القذافي لحشد التأييد الخارجي له ويتجاهل الشارع الليبي؟
ولماذا لا يتحدث عن توجيه الأموال الليبية لاستثمارها في الداخل لمعالجة مختنقات الاقتصاد الوطني البائس.. والبطالة المتفاقمة.. والبنية التحتية المنعدمة؟
ألف.. لماذا.. يمكن أن تطرح على أداء المجلس الوطني الانتقالي المؤقت وحكومته المؤقتة أيضا.
المشهد السياسي الآن في ليبيا غير طبيعي على الإطلاق.. هناك توتر شديد.. هناك احتقان يتراكم..هناك شارع يزداد غليانا كل يوم.
أحد عشر ألفا أو يزيد من الاعتراضات على مسخرة قانون الانتخاب الذي طرح. لماذا يطرح هذا القانون من الأصل وبه كل هذه العيوب.. هل بلغ مستوى الإدراك بأعضاء المجلس هذا الحد من الضحالة ؟.. أم أن سيادة المستشار وهو رجل القانون والقضاء لم يطلع عليه؟ أم أن هناك طابورا خامسا في هذا المجلس يسعى إلى إرباك التحول من الثورة إلى الدولة انتصارا لقائدهم المقبور؟.. أم أن هناك طبخة يطبخها هذا المجلس لهذه الدولة لن تكون في صالحها؟ أم أن هناك تدخلات أجنبية غير مدركة لوعي الشارع الليبي هي التي تملي على هذا المجلس ما تمليه عليه وهو يقبلها صاغرا غير مدقق في تفاصيلها وردود الأفعال التي سوف تنجم عنها؟
أسئلة كثيرة يمكن أن نثيرها.. وقد أثارتها أقلام عدة في وسائل الإعلام المختلفة.. وناقشتها ندوات ومحاضرات وورش عمل خلال الأشهر ما بعد التحرير الكامل..ولكن المضي بإصرار في ارتكاب الأخطاء على مستوى القرارات وإصدار القوانين وإلقاء التصريحات.. كل هذه تكشف لنا أن مستوى المجلس الوطني الانتقالي متخلف إلى حد كبير.. متخلف عن وعي الشارع.. وطموحات الثورة والثوار..ولذلك طالبت الميادين العامة : الشجرة في بنغازي والجزائر في طرابلس والشهداء في الزاوية وكذلك في مصراته ومدن الجنوب بضرورة تصحيح مسار الثورة، ليس تفاديا لسرقتها بل لاستعادتها من السرقة التي تمت بالفعل..

المصدر: ليبيا المستقبل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق